بسم الله الرحمن الرحيم
في هذه الآيات المباركة وفي غيرها ما جاء في سورة هود ، والشعراء ، والقمر ، والشمس ، وفي سورة هود اكثر تفصيلا.
كل هذه الآيات ذكرت فيها بشكل مختصر قصة صالح عليه السلام وقومه قوم هود ومادار بينهما ، وقصة الناقة ، وكيف كانت نهايتهم.
واما ثمود : فهم ولد ثمود بن جائر بن ارم بن سام ، وكانت مساكن ثمود بالحجر بين الحجاز والشام ، وكانوا بعد عاد قد كثروا وكفروا وعتوا ، فبعث الله اليهم صالح بن عبيد بن اسف بن ماشج بن عبيد بن جادر بن ثمود ، ودعاهم الى توحيد الله بالعبادة.
وكان الله قد اطال اعمارهم حتى كان احدهم يبني البيت من المدَر فينهدم وهو حي ، فلما راوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا فنحتوها ، وكانوا في سعة من معايشهم ، ولم يزال صالح يدعوهم فلم يتبعه منهم الا قليل من المستضعفين.
وروي ايضا ان ثمود كانت بوادي القرى بين المدينة والشام ، وكانت عاد باليمن ، وكانت اعمارهم من الف سنة الى ثلاث مائة سنة ، وكانوا قوم النبي صالح عليه السلام.
ان الله تبارك وتعالى بعث صالحا الى ثمود وهو ابن ست عشر سنة ، وكان يدعوهم الى الله والعمل الصالح فلا يقبلون منه ويعصون امره ، وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله.
فلما رأى ذلك منهم واصرارهم على العصيان
قال لهم : يا قوم بعثت اليكم وانا ابن ست عشر سنة ، وقد بلغت الآن من العمر مائة وعشرون سنة ، وانا اعرض عليكم امرين :
ان شئتم فاسألوني حتى اسأل الهي فيجيبكم ، وان شئتم سألت آلهتكم فان اجابتني خرجت من عندكم.
فقالوا له : انصفت فامهلنا ، فاقبلوا يتعبدون ثلاثة ايام ويتمسحون بالاصنام ، ويذبحون لها ، واخرجوها الى سطح الجبل ، واقبلوا يتضرعون اليها ، فلما كان يوم الثالث
قال لهم صالح عليه السلام :
قد طال هذا الأمر فقالوا : اسأل ما شئت ، فدنا الى اكبر صنم لهم فقال له : ما اسمك ؟ فلم يجبه ، فقال لهم : ماله لا يجيبني ؟ قالوا له : تنح عنه ، فتنحى عنه ، فاقبلوا اليه يتضرعون ووضعوا على رؤوسهم التراب وضجوا وقالوا : فضحتنا ونكست رؤوسنا.
فقال صالح : قد ذهب النهار ، فقالوا : سله ، فدنا منه فكلمه فلم يجبه ، فبكوا وتضرعوا حتى فعلوا ذلك ثلاث مرات فلم يجبه بشيء.
فقالوا : ان هذا لا يجيبك ، ولكنا نسأل الهك ، فقال لهم سلوه ما شئتم ، فقالوا : سله ان يخرج لنا من هذه الجبل ناقة حمراء شقراء شعراء ، او : عشراء ـ اي حاملة ، تضرب منكبيها طرفي الجبلين ، وتلقي فصيلها من ساعتها ، وتدر لبنها.
فقال صالح : ان الذي سألتموني عندي عظيم وعند الله هين ، فقام فصلى ركعتين ثم سجد وتضرع الى الله فما رفع رأسه حتى تصدع الجبل وسمعوا له دويا شديدا ففزعوا منه وكادوا ان يموتوا منه ، فطلع رأس الناقة وهي تجتر ، فلما خرجت القت فصيلها ، ودرت بلبنها ، فبهتوا ، وقالوا :
قد علمنا يا صالح ان ربك اعز واقدر من آلهتنا التي نعبدها.
وكان لقريتهم ماء وهي الحِجر التي ذكرها الله تعالى في كتابه وهو قوله : « ولقد كذب اصحاب الحجر المرسلين » فقال لهم صالح عليه السلام : لهذه الناقة شرب ، اي تشرب ماءكم يوما وتدر لبنها عليكم يوما ، وهو قوله تعالى : « قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ، ولا تمسوها بسوء فياخذكم عذاب يوم عظيم » فكانت تشرب ماءهم يوما ، واذا كان من الغد وقفت وسط قريتهم فلا يبقى في القرية احد الا حلب منها حاجته.
وكان فيهم تسعة من رؤسائهم كما ذكر الله في سورة النمل : « وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون » فعقروا الناقة ورموها حتى قتلوها وقتلوا الفصيل ، فلما عقروا الناقة قالوا لصالح عليه السلام : « فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين » قال صالح : « تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب » .
ثم قال لهم : وعلامة هلاككم انه تصفر وجوهكم غدا ، وتحمر بعد غد ، وتسود يوم الثالث فلما كان من الغد نظروا الى وجوههم قد ابيضت مثل القطن ، فلما كان يوم الثاني احمرت مثل الدم ، فلما كان يوم الثالث اسودت وجوههم ، فبعث الله عليهم صيحة وزلزلة فهلكوا ، وهو قوله تعالى : « فاخذتهم الرجفة فاصبحوا في ديارهم جاثمين » فما تخلص منهم غير النبي صالح عليه السلام وقوم مستضعفين مؤمنين وهو قوله تعالى : « فلما جاء امرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ ان ربك هو القوي العزيز ، واخذ الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا في ديارهم جاثمين ... » .