الجليس الصالح وكيف نختاره
جليسك الصالح يشعر بشعورك، ويعتني بشؤنك ويهتم بأمورك يفرح بفرحك ويحزن لحزنك، ويسر بسرورك، يحب لك ما يحب لنفسه ويكره لك ما يكره لنفسه وينصح لك في مشهدك ومغيبك، يأمرك بالخير وينهاك عن الشر ويسمعك العلم النافع والقول الصادق والحكمة البالغة ويحثك على العمل الصالح المثمرويُذَكَّرك نعم الله عليك لكي تشكره ويُعَرفك عيوب نفسك لكي تجتنبها ويشغلك عما لا يعنيك. وهكذا أستاذك الصالح يجهد نفسه في تعليمك تفهيمك وإصلاحك وتقويمك يطالبك بالعمل وينتظر من ظاهرك ثمرة ما يغرس في باطنك إذا غفلت ذكَّرك،
وإذا أهملت أو مللت بشَّرك وأنذرك، وليس في الجلساء من ينفعك خيره ويضرك شره كالأستاذ الذي يُعَدُّ لك أباً ثانياً، وكما يكون هو تكون أنت، والجليس الصالح يسد خلتك ويغفر زلتك ويقيل عثرتك، ويستر عورتك، وإذا اتجهت إلى الخير حثك عليه ورغبك فيه وبشرك بعاقبة المتقين وأجر العاملين وقام فيه معك وكان لك عوناً عليه، وإذا تكلمت بسوء أو فعلت قبيحاً زجرك عنه ومنعك منه وحال بينك وبين ما تريد. جليسك الصالح لا يمل قربك ولا ينساك على البعد،
وإن حصل لك خير هنأك وإن أصابتك مصيبة عزاك، يسرك إذا حضرت بحديثه ويرضيك بأفعاله ويحضر بك مجالس العلم وحلق الذكر وبيوت العبادة ويزين لك الطاعة بالصلاة والصيام والإنفاق في سبيل الله وكف الأذى واحتمال المشقة وحسن الجوار وجميل المعاشرةويقبح لك المعصية ويُذَكَّرك ما يعود به الفساد عليك من الويل والشقاء في عاجل الأمر وآجله.
ومازال ينفعك ويرفعك ويزجرك ويردعك حتى يكون كبائع المسك وأنت المشتري ولصلاحه ونصحه لا يبيع عليك إلا طيبًا ولا يعطيك إلا جيداً، وإن أبيت الشراء طيبك وصب عليك العطر فلا تمر بشارع ولا تسلك طريقاً إلا وعبق منك الطيب وملأت به الأنوف؛ وأولئك هم القوم لا يشقى بهم جليسهم تنزل عليهم الرحمة فيشاركهم فيها ويهمُ بالسوء فلا يقوله ولا يستطيع فعله إما مخافة من الله وإما حياء من الناس.
فالخير الذي تصيبه من جليسك الصالح أبلغ وأفضل من المسك الأذفر فإنه إما أن يعلمك ما ينفعك في دينك ودنياك أو يهدي لك نصيحة أو يحذرك من الإقامة على ما يضرك؛ فيحثك على طاعة الله وبر الوالدين وصلة الأرحام ويدعوك إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها بقوله وفعله وحاله؛ فإن الإنسان مجبول على الإقتداء بصاحبه وجليسه والطباع والأرواح جنود مجندة يقود بعضها بعضاً إلى الخير أو إلى ضده
وفي الحديث: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» رواه أبو داود والترمذي وحسنه. وفي الحكمة المشهورة: لا تسأل عن المرء واسأل عن قرينه.
وأقل ما تستفيده من الجليس الصالح أن تنكفَّ بسببه عن السيئات والمعاصي رعاية للصحبة ومنافسة في الخير وترفعًا عن الشر، وفوائد الأصحاب الصالحين لا تعد ولا تحصى وحسب المرء أن يعتبر بقرينه وأن يكون على دين خليله.