كُلُّ شَيٍء هالكٌ إلاّ وجْهَه
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يقول بديع الزمان سعيد النورسي -رحمه الله: إن النفس تتوهم نفسها حرة مستقلة بذاتها، لذا تدّعى نوعًا من الربوبية، وتضمر عصيانًا حيال معبودها الحق، فبإدراك الحقيقة الآتية ينجو الإنسان من ذلك، وهي: كل شئ بحد ذاته، وبمعناه الأسمي: زائلٌ، مفقود، حادث، معدوم، إلا أنه في معناه الحرفي، وبجهة قيامه بدور المرآة العاكسة لأسماء الصانع الجليل، وباعتبار مهامه ووظائفه: شاهد، مشهود، واجد، موجود.
فتزكيتها في هذه الخطوة هي معرفة: أن عدمها في وجودها ووجودها في عدمها، أي إذا رأت ذاتها وأعطت لوجودها وجودًا، فإنها تغرق في ظلمات عدم يسع الكائنات كلها، يعني إذا غفلت عن مُوجِدها الحقيقي -وهو الله- مغترة بوجودها الشخصي؛ فإنها تجد نفسها وحيدة غريقة في ظلمات الفراق والعدم غير المتناهية، كأنها اليراعة في ضيائها الفردي الباهت في ظلمات الليل البهيم، ولكن عندما تترك الأنانية والغرور ترى نفسها حقًّا أنها لا شيء بالذات، وإنما هي مرآة تعكس تجلِّيات موجدها الحقيقي؛ فتظفر بوجود غير متناهٍ، وتربح وجود جميع المخلوقات.
نعم، من يجد الله فقد وجد كل شيء، فما الموجودات جميعها إلا تجليات أسمائه الحسنى جل جلاله.
أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من دعاة الحق وأنصاره وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه انه على كل شيء قدير. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العُلى أن تجدد الإيمان في قلوبنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}، اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وآخر دعوانا أن والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا الله، أستغفرك وأتوب إليك.