آداب العابر
لا يخفى ما للرؤيا الصادقة من مكانة ومنزلة، حيث بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها جزء من النبوة، وأنه لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصادقة، وعلى المعبر أن يستشعر المسئولية العظيمة تجاه تعبير الرؤى، سئل مالك - رحمه الله تعالى - أيفسر الرؤيا كل أحد ؟ قال: (أبالنبوة يلعب!) قيل له: أيفسرها على الخير, وهي عنده على الشر لقول من يقول: الرؤيا على ما أولت فقال: (الرؤيا جزء من أجزاء النبوة أفيتلاعب بأمر النبوة). [ التمهيد لابن عبد البر ( 1/288 )].
وهناك صفات وشروط لابد من توفرها لمن يقوم بتعبير الرؤى، أشير إلى بعضها:
1- أن يكون عالماً بهذا العلم الجليل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُقَصُّ الرُّؤْيَا إِلَّا عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ " [ أخرجه الترمذي ح ( 2280 ) ، وقال: حديث حسن صحيح ]
قال القاضي عياض: (لا يعبر الرؤيا كل أحد، ولا يعبرها إلا العالم بها) [ إكمال المعلم ( 7/228 ) ]، وقال القرافي : (ولا يعبر الرؤيا إلا من يعلمها ويحسنها, وإلا فليترك)
وتعبير الرؤى من الأمور الدقيقة التي تحتاج إلى وجود ملكة وموهبة، وقوة نفس لدى المعبر، ونوع من الإلهام والفراسة، ولا يحصل التمكن في التعبير بمجرد التعلم والقراءة، وحفظ ما يوجد في الكتب، ولهذا لم يتأهل لتعبير الرؤى حتى امتداد القرون إلا النوادر من الناس، بخلاف العلوم والمعارف الأخرى التي تدرك بالتعلم والأخذ من الكتب .
قال القرافي: (اعلم أن تفسير المنامات قد اتسعت تقييداته، وتشعبت تخصيصاته، وتنوعت تعريفاته، بحيث صار الإنسان لا يقدر أن يعتمد فيه على مجرد المنقولات، لكثرة التخصيصات بأحوال الرائين، بخلاف تفسير القرآن العظيم، والتحدث في الفقه والكتاب والسنة وغير ذلك من العلوم، فإن ضوابطها إما محصورة أو قريبة من الحصر).
وقال: (وعلم المنامات منتشر انتشاراً شديداً لا يدخل تحت ضبط، فلا جرم احتاج الناظر فيه مع ضوابطه وقرائنه إلى قوة من قوى النفوس المعينة على الفراسة، والاطلاع على المغيبات بحيث إذا توجه الحزر إلى شيء لا يكاد يخطئ بسبب ما يخلقه الله - تعالى - في تلك النفوس من القوة المعينة على تقريب الغيب، أو تحققه كما قيل في ابن عباس رضي الله عنهما: إنه كان ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق، إشارة إلى قوة أودعه الله إياها، فرأى بما أودعه الله - تعالى - في نفسه من الصفاء والشفوف والرقة واللطافة، فمن الناس من هو كذلك، وقد يكون ذلك عاما في جميع الأنواع، وقد يهبه الله تعالى ذلك باعتبار المنامات فقط ....).
وقال: (فمن لم تحصل له قوة نفس عسر عليه تعاطي علم التعبير, ولا ينبغي لك أن تطمع في أن يحصل لك بالتعلم والقراءة وحفظ الكتب إذا لم تكن لك قوة نفس فلا تجد ذلك أبدا , ومتى كانت لك هذه القوة حصل ذلك بأيسر سعي وأدنى ضبط، فاعلم هذه الدقيقة فقد خفيت على كثير من الناس).[ينظر: الفروق للإمام القرافي(4/ 249-250)]
وذكر الأئمة أصولاً وضوابط لتعبير الرؤى والمنامات، وهي موجودة في مظانها من كتب أهل العلم، ولكن إنما يستفيد منها من يتوفر لديه الاستعداد والموهبة لتعبير الرؤى، والمتأمل في الواقع يجد أن هذا المجال قد اقتحمه من لا يحسنه، وخاض فيه من لا علم عنده، حتى أصبح تعبير الرؤى مهنة من لا مهنة له مع بالغ الأسف .
2- على العابر التثبت والتريث فيما يرد عليه، وعدم التسرع، والبعد عن الجزم بما يعبر
قال ابن قتيبة – رحمه الله - : (يجب على العابر التثبت فيما يرد عليه وترك التعسف ولا يأنف من أن يقول لما يشكل عليه لا أعرفه, وقد كان محمد بن سيرين إمام الناس في هذا الفن وكان ما يمسك عنه أكثر مما يفسر).
وحدث الأصمعي عن أبي المقدام أو قرة بن خالد قال: كنت أحضر ابن سيرين يُسأل عن الرؤيا فكنت أحزره يعبر من كل أربعين واحدة .
وقال هشام بن حسان : (كان ابن سيرين يسأل عن مائة رؤيا، فلا يجيب فيها بشيء إلا أن يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة، فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم، وكان يجيب في خلال ذلك، ويقول إنما أجيب بالظن، والظن يخطئ ويصيب).[ينظر: الآداب الشرعية ( 3/451 )].
وإذا كان هذا موقف إمام المعبرين في زمانه، فما الظن بمن جاء بعده ، لقد توسع كثير من المعبرين في تعبير الرؤى فتجده لا يرد شيئاً مما يرد عليه، فلا تسمعه يقول: هذا من أضغاث الأحلام، أو من حديث النفس، أو لا أدري .....
قال ابن قتيبة: (وتفهم كلام صاحب الرؤيا وتبينه، ثم اعرضه على الأصول، فإن رأيته كلاما صحيحاًَ يدل على معاني مستقيمة، يشبه بعضها بعضاً، عبرت الرؤيا بعد مسألتك الله تعالى أن يوفقك للصواب, وإن وجدت الرؤيا تحتمل معنيين متضادين نظرت أيهما أولى بألفاظها وأقرب من أصولها فحملتها عليه, وإن رأيت الأصول صحيحة، وفي خلالها أمور لا تنتظم ألقيت حشوها، وقصدت الصحيح منها, وإن رأيت الرؤيا كلها مختلطة لا تلتئم على الأصول علمت أنها من الأضغاث فأعرض عنها, وإن اشتبه عليك الأمر سألت الله تعالى كشفه).
وإذا تأملنا ما سبق من كلام أهل العلم تبين ما يحتاج إليه تعبير الرؤى من التثبت والتريث، وحسن التدبر، وهذا لا يتوفر عند كثير ممن يخوض في هذا الميدان، ومن الأمور التي ينبغي الإشارة إليها أن الرؤى لا يعتمد عليها في إثبات شيء من الأحكام الشرعية، ولا يعول عليها فيما يتعلق بحقوق الناس وحرماتهم، أو الحكم على عدالتهم ونواياهم
قال في الآداب الشرعية: (قال أبو زكريا النواوي: نُقل الاتفاق على أنه لا يُغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع …. ولا يجوز إثبات حكم شرعي به ....) [ الآداب الشرعية ( 3/447 ) ]
وقال العلّامة المُعلِّمي - رحمه الله - : (... اتفق أهل العلم على أنّ الرؤيا لا تصلح للحجة، وإنما هي تبشير وتنبيه، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حُجّة شرعية صحيحة) [ التنكيل (2/242) ]
وقد ذكر الشاطبي - رحمه الله في كتابه "الاعتصام" - أن الخليفة المهدي أراد قتل شريك بن عبد الله القاضي، فقال له شريك: ولِم ذلك يا أمير المؤمنين، ودمي حرام عليك؟! قال: لأني رأيت في المنام كأني مقبل عليك أكلمُك وأنت تكلمني من قفاك، فأرسلت إلى من يعبِّر فسألته عنها، فقال: هذا رجل يطأ بساطَك وهو يُسِرّ خلافَك، فقال شريك: يا أمير المؤمنين، إن رؤياك ليست رؤيا يوسف بن يعقوب، وإن دماء المسلمين لا تسفَك بالأحلام. فنكَّس المهدي رأسه، وأشار إليه بيده أن اخرُج، فانصرف.
وذكر ابـن عساكر في "تاريـخ دمشـق" أن بعضهم رأى في المنـام الشافعيَّ - رحمه الله - فقال لـه: كـذبَ عليَّ يـونس بـن عبـد الأعلى في حديث، ما هذا من حديثي ولا حدثتُ به. فقـال الحافظ ابـن كثير - رحمه الله معلقاً على هـذا الكلام- : (يـونس بن عبد الأعلى من الثقات، لا يُطعن فيه بمجرد منام). وقد نقل الذهبي - رحمه الله- عن المروزي قال: ( أدخلتُ إبراهيمَ الحصري على أبي عبد الله أحمد بن حنبل وكان رجلاً صالحاً فقال: إن أمي رأت لك مناما هو كذا وكذا، وذكرت الجنة، فقال: يا أخي، إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا، وخرج إلى سفك الدماء، وقال: الرؤيا تسرُّ المؤمن ولا تغرُّه) . [ ينظر: تاريخ مدينة دمشق ( 47/ 519 )، سير أعلام النبلاء (11/227) ]
وإن من الخطأ في المنهج التعويل على الرؤى والمنامات والاغترار بها، والمسارعة في تنزيلها على الواقع وتفسير المستقبل من خلالها في قضايا الأمة وشئونها، وإغفال السنن الربانية الثابتة، وترك النظر في الأسباب، وقد تسامع الناس في هذه الأيام برؤيا عُبرت بنصر من الله وفتح قريب يقع في فلسطين محدد باليوم والشهر في مدة قريبة جداً !!
3- على المعبر أن يراعي جانب المصالح والمفاسد في تعبيره، فلا يلقي بالتعبير على عواهنه ، فربما أوقع تعبيره في فتنة أو مفسدة أو ضرر وهو لا يشعر، أخرج البخاري في صحيحه قول علي رضي الله عنه: " حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟! " [ أخرجه البخاري ح ( 127 ) ] ، وعند مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً ". [ صحيح مسلم ( 1/11 ) ]
يقول ابن القيم - رحمه الله- : (المفتي والمعبِّر والطبيب يطَّلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيرهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره).
لا يخفى ما للرؤيا الصادقة من مكانة ومنزلة، حيث بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها جزء من النبوة، وأنه لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصادقة، وعلى المعبر أن يستشعر المسئولية العظيمة تجاه تعبير الرؤى، سئل مالك - رحمه الله تعالى - أيفسر الرؤيا كل أحد ؟ قال: (أبالنبوة يلعب!) قيل له: أيفسرها على الخير, وهي عنده على الشر لقول من يقول: الرؤيا على ما أولت فقال: (الرؤيا جزء من أجزاء النبوة أفيتلاعب بأمر النبوة). [ التمهيد لابن عبد البر ( 1/288 )].
وهناك صفات وشروط لابد من توفرها لمن يقوم بتعبير الرؤى، أشير إلى بعضها:
1- أن يكون عالماً بهذا العلم الجليل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُقَصُّ الرُّؤْيَا إِلَّا عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ " [ أخرجه الترمذي ح ( 2280 ) ، وقال: حديث حسن صحيح ]
قال القاضي عياض: (لا يعبر الرؤيا كل أحد، ولا يعبرها إلا العالم بها) [ إكمال المعلم ( 7/228 ) ]، وقال القرافي : (ولا يعبر الرؤيا إلا من يعلمها ويحسنها, وإلا فليترك)
وتعبير الرؤى من الأمور الدقيقة التي تحتاج إلى وجود ملكة وموهبة، وقوة نفس لدى المعبر، ونوع من الإلهام والفراسة، ولا يحصل التمكن في التعبير بمجرد التعلم والقراءة، وحفظ ما يوجد في الكتب، ولهذا لم يتأهل لتعبير الرؤى حتى امتداد القرون إلا النوادر من الناس، بخلاف العلوم والمعارف الأخرى التي تدرك بالتعلم والأخذ من الكتب .
قال القرافي: (اعلم أن تفسير المنامات قد اتسعت تقييداته، وتشعبت تخصيصاته، وتنوعت تعريفاته، بحيث صار الإنسان لا يقدر أن يعتمد فيه على مجرد المنقولات، لكثرة التخصيصات بأحوال الرائين، بخلاف تفسير القرآن العظيم، والتحدث في الفقه والكتاب والسنة وغير ذلك من العلوم، فإن ضوابطها إما محصورة أو قريبة من الحصر).
وقال: (وعلم المنامات منتشر انتشاراً شديداً لا يدخل تحت ضبط، فلا جرم احتاج الناظر فيه مع ضوابطه وقرائنه إلى قوة من قوى النفوس المعينة على الفراسة، والاطلاع على المغيبات بحيث إذا توجه الحزر إلى شيء لا يكاد يخطئ بسبب ما يخلقه الله - تعالى - في تلك النفوس من القوة المعينة على تقريب الغيب، أو تحققه كما قيل في ابن عباس رضي الله عنهما: إنه كان ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق، إشارة إلى قوة أودعه الله إياها، فرأى بما أودعه الله - تعالى - في نفسه من الصفاء والشفوف والرقة واللطافة، فمن الناس من هو كذلك، وقد يكون ذلك عاما في جميع الأنواع، وقد يهبه الله تعالى ذلك باعتبار المنامات فقط ....).
وقال: (فمن لم تحصل له قوة نفس عسر عليه تعاطي علم التعبير, ولا ينبغي لك أن تطمع في أن يحصل لك بالتعلم والقراءة وحفظ الكتب إذا لم تكن لك قوة نفس فلا تجد ذلك أبدا , ومتى كانت لك هذه القوة حصل ذلك بأيسر سعي وأدنى ضبط، فاعلم هذه الدقيقة فقد خفيت على كثير من الناس).[ينظر: الفروق للإمام القرافي(4/ 249-250)]
وذكر الأئمة أصولاً وضوابط لتعبير الرؤى والمنامات، وهي موجودة في مظانها من كتب أهل العلم، ولكن إنما يستفيد منها من يتوفر لديه الاستعداد والموهبة لتعبير الرؤى، والمتأمل في الواقع يجد أن هذا المجال قد اقتحمه من لا يحسنه، وخاض فيه من لا علم عنده، حتى أصبح تعبير الرؤى مهنة من لا مهنة له مع بالغ الأسف .
2- على العابر التثبت والتريث فيما يرد عليه، وعدم التسرع، والبعد عن الجزم بما يعبر
قال ابن قتيبة – رحمه الله - : (يجب على العابر التثبت فيما يرد عليه وترك التعسف ولا يأنف من أن يقول لما يشكل عليه لا أعرفه, وقد كان محمد بن سيرين إمام الناس في هذا الفن وكان ما يمسك عنه أكثر مما يفسر).
وحدث الأصمعي عن أبي المقدام أو قرة بن خالد قال: كنت أحضر ابن سيرين يُسأل عن الرؤيا فكنت أحزره يعبر من كل أربعين واحدة .
وقال هشام بن حسان : (كان ابن سيرين يسأل عن مائة رؤيا، فلا يجيب فيها بشيء إلا أن يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة، فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم، وكان يجيب في خلال ذلك، ويقول إنما أجيب بالظن، والظن يخطئ ويصيب).[ينظر: الآداب الشرعية ( 3/451 )].
وإذا كان هذا موقف إمام المعبرين في زمانه، فما الظن بمن جاء بعده ، لقد توسع كثير من المعبرين في تعبير الرؤى فتجده لا يرد شيئاً مما يرد عليه، فلا تسمعه يقول: هذا من أضغاث الأحلام، أو من حديث النفس، أو لا أدري .....
قال ابن قتيبة: (وتفهم كلام صاحب الرؤيا وتبينه، ثم اعرضه على الأصول، فإن رأيته كلاما صحيحاًَ يدل على معاني مستقيمة، يشبه بعضها بعضاً، عبرت الرؤيا بعد مسألتك الله تعالى أن يوفقك للصواب, وإن وجدت الرؤيا تحتمل معنيين متضادين نظرت أيهما أولى بألفاظها وأقرب من أصولها فحملتها عليه, وإن رأيت الأصول صحيحة، وفي خلالها أمور لا تنتظم ألقيت حشوها، وقصدت الصحيح منها, وإن رأيت الرؤيا كلها مختلطة لا تلتئم على الأصول علمت أنها من الأضغاث فأعرض عنها, وإن اشتبه عليك الأمر سألت الله تعالى كشفه).
وإذا تأملنا ما سبق من كلام أهل العلم تبين ما يحتاج إليه تعبير الرؤى من التثبت والتريث، وحسن التدبر، وهذا لا يتوفر عند كثير ممن يخوض في هذا الميدان، ومن الأمور التي ينبغي الإشارة إليها أن الرؤى لا يعتمد عليها في إثبات شيء من الأحكام الشرعية، ولا يعول عليها فيما يتعلق بحقوق الناس وحرماتهم، أو الحكم على عدالتهم ونواياهم
قال في الآداب الشرعية: (قال أبو زكريا النواوي: نُقل الاتفاق على أنه لا يُغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع …. ولا يجوز إثبات حكم شرعي به ....) [ الآداب الشرعية ( 3/447 ) ]
وقال العلّامة المُعلِّمي - رحمه الله - : (... اتفق أهل العلم على أنّ الرؤيا لا تصلح للحجة، وإنما هي تبشير وتنبيه، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حُجّة شرعية صحيحة) [ التنكيل (2/242) ]
وقد ذكر الشاطبي - رحمه الله في كتابه "الاعتصام" - أن الخليفة المهدي أراد قتل شريك بن عبد الله القاضي، فقال له شريك: ولِم ذلك يا أمير المؤمنين، ودمي حرام عليك؟! قال: لأني رأيت في المنام كأني مقبل عليك أكلمُك وأنت تكلمني من قفاك، فأرسلت إلى من يعبِّر فسألته عنها، فقال: هذا رجل يطأ بساطَك وهو يُسِرّ خلافَك، فقال شريك: يا أمير المؤمنين، إن رؤياك ليست رؤيا يوسف بن يعقوب، وإن دماء المسلمين لا تسفَك بالأحلام. فنكَّس المهدي رأسه، وأشار إليه بيده أن اخرُج، فانصرف.
وذكر ابـن عساكر في "تاريـخ دمشـق" أن بعضهم رأى في المنـام الشافعيَّ - رحمه الله - فقال لـه: كـذبَ عليَّ يـونس بـن عبـد الأعلى في حديث، ما هذا من حديثي ولا حدثتُ به. فقـال الحافظ ابـن كثير - رحمه الله معلقاً على هـذا الكلام- : (يـونس بن عبد الأعلى من الثقات، لا يُطعن فيه بمجرد منام). وقد نقل الذهبي - رحمه الله- عن المروزي قال: ( أدخلتُ إبراهيمَ الحصري على أبي عبد الله أحمد بن حنبل وكان رجلاً صالحاً فقال: إن أمي رأت لك مناما هو كذا وكذا، وذكرت الجنة، فقال: يا أخي، إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا، وخرج إلى سفك الدماء، وقال: الرؤيا تسرُّ المؤمن ولا تغرُّه) . [ ينظر: تاريخ مدينة دمشق ( 47/ 519 )، سير أعلام النبلاء (11/227) ]
وإن من الخطأ في المنهج التعويل على الرؤى والمنامات والاغترار بها، والمسارعة في تنزيلها على الواقع وتفسير المستقبل من خلالها في قضايا الأمة وشئونها، وإغفال السنن الربانية الثابتة، وترك النظر في الأسباب، وقد تسامع الناس في هذه الأيام برؤيا عُبرت بنصر من الله وفتح قريب يقع في فلسطين محدد باليوم والشهر في مدة قريبة جداً !!
3- على المعبر أن يراعي جانب المصالح والمفاسد في تعبيره، فلا يلقي بالتعبير على عواهنه ، فربما أوقع تعبيره في فتنة أو مفسدة أو ضرر وهو لا يشعر، أخرج البخاري في صحيحه قول علي رضي الله عنه: " حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟! " [ أخرجه البخاري ح ( 127 ) ] ، وعند مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً ". [ صحيح مسلم ( 1/11 ) ]
يقول ابن القيم - رحمه الله- : (المفتي والمعبِّر والطبيب يطَّلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيرهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره).