ذكر الله .. طوق النجاة
قال ابن القيم رحمه الله[1] :
لشهادة أن لا إله إلا الله عند الموت تأثير عظيم في تكفير السيئات وإحباطها، لأنها شهادة من عبدٍ موقنٍ بها عارفٍ بمضمونها، قد ماتت منه الشهوات ولانت نفسُه المتمردة، وانقادت بعد إبائها واستعصائها وأقبلت بعد إعراضها وذلت بعد عزها، وخرج منها حرصها على الدنيا وفضولها، واسْتَخْذَتْ بين يدي ربها فاطرِها ومولاها الحق أذلَّ ما كانت له وأرجى ما كانت لعفوه ومغفرته ورحمته، وتجرد منها التوحيد بانقطاع أسباب الشرك وتحقق بطلانه، فزالت منها تلك المنازعات التي كانت مشغولة بها،
واجتمع همها على من أيقنت بالقدوم عليه والمصير إليه، فوجه العبد وجهه بكليته إليه، وأقبل بقلبه وروحه وهمه عليه. فاستسلم وحده ظاهرا وباطنا، واستوى سره وعلانيته فقال: "لا إله إلا الله" مخلصا من قلبه. وقد تخلص قلبه من التعلق بغيره والالتفات إلى ما سواه. قد خرجت الدنيا كلها من قلبه، وشارف القدوم على ربه، وخمدت نيران شهوته، وامتلأ قلبه من الآخرة، فصارت نصب عينيه، وصارت الدنيا وراء ظهره، فكانت تلك الشهادة الخالصة خاتمة عمله، فطهّرته من ذنوبه، وأدخلته على ربه، لأنه لقي ربه بشهادة صادقة خالصة، وافق ظاهرها باطنها وسرها علانيتها، فلو حصلت له الشهادة على هذا الوجه في أيام الصحة لاستوحش من الدنيا وأهلها، وَفَرَّ إلى الله من الناس،
وأنس به دون ما سواه، لكنه شهد بها بقلب مشحون بالشهوات وحب الحياة وأسبابها، ونفس مملوءة بطلب الحظوظ والالتفات إلى غير الله. فلو تجردت كتجردها عند الموت لكان لها نبأ آخر وعيش آخر سوى عيشها البهيمي والله المستعان. اهـ
قال أحد العارفين رحمه الله: ذكر الله في ابتداء الأقوال والأفعال أُنْسٌ من الوحشة وهداية من الضلال. وحمده جل وعلا فرض لازم لكل أحد على كل حال، لأنه أهل أن يحمد إن ابتلى، وإن منع، وإن أنال. ففضله جل وعلا عَمَّ النساء والرجال والكهول والأطفال. ولطفه في قَدَرِهِ وقضائه بأهل أرضه وسمائه فلم يخل من لطفه سافل ولا عال.
بذكر الله تحيى القلوب من موت غفلتها. فذاكر الله لا يستطيع الشيطان في ظله مقيلا، ذاكر الله لا يجد الشيطان إلى إغوائه سبيلا، ذاكر الله لا يزال شيطانه مدحورًا ذليلا، ذاكر الله قد تكفل الله عز وجل بحفظه وكيف يضيع من كان الله به كفيلا، بذكر الله تطمئن القلوب وتحيى، قال تعالى: ï´؟ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُï´¾ ويقول الحق سبحانه وتعالى: ï´؟ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْï´¾ .
قال الشاعر:
ذِكْرَ الله الزَمْ هُدِيتَ لِذِكْرِهِفيهِ الْقُلوبُ تَطِيبُ وَالأفْوَاهُ وقال آخر:
وَالذِّكرُ فِيهِ حَيَاةٌ لِلْقُلوبِ كَمَاتَحْيَا البِلاَدُ إِذَا مَا جَاءَهَا الْمَطَرُ.