بسم الله الرحمن الرحيم
القمر ملهم الشعراء, ورفيق العشاق وجار فيروز ولا تتوقع من جارك أن يكون منطوياً على نفسه, أو أن يتركك دون أن يتدخل في شؤونك فالقمر أقرب جيران الأرض وأقواها تأثيراً, ولعل أوضح مثال على ذلك ظاهرة المد والجزر التي يؤثر بها على مياه البحر..
وفي الواقع كثيراً ما تساءلت إن كان يسبب في داخلنا أيضاً مداً وجزراً طالما أن الماء يكون أكثر من ثلثي أجسامنا و(80%) من أدمغتنا (فأجسادنا من الداخل أشبه ما تكون بحساء معتدل السخونة) ... ثم هل يقتصر تأثير القمر على البر والبحر.. أم له علاقة -أيضاً- بأمزجة الخلائق وحالتها النفسية؟
من الغريب أن تتفق أساطير الأمم، ونادراً ما يتفق الناس على خطأ ، على أن اكتمال البدر يؤثر على الحالات النفسية للإنسان وأن فترة اكتماله تعتبر بمثابة حالة طوارئ في المستشفيات العقلية .. فالعرب مثلاً كانت تحذر من قرصة العقرب في الليالي القمرية, وكانت تخشى الذئاب في تلك الليالي لأنها تكون في قمة خبثها وهيجانها.. وفي كتابه "زاد المعاد" يقول ابن القيم الجوزية حول اكتمال القمر:
وقد نص الأطباء على أن البلاد الحارة الحجامة فيها أنفع.. وتستحب في وسط الشهر, لأن الدم في أوله لم يكن قد هاج وتبيغ (كما في وسطه) وفي آخره يكون قد سكن, أما في وسطه فيكون في نهاية التزايد والهياج..
وبقول كذلك ابن سينا في القانون:
يؤمر باستعمال الحجامة في وسط الشهر حين تكون الأخلاط هائجة بالغة في تزايدها لتزايد النور في جرم القمر...
وفي الغرب يوجد اعتقاد جازم بأن هناك علاقة بين الجنون وفترة اكتمال القمر(فلفظ لوناسي بالإنجليزية؛ والذي يعني الجنون مشتق من أحد أسماء القمر: لونا)
وقبل مئتي عام كان القانون الإنجليزي يفرق بين المجنون فعلاً, وبين ذلك الذي يعود جنونه لاكتمال البدر.. وكان مجانين"الفئة الثانية" يعاملون بكثير من الرفق والتسامح. وقديماً كان من التقاليد الراسخة في المصحات العقلية إلغاء إجازات العاملين في الليالي البيض, وضرب المجانين قبل يوم من اكتمال القمر كأجراء وقائي ضد العنف المتوقع منهم في اليوم التالي؟
ولكن إن صدقت تلك المعتقدات فما هو التفسير المنطقي لحدوثها ؟
أقدم دراسة حول هذا الموضوع نشرت عام 1960 على يد الدكتور "ليونارد رافيتز" من جامعة ديوك الأمريكية وأثبتت أن الشحنات الكهرمغناطيسية التي يطلقها الجسم تتأثر بمجال الأرض المغناطيسي (والذي بدوره يتأثر بمنازل القمر حول الأرض بحيث تبلغ الشحنات أشدها عندما يصبح القمر بدراً) .. ويعتقد حالياً أن المرضى العقليين, وغير أسوياء الشخصية أكثر تأثراً باكتمال البدر من الأسوياء الذين لا يتجاوز تأثير اكتمال القمر عليهم سوى اكتئاب بسيط لا يعرفون له سبباً
ومنذ زمن طويل اتضح أن معدلات الانتحار تصبح في أقصى حالاتها في "الليالي البيض". وقد لاحظ المعهد الأمريكي لطب المناخ أن الجرائم التي تتم تحت تأثير المرض العقلي كالحريق المتعمد, والعنف المبالغ فيه تزيد نسبتها عند اكتمال القمر وأن اختفاؤه وراء السحب الكثيفة لا يمنع ولا يعطل هذه الظاهر وهذا يعني أن "التأثير" مرتبط بمنازل القمر أكثر من ارتباطه بالقمر نفسه.
" من كتاب "حول العالم" فهد عامر الأحمدي
هذا الموضوع ينقلنا للتفكير بحديث الرسول عليه الصلاة و السلام بخصوص صيام الليالي البيض من كل شهر وقد أوردت لقاء تفسيراً لصيام الأيام البيض وهو:
"صيام الأيام البيض من كل شهر قمري " فلعل من الحكمة فى هذا ان الصيام بما فيه من امتناع عن تناول الماء يعمل على خفض نسبة الماء في الجسم خلال هذه الفترة التى يبلغ تأثير القمر فيها على الإنسان مداه، فيكتسب الإنسان من وراء ذلك الصفاء النفسي والإستقرار ، ويتفادى تأثيرالجاذبيه، وفي ذلك من الإعجاز العلمى للسنة ما فيه.
فسبحان الله إن الصوم وسيلة للسيطرة على قوى النفس حتى لا يقع في معصية ، فيتقرب إلى الله به ، ويسيطر على قوى جسده ونزعاتها.وتحصل له بذلك الراحة والصحة النفسية التى يتمناها كل إنسان فسبحان الله.ما اعظم صنعه وتدبيره ."