تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ(وحكمة للتأمل)
﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ﴿1﴾ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ﴾ ... [الفرقان: 1ـ 2].والتبارك: تفاعل من البركة، يوحي بالزيادة فيها والفيض والرفعة جميعًا. ولم يذكر لفظ الجلالة واكتفى بالاسم الموصول ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ ﴾ لإبراز صلته وإظهارها في هذا المقام؛ لأن موضوع الجدل في السورة هو صدق الرسالة، وتنزيل القرآن.
وسماه الفرقان، بما فيه من فارق بين الحق والباطل، والهدى والضلال بما فيه من تفرقة بين نهج الحياة ونهج، وبين عهد للبشرية وعهد.
ومرة أخرى لا يذكر لفظ الجلالة، ولكن يذكر الاسم الموصول لإبراز صلته الدالة على صفات يراد توكيدها في هذا المقام.
﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾.. فله السيطرة المطلقة على السماوات والأرض. سيطرة الملكية والاستعلاء، وسيطرة التصريف والتدبير وسيطرة التبديل والتغيير.
﴿ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ﴾.. فالتناسل ناموس من النواميس التي خلقها الله لامتداد الحياة؛ وهو سبحانه باق لا يفنى، غنى لا يحتاج.
﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ﴾ .. وكل ما في السماوات والأرض شاهد على وحدة التصميم، ووحدة الناموس، ووحدة التصريف.
﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ﴾. قدر حجمه وشكله، وقدر وظيفته وعمله. وقدر زمانه ومكانه. وقدر تناسقه مع غيره من أفراد هذا الوجود الكبير.
وإن تركيب هذا الكون وتركيب كل شيء فيه، لما يدعو إلى الدهشة حقًا، وينفي فكرة المصادفة نفيًا باتًا. ويظهر التقدير الدقيق الذي يعجز البشر عن تتبع مظاهره، في جانب واحد من جوانب هذا الكون. وكلما تقدم العلم البشري وكشف عن بعض جوانب التناسق العحيب في قوانين الكون ونسبه ومفرداته اتسع تصور البشر لمعنى ذلك النص القرآني الهائل: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ﴾