فوائد النسيان
النسيان على أنواع
فهناك نسيان ضار ليس هو الذي أقصده
فكثير من الناس يشكون من أنهم ينسون ويسألون باستمرار عن علاج للنسيان
وحقا أن للنسيان مساوئ كثيرة ومع ذلك فلكي ننصفه نقول أن هناك
ولا شك فوائد للنسيان
فمن الخطأ طبعا أن ينسي المرء واجباته الدينية ، أو واجباته العالمية ومن الخطأ أن ينسي عهوده ووعوده ومواعيده ... ومن الخطأ أن ينسي فضل الناس عليه ...
أو ينسي بالأكثر احسانات الله له ..........
علي أن النسيان ليس كله شرا ، لقد سمح الله به من أجل نفع الإنسان وفائدته
لو أحسن الإنسان استخدامه... فالإنسان الحكيم يعرف متي ينبغي أن يذكر
ومتي ينبغي أن ينسي فلا ينسي حيث يجب التذكر .. ولا يتذكر حيث يجب النسيان
فمن فوائد النسيان مثلا أن ننسي إساءات الناس إلينا .... ننساها لكي نستطيع أن
نصفح وأن نغفر ... وننساها لكي لا يملك الغضب علي قلوبنا من جهتها ...
ننساها لكي نهرب من شيطان الحقد ومن شيطان الكراهية
الذي ينسي أخطاء الناس له يمكنه أن يحب الجميع ويملأ السلام قلبه من جهة الكل
ويستطيع أن يقابل كل أحد ببشاشة ولا يختزن في قلبه شرا من جهة أحد لذلك أن أساء أليك أحد لا تحاول أن تسترجع في ذهنك أساءته إليك ولا تجلس مع الناس وتحدثهم عما فعله بك هذا المسئ ... لا تفكر في هذا الموضوع
ولا تتكلم فيه لئلا يرسخ في ذاكرتك وفي قلبك ... ويتعبك ...
ولا تنس فقط أخطاء الناس إليك أنما أنس أخطاءهم عموما ... لو تذكرت
علي الدوام أخطاء الناس لأسودت صورتهم ف ي نظرك ولعجزت عن أن تجد لك
في الناس صديقا كل الناس لهم أخطاء ولو تذكرنا لكل واحد أخطاءه لما أستطعنا أن
نتعامل مع أحد ، وربما يدخل الشك إلي قلوبنا من جهة الناس جميعا ، وربما لا نستطيع
أن نتكلم باحترام مع كل أحد ....
أن الله لا يضع أخطاءنا علي الدوام أمام عينيه .... فلنفعل هكذا مع الناس
يقول لنا الإنجيل المقدس " بالكيل الذي به تكيلون ... يكال لكم ويزاد "
ليتنا أذن ننسي أخطاء الناس لكي ينسي الله أخطاءنا ، وفي نفس الوقت الذي ننسي
فيه أخطاء الناس ينبغي أن نذكر خطايانا الخاصة .... لكي نصل إلي
حياة الاتضاع قال القديس الأنبا أنطونيوس
" أن ذكرنا خطايانا ، ينساها لنا الله ... وأن نسينا خطايانا ، يذكرها لنا الله "
أذن أذكر خطاياك ... وانس خطايا غيرك .... فأن هذا يقودك إلي الاتضاع
والي المحبة أما الإنسان المتكبر أو غير المحب فأنه علي العكس دائما
ينسي نقائصه الخاصة ودائما يذكر أخطاء غيره ... وقد يتحدث عن خطايا الناس
ويتضايق أن تحدث الناس عن خطاياه ...
كذلك من النسيان النافع أن تنسي فضائلك ، أو تنسي الأعمال الحسنة التي شاءت
نعمة الله أن تعملها علي يديك .... إن عملت خيرا أو أن عمل الله خيرا بواسطتك
فالواجب عليك أن تنسي ما عملته لا تذكره ولا تتذكره لئلا يوقعك هذا الأمر في
الإعجاب بالنفس أو في الكبرياء وأيضا لكي لا تجلب لنفسك مديحا من الناس يضيع
معه أجرك في السماء إذ تكون حسبما يقول الإنجيل
" قد استوفيت خيراتك علي الأرض "
الذي يعمل خيرا عليه أن يخفي الآمر ليس عن الناس فقط إنما حتى عن نفسه هو
بالنسيانوفي هذا يقول السيد المسيح
" وأما أنت قمتي صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعله يمينك ، لكي تكون صدقتك
في الخفاء فأبوك الذي يري في الخفاء هو يجازيك علانية "
حقا أن الذي يذكر فضائله أو يظهر فضائله أنما يقع في الغرور ويفقد ثوابه لذلك انس
الخير الذي تعمله وان ألح عليك الفكر في تذكره أو أن تكلم الناس عنك فأنسب ذلك
إلي نعمة الله وعمله لا إلي نفسك ...
ومن فوائد النسيان أن تنسي المتاعب والضيقات
أحيانا يكون التفكير في الضيقة أشد إيلاما وضررا من الضيقة ذاتها اجعل الضيقات
خارجك لا داخلك لا تسمح بدخول الضيقات في فكرك أو في قلبك لئلا تتعبك
حاول أن تنساها وان ألح عليك الفكر ولم تستطع أن تنسي حاول أن تنشغل بالقراءة
أو بالعمل أو بالحديث مع الناس لكي تنسي
وعندما تنسي ضيفاتك ومتاعبك وآلامك ستدرك أن النسيان نعمة وهبها لنا الله
وستشكر الله الذي جعلك تنسي ... أليس أن الأطباء يقدمون للمرضي المتعبين بأفكارهم
ومشاكلهم النفسية أدوية لكي تشتت تركيز أفكارهم فينسون ... وهكذا يحاول الإنسان
أن يشتري النسيان بالطب والدواء والمال !!!!
مبارك هو الله الذي يهب النسيان مجانا لمحبيه
انس المتاعب إذن والهموم ... لأن تذكرها يجلب الأمراض النفسية والعصبية وأمراضا
أخري باطنية مثل القرحة والضغط وأمراض كثيرة
من فوائد النسيان أيضا أن ينسي الإنسان المعثرات التي تجلب له الخطية
فقد يقرأ شاب قصة بذيئة ... أو يري منظر خليعا ... أو يسمع كلاما مثيرا ...
وان لم ينس كل هذا تظل هذه الأمور حربا علي فكره تضيع نقاوة قلبه
ومن الخير له أن ينسي وقد يقع شاب في مشكلة عاطفية ويحاول من أجل
راحة قلبة أن ينسي وان استطاع يعترف إن النسيان نعمة عظيمة ...
لذلك حاول أن تنسي كل ما يعكر نقاوة قلبك ... لا تجلس وتفكر في أي أمر
ينجس ذهنك أو مشاعرك ... إنما إن عبر شئ من هذه الأمور عليك لا تستبقيه
ولا تعاود التفكير فيه لكي تنساه
ومن فوائد النسيان أيضا أن تنسي التافهات لكي تبقي في ذهنك الأمور الهامة النافعة
لك ولغيرك .... تصور مثلا لو إن إنسانا تذكر ما يمر عليه طوال يومه أو طوال أسبوع
أو شهر من كل الأمور التافهة التي تختص بالأكل والشرب وأحاديث الناس ومناظر
الطريق وأيضا كل القراءات وكل الأحداث مثل هذا الشخص لا تحتمل طاقة فكره
أن تخزن المعلومات الأزمة له والأساسية ... لذلك يسمح الله أن ننسي التافهات لكي
تبقي في ذهننا الأمور الهامة فقط ...
تصور مثلا إذا أردت أن تصلي وجاءت إلي ذاكرتك كل الأخبار والأحاديث التي عبرت
عليك في يومك !!!! هل تستطيع حينئذ إن تركز فكرك في الصلاة ... كذلك أن أراد أحد
أن يذاكر درسا ... أو يكتب بحثا ... أو أن يناقش موضوعا هاما ، أتراه يستطيع ذلك
وفي ذهنه كل التافهات التي عبرت عليه في يومه أليس من صالحة أن ينساها ؟!!!
إن النسيان إذن عملية غربلة حيوية تغربل في ذهن وفي الذاكرة جميع المعارف
والمعلومات والمناظر والسماعات والأخبار ... فتستبقي منها النافع وتترك ما لا يفيد
حاولوا إذن أن تتحكموا في ميزان ذاكرتكم ... ولا تستبقوا فيها إلا كل ما يفيدكم
أما الباقي فانسوه .. فلمثل هذا أوجد الله النسيان .....
