الفرق بين الحظ و القدر والصدفة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
يتسائل المرء أحيانا عن معنى كلمة حظ أو محظوظ أو نصيب أو مقّدر وما علاقة ذلك
بالصدفة
الحظ والنصيب والكفل
قال الله تعالى
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
والحظ .. ورد في القرآن بمعنى النصيب
( للذكر مثل حظ الأنثيين )
الحظ لغة واصطلاحا.. هو النصيب والجد ..
وإن كان المقصد أنها بمعنى صدفة بدون تقدير من الله فهذا قدح في الايمان بالقدر خيره وشره ولا تجوز
ويقول الله عز وجل
قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم )
سورة القصص-آية 79
وقال تعالى
وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين } .
و الفرق بين النصيب والكِفل
في قوله تعالى (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ﴿85﴾ النساء)
عندما نرجع إلى معجمات اللغة نجد أن كلمتي نصيب وكفل
يكادان يكونان بمعنى واحد بل عندما يفسرون النصيب يقولون الحظ أي الجزء ولما يأتون إلى الكفل يقولون الحظ أو النصيب أي يفسرون الكفل بالنصيب. فعندما نأتي إلى اللسان: "والنصيب الحظ من كل شيء- الحظ يعني الجزء من كل شيء- والكفل النصيب ويرجع ويقول الكفل الحظ"،وهو قال النصيب الحظ. لكن يبقى هناك فارق جزئي بسيط بين الكلمتين
القــدر
قال تعالى
إنا أنزلناه في ليلة القدر
معنى كلمة القدر : القدر الحكم والتقدير التدبير وجذر الكلمة يدور حول مقادير الأشياء فيصبح معنى الكلمة هي ليلة الحكم والتدبير والقضاء " . فيها يفرق كل أمر حكيم .." الدخان يفرق يقضى ويفصل وقال ابن عباس والحسن رضي الله عنهما " في ليلة القدر يقضي الله كل أجل وخلق ورزق إلى مثلها في العام القادم
وجاءت كلمة قدر في القران الكريم بعدة معان قال تعالى " وكان امر الله قدرا مقدورا" اي امرا مبرما او قضاءا محكما وقال " فقدر عليه رزقه" فضيق عليه رزقه وقال " فالتقى الماء على امر قد قدر" اي على حدث قد قدره الله في اللوح المحفوظ اي كتبه , وهو هلاك قوم نوح بالطوفان وقال"فقدر فيها اقواتها" اي جعل فيها انبات اقواتها اي خاصية الانبات وقال " انه فكر وقدر فقتل كيف قدر" اي فكر ماذا يقول في القرآن وقدّر في نفسه ما يقول وهيأه
وقال" الذي خلق فسوى والذي قدّر فهدى" اي خلق كل شيء فسواه تسوية وقدّر لكل حيوان ما يصلحه فهداه اليه وعرّفه وجه الانتفاع به اي جعل في كل حيّ من انسان وحيوان حاجات تتطلب الاشباع وهداه الى اشباعها مثل قوله "وقدّر فيها اقواتها" وقال" وقدرنا فيها السير " اي جعلنا فيها سهولة السير وامنه وقال عليه السلام " لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صفحتها ولتنكح فان لها ما قدّر لها " اي ما قدّره الله في اللوح المحفوظ
ويتبين من هذا كله ان كلمة القدر من الالفاظ المشتركة التي لها عدة معان منها التقدير والتدبير والوقت والتهيئة , وجعل في الشيء خاصية , ولكن على تعددها لم يرد فيها ان القدر معناه ان يفعل العبد الفعل جبرا عنه ولم يرد فيها ان القدر هو الحكم الكلي في الجزئيات وتفاصيله ولا ورد فيها ان القدر سر من اسرار الله وعلى هذا فلكلمة القدر معان لغوية استعملها القرآن بهذه المعان واستعملها الحديث بمهاني القرآن وهذه المعاني لغوية فلا دخل للعقل فيها واذا كان لم يرد لها أي معنى شرعي غير هذه المعاني فلا يقال عن معنى يصطلح عليه انه معنى شرعي ,
فلا يجوز للبشر ان يصطلحوا على معنى شرعى وانما يجوز لهم الاصطلاح على معنى اصطلاحي او معنى عرفي فهناك الفاظ في الاصل لها معان لغوية حولها الشرع واعطاها معان شرعية كالصلاة والصيام والحج والزكاة , ومن هنا فان المعاني التي استعملها القران ليست المعاني التي اختلف فيها المتكلمون فيما بعد , ولا شأن لها في "كلمة القضاء والقدر " التي وضعها المتكلمون اسما للمسمى الذي اخذوه عن فلاسفة اليونان ولم يسبق ان وضعت لهذا المعنى لا لغة ولا شرعا . وكلمة القضاء والقدر ككلمتين معا لمعنى واحد لم يجر استعمالها لا من الصحابة ولا من التابعين
جاء في الحديث المشهور (لا يرد القدر الا الدعاء) ومعنى ذلك ان الدعاء سبب من الاسباب التي يدفع بها الله ما شاء، وهذا شأن سائر الأسباب، فالأسباب هي من قدر الله ويندفع بها أقدار قد علم الله أنها تندفع، كما جاء عن عمر رضي الله عنه، لما قيل له عندما أراد الرجوع عن الشام حين نزل به الطاعون فقيل له: (أتفر من قدر الله يا أمير المؤمنين
قال رضي الله عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله).
وهذا هو موجب الشرع والقدر وهو مدافعة الأقدار بالأقدار، لكن ليس معنى ذلك أن شيئاً قد حكم الله بأنه يكون ثم حدث ما يغير هذا القدر
يقول: "قال صلى الله عليه وسلم في جواب السائل عن الإيمان: {أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره }، وقال صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: {يا عمر ! أتدري من السائل؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم }"
هذا الحديث من أعظم الأحاديث في الإسلام، والتي عليها مدار الدين كله، وله من الأهمية والمنزلة في دين الإسلام الشيء العظيم
ولا يجوز انكار قدرة الله ولا يجوز أيضا أن يكون المرء قدريا مثل المجوس
القدرية مجوس الأمة
ولهم أقوال كثيرة : أمّا الأوّل فإنّ الله تعالى قضى على ما نهى ، نهى آدم عن الأكل من الشجرة ثمّ قضى عليه بأكلها
يدل على أنّه كان يمشي على خطّ الجبر ، و أنّه كان معتقداً بأنّ قضاء الله يسلب عن الإنسان الحريّة و الإختيار. فكان أكل آدم من الشجرة بقضاء من الله و ما كان له محيص عن الأكل ،
أمّا الثاني فإنّ الله تعالى حال دون ما أمر
، أمرإبليس بالسجود لآدم ثمّ حال بينه و بين السجود
كما أنّ تخلّف إبليس عن السجود كان بقضاء الله
و لم يكن له مفرّ عن المعصية. وقد حال سبحانه بينه و بين السجود على آدم ، ومن المعلوم
و أمّا الثالث ، فإنّ الله تعالى أعان على ما حرّم ، حرّم الميتة و الدم و لحم الخنزير ، ثمّ أعان عليها بالاضطرار
وأقوال غيرها لكن هذا اقرب توضيح لما يعتقدون والعياذ بالله منهم
وروي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم
رواه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه والحاكم وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله بمجموع طرقه في تعليقه على المشكاة
(1/38/107).
وروى أبو داود أيضاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن النبي فال ،
لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم
كلمة صدفة
كلمة
لا بأس باستعمال كلمة صدفة قابلت فلاناً صدفة ،
لأن مراد المتكلم بذلك أنه قابله بدون اتفاق سابق ، وبدون قصد منه ، وليس المراد أنه قابله بدون تقدير من الله عز وجل
وقد ورد استعمال هذه الكلمة في بعض الأحاديث .
منها : ما رواه مسلم (2144) عَنْ أَنَسٍ قَالَ فَانْطَلَقْتُ بِهِ ( يعني بعبد الله بن أبي طلحة ) إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ . . . الحديث. والميسم أداة تستخدم في الكي
وروى أبو داود (142) عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ قَالَ كُنْتُ وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ . . . الحديث . صححه الألباني في صحيح أبي داود
وصحيح أن الأمر صدفة لم يحسب لها الانسان حسابا لكن ليست صدفة على الله وتقاس بالنيات
ويقول الحق جل وعلا
مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
(الحديد/22)
يقول الله تعالى في القرآن الحكيم :
﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [2]
ومن أقوال العلماء في كلمة صدفة
عندما سئل الشيخ ابن باز-رحمه الله تعالى
هذه لا حرج فيها، صدفة يعني من غير موعد إذا صادفه في الطريق أو عند فلان من دون موعد، ما بينهما موعد. سماها صدفة، وما صدقت على الله، يعني ما كنت أظن أن هذا يقع، ما صدقت على الله أن هذا يقع، يعني ما صدقت أن هذا يقع، عبارةً عامية ما فيها شيء، مقصودهم أنه لم يظن أن هذا يقع أو يحصل
قول الشيخ الألباني-رحمه الله تعالى
هل يجوز هذا التعبير : " حدَثَ هذا صُدفة " ؟
.
الجواب: هذه الكلمة في حد ذاتها ما فيه إشكال مثل كلمة الحظ فالمتكلم بها هو ونيته فإن كان يقصد صدفة بمعنى لا قدر فهو كفر وإن كان يقصد بلفظة الحظ بمعنى لا قدر, كذلك كلمة نصيب مع أنه مذكور في القرآن , يقصد لا قدر فهو كفر .أما إن كان يقصد أن هذا كله بأمر الله وتقديره فما فيه شيء
سلسلة الهدى والنور -- شريط رقم -216
قول الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله تعالى
وسئل ما رأي فضيلتكم في استعمال كلمة (صدفة) ؟
فأجاب بقوله : رأينا في هذا القول أنه لا بأس به وهذا أمر متعارف وأظن أن فيه أحاديث بهذا التعبير صادفنا رسول الله صادفنا رسول الله لكن لا يحضرني الآن حديث معين بهذا الخصوص
والمصادفة والصدفة...
بالنسبة لفعل الإنسان أمر واقع ، لأن الإنسان لا يعلم الغيب فقد يصادفه الشيء من غير شعور به ومن غير مقدمات له ولا توقع له ، ولكن بالنسبة لفعل الله لا يقع هذا ، فإن كل شئ عند الله معلوم وكل شئ عنده بمقدار وهو – سبحانه وتعالى – لا تقع الأشياء بالنسبة إليه صدفة أبدا ، ولكن بالنسبة لي أنا وأنت نتقابل بدون ميعاد وبدون شعور وبدون مقدمات فهذا يقال له صدفة ، ولا حرج فيه ، أما بالنسبة لأمر الله فهذا فعل ممتنع لا يجوز