لا تنشغل بعيوب الناس
لو أبصر المرء عيوب نفسه لانشغل بها عن عيوب الناس,لأن المرء مطالب بإصلاح نفسه أولا وسيسأل عنها قبل غيرها، وقد
قال الله تعالى(كل نفس بما كسبت رهينة)
وإذا كان العبد بهذه الصفة,مشغولاّ بنفسه عن غيره,ارتاحت له النفوس ، وكان
محبوباّ من الناس ، وجزاه الله تعالى بجنس عمله ، فيستره ويكف ألسنة الناس عنه ، أما من كان متتبعاّ عيوب الناس متحدثاّ بها
مشنعاّ عليهم فإنه لن يسلم من بغضهم وأذاهم ، ويكون جزاؤه من جنس عمله أيضا,فإن من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته
، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته,
يقول الشاعر,
لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا فيهتك الله ستراً عن مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ولا تعب أحداً منهم بما فيكا
وقد يكون انشغال العبد بعيوب الناس والتحدث بها يحاول أن يغطي بها عيوبه وسوءاته ، فقد سمع أعرابي رجلاّ يقع في
الناس، فقال,قد استدللت على عيوبك بكثرة ذكرك لعيوب الناس,والشخص الذي يرى صورة نفسه صغيرة جداً تجده دائماً
يضخم عيوب الآخرين، فإذا عرف بأنه مشغول بتضخيم عيوب الآخرين والطعن في الناس، فهذه مرآة تعكس أنه يشعر بضآلة
نفسه وبحقارتها وأن حجم نفسه صغير,لأنه يعتقد أنه لن ينفتح إلا على أنقاض الآخرين،فدائماً يحاول أن يحطم الآخرين، ولذا يكثر
نقد الناس وذكر عيوبهم، وهذه مرآة تعكس أن إحساسه وثقته بنفسه ضعيفة، وأنه في داخل نفسه يحس أنه صغير، فلذلك يشتغل
بعيوب الآخرين,ولايحسب الرجل بأن ينظر في عيوب الناس إلا من غفلة قد غفلها عن نفسه,وكان مالك بن دينار يقول, كفى
بالمرء إثماً ألا يكون صالحاً، ثم يجلس في المجالس ويقع في عرض الصالحين,والإنسان,لنقصه يتوصل إلى عيب أخيه مع
خفائه، وينسى عيب نفسه مع ظهوره ظهوراّ مستحكماّ لا خفاء به,قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(يبصر أحدكم القذى في
عين أخيه، وينسى الجذع في عينه)قبيح من الإنسان أن ينسى عيوبه ويذكر عيباّ في أخيه قد اختفى,ولو كان ذا عقل لما عاب
غيره وفيه عيوب لو رآها قد اكتفى,إن الانشغال بعيوب الناس يجر العبد إلى الغيبة، وقد عرفنا ما في الغيبة من إثم ومساوىء يتنزه
عنها المسلم الصادق النبيل,كما أن الانشغال بعيوب الناس يؤدي إلى شيوع العداوة والبغضاء بين أبناء المجتمع ، فحين يتكلم
المرء في الناس فإنهم سيتكلمون فيه ، وربما تكلموا فيه بالباطل,إذا أنت عبت الناس عابوا وأكثروا عليك، وأبدوا منك ما
كان يستر,وإذا رجعت إلى السلف الصالح رضي الله عنهم,إذ كانوا مشغولين بعيوب أنفسهم عن عيوب غيرهم ، بل ينظرون إلى
أنفسهم نظرة كلها تواضع مع رفعتهم وعلو شأنهم رضي الله عنهم ، بل كانوا يخافون إن تكلموا في الناس بما فيهم أن يبتلوا
بما ابتلي به الناس من هذه العيوب,وبالإضافة إلى هذا كانوا يوقنون ويعملون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه
(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)وقد لقي زاهد زاهداً فقال له,يا أخي,إني لأحبك في الله، فقال الآخر,لو علمت مني ما
أعلم من نفسي لأبغضتني في الله، فقال له الأول,لو علمت منك ما تعلم من نفسك لكان لي فيما أعلم من نفسي شغل عن بغضك,لك
في نفسك شغل عن عيوب غيرك,ففيك أضعاف أضعاف ما تراه في الآخرين ، فلا تفتح على نفسك باب الغيبة وسوء الظن وهتك
أستار الناس بالانشغال بعيوبهم ، ولا تفتح على نفسك باب شر لا يسد بالكلام عن الناس فيتكلموا عنك,متى تلتمس للناس عيباّ تجد
لهم عيوباّ ولكن الذي فيك أكثر,فسالمهم بالكف عنهم فإنهم بعيبك من عينيك أهدى وأبصر.