بعد الانتهاء من صلاة العصر جلس أبو عثمان في حرم المسجد والتف حوله نفر من المصلين ليستمعوا إليه كعادتهم.. قال سليم- وهو شاب يافع من أهل الحي-:
لقد أوصتني أمي أن أشتري خبزاً بعد الاستماع إلى الدرس.. أرجو أن لا أنسى. لكن أحداً لم يعر كلامه اهتماماً.. فقد اعتادوا منه على مثل ذلك. بعد أن حمد أبو عثمان الله وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم فتح الكتاب وإذ بصوت قوي يتسلل عبر النافذة: الأول: أي حمار أهداك هاتين الأذنين الطويلتين؟؟ الثاني: انظر في المرآة تر أنفاً خلفه وجه، كم تدفع ضريبة لأنفك كل عام؟ الأول: لا ألومك على فظاظتك فقد ورثتها كابراً عن كابر. الثاني: إخرس.. يا صاحب شاربين يحسدك عليهما الجرذ. قال أبو عثمان: لا حول ولا قوة إلا بالله.. ما هكذا يكون المسلم. قال سليم: ولكن يبدو أنهما يتمازحان. أجاب أبو عثمان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء". ولا فرق يا سليم بين الجد والمزاح في هذا الشأن. ارتفع الصوت مرة أخرى وقد انقلب الأمر إلى جد: الأول: لعن الله أباك يا عديم الشرف والمروءة. الثاني: بل لعنة الله على أمثالك أيها الحقير ذو المنبت السيء. الأول: وتتكلم عن أصلي وسمعة أسرتك أخفض من الشعرة على الأرض. الثاني: نعل حذائي بفمك يا أفطس الشؤم. تابع أبو عثمان: من الأفضل أن نقرأ بضع آيات من سورة الحجرات {... ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان... } قال سليم: أرجوك أبا عثمان ما معنى الآيات؟ لم أفهم شيئاً! قال أبو عثمان- متغاضياً عن مقاطعته له-: يأمرنا سبحانه وتعالى أن لا يطعن المسلم بالمسلم، وينهانا جل شأنه عن التنادي بألقاب نكرهها. قاطعه سليم: عندي قصة بهذا المعنى. نبهه أبو عثمان: يمكنك أن تحكيها ولكن عندما انتهي من الكلام. قال سليم: لا تؤاخذني أبا عثمان فأنا كثير النسيان وأخاف أن تفلت مني. فانبرى أحد الحاضرين من كبار السن وطلب من سليم أن يمتنع عن مقاطعة الحديث والانتظار حتى الإنتهاء من الدرس. قال أبو عثمان: قال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} . وقال أبو موسى الأشعري: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل. قال: (من سلم المسلمون من لسانه ويده). ونختتم حديثنا بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الرسول الكريم: (وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم). نكتفي بهذا القدر والحمد لله رب العالمين. قال الرجل المسن: والآن ها قد انتهينا جزاك الله خيراً يا أبا عثمان، أما أنت يا سليم فبإمكانك الآن أن تسرد علينا قصتك؟ سليم: أية قصة؟ الرجل المسن: ألم تقاطع أبا عثمان مراراً لتقص علينا قصة؟؟ سليم: صحيح لقد وعدتكم ولكني نسيت القصة. ضحك الجميع وقال الرجل. إياك أن تنسى الخبز فأمك بالانتظار يا سليم. قال سليم متعجباً: ومن أخبرك بأن أمي طلبت مني شراء الخبز؟