بسم الله الرحمن الرحيم
صحابي يشبه جبريل عليه السلام
نتكلم اليوم عن واحد من الصحابة المتميزين،وكلما بحثت في حياة الصحابة تكتشف أشياء كثيرة،تخيل أنت يأتيك أحد ويقول لك:فيك شبه من عمر ابن الخطاب؟أو أبي بكر؟أوحتى رسول الله؟ كيف تكون فرحتك؟كبيرة ولا شك،فما بالك لو قال لك:فيك شبه من جبريل،ويا ترى هل يعرف أحدنا شكل جبريل؟لكن هناك بالفعل صحابي بهذا الشكل،فما هي حكايته؟وما قصته مع جبريل؟.
صحابي اليوم هو:سيدنا دحية ابن خليفة الكلبي،فمن هو هذا الصحابي الجليل؟ دحية كان من قبيلة كلب في شمال الجزيرة العربية ناحية الأردن وهو من قبيلة سيدنا زيد ابن حارثة الكلبي،أسلم قديما وكان من السابقين إلى الإسلام،لم يشهد غزوة بدر لكنه شهد كل الغزوات بعدها،فما قصته مع جبريل؟
كان سيدنا جبريل لا يأتي إلى النبي في صورة بشر إلا في صورة دحية ،تخيل هذا؟ ليس هو من يشبه جبريل بل جبريل من كان يتشبه بصورة دحية،لأن الملائكة عندهم قدرة على التشكل والتمثل،فلو سيدنا جبريل لما يحب يتشكل في صورة آدمي من يختار؟كيف يكون الشكل؟جميل أم ذميم؟وهل ينفع يختار أحد ذميم وذو رائحة سيئة؟طبعا لا،فسيدنا دحية كان فعلا أجمل الصحابة شكلا،بل قالوا:كان من أجمل العرب ،وكان من أحسن الناس خلقا، ذو أخلاق حميدة بعد رسول الله طبعا،ولما نتكلم عن سيدنا دحية فنحن نتكلم عن واحد من الصحابة العاديين(خلي بالك) فلم نتكلم عن الأربعة الكبار أو العشرة المبشرين بالجنة،لكن الإمام مالك له رأي يقول فيه:أقسم أن دحية من أصحاب الجنة،فقالوا:يا مالك لم يثبث لنا حديث عن رسول الله أنه أخبر أن دحية من أصحاب الجنة؟فقال:وهل يتمثل جبريل في صورة رجل من أهل النار(رجاحة عقل مالك) ويقول أيضا: وما أرى ولعلي كاذب أي مخطأ:أن جبريل أول من يستقبل دحية الكلبي في الجنة(يوحشه) . تقول عائشة للنبي وهو يقف مع رجل: يا رسول الله ما بالك تطيل الوقوف مع دحية الكلبي؟وما بالك تأذن له في كل وقت ولا تحجبه ولا تمنعه؟ في أي وقت يدخل فيقيم النبي نساءه ،(فعائشة تستغرب،حتى أبو بكر عندما يأتي ويستأذن ممكن ترده وممكن تدخله،لكن كيف دحية يدخل كلما جاء ويقيم النبي نساءه )لماذا هو؟تفتح له في أي وقت من ليل أو نهار؟وتطيل الوقوف معه كثيرا؟وما أراك قط عبست في وجهه؟فقال النبيt:أور أيتيه؟قالت:نعم يا رسول الله،غير أني رأيت منه عجبا اليوم؟ قال:وما ذاك يا عائشة،فقالت:كان يلبس بردا أبيض،ووشاحا أبيض،ونعلا أبيض،وما رأيت دحية قبل ذلك يلبس أبيض إلا قليلا،فقال النبي:أبشري يا عائشة فإنما ذاك جبريل كان يخبرني بأمر ربي، قلت:إنما كان دحية؟ فقال:أجل ما كان جبريل يأتيني في صورة أحد من البشر إلا في صورة دحية ابن خليفة الكلبي ،فقالت عائشة:فمن يومها وكان لدحية في نفوسنا مكانا.
وفي يوم ذهب العباس إلى النبيt ومعه عبد الله ابنه( 7 سنوات) وكان الباب مفتوحا والنبيt جالس فطرق الباب واستأذن ثلاثا فما أذن له النبي وما التفت إليه،وكان في بني هاشم غضب وعصبية،فغضب العباس غضبا شديدا وأخذ بيد ابنه عبد الله وعاد غاضبا،فعبد الله قال له:يا أبتي ما أغضبك؟ فقال:وكيف لا أغضب وعم رسول الله(نسب نفسه لرسول الله)يستأذن عليه فلا يلتفت إلي،فقال عبد الله:لعله مشغول بالرجل الذي كان يجالسه ويحادثه؟فقال العباس:رجل يجالسه؟كيف؟ما يجالسه أحد؟قال:لا يا أبتي كان يجالسه دحية ابن خليفة الكلبي،قال:ما رأيته؟قال:أنا رأيته يا أبي،فقال العباس:لأرجعن،(لم يضرب ابنه ويقول له إنت بتكذبني)مع أن العباس كان رجلا طويلا جدا،إذا ركب الفرس تصل قدميه الأرض فكان يركب دائما الإبل،وكان ينادي على غلمانه من مسيرة ليلتين،وفي يوم صرخ العباس في مكة، كان يعارك فصرخ وكانت امرأة تطوف بالحرم فأسقطت جنينها فألزمه أهل قريش بالدية،ولذلك في غزوة حنين لما فر المسلمون من حول الرسول،أول ما نادى ،نادى على عمه العباس:يا عماه يا عباس نادي في الناس فأخذ العباس ينادي فسمعه الناس في مكة ينادي على المسلمين:ارجعوا،هلموا إلى رسول الله،
فرجعوا.فالعباس غضبان يقول لابنه:ما رآني وتقول أنه كان مع واحد،فرجعا وطرق العباس الباب فقام إليه النبي هاشا باشا فرحان بعمه،فقال العباس:عجبا يا ابن أخي جئتك منذ قليل واستأذنت عليك ثلاثا ولم تلتفت ويزعم الغلام أنك كنت تجالس دحية الكلبي وما رأيت معك أحد فما الأمر؟فتبسم النبيt وجثى على ركبتيه حتى صار في طول عبد الله وقال له:أو رأيت الذي كان يجالسني يا عبد الله ،قال:نعم يا رسول الله كان يجالسك دحية الكلبي يعتجر بعمامة خضراء،فعنقه النبي وقبله بين عينيه وقال:اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل،يا عماه ذاك جبريل كان يجالسني في صورة دحية الكلبي،أنعم الله على الغلام فرآه(لكن لماذا لم يره العباس)فقال النبيt:وحجب الغضب بصرك فلم تره يا عماه(ما قال له لم ينعم الله عليك)بل أراد أن يفهمه أن يقلل من غضبه ،فقال العباس بعدما فهم قصد النبي:والذي بعثك بالحق لا أغضب بعد ذلك أبدا.ولذلك لما قال عمر للرسولt:يا رسول الله أتنزل الملائكة لقرآن أسيد؟هل لأن صوته جميل أم ماذا؟فقال:يا عمر ما قرأ أحد من أمتي القرآن خالصا به قلبه إلا تنزلت الملائكة تستمع إليه فمنكم من يراها ومنكم من لا يراها(لذلك العباس هنا لم يراها ورآها ابنه عبد الله)وهذا من فضل الله.
ومن الأمور العجيبة،أن سيدنا دحية جرح في معركة الخندق في صدره وتلطخ قميصه بالدم،لكن بعد
انتهاء الغزوة رجع النبيt بيته وخلع ذرعه،فإذا به وكان معه علي وأبو بكر وفاطمة وعائشة يعني:أهل البيت جالسين فإذا بدحية يقتحم البيت على فرسه فجأة هكذا؟يشهر سيفا براقا في يده ويقول:يا رسول الله أنزعت ثيابك ووضعت الحرب أوزارها ،فقال النبي:أجل،فقال دحية:قم إلى بني قريضة وإني سابقك وإني مزلزل بهم الأرض،لاتصلين العصريا رسول الله إلا في بني قريظة،
فعلي يروي الحديث يقول:فتعجبت حتى أوشكت أن أفحش القول لدحية(كيف يدخل هكذا علينا في جلسة عائلية ودون استأذان،وكيف يأمر النبي بالخروج)فأمسكني النبيt فجلست وانصرف دحية فقال النبيt:ما بك يا علي؟قلت:يا رسول الله ،كيف لدحية أن يتجرأ ويدخل عليك بغير إذن،فقال:أورأيته؟قلت:نعم يا رسول الله رأيته يمتطي صهوة جواده،ثم نظر النبيt لأبي بكر وقال:وأنت يا أبا بكر أرأيته؟فقال:نعم يا رسول الله ولكني عجبت؟(أنظر الفرق بينه وبين علي) فقال النبيt:ومما عجبت يا أبا بكر؟فقال:ما كان لدحية حصان من قبل(من أين أتى به)وما رأيت الجرح الذي جرح به في صدره وقد ضمدته له بيدي،فتعجبت من هذين يا رسول الله،فقال النبي:أور آه أحد؟ففاطمة جالسة فقالت:ما بالكم؟تتحدثون عن خيال؟(لم تره) فقال النبي:ذاك جبريل سبقنا بالملائكة إلى بني قريظة، قوموا بنا،والرسول خارج من بيته بلباس الحرب وممتطيا فرسه وأبو بكر وعلي وراءه ،إذا بعمر قادم من جهتهم وهو يلهث:ما الأمر يا رسول الله؟فقال النبيt:وما الأمر أنت يا عمر؟فقال:لقيت دحية ابن خليفة الكلبي فغمزني بسيفه وقال لي:قم فأدرك رسول الله واحمل سلاحك،فقال النبيt:أوفعل؟قال :نعم فقال النبي:ذاك جبريل يا عمر وإنه سابقنا إلى بني قريظة. سيدنا دحية لم يحضر بدرا،و الحافظ ابن حجر يجزم أن دحية لم يشهد بدر،لكن بعض العلماء اختلفوا فقالوا:لقد شهد بدرا،واستشهدوا برواية علي الذي قال:رأيت دحية الكلبي يطارد أحد المشركين ما أراه إلا عمي العباس،لكن الصحابة الآخرين قالوا:لم يشهد دحية بدر،لكن ابن حجر العسقلاني قال:أجزم أن دحية الكلبي لم يشهد بدرا ولكن الذي رآه علي هو جبريل في صورة دحية ويستدل بحديث أسر العباس من عبد الله بن مسعود وسمرة ابن جنذب(ابن مسعود ضئيل الحجم وسمرة لم يتعدى العاشرة) قادمين بالعباس والحبل في رقبته،ولما جاء توزيع الغنائم وأخذ الفدية،قال ابن مسعود وسمرة:نحن أسرنا العباس يا رسول الله،فضحك العباس وقال:والله يا رسول الله ما يأسرني مثل هذين إنما أسرني رجل طويل،جسيم مهيب،ما إن رأيته إلا ووقع الفزع في قلبي فأغشي علي فما أفقت إلا وهذين يقتادانني وعجبت أنه كان دحية ابن خليفة الكلبي(معروف حتى في الجاهلية). ولذلك الأخبار عن هذا الصحابي قليلة جدا خصوصا والرسول حي ،لكن بعد وفاة الرسولt كثرة،لماذا؟لأن الصحابة الرواة كانوا في شك أدحية من يروي أم جبريل. وكان النبيt إذا لقي دحية يتبسم ويقوم إليه مستقبلا ويقول:مرحبا بشبيه أمين الوحي(مجازا لا قياسا لأن الملائكة لاشبه لها).
سيدنا دحية لما مات النبيt احتجب عن الناس واعتزل في بيته فذهب إليه أبو بكر وعمر فلم طرقا الباب وفتح لهما أخذ يبكي بكاءا شديدا،فقالا له:لم احتجبت عنا يا دحية؟فقال:والله ما أطيق إلى أن أنظر في وجوه تركها النبيt ومات،فقال أبو بكر:أتبخل علينا يا دحية أن ننظر في وجه كان يأتينا فيه أمين الوحي. وحتى عثمان لما مات دحية بكى عليه بكاءا مرا وما رأى الناس عثمان باكيا على أحد بعد رسول الله بكاءه على دحية ،فسئل:لم تقتل نفسك على دحية إنما هو من أصحاب رسول الله الذين ماتوا(مثل الآخرين) فقال:لا والله إنما أبكي على بقية أمين الوحي في الأرض(يبكي على الرائحة الباقية من جبريل). وقد ذهبت حاضنة رسول اللهt(أم أيمن بركة الحبشية)إلى دحية بعد وفاة الرسول وطرقت عليه الباب وكان معها أسامة بن زيد ففتح،فقالت له:يا دحية إني أستأذنك واستسمحك أن آتيك وقتما أشاء،فقال:لا آذن لك حتى أعلم ما وراءك؟فقالت:والله إذا استوحشني رسول اللهt جئت إليك فذكرتني بجبريل وبرسول الله فتهدأ نفسي.فقال لها:أهلا بك في كل وقت. والعلماء قالوا:أن أغرب ما ورد في الأحاديث وبسند صحيح ما رواه قثم ابن العباس الذي قال له ابنه:ما أعجب ما رأيت يا أبتي في الإسلام؟فقال:أعجب ما رأيت يوم كنا نواري جسد رسول اللهt في التراب فرأيت دحية الكلبي وتوأما له يقفان على شفا القبر وإذا بأحدهما ينزل إلى القبر يمسح على رأس رسول اللهt بيده ويقبلها ،فرويت ذلك لعلي وللعباس أبي فأخبراني أن ذاك جبريل كان يأتي في صورة دحية وما رأيته من قبل. وقد مات سيدنا دحية في خلافة معاوية وهو الذي صلى عليه وقال:والله ما أرى أن أهل الأرض أشد حزنا على دحية من أهل السماء،فكيف برجل كان يحبه جبريل ويأتي في صورته. سيدنا دحية كان يجيد التكلم بالغتين الإنجليزية واللاتينية،وكانت له علاقة حميمة وصداقة بهرقل قيصر الروم(تولى الحكم بين فترة610م/640م أي قبل البعثة بأربع سنين إلى 16هجرية،وكانت فترة حروب بين الروم والفرس،وهرقل هذا هو الذي انتصر على الفرس كما قالت سورة الروم،وأسقط إمبراطوريتهم ثم جاء خالد وأبو عبيدة وأجهزوا عليها.فسيدنا دحية استأذن النبيt (السنة3للهجرة) للذهاب في رحلة تجارة للشام،ثم بعد ذلك ذهب إلى بيزنطة ليقابل صديقه هرقل(زيارة صداقة)في هذا الوقت التي كانت فيه دولة الروم مقسومة(روم شرقية/روم غربية) فأعطاه هرقل عطايا عظيمة ومحامل عظيمة فرحا بزيارته،وفي طريق العودة مر بقبيلة جزل والتي كان لها مع النبيt عهد( بزعامة زيد ابن رفاعة الجزلي) وكانت من أول القبائل العربية التي أخذت عهود مع رسول اللهt(السنةللهجرة4) فدحية وهو راجع مر بهم ،ما يعرفونه رجل ماشي وحده ومعه ثلاثة من عبيد الرومان والمحامل والعطايا المحملة على الإبل بما لذ وطاب من أكل وشرب وثياب بالإضافة إلى عباءة فاخرة لهرقل أهداها لدحية،فقطعوا عليه الطريق وأخذوا منه كل شيء ولم يتركوا له إلا ثياب سملة من أثر المعركة ،فرجع إلى النبيt في هذه الحالة فقال له:ما الأمر؟ فقال: يا رسول الله خرج علي بنو فلان وأخذوا مني كذا كذا.فماذا كان فعل النبيt مع دحية باعتباره واحدا من المسلمين اعتدي عليه في ماله،ماذا يفعل لاسترداد حق لأحد من رجاله؟هل طبطب عليه وقال لا بأس نحن في السنة الرابعة وما زلنا ضعفاء وقريش تتربص بنا،والله يعوض عليك ،واحتسب هذا عند الله.وما كان الرسولt ليفعل هذا،بل نادى زيد ابن حارثة الكلبي وجيش له جيشا من ألف رجل(وأول مرة يجتمع جيش بهذا العدد)وفي الجيش أبو بكر وعمر وعثمان وأمر زيد وقال له:أخرج واذهب إلى بني جزيل ولا ترجعن إلا بسباياهم أو بما قطعوه من دحية،وخرج دحية معهم يلبس عباءة رسول الله(أخذوا منك عباءة هرقل،فخذ عباءتي)وتخيل أن تعداد المسلمين وقتها لا يتعدى الألف بشيء كثير،وذهبوا إلى جزيل والتي تبعد مسيرة 10ليال ومن أجل مسلم واحد قطع عليه الطريق،وتخيل لو كان بيننا النبى اليوم(يخرج جيش ومع أنه مازال في حالة حرب مع قريش،لكن يا ترى هل يجازف النبيt بهذه الخطوة دون أن يعمل حسابه لأي هجوم من قريش خصوصا لو عرفوا أنه أخرج جيش إلى جزيل،(لا،فالنبي أذكى من ذلك) فالنبيt يعلم أن الطريق بين المدينة وجزيل تأخذ10أيام،ومن المدينة إلى مكة مسيرة17يوما(النبي يخطط ويعرف ما يجري حوله) وله أيضا عيون في مكة(العباس والعلاء ابن الحضرمي)يخبرونه بتحركات قريش،لكن هناك مشكلة:كيف يستدعي الجيش لو فكرت قريش الهجوم على المدينة فعلا؟فزيد والجيش على بعد 10أيام ولو أرسل أحد ليخبرهم يحتاج 10أيام أخرى،وهذا لا ينفع لأنه سيكون هناك فرق ثلاثة أيام فماذا يفعل النبي؟ عمل محطات إرسال وبريد ومراكز استطلاع على طول الطريق بينه وبين الجيش فكل بضعة أميال يوقف واحد من المسلمين فكل واحد يبلغ الذي يليه لغاية ما يكون في يوم واحد الخبر قد وصل لجيش زيد بأن يرجعوا فيرجعوا،(تخيل رجل أمي وما دخل مدارس عسكرية يفكر بهذا الأسلوب)وهكذا جهز جيش وأرسله لاسترداد مال واحد من المسلمين مع أن هذه الأموال هدية من كافر(ولذلك النبي طرد يهود بني قينقاع لما فعلوه مع المسلمةوما فعله أيضا المعتصم مع التي استنجدت باسمه)هكذا المسلم غالي عند رسول اللهt،وفعلا ذهب الجيش وهجم على جزيل مع أن معهم عهد من رسول الله لكنهم بقطعهم الطريق على مسلم نقضوا العهد واعتبرهم النبيt معتدين،ودحية لم يكن في مهمة وإلا لكان الأمر أشد،بل كان في رحلة تجارة فأعطى النبيt أوامره لزيد قائلا:يا زيد باغتهم ليلا ولا تنذرهم،على غير عادته(حتى لا يفكر أحد من بعد أن يدوس على طرف لمسلم)وفعلا هجم عليهم بالليل وأسر القبيلة كلها500رجل وامرأة،ونادى على دحية:من الذي أخذ سلبك؟ فطلع ثلاثة وقال:هؤلاء،فقتلهم زيد بعدما استرجع أسلاب دحية وقال له:أنظر متاعك،فأخذ دحية ينتقيها حاجة حاجة،فقال زيد:أما ينقصك شيء؟ قال:بعض الطعام(فستق...)قال:وما أفعل لك؟فقال دحية:لا عليك،فساق زيد ألف بعير وثلاثة آلاف شاة وأكثر من 700 بين رجل وامرأة وطفل،لكن واحد منهم فر وهو سيدهم زيد ابن رفاعة وجرى إلى المدينة عند رسول اللهt وأخرج الكتاب الذي معه وأخذ يعتذر للنبي ويقول:يا رسول الله أخذ دحية متاعه وقتل من قطع عليه الطريق ولو أرسلت إلي أن أقتل من قطع الطريق على دحية لفعلت يا رسول الله(كل هذا بعد هزيمة أحد وفاجعتي بئر معونة وماء الرجيع)فالتفت النبيt للناس وكان الحوار في المسجد وقال:وما يقول الناس؟ فعلي قال:فالتفت فما وجدت في المسجد من الناس إلا معذور(أعمى،أعرج)أو مغموس في نفاق وكل الناس خرجت في جيش زيد،فقام ابن سلول وعلا صوته وقال:يا رسول الله من عليهم بها وتكون لنا قوة،يقول علي:فقمت وقلت بل هم سبايا وقد اعتدوا على مسلم ،فعلت أصوات أتباع أبي ،فقال النبيt:قد مننا عليهم يا علي،فاخرج وألقى زيدا ورد على ابن رفاعة قبيلته،يقول علي:فخرجت أسأل الله أن يدخل زيد المدينة قبل أن أخرج إليه(قلبه ما تحمل)يقول:فلقيت زيد في منتصف الطريق فأمرته بما أمرني رسول اللهt،فنظر زيد إلى دحية وما تكلم، فقال دحية :الأمر لرسول الله،فردت القبيلة عن بكرة أبيها ولما أعتقوهم أسلموا كلهم ونصفهم أكمل الطريق مع زيد إلى المدينة والنصف الآخر بعدما وصلوا إلى قبيلتهم رجعوا وأسلموا بين يدي رسول اللهt،فدخل دحية على النبي ونظر إليه وقال:أعرفت مكانك عندنا يا دحية والذي بعثني بالحق لو لم أرسل الجيش لعاتبني جبريل، وأخرج دحية عباءته الرومية وأعطاها لرسول الله فلبسها النبيt.(وكل هذا ليس لمكانة دحية ولكنه لأجل مسلم).
وفي غزوة خيبر لما انتصر النبيt على اليهود وأسرت نسائهم كان من ضمن السبايا صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني قريظة وبعد المعركة وزع النبيt السبايا فكانت صفية من نصيب سيدنا دحية لكنه لما خلا بها إذا به يسدل الستار عليها ثم ذهب إلى رسل الله وهي في يده وقال:يا رسول الله هذه صفية بنت حيي بن أخطب وضعت في نصيبي من سبايا الأسر ووالله لما رأيتها ما رأيت أحدا ينكحها إلا نبي ووالله يا رسول الله ما رأيت أجمل نساء منها وما رأيت أطيب حديث منها فهي لك يا رسول الله إن أحببت أن تتسرى بها،فنظر إليها النبيt وقال لها:أتحبين أن تكوني في متاعي أو في متاع دحية ،فقالت:يا رسول الله إني مؤمنة وعلمت أن أمي وهي حامل بي رأت كأن قمرا سقط في حجرها،فأولها أبي وعمي ياسر على أني أكون زوجة نبي آخر الزمان،فقال النبيt:أنت حرة ثم دفع فداءها لد حية فقال:لا والله يا رسول الله ما كنت لآخذ فداءا لها فقال النبيt:هو مهر لها يا دحية فأنت وليها،فأصبحت صفية أما للمؤمنين. ويروي ابن هشام في سيرته قصة هذه الرؤيا من غير رواية دحية يقول:لما هاجر النبي إلى المدينة صفية تروي فقالت:خرج أبي وعمي ياسر ليلقيا رسول الله فرجعا فسمعت عمي يقول لأبي:أهو هو؟قال:نعم ،هوهو،قال:أهو النبي الذي نجده عندنا في الكتاب فقال:نعم ،فقال عمي:أهو باسمه ورسمه وصفته،قال:نعم هو باسمه وصفته ورسمه،قال عمي:فما تقول فيه؟ فقال أبي:عداوته ما بقيت،فجئت وكنت صبية ذات سبع سنين أجري على أبي وكان هو وعمي على غير عادة اليهود في ملاقاتهم للبنات،يحتفون بي ويقدمونني على الذكور فلما جئت إليه هذه المرة فإذا به يصفعني وينهرني بعيدا وما إن أمسى المساء إلا وزوجني من سلام ابن أبي الحقيق،فإذا بي أسمع عمي يقول له:ألم تأول الرؤيا أنها تكون زوجة نبي آخر الزمان فقال: لا والله ما كانت ابنتي لتكون تحت نبي العرب(كانوا يحبونها، لو كانت ستكون لنبي منهم). ودحية لا يعرف هذا ولكن الله يسير الأمور بمقاديرها. وفي السنة السادسة لما أراد النبيt أن يرسل الرسائل للملوك،فلكي يبعث لقيصر لن يجد خيرا من دحية صديقه فأرسله إليه،فأخذ الرسالة وانطلق لهرقل والذي كان في هذا الوقت في القدس بعد قضاءه على الفرس وكان هرقل قد جاء من بيزنطة ليدخل بنفسه القدس ويصلي فيه،فدحية جاء إليه في إيليا وأعطى الرسالة للحاجب ولم يقل بالباب دحية بل قال قولوا له: رسول رسول الله ،فدخل الحاجب على هرقل وكان حوله بطارقته وقال:رسول رسول الله بالباب،فانتفض هرقل وانتفض البطارقة من الرعب(عنهم العلم بنبي آخر الزمان) فقال:أدخلوه،فدخل دحية فلما رآه قال:لم الهزر ؟ولم لم تخبره أنك دحية؟فقال:والله أيها الملك ما جئتك صاحبا ولا صديقا ولكن جئتك رسولا من رسول الله، فقال هرقل:ومن رسول الله؟فقال:محمد،ثم سلمه الرسالة فأخذها هرقل وأعطاها لمترجمه فقرأ:من محمد ابن عبد الله رسول الله إلى قيصر عظيم الروم ،وقبل أن يكمل ولي العهد أخ هرقل كان جالسا بجانبه فقام وانتفض وأراد أن يأخذ الكتاب ويمزقه فأخذه منه قيصر وقال:ما الأمر؟فقال:أيها الملك بدأ بنفسه قبل أن يبدأ باسمك وقال عظيم الروم ولم يقل ملك الروم فما يستحق أن يقرأ كتابه ويقتل رسوله،فقال قيصر:أنا الملك،اقرأ ، وأعاد الكتاب للمترجم فأكمل :السلام على من اتبع الهدى،أسلم تسلم يأتيك أجرك مرتين فإن أبيت فعليك إثمك و إثم الأريسيين ومن معه(الأريسيين:نسبة إلى عبد الله بن أريس وهو مصري من كنيسة الإسكندرية وهذا الرجل كان يقول:أن المسيح عبد والله واحد وكانت معه طائفة وفي المقابل كانت هناك طائفة أخرى تنادي بالتثليث) فالنبي يذكر قيصر أن عليه إثمه وإثم الأريسيين النصارى الحقيقيين إن لم يسلم،فهنا أخذ قيصر الكتاب وصرف الحاشية كلها وانفرد بدحية، وسيدنا دحية من يحكي فيقول:وإذا بهرقل يقول لي والله إن هذا لهو النبي الذي نجده في كتبنا ولو كنت عنده ما وسعني إلا أن أكون عبدا عنده وما أراه إلا يملك مكاني هذا فإن ملكه وأنا في هذه الدنيا لأغسلن قدمه،فقال دحية:وما يمنعك أن تؤمن به فقال:أخشى على نفسي ،يقتلني الروم ولكن اذهب بكتابي هذا إلى دغاسر(أسقف الروم الأعظم ،نائب البابا وكان قد خرج من بيزنطة لينوب عن البابا في حضور فتح القدس مع قيصر)وانظر ماذا يقول؟ فذهب إليه دحية وأعطاه الكتاب فأخذه دغاسر وكان وقتها في كنيسة القيامة فقرأ الكتاب على البطارقة والرهبان ثم طواه وقال: والله إنكم لتعلمون أنه النبي الذي بشر به عيسى بن مريم وما يسعني إلا أن أتبعه فأشهد أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله،فقام إليه البطارقة وقتلوه وأرادوا قتل دحية إلا أن أحد الرهبان قال لهم:أتقتلون رجلا في أمان القيصر فأنقذه من القتل،وعاد دحية إلى هرقل وأعلمه بما حدث فأرسل جنوده في الأسواق يبحثون له عن رجل من العرب فيأتون له به،وفعلا وجدوا في السوق سيدنا أبو سفيان الذي كان في رحلة تجارة إلى الشام وهو راجع مر ببيت المقدس للاستراحة هو والقافلة وفي نفس الوقت كان جنود قيصر يبحثون عن أحد من مكة ،فوجدوا أبا سفيان فأخذوه والقافلة وأدخلوهم على هرقل، وندع أبو سفيان يحكي بنفسه فيقول:هالني الأمر أن يأسرنا قيصر،ماذا فعلنا؟فلما وقفت أمامه قال:من منكم يعرف نبي العرب؟ يقول أبو سفيان:فأسقط قي أيدينا، أوصل أمر ابن أبي كبشة إلى هرقل؟كيف لهرقل أن يعرفه؟وما هالني إلا أني رأيت قيصر يهابه(خائف منه)فوقع في قلبي شيء. وفي رواية ابن إسحاق:فكان أول ما وقع في قلبي من أمر محمد،ولذلك لما لامت قريش أبا سفيان في صلح الحديبية لما انتقض العهد وجاء لابنته أم حبيبة لتتوسط له عند رسول الله والنبي رفض الوساطة،رجع إلى قريش فلاموه فقال:والله ما ذهبت إليه إلا مما رأيت هيبة قيصر منه(تذكرها). يقول أبو سفيان:فقلت لقيصر نعم نعرفه،فقال:من أقرب الناس منكم له نسبا؟فقلت:أنا،فأوقفني أنظر إليه وأوقف القوم خلفي ثم خاطبنا المترجم لقيصر وقال:إني سائلك فاصدقني،فإن كذب فكذبوه وإن لم تكذبوه وعلمت أنه كذب قتلتكم جميعا،وقال:كيف نسب الرجل فيكم؟فقلت:هو من أشرفنا،فقال:كيف صدقه وكذبه؟فقلت:كنا نسميه الصادق الأمين، وكلما سألني هممت أن أكذب فخشيت أن يكذبوني فيقتلنا فقال:أكان أحد من أجداده ملكا،فقلت:لا، فقال:أدعى قبل ذلك؟قلت:لا،فقال:أحاربتموه؟قلت: نعم،فقال:وكيف هي الحرب بينكم؟فقلت:سجال دولة لنا ودولة له، إلا أن بيننا وبينه الآن عهد ما ندري ما يفعل به ،وما وجدت سبة أسبه بها إلا هذه،فقال:وإلى ما يدعو؟فقلت:يدعو إلى نذب عبادة الأصنام وعبادة إلاه واحد ويدعو إلى صلاة وإلى زكاة،ثم سكت أبو سفيان فقال هرقل:وإلى ما يدعو؟(مرة أخرى)فقلت:يدعو إلى حفظ العهد وإلى حسن الجوار وإلى صلة الأرحام وإلى الصدق وأخذت أعدد له مكارم الأخلاق،فقال:والله إنكم لقوم عته(مجانين) رجل يدعوكم إلى مكارم الأخلاق ألا تتبعوه؟سألتك عن نسبه فيكم فقلت إنه من أشرفكم وهكذا الأنبياء يبعثون في أشراف قومهم،وسألتك عن أحد من أهله أو أجداده كان ملكا فقلت لا ولو قلت عم لقلنا ملك يريد ملك أبيه وأجداده،وسألتك عن الحرب بينكم وبينه فقلت هي سجال وهكذا الأنبياء،وكذبت نفسك وقلت بينكم وبينه عهد وما تدري أيوفيه أم يحنث فيه ووالله إنك لتعلم أنه موفيه(كذاب)وهكذا الأنبياء،وكل هذا ودحية واقف،وقلت لك:إلى ما يدعو فوجدت الرجل لا يدعو لنفسه شيء،ووالله ما أراه إلا يملك مكاني هذا،ثم صرفنا هرقل وانصرفنا وأنا أجزم أن قيصر من أتباع محمدt. ودخل دحية على هرقل بعد ذلك فقال له:بلغ رسول الله مني السلام وأنبئه بما رأيته ولولا أني أخشى أن يقتلوني كما قتلوا دغاسر لاتبعته.ثم عاد دحية إلى رسول اللهt وحكى له الأمر فدعى النبيt وقال:اللهم ثبت ملكه(وهرقل هذا يكاد يكون القيصر الوحيد الذي حكم 35سنة ومات على فراشه ولم يقتل كباقي القياصرة بدعوة النبي له،ولذلك يقول ابن جرير:وما أرى هرقل إلا رجلا مسلما ولو كان كافرا ما كان رسول اللهt أن يدعو له بتثبيت ملكه. وتمر الأيام ويموت النبيt ويأتي خالد في خلافة عمر إلى الشام وفتح القدس بصحبة أبي عبيدة وكان هرقل في دمشق وكان دحية قائدا لكتيبة في هذا الجيش والتي فتحت مدينة تدمر بالأردن،ولما أخذ المسلمون يفاوضوا أهل بيت المقدس على دخولها كان دحية موجود مع القادة فذهب إلى أبي عبيدة وقال:يا صاحب رسول الله تعلم ما كان بيني وبين هرقل في سفارة رسول الله قال:نعم يا دحية،فقال دحية:لي عندك حاجة؟قال:وما تلك؟قال:ما أحب أن أرى ذل المسالمة في وجه هرقل فهل تدعه لي،فقال أبو عبيدة:هو لك يا دحية،فذهب إلى دمشق قبل فتحها ودخل على هرقل فلقيه باكيا ثم كان أول ما تكلم به هرقل قال:ألم أخبرك أنه يملك ما تحت قدمي(منذ عشر سنين) فقال دحية:أيها الملك جئتك لتخرج سالما،وملكا معظما،لا أحب أن أرى في وجهك ذل الهزيمة،فخرج من دمشق والتفت ينظر إلى أسوارها وقال:سلام عليك يا سورية لا يدخلك رومي إلا خسر وخاب، ثم صافح دحية وإذا بالناس يروا قيصر يقبل يد دحية،فقالت زوجته ودحية يسمع:لم تقبل يده؟فقال:ما كنت لأترك يدا صافحت يد رسول الله ولعلي ألقى الله بها.فالظن أنه كان رجلا مسلما لكنه لم يشهد الشهادتين أمام أحد،وخرج هرقل وهو أعظم ملوك الروم منهزما ومات في بيزنطة. سيدنا دحية مات في دمشق بعد أن فتحها المسلمون ومدفون هناك في المزة وأهل دمشق يعرفون قبره،فكانت هذه قصة لرسول من رسل رسول اللهt سيدنا دحية ابن خليفة الكلبي رضي الله عنه وأسكنه جناته وألحقنا به إن شاء الله في الجنة.