آية {الآن حصحص الحق }
نخبركم الآن
عن السر المباح .. والبوح المستباح والجراح .. والأنين والشجن .. والنار أهون ..
من صاحبنا الذي عزمنا عن القول فيه مقالا يرضي ربنا ..
ولست أدري أينتهي بنا المقام عند الجمال اليوسفي .. أم الجمال المحمدي ..؟؟!
وكلامها جمالٌ سرمدي ..
وما الفرق بين هذا وذاك إلا كالفرق بين الشطر والكل ..
ولنبدأ من هناك من عند زليخا المراكشية بنت سلطان المغرب و كانت من أجمل النساء..
و التي رأت فيما يرى النائم غلاما على أحسن ما يكون من الحسن والجمال فسألت عنه ؟؟!!
فقال : أنا عزيز مصر فلما استيقظت افتتنت بما رأت في الرؤيا وأدى ذلك إلى تغير حالها ولكنها كتمت حالها عن الأغيار دهرا .
وقد كثر خطّابها من ملوك الأطراف فأبت إلا عزيز مصر فجهزها أبوها بما لا يحصى من العبيد والجواري والأموال
وأرسلها مع حواشيه إلى جانب مصر فاستقبلها العزيز بجمع كثير في زينة عظيمة ...
فلما رأته زليخا علمت انه ليس الذي رأته في المنام ...
فأخذت تبكى وتتحسر على ما فات من المطلوب ...
فسمعت من الهاتف لا تحزني يا زليخا فان مقصو دك إنما يحصل بواسطة هذا .
وكان ما كان من حسد الإخوان ووصول يوسف إلى مصر بالعبودية فلما رأته زليخا علمت انه الذي رأته في المنام
.وهنا يبدأ المقام والكلام عن صاحبنا .. فهو لم يمس القلب بل مس شغاف القلب .. " قد شغفها حبا " ..
وهنا يظهر سيد الحسن والجمال .. بديع المحيا بهي الطلعة ابن يعقوب .. المسمى بيوسف النبي صلى الله عليه وسلم ..
روى- عن ابن عباس انه قال :
كان يوسف إذا تبسم رأيت النور في ضواحكه ...
وإذا تكلم رأيت شعاع النور في كرمه يذهب من بين يديه ولا يستطيع آدمي أن ينعت نعته .
فلما رأته زليخا قالت : يا يوسف ما أحسن عينيك .
قال : هما أول شيء يسيلان إلى الأرض من جسدي .
قالت : ما أحسن وجهك .
قال : هو للتراب يأكله . قالت : ما أحسن شعرك . قال : هو أول ما ينتشر من جسدي .
قالت : إن فراش الحرير مبسوط فقم فاقض حاجتي . قال : إذاً يذهب نصيبي من الجنة .
قالت : إن طرفي سكران من محبتك فارفع طرفك إلى حُسنى وجمالي .
قال : صاحبك أولى بحسنك وجمالك مني {قالت :هيت لك ، قال : معاذ الله } .
فقالت له يا يوسف : إنما صنعت هذا البيت المزين من اجلك ..أقبل فهذا بيت السرور.
فقال يوسف يا زليخا : إنما تدعيتنى للحرام وحسبي ما فعل بي أولاد يعقوب ألبسوني قميص الذل والحزن...
يا زليخا إني أخشى أن يكون هذا البيت الذي سميته بيت السرور بيت الأحزان والثبور وبقعة من بقاع جهنم .
ثم ما كان إلا أن ...{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} وخالص الحقيقة في هذا المعنى في تلك الهمتين :
إن همت زليخا سبقت على همت يوسف وحسن يوسف سبق بجذب قلب زليخا وهمتها إلى معدنه لان عشق زليخا وحسن يوسف صفتان صادرتان من المعدنين الأزليين
وهما صفة جمال القدم ومحبة الأزل فصارت الهمتان بعضها من بعض
فهاج همت الجوهر إلى الجوهر والفطرة إلى الفطرة والطبيعة إلى الطبيعة والإنسانية إلى الإنسانية .....
والروحاني إلى الروحاني والإلهي إلى الإلهي
فصارت جميعها بوصف الهمتين متحيرة حتى صار شخصهما وسوادهما وخيالهما وعقلهما وقلبهما وروحهما وسرهما واحدا فى واحد ..
فروحاهما روح وقلباهما قلب .
ولهذا المقام أربعة ألقاب ثالثهم صاحبنا فمنها :
الحب :
وهو خلاصته إلى القلب وصفاؤه عن كدرات العوارض فلا غرض له ولا إرادة مع محبوبه .
واللقب الثاني الود :
وله اسم إلهي وهو الودود والود من النعوت وهو الثابت فيه وبه سمى الودود للثبوتية في الأرض
.
واللقب الثالث (صاحبنا )العشق :
وهو إفراط المحبة وكنى عنه في القرآن بشدة الحب في قوله " والذي أمنوا أشد حباً "
ومنها قوله تعالى :
" قد شغفها حباً " أي صار حبها يوسف على قلبها كالشغاف وهي الجلدة الرقيقة التي تحتوي على القلب .
واللقب الرابع الهوى :
وهو استفراغ الإرادة في المحبوب والتعلق به في أول ما يحصل في القلب ...
وليس لله منه إسم ولحصوله سبب نظرة أو خبر أو إحسان
وأسبابه كثيرة كثيرة ومعناها في الخبر الإلهي الصحيح حب الله عبده إذا أكثر نوافل الخيرات
وكذلك إتباع الرسول فيما شرع وهذا منزلته فينا مسمى الهوى قال بعضهم في الحب المولد عن الخبر
يا قوم أُذني لبعض الحي عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا
إن الله جميل يحب الجمال
كيف ينتهي الحديث عن الجمال ... والكون كله من صنع البديع ..
والجمال في اللغة هو : صفة تلحظ في الأشياء وتبعث في النفوس سروراً .
لهذا قال سبحانه :" فاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَميلَ ". وقال جل وعلا :"وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ .
وقال سبحانه : فَصَبْرٌ جَمِيلٌ " .وقال لنبية صلى الله عليه وسلم :" فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً " ."وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً " .
ويسمى المتصف بصفات الجلال إذا نسبت إلى البصيرة المدركة لها جميلا .
وفي جمالنا هذا تجلى القلوب بالأنوار والسرور والبشارة والأنس في حضرة القدس ..
وياحظ من يتجلى عليه الجميل فيلبسه من حلل الجمال أثواب الجلال وخلع التقى ..
فتزداد أنوار الوجه بالنور الساري من خلف الحجاب على أعتاب أنوار البهاء .
فيتصف صاحبه بنعوت الرحمة والرقة والرأفة والمحبة ..
ويستمد أنواره من الطلعة البهية الندية من الجمال المطلق و نور الوجه من دون الحجاب ..
أما الجمال الظاهر للخلق فهو جمال الجلال .. وهو أول مراتب التجليات الإلهية الثلاثة : الجمال والجلال والكمال ..
وفيها قال صاحبنا الحلاج :
رأيت ربي بعين قلبي .. ومقامه مقام شهود بقول الصوفي العارف : ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه ..
بسطوع النور الرباني في قلوب المحبين .
وفي الجمال يقول الشيخ أحمد الرفاعي
جمال القلب : بالخوف .
وجمال العقل : بالفكر .
وجمال الروح : بالشكر .
وجمال اللسان : بالصمت .
وجمال الوجه : بالعبادة .
وجمال النية : بترك الخواطر .
وجمال الفؤاد : بترك الحسد .
وجمال النفس : بالمخالفة .
وجمال السر : بالصبر .
وجمال الحال : بالاستقامة .
وجمال السير : بالتسليم .
وجمال الخدمة : بالأدب .
وجمال الكلام : بالصدق .
وجمال الطريق : بموافقة الشرع .
وجمال الكل : بتوفيق الله " .
ولأن الله جميل يحب الجمال فكان الناس على قسمين قسم ينظر إلى جمال الكمال ،
وهو جمال الحكمة ، فأحبه في كل شيء ، لأن كل شيء محكم وهو صنعة حكيم .
وقسم لم يبلغ هذه المرتبة ، وما عنده علم بالجمال إلا هذا الجمال المقيد الموقوف على الغرض
ولا حرج على القسم الأخير في ذلك ، فإنه أتى بأمر مشروع له على قدر وسعه " .
وجمال الجميل له معقول لقوله : " أنا عند ظن عبدي بي " .
ولهذا يقول الإمام القشيري :
" الله سبحانه وتعالى كاشف القلوب مرة بوصف جلاله ، ومرة بوصف جماله ،
فإذا كاشفها بنعت جماله صارت أحواله [ العبد ] عطشاً في عطش ،
وإذا كاشفها بوصف جلاله صارت أحواله دهشاً في دهش .
ومن كاشفه بجلاله أفناه ، ومن كاشفه بجماله أحياه . فكشف الجلال يوجب محواً وغيبة ..
وكشف الجمال يوجب صحواً وقربة . والعارفون كاشفهم بجلاله فغابوا ،
والمحبون كاشفهم بجماله فطابوا ، فمن غاب فهو مهيم ، ومن طاب فهو مقيم .
فالجلال إذا كوشف به العبد ، يفني عن نفسه في ذات الحق سبحانه ،
فينقطع عنه إحساس وجوده ، ويغلب عليه خشية الحق سبحانه
والتجرد من حوله وقوته إلى ربه ، فلا يحس إلا بوجود الله ،
فتحصل له حلاوة من الجلال والجمال يغيب فيها دون أن يدري ، ولا يوقظه منها إلا الله "
ويسمى الجمال الإلهي باللطف هو عبارة عن أوصافه العليا وأسمائه الحسنى وهو على نوعان :
النوع الأول معنوي :
وهو معاني الأسماء الحسنى والأوصاف العلا ، وهذا النوع مختص بشهود الحق إياه .
والنوع الثاني : صوري ،
وهو هذا العالم المطلق المعبر عنه : بالمخلوقات وعلى تفاريعه وأنواعه ، فهو حسن مطلق إلهي ظهر في مجال الهيئة
سميت تلك المجالي : بالخلق ، وهذه التسمية أيضاً من جملة الحسن الإلهي . فالقبيح من العالم كالمليح منه
باعتبار كونه مجلى من مجالي الجمال الإلهي لا باعتبار تنوع الجمال ، فإن من الحسن أيضاً إبراز جنس القبيح على قبحه لحفظ مرتبته من الوجود
كما أن الحسن الإلهي إبراز جنس الحسن على وجه حسنه لحفظ مرتبته من الوجود .
كما يقول الإمام الجيلي :
وإياك لا تلفظ بغيره في البها
فما ثم غيرٌ وهو فى الحسن بارع
وكل قبيح إن نسبت لحسنه
أتتك معانى الحسن فيه تسارع
ولا تحسبن الحسن ينسب وحده
إليه البها والقبح بالذات راجع
يكمل نقصان القبيح جماله
وما ثم نقصان وما ثم يانع
واعلم أن القبح في الأشياء إنما هو للاعتبار لا لنفس ذلك الشيء ،
فلا يوجد في العالم قبح إلا بالاعتبار ، فارتفع حكم القبح المطلق من الوجود
فلم يبق إلا الحسن المطلق . ألا ترى إلى قبح المعاصي إنما ظهر باعتبار النهي
وقبح الرائحة المنتنة إنما ثبت باعتبار من لا يلائم طبعه ، وأما هي فعند الجعل ومن يلائم طبعه من المحاسن ...
فما في العالم قبيح ، فكل ما خلق الله تعالى مليح بالأصالة ،
لأنه صور حسنه وجماله ، وما حدث القبيح في الأشياء إلا بالاعتبارات ...
وهناك ما يسمى بالجمال الجلالي : هو الذي يكون ظاهره جمالاً وباطنه جلالاً ، كالشهوات .
أما الجمال الحقيقي فهو صفة أزلية لله سبحانه .
و الجمال المطلق هو تجليه بوجهه لذاته .... فهو الجميل حبيبي سبحانه .