الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أحبائي بهذا الصرح الشامخ المتألق؛ ها هي أيام العشر الأول من ذي الحجة, أيام الخير والبركة هلت علينا حاملة بشائر الأجر ونسائم الفضل, يستعد لها الموفقون, ويسعد بها الطائعون, ويطمع في بركتها الصالحون, فأين أنتم في هذه الأيام العشر المباركة ؟ وماذا أعددتم لها واغتنامها والتزود فيها ؟.
في هذه الصفحة أقدم لكم بيانا بفضيلة هذه الأيام المباركة, ودعوة للاستفادة من هذه الأوقات الفاضلة, سائلة الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم التوفيق لما يحبه ويرضاه.
فضل عشر ذي الحجة
أخرج البخاري وأبو داود والترمذي وغيرهم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ" فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ".
وفي رواية عند الطبراني في الكبير: "مَا مِنْ أَيَّامٍ يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ فِيهَا بِعَمَلٍ أَفْضَلَ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ".
وفي رواية عند الدارمي:"مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ أَعْظَمَ أَجْراً مِنْ خَيْرٍ تَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الأَضْحَى".
وأخرج الطيالسي عن عبد الله بن عمرو قال: حضرت رسول الله وذكر عنده أيام الْعَشْرِ فقال: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْعَمَلُ فِيهِ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ".
ذلك بعض ما أشار إليه حبيبنا المصطفى من فضيلة هذه الأيام, ولما كان الصحابة قد استقر عندهم أن الجهاد ذروة سنام الإسلام وأعظم الأعمال, فقد سألوا النبي عن العمل الصالح في هذه الأيام هل يسبق في الأجر والدرجة تلك الفريضة الكريمة السامية؟ فبين النبي أن الجهاد لا يسبق العمل الصالح في هذه الأيام إلا في حالة واحدة, وهي أن يخرج المجاهد مخاطراً بماله ونفسه فينال الشهادة ويفقد المال ولا يرجع بشيء, وقد أخرج أحمد وغيره من طرق يقوي بعضها بعضا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَذُكِرَتْ الْأَعْمَالُ فَقَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ فِيهِنَّ أَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ الْعَشْرِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: فَأَكْبَرَهُ, قَالَ "وَلَا الْجِهَادُ إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ رَجُلٌ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ تَكُونَ مُهْجَةُ نَفْسِهِ فِيهِ".
وأخرج ابن حبان عن جابر قال: قال رسول الله : "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ", قال: فقال رجل: يا رسول الله، هُنَّ أَفْضَلُ أم عِدَّتُهِنَّ جِهَاداً فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قال: " هُنَّ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَاداً فِي سَبِيلِ اللهِ..."الحديث
قال ابن رجب في فتح الباري: " هذا الحديث نص في أن العمل المفضول يصير فاضلا إذا وقع في زمان فاضل, حتى يصير أفضل من غيره من الأعمال الفاضلة؛ لفضل زمانه, وفي أن العمل في عشر ذي الحجة أفضل من جميع الأعمال الفاضلة في غيره. ولا يستثنى من ذلك سوى أفضل أنواع الجهاد, وهو أن يخرج الرجل بنفسه وماله, ثم لا يرجع منهما بشيء.
وقد سئل : أي الجهاد أفضل ؟ قالَ: "مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ, وَأُهْرِيقَ دَمُهُ".
وسمع رجلا يقول: اللَّهُمَّ اعطني أفضل ما تعطي عبادك الصالحين، فقالَ لهُ: "إِذَنْ يُعْقَرُ جَوَادُكَ, وَتُسْتَشْهَدُ".
فهذا الجهاد بخصوصه يفضل على العمل في العشر, وأما سائر أنواع الجهاد مع سائر الأعمال, فإن العمل في عشر ذي الحجة أفضل منها. انتهى كلام ابن رجب.
ومن ثم اجتهد الموفقون في صالح الأعمال في هذه الأيام, وكان سعيد بن جبير -راوي الحديث عن ابن عباس- "إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَاداً شَدِيداً حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ" [أخرجه الدارمي].
وكان يدعو إلى عدم إطفاء السرُج, كناية عن طول القيام وكثرة الأعمال الصالحة في هذه الأيام المباركة.
فأين أنتم من هذا الخير العظيم ؟
(1) أين أنتم من التعرض لنفحات رحمة الله في أيام العشر ؟
أخرج الطبراني في الكبير وفي الدعاء, والبيهقي في الشعب وفي الأسماء والصفات, وأبو نعيم في معرفة الصحابة, والقضاعي في مسند الشهاب عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "افْعَلُوا (وفي رواية: اطلبوا) الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ (زاد في رواية: كله)، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ, فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ, وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ, وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ".
قال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني وإسناده رجاله رجال الصحيح غير عيسى بن موسى بن إياس بن البُكير وهو ثقة.
وأخرجه الطبراني في الدعاء والبيهقي في الشعب وابن أبي الدنيا في (الفرج بعد الشدة) عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "اطلبوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ" فذكره بمثله.
وأخرج الطبراني في الكبير وفي الأوسط عَنْ مُحَمَّدِ ابن مسلمة الأنصاري قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :"إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، لَعَلَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْهَا، فَلا تَشْقَوْنَ بَعْدَهَا أَبَدًا".
قال الهيثمي في المجمع: وفيه من لم أعرفهم ومن عرفتهم وُثِّقوا.
وأخرج الدولابي في الكنى والأسماء نحو ذلك عن ابن عمر .
وأخرج الرامهرمزي في المحدث الفاصل عن محمد بن سعيد قال: لما مات محمد بن مسلمة الأنصاري, وجدنا في ذؤابة سيفه كتابا: بسم الله الرحمن الرحيم, سمعت النبي يقول: "إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي بَقِيَّةِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ, لَعَلَّ دَعْوَةً أَنْ تُوَافِقَ رَحْمَةً يَسْعَدُ بِهَا صَاحِبُهَا سَعَادَةً لَا يَخْسَرُ بَعْدَهَا أَبَداً"
والتعرض لنفحات رحمة الله يكون بكثرة الدعاء والسؤال في هذه الأوقات الفاضلة باعتبارها أوقات إجابة وتفضل من الله تعالى, فهل تحرص أيها الأخ الحبيب على ورد من الدعاء فيها ؟ وهل تحرص على أن تجعل لدعوتك ولإخوانك ولأمتك نصيبا موفورا من الدعوات المباركة في هذه الأيام ؟ وهل تخص بمزيد من صادق الدعوات إخوانك المجاهدين أهل الرباط في فلسطين وغيرها من ديار الإسلام ؟ أسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يرضيه, وأن يستر عوراتنا ويؤمن روعاتنا وينصر مجاهدينا, إنه على كل شيء قدير.
(2) أين أنتم من التوبة النصوح في الأيام العشر ؟
فهذه أيام يقبل الله فيها على خلقه، ويقبل التوبة ممن تاب, فهل تكون مع أولياء الرحمن المؤمنين الذين استجابوا لنداء الله {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً} [التحريم: 8]
ها هو الحق سبحانه ينادي على المذنب الذي يئس من رحمته {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:87].
ويقول لمن قنط من رحمة ربه {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} [الحجر: 57].
يقول للذي ملأت الذنوب حياته، وشغلت الشهوات أيامه، وغرق فيها غرقا إلى أذنيه: "لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً".
فلنبادر إلى اغتنام نفحات رحمة الله في هذه الليالي والأيام المباركة, بدءاً بالاصطلاح مع الله والتوبة الصادقة إليه, والله يتولى توفيقنا جميعا لما يحب ويرضى.
(3) أين أنتم من الذكر في أيام العشر ؟
أخرج أحمد وأبو عوانة وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ, فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ". وهو حديث حسن بمجموع طرقه.
وأخرج البيهقي في الشعب نحوه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا ِمْن أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ وَلَا الْعَمَلُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ, فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ، فإنها أيام التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَذِكْرِ اللهِ, وَإِنَّ صِيَامَ يَوْمٍ مِنْهَا يَعْدِلُ بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَالْعَمَلُ فِيهِنَّ يُضَاعَفُ سَبْعَمِائَةِ ضِعْفٍ".
قال البخاري: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ, وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا, وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ.
وهؤلاء الصحابة إنما يفعلون ذلك امتثالاً لقوله تعالى {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ} [الحج: 37].
فلنكثر من التكبير والتهليل والتحميد والذكر, وبخاصة أذكار الصباح والمساء والأحوال المختلفة, وفي أدبار الصلوات.
(4) أين أنتم من الصيام في أيام العشر ؟
الصيام من أفضل الأعمال التي ندب إليها الإسلام وحض عليها, فقد أخرج الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا".
وأفضل ما يكون صيام النوافل في الأيام الفاضلة المباركة, وأعلاها فضلا وأكملها أجرا هذه الأيام العشر المباركة, ومن ثَمَّ كان صيامُها من أفضل الأعمال, وحديث ابن عباس في فضل الأيام العشر أورده الأئمة تحت عنوان (باب فضل صيام العشر) وقال ابن حجر في فتح الباري: "اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى فَضْلِ صِيَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِانْدِرَاجِ الصَّوْمِ فِي الْعَمَلِ, وَاسْتَشْكَلَ بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ يَوْمَ الْعِيدِ, وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ"
وأما الحديث الذي أخرجه مسلم وغيره عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ".
فقد قال النووي في شرح مسلم: "قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا الْحَدِيث مِمَّا يُوهِم كَرَاهَة صَوْم الْعَشَرَة, وَالْمُرَاد بِالْعَشْرِ هُنَا: الْأَيَّام التِّسْعَة مِنْ أَوَّل ذِي الْحِجَّة, قَالُوا: وَهَذَا مِمَّا يُتَأَوَّل فَلَيْسَ فِي صَوْم هَذِهِ التِّسْعَة كَرَاهَة, بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّة اِسْتِحْبَابًا شَدِيدًا لَا سِيَّمَا التَّاسِع مِنْهَا, وَهُوَ يَوْم عَرَفَة... فَيَتَأَوَّل قَوْلهَا: لَمْ يَصُمْ الْعَشْر, أَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ لِعَارِضِ مَرَض أَوْ سَفَر أَوْ غَيْرهمَا, أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ صَائِمًا فِيهِ، وَلَا يَلْزَم عَنْ ذَلِكَ عَدَم صِيَامه فِي نَفْس الْأَمْر، وَيَدُلّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل حَدِيث هُنَيْدَة بْن خَالِد عَنْ اِمْرَأَته عَنْ بَعْض أَزْوَاج النَّبِيّ قَالَتْ: "كَانَ رَسُول اللَّه يَصُوم تِسْع ذِي الْحِجَّة, وَيَوْم عَاشُورَاء, وَثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر: الِاثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْر وَالْخَمِيس" وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا لَفْظه وَأَحْمَد وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَتهمَا (وَخَمِيسَيْنِ). وَاَللَّه أَعْلَم".
وزاد ابن حجر تأويلاً آخر لحديث عائشة, وهو "احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ, كَمَا رَوَاهُ الصَّحِيحَانِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا".
ويؤيد فضيلة صيام هذه الأيام ما أخرجه الترمذي وابن ماجه بسند فيه ضعف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ, يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ" ,
قال ابن حجر: "وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي اِمْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمَكَانِ اِجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهِ, وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ, وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ ".
(5) أين أنتم من قيام الليل في أيام العشر ؟
يقول الصالحون: دقائق الليل غالية، فلا ترخّصوها بالغفلة. وأغلى ما تكون دقائق الليل في الأيام والليالي الفاضلة.
في هذه الأيام والليالي المباركة ينادي رب العزة المتأخرين ليتقدموا, والمقصرين لينشطوا، ومن فاتته الحسنات فيما مضى ليدرك نفسه ويعوض خسارته في هذه الأيام بقيام الليل، {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مُّحْمُوداً} [الإسراء: 79], {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 1-4], {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل: 20]، فهل تحب أن تكون مع الطائفة التي مع رسول الله ؟
هل تحب أن تدخل في هذه الآية التي خُتمت بالمغفرة والرحمة؟
كلما أوغلت في الليل كان القيام بين يدي الله ألذَّ لك، حيث يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ (أخرجه الشيخان).
إذا وجدت قدميك خفيفتان إلى صلاة الليل؛ فاعلم أن هذه علامة حب الله لك، إذ لولا أنه يحبك لما جعلك أهلا لمناجاته.
أخرج ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ : "مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلاَةِ وَالذِّكْرِ إِلاَّ تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ".
الله ينتظرك في شوق, ويلقاك بحب, فأين أنت؟!
يا رجال الليل جدوا *** رب داع لا يرد
لا يقوم الليل إلا *** من له عزم وجد
فليكن لنا نصيب موفور من هذا الخير في هذه الأيام المباركة.ولا بأس أن يجتمع الناس لقيام الليل في جماعة, تشجيعا للخامل وتنشيطا للكسول.