كيرا تعيش بشخصيتين منفصلتين، ممرضة في النهار، ومصاصة دماء في الليل. وهي تحاول قدر الإمكان أن تبقي على الأمر سرا، فلا أحد في المستشفى الذي تعمل فيه يعلم بحقيقة ما تفعله في الليل، ولا بأنها من الأعضاء المؤسسين لتحالف مصاصي دماء أتلانتا.
وبعيدا عن كيرا وبلفزار .. داخل منزل هادئ ومنعزل في وسط انجلترا .. في حجرة معتمة إلا من نور أحمر خافت، يقبع تابوت أسود أنيق ذو بطانة حمراء. داخل التابوت تتمدد امرأة تطلق على نفسها أسم السيدة "V ". ملابسها السوداء، وعيونها الحمراء، والنابان الطويلان اللذان يلوحان في ثغرها .. كل ذلك يوحي بأنها قد تكون جزءا من فلم سينمائي عن مصاصي الدماء .. لكن الأمر ليس كذلك .. فحين تدق الساعة الثانية عشر إيذانا بحلول منتصف الليل، تنهض السيدة "V " من تابوتها، تتثاءب قليلا، ثم تمد يدها نحو قدح زجاجي موضوع فوق منضدة خشبية بجوار التابوت، في قعر القدح هناك سائل أحمر قاني، تقربه السيدة "V " من فمها وتأخذ منه بضعة رشفات بشغف كبير، كأنها ترتشف قهوة الصباح! .. وتعقب قائلة : "الدم هو الشيء الوحيد الذي يطفئ ظمأى، ويجعلني أشعر باني حية فعلا".
وفي صباح اليوم التالي تترك السيدة "V " منزلها متوجهة إلى عملها، لكنها تبدو الآن سيدة عادية في منتصف العمر ترتدي ملابس بسيطة، قميص ابيض وبنطال جينز ازرق. اختفى النابان وتبخرت العيون الحمراء .. كل شيء في مظهرها أختلف .. حتى الاسم أختلف، فأسمها الآن هو السيدة سوزي بارك، وهي تعمل كمتطوعة في مركز للأطفال المعاقين لتعليمهم القراءة والطهي والغناء.
ما الذي حدث ؟ .. وما هذا التحول الكبير ؟ .. شتان ما بين السيدة "V " المخيفة والسيدة بارك اللطيفة!.
تلاحظ سوزي دهشتنا فتضحك قائلة : "نعم أنها أنا السيدة "V " .. لكن بزي الصباح!" .. ثم تشرح لنا قصتها فتقول : "طوال عمري كنت أشعر بأن هناك شيئا ما مفقود في حياتي، الأمر أشبه بحكة في جلدك لا تستطيع الخلاص منها أبدا مهما حككتها. ثم حدث قبل ستة أعوام أن قابلت رجلا يدعى اللورد سباستيان، وهو مصاص دماء ساعدني وأرشدني كي أجد طريقي إلى عالم الدم .. ومنذ اللحظة الأولى التي تذوقت فيها طعم الدم البشري عرفت بأني وقعت على الشيء المفقود في حياتي. علمت بأني عثرت على نفسي أخيرا .. وهكذا ولدت السيدة V ".
تقول سوزي بأنها تعرفت إلى مصاصي الدماء الواقع (1) أول مرة عام 2003 حين قابلت اللورد سباستيان في أحد النوادي الليلية، وتصف اللورد قائلة : "كان طويلا ونحيفا، يرتدي عباءة سوداء تكاد تلامس الأرض، شعره أسود طويل يصل حتى خصره، أخذني معه إلى بيت قديم في ضواحي المدينة يطلقون عليه أسم بيت الموتى السابقين، وهو مقر عشيرة من مصاصي الدماء الذين علموني كيف أحيا كمصاصة دماء".
بمرور الوقت وجدت سوزي لنفسها مكانا داخل العشيرة، كان عليها الالتزام بقوانينهم، وأهمها السرية والكتان، إضافة إلى عدم أكل الثوم أو الاقتراب منه. كانت تخرج معهم أحيانا في جولات ليلية تحت ضوء القمر في شوارع المدينة، ثم تعود للنوم في التابوت المخصص لها. ولكي تصبح عضوا كاملا في العشيرة كان عليها أن تجتاز الاختبار الأهم في حياة كل مصاص دماء .. ألا وهو شرب الدم .. وعن ذلك تقول سوزي : "أخذوني إلى غرفة سرية يسمونها الغرفة الجهنمية، لم أكن خائفة ولا قلقة، بالعكس كنت أشعر بالإثارة، فهذه كانت بالنسبة لي خطوة أخرى على الطريق كي أصبح مصاصة دماء حقيقية .. داخل الغرفة شاهدت اللورد سباستيان، كان يمسك بسكين، قطع بها أحد عروقه وجعل الدم يتدفق إلى قدح برونزي قديم، ثم قدم القدح لي، فأخذته وشربته من دون أي تردد، كان الدم ما يزال دافئا وله طعم المعدن، وما أن أستقر في جوفي حتى شعرت بنشوة كبيرة .. كأنما أعطاني حياة جديدة .. أنه أشبه بشعور عودتك إلى المنزل بعد غياب طويل".
فرحة سوزي باجتيازها للاختبار لم تدم طويلا، فبعد مدة قتل اللورد سباستيان في حادث سيارة، وبموته أنفرط عقد العشيرة، تفككوا ولم يعودوا يلتقون كسابق عهدهم، لكن ذلك لم يفت في عضد سوزي، فاستمرت في حياتها الجديدة كمصاصة دماء، أشترت تابوتا وأصبحت تمارس طقوس الدم لوحدها في المنزل. ولم تمض فترة طويلة حتى تعرفت عن طريق الانترنت على شاب يدعى بول، والذي أصبح زوجها لاحقا.
بول لم يكن مصاص دماء، لكنه كان مغرما بالثقافة القوطية (2) ، لهذا لم يرى بأسا في سلوك زوجته حين صارحته بحقيقة كونها مصاصة دماء، بالعكس، وجد الأمر مسليا .. فملابسها السوداء .. وأنيابها الطويلة .. وعدساتها اللاصقة الحمراء .. كانت تثيره جدا .. خصوصا حينما تأتيه ليلا وهي تزحف وتزأر كأنها وحش مسعور .. تقترب منه ببطء ثم تطبق أنيابها على عنقه، لم تكن تعضه طبعا، بل تمتص الطاقة من جسده من دون أن تجرحه، فسوزي كانت مصاصة دماء هجينة، وهذا النوع من مصاصي الدماء يعتاش على نوعين من الغذاء .. الدم والطاقة الروحية.