مَن هن الخبيثات ومَن هم الخبيثون؟
ذكر المفسّرون تعاريف مختلفة لـ «الخبيثات» و«الخبيثون» و«الطيبات» و«الطيبون».
1ـ قيل أنّ المراد هو الكلام السيء والتهمة والافتراء والكذب الصادر عن المخطئين والمذنبين من الناس، وعلى العكس من ذلك الكلام الطيّب ما يصدر عن الطيّبين المتطهرين، وحسبما يقول المثل المأثور «ينضح الإناء بما فيه».
2ـ وقيل إن كلمة «الخبيثات» تعني «السيئات» وكل الأعمال السيئة وغير المرغوب فيها التي تصدر عن الخبثاء من الناس، وعلى العكس من ذلك «الحسنات» الخاصّة بالطيبين من الناس.
3ـ «الخبيثات» و «الخبيثون» تعنيان النساء والرجال الساقطين، وهم عكس (الطيبات) و(الطيبون) الخاصتين بالنساء والرجال المتطهرين.
وظاهر الآية قصد هذا المعنى بذاته، حيث هناك قرائن تؤكّد هذا المعنى:
أولاً: جاءت هذه الآيات إثر آيات الإفك ـ وبعد آية ï´؟الْزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة والْزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحهَا إَلاّ زَاِنٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِيْنَï´¾ وهذا التّفسير ينسجم مع مفهوم تلك الآيات.
ثانيًا: إن جملة ï´؟أُوْلَئِكَ مُبَرّءُونَ مِمَّا يَقُوْلُوْنَï´¾ التي تقصد الرجال والنساء الطاهرين من الدَنَس دليل آخر على صحة هذا التّفسير.
ثالثًا: قرينة المقابلة لجمع المذكر السالم في «الخبيثون» حيث يقصد بها الرجال الخبيثون، فمن ذلك يُعلم أن الخبيثات جمع مؤنث حقيقي، وتعني النساء الساقطات.
رابعًا: إضافةً إلى ذلك روي حديث عن الإمامين الباقر والصّادق (عليهما السلام) «إنّ هذه الآية كآية ï´؟الْزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَةï´¾ همّ رجال ونساء كانوا على عهد رسول الله 6 مشهورين بالزنا فنهى الله عن أُولئك الرجال والنساء والناس على تلك منزلة..»[1].
كما نقرأ في روايات كتاب النكاح، كيف كان أصحاب الإمام يستفسرون منه أحياناً عن الزواج بالخبيثات فيجيبهم سلبًا. وهذا يدل على أن الخبيثة تعني المرأة الساقطة، وليس الكلام السيء ولا العمل المنحط[2].
والسؤال الآخر: هل أن خبث هذه المجموعة من النساء والرجال أو طيبهم يرادبه الشرف والعفّة، أو يتعلّق بانحطاط في الفكر أو العمل أو القول؟
إنَّ المفهوم الأوّل للآية هو الأصوب، لأنّه يطابق ما جاء في الآيات والأحاديث، لكنَّ بعضَ الأحاديث يعطي معنىً واسعاً لكلمتي الخبيث والطيب اللتين وردتا في هذه الآيات، ولا يحصرهما بالانحطاط الخلقي وطهارة الشخص.
وعلى هذا فلا يبعد أن يكون مفهوم الآية الأولى خاصًا بذلك المعنى الخاص، إلاّ أنه بملاحظة الملاك والغاية من الحكم يمكن تعميمه وتوسعته.
وبتعبير آخر: إن الآية السابقة بيان لميل الصنو إلى صنوه، رغم اختصاصها من حيث الموضوع يبحث العفّة والإنحطاط الخلقي، «تأملوا جيدًا».
هل هذا حكم تكويني أم تشريعي؟
لا شكّ في أن الأمثال التالية تشير إلى سنة تكوينيّة تطبق على المخلوقات جميعًا، حتى على ذرات الوجود في الأرض والسماء، وهي جذب الشيء لنظيره كما يجذب الكهرب التبن:
أصحاب النور ينجذبون إلى أصحاب النور.
وأصحاب النّار يميلون إلى أصحاب النّار.
و«السنخية علّة الانظمام» كما يقول المثل.
وعلى كل حال، فإن كل صنو يتبع صنوه، وكل مجموعة متجانسة ترتاح لأفرادها، إلاّ أنّ هذه الحقيقة لا تمنع من كون الآية السابقة كما هي عليه الآية ï´؟الْزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحهَا إَلاّ زَاِنٍ أَوْ مُشْرِكٌï´¾ إشارة إلى حكم شرعي يمنع الزواج من النساء اللواتي اشتهرن بالعمل المخلّ بالشرف.
أليس لجميع الأحكام التشريعية جذور تكوينية؟
أليس هناك انسجام بين السنن الإِلهية، التشريعية منها والتكوينية؟
وهناك يواجهنا استفسار وهو: إننا نشاهد عبر التاريخ أو في حياتنا حالات لا تنسجم مع القانون السابق؟ ومثال ذلك ما جاء في القرآن المجيد ï´؟ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِيْنَ كَفَرُوْا امْرَأَة نُوْحٍ وَامْرَأَة لُوْطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَاï´¾[3]... ومقابل هذه الحالة ذكر القرآن المجيد زوجة فرعون مثالا للإيمان والطهارة: ï´؟وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِيْنَ آمَنُوْا امْرَأَةَ فِرْعَوْن إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِيْ عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِيْ مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِه وَنَجِّنِيْ مِنَ الْقَوْمِ الظَّاْلِمِيْنَï´¾[4].
كما شوهد نظير هاتين الحالتين في صدر الإسلام، حيث ابتُليَ بعض قادة المسلمين بنساء سيئات، وآخرون من الله عليهم بنساء مؤمنات جاء ذكرهن في كتب التاريخ الإسلامي.
وفي الجواب عن ذلك نقول أنّه مضافًا إلى أنّ لكل قانون استثناءات، فلابدّ من ذكر مسألتين:
الأولى: قلنا: إنَّ القصد من الخبث الإنحطاط الخلقي والسقوط بارتكاب أعمال مخلة بالشرف، والطيب ضد الخبث، وعلى هذا فجوابُ السؤال السابق يكون واضحًا، لأن نساء الأنبياء والأئمة الأطهار(عليهم السلام)، لم ينحرفن ولم يخبثن أبدًا، وإنّما القصد من الخيانة في قصة نوح ولوط (عليهما السلام)، التجسس لمصلحة الكفّار وليس خيانة شرفهما، وأساسًا إن هذا العيب من العيوب المنفّرة ونعلم أن المحيط العائلي للأنبياء (عليهم السلام) يجب أن يكون طاهرًا من أمثال هذه العيوب المنفّرة للناس حتى لا يتقاطع مع هدف النّبوة في جذب الناس إلى الرسالة الإلهية.
الثانية: إضافة إلى ذلك، فإنّ نساء الأنبياء والإئمّة (عليهم السلام)، لم يكنّ كافرات منذ البداية، بل يصبن بالضلال أحيانًا فيما بعد، ولهذا تستمر علاقة الأنبياء والأولياء بهنّ على ما كانت عليه قبل ضلالهنّ، كما أنّ أمرأة فرعون لم تكن مؤمنة بربّ موسى حين زواجها، إذ أنّ موسى (عليه السلام) لم يكن قد وُلِدَ بعد، وقد آمنت برسالته السماوية بعد أن بعثه الله، ولم يكن لها مخرج إلاّ بمواصلة حياتها الزوجية والكفاح، حتّى انتهت حياتها باستشهادها.
الخبيثون للخبيثات
قراءة ممتعة ....ولاتنسي أن تكتب كلمة شكر للموقع
ذكر المفسّرون تعاريف مختلفة لـ «الخبيثات» و«الخبيثون» و«الطيبات» و«الطيبون».
1ـ قيل أنّ المراد هو الكلام السيء والتهمة والافتراء والكذب الصادر عن المخطئين والمذنبين من الناس، وعلى العكس من ذلك الكلام الطيّب ما يصدر عن الطيّبين المتطهرين، وحسبما يقول المثل المأثور «ينضح الإناء بما فيه».
2ـ وقيل إن كلمة «الخبيثات» تعني «السيئات» وكل الأعمال السيئة وغير المرغوب فيها التي تصدر عن الخبثاء من الناس، وعلى العكس من ذلك «الحسنات» الخاصّة بالطيبين من الناس.
3ـ «الخبيثات» و «الخبيثون» تعنيان النساء والرجال الساقطين، وهم عكس (الطيبات) و(الطيبون) الخاصتين بالنساء والرجال المتطهرين.
وظاهر الآية قصد هذا المعنى بذاته، حيث هناك قرائن تؤكّد هذا المعنى:
أولاً: جاءت هذه الآيات إثر آيات الإفك ـ وبعد آية ï´؟الْزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة والْزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحهَا إَلاّ زَاِنٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِيْنَï´¾ وهذا التّفسير ينسجم مع مفهوم تلك الآيات.
ثانيًا: إن جملة ï´؟أُوْلَئِكَ مُبَرّءُونَ مِمَّا يَقُوْلُوْنَï´¾ التي تقصد الرجال والنساء الطاهرين من الدَنَس دليل آخر على صحة هذا التّفسير.
ثالثًا: قرينة المقابلة لجمع المذكر السالم في «الخبيثون» حيث يقصد بها الرجال الخبيثون، فمن ذلك يُعلم أن الخبيثات جمع مؤنث حقيقي، وتعني النساء الساقطات.
رابعًا: إضافةً إلى ذلك روي حديث عن الإمامين الباقر والصّادق (عليهما السلام) «إنّ هذه الآية كآية ï´؟الْزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَةï´¾ همّ رجال ونساء كانوا على عهد رسول الله 6 مشهورين بالزنا فنهى الله عن أُولئك الرجال والنساء والناس على تلك منزلة..»[1].
كما نقرأ في روايات كتاب النكاح، كيف كان أصحاب الإمام يستفسرون منه أحياناً عن الزواج بالخبيثات فيجيبهم سلبًا. وهذا يدل على أن الخبيثة تعني المرأة الساقطة، وليس الكلام السيء ولا العمل المنحط[2].
والسؤال الآخر: هل أن خبث هذه المجموعة من النساء والرجال أو طيبهم يرادبه الشرف والعفّة، أو يتعلّق بانحطاط في الفكر أو العمل أو القول؟
إنَّ المفهوم الأوّل للآية هو الأصوب، لأنّه يطابق ما جاء في الآيات والأحاديث، لكنَّ بعضَ الأحاديث يعطي معنىً واسعاً لكلمتي الخبيث والطيب اللتين وردتا في هذه الآيات، ولا يحصرهما بالانحطاط الخلقي وطهارة الشخص.
وعلى هذا فلا يبعد أن يكون مفهوم الآية الأولى خاصًا بذلك المعنى الخاص، إلاّ أنه بملاحظة الملاك والغاية من الحكم يمكن تعميمه وتوسعته.
وبتعبير آخر: إن الآية السابقة بيان لميل الصنو إلى صنوه، رغم اختصاصها من حيث الموضوع يبحث العفّة والإنحطاط الخلقي، «تأملوا جيدًا».
هل هذا حكم تكويني أم تشريعي؟
لا شكّ في أن الأمثال التالية تشير إلى سنة تكوينيّة تطبق على المخلوقات جميعًا، حتى على ذرات الوجود في الأرض والسماء، وهي جذب الشيء لنظيره كما يجذب الكهرب التبن:
أصحاب النور ينجذبون إلى أصحاب النور.
وأصحاب النّار يميلون إلى أصحاب النّار.
و«السنخية علّة الانظمام» كما يقول المثل.
وعلى كل حال، فإن كل صنو يتبع صنوه، وكل مجموعة متجانسة ترتاح لأفرادها، إلاّ أنّ هذه الحقيقة لا تمنع من كون الآية السابقة كما هي عليه الآية ï´؟الْزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحهَا إَلاّ زَاِنٍ أَوْ مُشْرِكٌï´¾ إشارة إلى حكم شرعي يمنع الزواج من النساء اللواتي اشتهرن بالعمل المخلّ بالشرف.
أليس لجميع الأحكام التشريعية جذور تكوينية؟
أليس هناك انسجام بين السنن الإِلهية، التشريعية منها والتكوينية؟
وهناك يواجهنا استفسار وهو: إننا نشاهد عبر التاريخ أو في حياتنا حالات لا تنسجم مع القانون السابق؟ ومثال ذلك ما جاء في القرآن المجيد ï´؟ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِيْنَ كَفَرُوْا امْرَأَة نُوْحٍ وَامْرَأَة لُوْطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَاï´¾[3]... ومقابل هذه الحالة ذكر القرآن المجيد زوجة فرعون مثالا للإيمان والطهارة: ï´؟وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِيْنَ آمَنُوْا امْرَأَةَ فِرْعَوْن إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِيْ عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِيْ مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِه وَنَجِّنِيْ مِنَ الْقَوْمِ الظَّاْلِمِيْنَï´¾[4].
كما شوهد نظير هاتين الحالتين في صدر الإسلام، حيث ابتُليَ بعض قادة المسلمين بنساء سيئات، وآخرون من الله عليهم بنساء مؤمنات جاء ذكرهن في كتب التاريخ الإسلامي.
وفي الجواب عن ذلك نقول أنّه مضافًا إلى أنّ لكل قانون استثناءات، فلابدّ من ذكر مسألتين:
الأولى: قلنا: إنَّ القصد من الخبث الإنحطاط الخلقي والسقوط بارتكاب أعمال مخلة بالشرف، والطيب ضد الخبث، وعلى هذا فجوابُ السؤال السابق يكون واضحًا، لأن نساء الأنبياء والأئمة الأطهار(عليهم السلام)، لم ينحرفن ولم يخبثن أبدًا، وإنّما القصد من الخيانة في قصة نوح ولوط (عليهما السلام)، التجسس لمصلحة الكفّار وليس خيانة شرفهما، وأساسًا إن هذا العيب من العيوب المنفّرة ونعلم أن المحيط العائلي للأنبياء (عليهم السلام) يجب أن يكون طاهرًا من أمثال هذه العيوب المنفّرة للناس حتى لا يتقاطع مع هدف النّبوة في جذب الناس إلى الرسالة الإلهية.
الثانية: إضافة إلى ذلك، فإنّ نساء الأنبياء والإئمّة (عليهم السلام)، لم يكنّ كافرات منذ البداية، بل يصبن بالضلال أحيانًا فيما بعد، ولهذا تستمر علاقة الأنبياء والأولياء بهنّ على ما كانت عليه قبل ضلالهنّ، كما أنّ أمرأة فرعون لم تكن مؤمنة بربّ موسى حين زواجها، إذ أنّ موسى (عليه السلام) لم يكن قد وُلِدَ بعد، وقد آمنت برسالته السماوية بعد أن بعثه الله، ولم يكن لها مخرج إلاّ بمواصلة حياتها الزوجية والكفاح، حتّى انتهت حياتها باستشهادها.
الخبيثون للخبيثات
قراءة ممتعة ....ولاتنسي أن تكتب كلمة شكر للموقع