[you] هذا من أجمل ما قرأت من مواضيع
الهمة: هي الباعث على الفعل، وتوصف بعلو أو سفول..
قال أحد الصالحين: همتك فاحفظها، فإن الهمة مقدمة الأشياء، فمن صلحت له همته وصدق فيها، صلح له ما وراء ذلك من الأعمال
الهمــــــــة محلها القلـــــــــــــب
الهمة عمل قلبي، والقلب لا سلطان عليه لغير صاحبه، وكما أن الطائر يطير بجناحيه، كذلك يطير المرء بهمته، فتحلق به إلى أعلى الآفاق، طليقةًً من القيود التي تكبل الأجساد..
إن يَسْلُب القوم العِدا مُلْــــكِي وتُسْلِمني الجموعْ
فالقلب بين ضُلُـــــوعِهِ لم تُسْلِمِ القلبَ الضلوعْ
ونقل ابن قتيبة عن بعض كتب الحكمة :
" ذو الهمة إن حُطَّ، فنفسه تأبى إلا عُلُوّاً، كالشعلة ِ من النار يُصَوِّبُها صاحبها، وتأبى إلا ارتفاعا "
همَّــــــــــــة المؤمـــن أبلغ من عملـــــــــــه
قال صلى الله عليه وسلم:" من همَّ بحسنة، فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنة كاملة " رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم: " من سأل الله الشهادة بصدقٍ، بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه " رواه مسلم وغيره
وقال صلى الله عليه وسلم فيمن تجهز للجهاد، ثم أدركه الموت: " قد أوقع الله أجره على قدر نيته " رواه الإمام أحمد وغيره
وقال صلى الله عليه وسلم : " ما من امرئٍ تكون له صلاة بليل، فغلبه عليها نوم ، إلا كُتب له أجر صلاته، وكان نومه صدقةً عليه " رواه النسائي وأبو داود
وقد يتفوق المؤمن بهمته العالية كما بيَّن ذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في قوله:
" سبق درهم مائة ألف "، قالوا: يا رسول الله ، كيف يسبق درهم مائة ألف ؟! ،
قال:" رجل كان له درهمان ، فأخذ أحدهما ، فتصدق به ، وآخر له مال كثير ،
فأخذ من عَرْضها مائة ألف "رواه أحمد وغيره
خصائص كبير الهمـــــــــــة
يا عالـــــــــــــــي الهمَّــــة..
بقَدْر ما تَتَعنَّى ، تنالُ ما تتمنَّى
إن عالي الهمة يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل غايته، وتحقيق بغيته، لأنه يعلم أن المكارم منوطة بالمكاره، وأن المصالح والخيرات، و اللذات و الكمالات كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب :
بَصُرتُ بالراحة الكبرى فلم أرها *** تُنال إلا على جسر من التعب
****
فقل لِمُرَجِّي معالي الأمور *** بغير اجتهاد: رجوتَ المحالا
****
أحزان قلبي لا تزول *** حتى أبشر بالقبول
وأرى كتابي باليمين *** وتُسَرَّ عيني بالرسول
****
عالي الهمة يُرى منطلقاً بثقة وقوة وإقدام نحو غايته التي حددها على بصيرة وعلم، فيقتحم الأهوال، ويستهين الصعاب ..
****
ذريني أنـل ما لا يُنـال من العُـلا *** فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل
تريدين إدراك المعالي رخيصة *** ولا بُدَّ دون الشَّهْدِ من إبر النحْلِ
****
من أراد الجنة سلعةَ الله الغالية لم يلتفت إلى لوم لائم، ولا عذل عاذل، ومضى يكدح في السعي لها
قال تعالى: ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا )
وقال صلى الله عليه وسلم: " من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة "
كبيــر الهمــة لا ينقُضُ عَزْمه
قال تعالى : ( فإذا عزمت فتوكل على الله )
قال جعفر الخلدي البغدادي : " ما عقدت لله على نفسي عقدا ، فنكثته "
علام يندم كبير الهمة؟
يندم على ساعة مرت به في الدنيا لم يعمرها بذكر الله عز وجل ، قال صلى الله عليه وسلم : " ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها "
يا كبير الهمة : لا يضرك التفرد ، فإن طرق العلاء قليلة الإيناس
فعالي الهمة ترقى في مدارج الكمال بحيث صار لا يأبه بقلة السالكين، ووحشة الطريق لأنه يحصل مع كل مرتبة
يرتقي إليها من الأنس بالله ما يزيل هذه الوحشة ، و إلا انقطع به السبيل ..
عالي الهمة لا يرضى بالدون ولا يرضيه إلا معالي الأمور
إن عالي الهمة يعلم أنه إذا لم يزد شيئا في الدنيا فسوف يكون زائدا عليها ، ومن ثم فهو لا يرضى بأن يحتل هامش الحياة ، بل لابد أن يكون في صلبها ومتنها عضوا مؤثرا
إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يدا * ولم أقتبس علما فما هو من عمري
إن كبير الهمة نوع من البشر تتحدى همته ما يراه مستحيلا ، وينجز ما ينوء به العصبة أولو القوة ،
ويقتحم الصعاب والأهوال لا يلوي على شيء
له همم لا منتهى لكبارها وهمته الصغرى أجل من الدهر
ندرة كبيريّ الهمة في الناس
يصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " تجدون الناس كإبل مائة ، لا يجد الرجل فيها راحلة "
وهم في الناس ثلة من الأولين ، وقليل من الآخرين
وقد كانوا إذا عدوا قليلا فقد صاروا أعز من القليل .
عالي الهمة لا يرضى بما دون الجنة
إن كبير الهمة لا يعتد بما له فناء ، ولا يرضى بحياة مستعارة ، ولا بقُنيةٍ مستردة ، بل همه قنية مؤبدة ، وحياة مخلدة ، فهو لا يزال يحلق في سماء المعالي ، و لا ينتهي تحليقه دون عليين ، فهي غايته العظمى ، وهمه الأسمى..
عالي الهمة شريف النفس يعرف قدر نفسه
وعالي الهمة يعرف قدر نفسه ، في غير كبر، و لا عجب ، ولا غرور ، وإذا عرف المرء قدر نفسه ، صانها عن الرذائل ، وحفظها من أن تهان ، ونزهها عن دنايا الأمور ، و سفاسفها في السر والعلن ، وجنبها مواطن الذل بأن يحملها ما لا تطيق أو يضعها فيما لا يليق بقدرها ، فتبقى نفسه في حصن حصين ، وعز منيع لا تعطى الدنية ، و لا ترضى بالنقص ، ولا تقنع بالدون ..
كبير الهمة عصامي لا عظامي
فكبير الهمة عصامي يبني مجده بشرف نفسه ، لا اتكالا على حسبه ونسبه ، و لا يضيره ألا يكون ذا نسب ، فحسبه همته شرفا ونسبا ، فإن ضم كبر الهمة إلى نسب كان كعقد علق على جيد حسناء ..
الحث على علو الهمة في القرآن والسنة
تواردت نصوص القرآن والسنة على حث المؤمنين على ارتياد معالي الأمور ، والتسابق في الخيرات ، وتحذيرهم من سقوط الهمة ، وتنوعت أساليب القرآن في ذلك ..
فمنها: ذم ساقطي الهمة وتصويرهم في أبشع صورة :
( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون )
ومنها: ثناؤه سبحانه على أصحاب الهمم العالية وفي طليعتهم الأنبياء والمرسلون
وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم..
( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل )
ومنها : أنه عبر سبحانه عن أوليائه الذين كبرت همتهم بوصف الرجال في مواطن البأس والجلد والعزيمة والثبات على الطاعة ، والقوة في دين الله
( فيه رجال يحبون أن يطهروا والله يحب المطهرين )
( يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة )
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )
ومنها : أنه سبحانه أمر المؤمنين بالهمة العالية ، والتنافس في الخيرات ..
( فاستبقوا الخيرات )
أما السنة الشريفة فمليئة بالكثير من الصور ..
قال صلى الله عليه وسلم: ( إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها )
وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( إن الله تعالى يحب معالي الأمور ، ويكره سفاسفها )
وقال صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه: ( إذا سأل أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه عز وجل )
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ..
فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة )
***********
كبر الهمة يجلب لك بإذن الله خيرا غير مجذوذ ، ويجري في عروقك دم الشهامة والركض في ميدان العلم والعمل ، فلا ترى واقفا إلا على أبواب الفضائل ، ولا باسطا يديك إلا لمهمات الأمور ..
إن التحلي بكبر الهمة يسلب منك سفاسف الآمال والأعمال ، ويجتث منك شجرة الذل والهوان والتملق والمداهنة ..