يقول الكاتب اياد عطار ان فكره التصديق والاقتناع بحقيقه وجود مصاص الدماء هي فكرة متشعبة لها جزء صغير للتصديق وجزء كبير باعتبارها خرافة فهل يمكن لمصاص الدماء ان ينام في تابوت ويستيقظ ليلا ليأكل ويشرب الدماء .
من جهة أخرى تعد فكرة وجود كائنات ماصة أو شاربة للدم أقدم بكثير من مصاصي دماء هوليوود , حيث توجد أساطير في فلكلور وتراث مختلف الشعوب تتحدث عن وجود كائنات أو وحوش أو شياطين ماصة الدم , وقد حاول البعض تفسير هذا الفلكلور الدموي الضارب في القدم من خلال عدة نظريات وفرضيات لعل أشهرها هي نظرية مرض البورفيريا التي أصبحت الحجة الرئيسية في جعبة منكري وجود مصاص الدماء , على أساس أن مريض البورفيريا يحدث لديه تحسس شديد من ضوء الشمس فيحاول تجنب الخروج نهارا , تماما كمصاص الدماء الذي نشاهده في الأفلام السينمائية والذي يتجنب ضوء الشمس بشدة . لكن من الناحية العلمية يبدو التشابه بين مريض البروفيريا ومصاص الدماء ضئيلا أو يكاد يكون معدوما , فمريض البورفيريا لا يمتص الدماء ولا يفيده مص أو شرب الدماء بشيء , أما من ناحية التحسس لأشعة الشمس فأن أسطورة مصاص الدماء الأصلية لا تتطرق لهذا الجانب غالبا , صحيح أن مصاص الدماء أكثر نشاطا في الليل وغالبا ما يقوم بمص دماء ضحاياه ليلا , لكنه قادر على التجول في النهار وليس لأشعة الشمس تأثير عليه .
عموما نحن لسنا بصدد الخوض في هذا الجدل البيزنطي ولن نضيع وقتنا في محاولة أثبات ما لا يمكن أثباته أو نفي ما لا يمكن نفيه , لكننا طرحنا هذه المقدمة المختصرة تمهيدا لموضوع مقالتنا الذي يتناول حادثة بشعة وجريمة غامضة وقعت قبل عدة عقود وتم الإشارة إليها في بعض الكتب والوثائق كدليل على وجود مصاصي الدماء .
بطلة قصتنا فتاة سويدية تدعى ليلي ليندستروم , في الثانية والثلاثين من العمر , تسكن شقة متواضعة في الطابق الثاني لمنزل مشبوه في منطقة تدعى سانك ايركسبلان وهي من ضواحي العاصمة ستوكهولم آنذاك .
ليس لدينا الكثير لنقوله عن حياة وعمل ليلي , فهي عاهرة , مهنتها ليس فيها تعقيد ولا تحتاج للكثير من الشرح , فهي تستقبل الزبائن في شقتها ولديها عملاء مخلصون , ولا تتردد أيضا بالذهاب لمنازل وشقق زبائنها إذا طلبوا ذلك , ولهذا السبب اقتنت هاتفا , لتسهيل وتسريع استقبال الطلبات والرد عليها , وبسبب ذلك صاروا يسمونها "عاهرة الهاتف" , لأنها الوحيدة التي كانت تمتلك هاتفا في منزل البغاء الذي تعيش فيه .
مهنة الدعارة أو البغاء تبدو بسيطة في الظاهر , إلا أنها ليست مهنة سهلة ولا مربحة على المدى البعيد , فمعظم العاهرات ينتهين ميتات في سن مبكرة بسبب الأمراض والحوادث والمخدرات , وكثيرا ما تتعرض العاهرة للضرب والابتزاز من قبل الزبائن والقوادين وحتى الشرطة .. وبسبب نسبة الخطورة المرتفعة ولأن العاهرات غالبا ما يكن منبوذات اجتماعيا , لذلك تراهن يتعاهدن بعضهن البعض الآخر بالسؤال والعناية والدعم في وقت الشدائد , وعليه فأن غياب ليلي عن الظهور ليوم كامل كان دافعا كافيا لصديقتها ميني جانسون لاستدعاء الشرطة .
ميني التي تعمل عاهرة هي الأخرى وتسكن في شقة بالطابق الأرضي في نفس المنزل الذي تعيش فيه ليلي , أخبرت الشرطة بأنها كانت جالسة مع صديقتها في شقتها حوالي الساعة السابعة والنصف مساءا عندما رن الهاتف , على الطرف الآخر أتى صوت أجش لرجل مجهول اخبر ليلي بأنه متواجد في الجوار وبأنه يود القدوم لشقتها فوافقت على الفور .
ميني قالت بأنها لم ترى الرجل لأنها نزلت إلى شقتها , لكن بعد حوالي النصف الساعة دقت ليلي الباب عليها وطلبت منها أن تعيرها واقيا ذكريا ففعلت , وبعد ذلك بساعة , أي حوالي التاسعة مساءا دقت ليلي الباب مرة أخرى وطلبت واقيا ذكريا آخر , ولاحظت ميني هذه المرة بأن صديقتها عارية تماما وتتدثر بمعطف فقط , وكانت تلك هي آخر مرة تراها فيها .
بعد ساعتين تقريبا ذهبت ميني لشقة صديقتها , دقت الباب مرارا من دون أن تحصل على رد , فظنت بأن ليلي قد ذهبت مع الزبون لشقته . وفي اليوم التالي مرت ميني بشقة صديقتها مجددا , وهذه المرة أيضا طرقت الباب من دون رد , فساورها قلق شديد , فهي تعلم بأن ليلي ما كانت لتوافق على قضاء ليلتها في منزل زبون مجهول .
ميني استدعت الشرطة , وفي عصر يوم 4 مايو / أيار 1932 طرق رجال الشرطة باب شقة ليلي مرارا وتكرارا من دون رد , فقرروا أخيرا كسر الباب , وحين فعلوا ذلك ودخلوا إلى الشقة كانت ليلي بانتظارهم وهي تقبع في سريرها جثة هامدة ووجهها نحو الأسفل . كان من الواضح بأنها ماتت مقتولة بسبب تعرضها لعدة ضربات قوية على مؤخرة رأسها , على الأغلب بواسطة مغرفة معدنية عثر عليها قرب السرير وهي مغطاة بالدماء .
السرير الذي عثر فوقه على جثة ليلي
كانت ليلي عارية تماما , ومن الواضح أنها مارست الجنس قبيل مقتلها مباشرة , إذ كان هناك واقي ذكري يتدلى بين فخذيها , وكان جسدها , وخصوصا رقبتها وكتفها مغطى باللعاب على نحو غريب . أما أغرب ما في القضية فهو أن جسدها كان خاليا من الدم تماما أو يكاد.
ولم يكن في الشقة ما يدل على حدوث أي عنف أو مقاومة , كان كل شيء مرتبا وفي مكانه , حتى ثياب ليلي كان مطوية بعناية فوق كرسي إلى جوار السرير . وكان واضحا بأن الغرض من الجريمة لم يكن السرقة .
المحققون ظلوا في حيرة من أمرهم بسبب هذه الجريمة الغامضة , ولم يكن إمامهم سوى القيام بحملة مداهمات والتحقيق مطولا من زبائن ليلي المعروفين , لكن لم يتم التوصل إلى أي رأس خيط يمكن أن يقود لمعرفة هوية القاتل الذي لم يشاهده أحد وهو يدخل شقة ليلي ولا وهو يغادرها
قضية ليلي ضلت لغزا حير الباحثين والمولعين بالألغاز على مر السنين , وقد اشتهرت القضية في الصحافة بأسم "مصاص دماء الأطلس" , وطبعا تم التطرق إليها كثيرا كدليل على وجود مصاصي الدماء , فجسد الضحية كما أسلفنا كان خاليا من الدم , وهناك هالة من الغموض تحيط بالقاتل الذي دخل إلى الشقة وخرج منها من دون أن يلمحه احد , أضف إلى ذلك أن الجريمة حدثت قبل وقت طويل من ظهور أفلام الرعب التي تدور حول مصاصي الدماء , الأمر الذي ينحي تماما فرضية حب التقليد أو التأثير النفسي والسلوكي لتلك الأفلام , وفي الواقع فأن هذه الجزئية بالتحديد قد لا تكون دقيقة تماما , ذلك أن أول الأفلام المعروفة عن مصاصي الدماء هو الفيلم الألماني الصامت "نوسفيراتو" الذي أنتج عام 1922 , أي قبل عشرة أعوام من حدوث الجريمة .
في عام 2012 قيل بأن الشرطة السويدية تحاول فتح القضية مجددا على أمل التوصل للقاتل عن طريقة الحمض النووي المأخوذ عن العينات التي جمعتها الشرطة من مسرح الجريمة آنذاك . لكن من غير المرجح التوصل للقاتل بعد كل هذه السنين , فهو ميت الآن حتما , إلا إذا كان فعلا مصاص دماء !
بقلم : اياد العطار
ك ا ب و س
من جهة أخرى تعد فكرة وجود كائنات ماصة أو شاربة للدم أقدم بكثير من مصاصي دماء هوليوود , حيث توجد أساطير في فلكلور وتراث مختلف الشعوب تتحدث عن وجود كائنات أو وحوش أو شياطين ماصة الدم , وقد حاول البعض تفسير هذا الفلكلور الدموي الضارب في القدم من خلال عدة نظريات وفرضيات لعل أشهرها هي نظرية مرض البورفيريا التي أصبحت الحجة الرئيسية في جعبة منكري وجود مصاص الدماء , على أساس أن مريض البورفيريا يحدث لديه تحسس شديد من ضوء الشمس فيحاول تجنب الخروج نهارا , تماما كمصاص الدماء الذي نشاهده في الأفلام السينمائية والذي يتجنب ضوء الشمس بشدة . لكن من الناحية العلمية يبدو التشابه بين مريض البروفيريا ومصاص الدماء ضئيلا أو يكاد يكون معدوما , فمريض البورفيريا لا يمتص الدماء ولا يفيده مص أو شرب الدماء بشيء , أما من ناحية التحسس لأشعة الشمس فأن أسطورة مصاص الدماء الأصلية لا تتطرق لهذا الجانب غالبا , صحيح أن مصاص الدماء أكثر نشاطا في الليل وغالبا ما يقوم بمص دماء ضحاياه ليلا , لكنه قادر على التجول في النهار وليس لأشعة الشمس تأثير عليه .
عموما نحن لسنا بصدد الخوض في هذا الجدل البيزنطي ولن نضيع وقتنا في محاولة أثبات ما لا يمكن أثباته أو نفي ما لا يمكن نفيه , لكننا طرحنا هذه المقدمة المختصرة تمهيدا لموضوع مقالتنا الذي يتناول حادثة بشعة وجريمة غامضة وقعت قبل عدة عقود وتم الإشارة إليها في بعض الكتب والوثائق كدليل على وجود مصاصي الدماء .
بطلة قصتنا فتاة سويدية تدعى ليلي ليندستروم , في الثانية والثلاثين من العمر , تسكن شقة متواضعة في الطابق الثاني لمنزل مشبوه في منطقة تدعى سانك ايركسبلان وهي من ضواحي العاصمة ستوكهولم آنذاك .
ليس لدينا الكثير لنقوله عن حياة وعمل ليلي , فهي عاهرة , مهنتها ليس فيها تعقيد ولا تحتاج للكثير من الشرح , فهي تستقبل الزبائن في شقتها ولديها عملاء مخلصون , ولا تتردد أيضا بالذهاب لمنازل وشقق زبائنها إذا طلبوا ذلك , ولهذا السبب اقتنت هاتفا , لتسهيل وتسريع استقبال الطلبات والرد عليها , وبسبب ذلك صاروا يسمونها "عاهرة الهاتف" , لأنها الوحيدة التي كانت تمتلك هاتفا في منزل البغاء الذي تعيش فيه .
مهنة الدعارة أو البغاء تبدو بسيطة في الظاهر , إلا أنها ليست مهنة سهلة ولا مربحة على المدى البعيد , فمعظم العاهرات ينتهين ميتات في سن مبكرة بسبب الأمراض والحوادث والمخدرات , وكثيرا ما تتعرض العاهرة للضرب والابتزاز من قبل الزبائن والقوادين وحتى الشرطة .. وبسبب نسبة الخطورة المرتفعة ولأن العاهرات غالبا ما يكن منبوذات اجتماعيا , لذلك تراهن يتعاهدن بعضهن البعض الآخر بالسؤال والعناية والدعم في وقت الشدائد , وعليه فأن غياب ليلي عن الظهور ليوم كامل كان دافعا كافيا لصديقتها ميني جانسون لاستدعاء الشرطة .
ميني التي تعمل عاهرة هي الأخرى وتسكن في شقة بالطابق الأرضي في نفس المنزل الذي تعيش فيه ليلي , أخبرت الشرطة بأنها كانت جالسة مع صديقتها في شقتها حوالي الساعة السابعة والنصف مساءا عندما رن الهاتف , على الطرف الآخر أتى صوت أجش لرجل مجهول اخبر ليلي بأنه متواجد في الجوار وبأنه يود القدوم لشقتها فوافقت على الفور .
ميني قالت بأنها لم ترى الرجل لأنها نزلت إلى شقتها , لكن بعد حوالي النصف الساعة دقت ليلي الباب عليها وطلبت منها أن تعيرها واقيا ذكريا ففعلت , وبعد ذلك بساعة , أي حوالي التاسعة مساءا دقت ليلي الباب مرة أخرى وطلبت واقيا ذكريا آخر , ولاحظت ميني هذه المرة بأن صديقتها عارية تماما وتتدثر بمعطف فقط , وكانت تلك هي آخر مرة تراها فيها .
بعد ساعتين تقريبا ذهبت ميني لشقة صديقتها , دقت الباب مرارا من دون أن تحصل على رد , فظنت بأن ليلي قد ذهبت مع الزبون لشقته . وفي اليوم التالي مرت ميني بشقة صديقتها مجددا , وهذه المرة أيضا طرقت الباب من دون رد , فساورها قلق شديد , فهي تعلم بأن ليلي ما كانت لتوافق على قضاء ليلتها في منزل زبون مجهول .
ميني استدعت الشرطة , وفي عصر يوم 4 مايو / أيار 1932 طرق رجال الشرطة باب شقة ليلي مرارا وتكرارا من دون رد , فقرروا أخيرا كسر الباب , وحين فعلوا ذلك ودخلوا إلى الشقة كانت ليلي بانتظارهم وهي تقبع في سريرها جثة هامدة ووجهها نحو الأسفل . كان من الواضح بأنها ماتت مقتولة بسبب تعرضها لعدة ضربات قوية على مؤخرة رأسها , على الأغلب بواسطة مغرفة معدنية عثر عليها قرب السرير وهي مغطاة بالدماء .
السرير الذي عثر فوقه على جثة ليلي
كانت ليلي عارية تماما , ومن الواضح أنها مارست الجنس قبيل مقتلها مباشرة , إذ كان هناك واقي ذكري يتدلى بين فخذيها , وكان جسدها , وخصوصا رقبتها وكتفها مغطى باللعاب على نحو غريب . أما أغرب ما في القضية فهو أن جسدها كان خاليا من الدم تماما أو يكاد.
ولم يكن في الشقة ما يدل على حدوث أي عنف أو مقاومة , كان كل شيء مرتبا وفي مكانه , حتى ثياب ليلي كان مطوية بعناية فوق كرسي إلى جوار السرير . وكان واضحا بأن الغرض من الجريمة لم يكن السرقة .
المحققون ظلوا في حيرة من أمرهم بسبب هذه الجريمة الغامضة , ولم يكن إمامهم سوى القيام بحملة مداهمات والتحقيق مطولا من زبائن ليلي المعروفين , لكن لم يتم التوصل إلى أي رأس خيط يمكن أن يقود لمعرفة هوية القاتل الذي لم يشاهده أحد وهو يدخل شقة ليلي ولا وهو يغادرها
قضية ليلي ضلت لغزا حير الباحثين والمولعين بالألغاز على مر السنين , وقد اشتهرت القضية في الصحافة بأسم "مصاص دماء الأطلس" , وطبعا تم التطرق إليها كثيرا كدليل على وجود مصاصي الدماء , فجسد الضحية كما أسلفنا كان خاليا من الدم , وهناك هالة من الغموض تحيط بالقاتل الذي دخل إلى الشقة وخرج منها من دون أن يلمحه احد , أضف إلى ذلك أن الجريمة حدثت قبل وقت طويل من ظهور أفلام الرعب التي تدور حول مصاصي الدماء , الأمر الذي ينحي تماما فرضية حب التقليد أو التأثير النفسي والسلوكي لتلك الأفلام , وفي الواقع فأن هذه الجزئية بالتحديد قد لا تكون دقيقة تماما , ذلك أن أول الأفلام المعروفة عن مصاصي الدماء هو الفيلم الألماني الصامت "نوسفيراتو" الذي أنتج عام 1922 , أي قبل عشرة أعوام من حدوث الجريمة .
في عام 2012 قيل بأن الشرطة السويدية تحاول فتح القضية مجددا على أمل التوصل للقاتل عن طريقة الحمض النووي المأخوذ عن العينات التي جمعتها الشرطة من مسرح الجريمة آنذاك . لكن من غير المرجح التوصل للقاتل بعد كل هذه السنين , فهو ميت الآن حتما , إلا إذا كان فعلا مصاص دماء !
بقلم : اياد العطار
ك ا ب و س