تفسير الاية يخافون ربهم من فوقهم
يخافون ربهم من فوقهم
من يعتقد ان الله فى السماء هذا من حكم الوهم على القلب وميل النفس للمألوفات وشدة التأثر بالمحسوسات ، ولكن من تجرد عن كل ذلك ظهر له أن الخطاب متعلق بالخوف من الله سبحانه وتعالى وإجلاله ، وأن سبب ذلك الخوف هو كون الله "فوقهم" ولذا صرحت به الآية ، وفوقية القهر والسلطة والبطش هي التي توجب الخوف المعلل بها في الآية ، ولكن أي خوف ينتج من فوقية المكان والجهة عند من يفهم خطاب القرآن !!
فالفوقية المقصودة هنا هي فوقية القهر والبطش والقدرة لا فوقية المكان والجهة ، ألم تر إلى قول الله تعالى حكاية عن فرعون : { وإنا فوقهم قاهرون } ، فهل يفهم عاقل من هذا أن فرعون قد علا قوم موسى حسا وحقيقة بالجهة أم هو مجرد تعبير عن التمكن والتسلط ونفاذ القدرة ؟؟
ولو قلت لك : القانون فوق الجميع !!
أو : إني أخاف السلطان من فوقي !!
أو : المدير فوقنا وكلمته نافذة !!
فهل تفهم بالله عليك من هذا أن القانون أو السلطان أو المدير فوقي حقيقة وحساً ؟؟
وكيف يكون ذلك والقانون مثلا لاوجود له وإنما هو وجود اعتباري فقط ، فهل صارت المعاني الاعتبارية توصف بالجهات !!؟؟
ثم يا أخي الكريم ، لو سرت على هذا النهج في فهم آي القرآن حسيا وحرفيا على ما ألفت وحكم به وهمك لعجزت عن أن تحدد مكان معبودك الذي تعبد إن كان له مكان سبحانه وتعالى !!
تأمل معي :
قال تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه السلام : {وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين } ، فهل الله في فلسطين إلى حيث هاجر إبراهيم ، وهل ذهب إبراهيم إلى ربه حقيقة حسا وتوجه تلقاء الجهة التي هو فيها !!؟؟
ويقول الحق : { وهو معكم أينما كنتم } وتأمل تعبيره بـ (أين) !!
فهل الله معنا أينما كنا حقيقة وحسا !!!؟؟؟
ويقول الحق : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } ، وتأمل استعماله لجهتي الشرق والغرب ثم تعبيره بـ " أين " !!!
فهل الله في كل الجهات حقيقة وحسا !!!؟؟
ويقول الحق : { هو الاول والآخر والظاهر والباطن }
وجاء تفسيرها في حديث رسول الله بأن الظاهر : ليس فوقه شيء ، والباطن : ليس دونه شيء !!
فهل الله هو أسفل جميع مخلوقاته فليس دونه شيء حقيقة وحسا !!!!!؟؟؟
وجاء في الحديث : ( إذا كان أحدكم في صلاته فلا يبصق أمامه، فإن ربه أمامه ) مسند الإمام أحمد .
فهل الله أمام المصلي حقيقة وحسا !!!
والمصلي في الحرم يصلي تجاه الكعبة مباشرة ، فهل الله داخل الكعبة !!!؟؟؟
هذه أمثلة فقط ، فإن فهمت تلك بفهم حسي محض فافهم هذه أيضاً فما تلك بأولى من هذه ، وإن أولت هذه فأوّل تلك فما هذه بأولى بالتأويل من تلك !!!؟؟
وإن لم تفعل ولم تذهب فيها كلها ذات المذهب عاد هذا تحكم وهوى والعياذ بالله .
فأين الله إذن !!!
في السماء حقيقة على ما يفهم الحشوية من حديث الجارية المضطرب !!
أم في فلسطين حيث هاجر إبراهيم ليلاقي ربه !!
أم مع الجميع في كل مكان !!
أم في كل الجهات !!
أم تراه أسفل وأدنى من كل شيء !!
أم هو أمام المصلي !!
أم هو داخل الكعبة !!
أم فوق الملائكة
يقول ابن الجوزي الحنبلي في تفسيره (زاد المسير) :
[وفي قوله: { من فوقهم } قولان ذكرهما ابن الأنباري.
أحدهما: أنه ثناءٌ على الله تعالى، وتعظيم لشأنه، وتلخيصه: يخافون ربهم عالياً رفيعاً عظيماً.
والثاني: أنه حال، وتلخيصه: يخافون ربهم معظِّمين له عالِمين بعظيم سلطانه. ] انتهى
ويقول الراغب الأصفهاني في كتابه النافع مفردات القرآن :
[فوق يستعمل في المكان، والزمان، والجسم، والعدد، والمنزلة، وذلك أضرب:
الأول: باعتبار العلو. نحو: {ورفعنا فوقكم الطور} ، {من فوقهم ظلل من النار}، {وجعل فيها رواسي من فوقها} ، ويقابله تحت. قال: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}.
الثاني: باعتبار الصعود والحدور. نحو قوله: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} .
الثالث: يقال في العدد. نحو قوله: {فإن كن نساء فوق اثنتين} .
الرابع: في الكبر والصغر: {مثلا ما بعوضة فما فوقها} ، قيل: أشار بقوله: {فما فوقها} إلى العنكبوت المذكور في الآية، وقيل: معناه ما فوقها في الصغر، ومن قال: أراد ما دونها فإنما قصد هذا المعنى، وتصور بعض أهل اللغة أنه يعني أن فوق يستعمل بمعنى دون فأخرج ذلك في جملة ما صنفه من الأضداد (يريد بذلك ابن الأنباري، فقد ذكر أن فوق من الأضداد. انظر: كتاب الأضداد ص 250)، وهذا توهم منه.
الخامس: باعتبار الفضيلة الدنيوية. نحو: {ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} ، أو الأخروية: {والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة} ، {فوق الذين كفروا}..
السادس: باعتبار القهر والغلبة. نحو قوله: {وهو القاهر فوق عباده} ، وقوله عن فرعون: {وإنا فوقهم قاهرون}]انتهى .
فالمعنى وارد ومستعمل ، ومادام هذا المعنى محتملا سقط الاحتجاج بهذه الآية ، فليست الآية (نصاً) في اثبات الفوقية الحسية كما توهمت وتساءلت عن مخالفة النص ، بل هي لا ترقى حتى لتكون ظاهرا - وأعتقد أنك تعرف الفرق بين النص والظاهر - في المسألة ، وغاية ما فيها متشابه يحكم وهم المجسم بفهمه حسيا تمشيا مع المألوف ، ويحكم عقل المنزه بفهمه على مقتضى خطاب العرب وتراكيبهم اللغوية بما يليق بالله تعالى ، وهذا بالطبع بغض النظر عن كون الفوقية الحسية مستحيلة أصلا في حق الله ، وهو وحده قرينة عقلية تكفي لصرف الفوقية إلى ما يجوز على الله من المعاني .
والله الموفق
يخافون ربهم من فوقهم
من يعتقد ان الله فى السماء هذا من حكم الوهم على القلب وميل النفس للمألوفات وشدة التأثر بالمحسوسات ، ولكن من تجرد عن كل ذلك ظهر له أن الخطاب متعلق بالخوف من الله سبحانه وتعالى وإجلاله ، وأن سبب ذلك الخوف هو كون الله "فوقهم" ولذا صرحت به الآية ، وفوقية القهر والسلطة والبطش هي التي توجب الخوف المعلل بها في الآية ، ولكن أي خوف ينتج من فوقية المكان والجهة عند من يفهم خطاب القرآن !!
فالفوقية المقصودة هنا هي فوقية القهر والبطش والقدرة لا فوقية المكان والجهة ، ألم تر إلى قول الله تعالى حكاية عن فرعون : { وإنا فوقهم قاهرون } ، فهل يفهم عاقل من هذا أن فرعون قد علا قوم موسى حسا وحقيقة بالجهة أم هو مجرد تعبير عن التمكن والتسلط ونفاذ القدرة ؟؟
ولو قلت لك : القانون فوق الجميع !!
أو : إني أخاف السلطان من فوقي !!
أو : المدير فوقنا وكلمته نافذة !!
فهل تفهم بالله عليك من هذا أن القانون أو السلطان أو المدير فوقي حقيقة وحساً ؟؟
وكيف يكون ذلك والقانون مثلا لاوجود له وإنما هو وجود اعتباري فقط ، فهل صارت المعاني الاعتبارية توصف بالجهات !!؟؟
ثم يا أخي الكريم ، لو سرت على هذا النهج في فهم آي القرآن حسيا وحرفيا على ما ألفت وحكم به وهمك لعجزت عن أن تحدد مكان معبودك الذي تعبد إن كان له مكان سبحانه وتعالى !!
تأمل معي :
قال تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه السلام : {وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين } ، فهل الله في فلسطين إلى حيث هاجر إبراهيم ، وهل ذهب إبراهيم إلى ربه حقيقة حسا وتوجه تلقاء الجهة التي هو فيها !!؟؟
ويقول الحق : { وهو معكم أينما كنتم } وتأمل تعبيره بـ (أين) !!
فهل الله معنا أينما كنا حقيقة وحسا !!!؟؟؟
ويقول الحق : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } ، وتأمل استعماله لجهتي الشرق والغرب ثم تعبيره بـ " أين " !!!
فهل الله في كل الجهات حقيقة وحسا !!!؟؟
ويقول الحق : { هو الاول والآخر والظاهر والباطن }
وجاء تفسيرها في حديث رسول الله بأن الظاهر : ليس فوقه شيء ، والباطن : ليس دونه شيء !!
فهل الله هو أسفل جميع مخلوقاته فليس دونه شيء حقيقة وحسا !!!!!؟؟؟
وجاء في الحديث : ( إذا كان أحدكم في صلاته فلا يبصق أمامه، فإن ربه أمامه ) مسند الإمام أحمد .
فهل الله أمام المصلي حقيقة وحسا !!!
والمصلي في الحرم يصلي تجاه الكعبة مباشرة ، فهل الله داخل الكعبة !!!؟؟؟
هذه أمثلة فقط ، فإن فهمت تلك بفهم حسي محض فافهم هذه أيضاً فما تلك بأولى من هذه ، وإن أولت هذه فأوّل تلك فما هذه بأولى بالتأويل من تلك !!!؟؟
وإن لم تفعل ولم تذهب فيها كلها ذات المذهب عاد هذا تحكم وهوى والعياذ بالله .
فأين الله إذن !!!
في السماء حقيقة على ما يفهم الحشوية من حديث الجارية المضطرب !!
أم في فلسطين حيث هاجر إبراهيم ليلاقي ربه !!
أم مع الجميع في كل مكان !!
أم في كل الجهات !!
أم تراه أسفل وأدنى من كل شيء !!
أم هو أمام المصلي !!
أم هو داخل الكعبة !!
أم فوق الملائكة
يقول ابن الجوزي الحنبلي في تفسيره (زاد المسير) :
[وفي قوله: { من فوقهم } قولان ذكرهما ابن الأنباري.
أحدهما: أنه ثناءٌ على الله تعالى، وتعظيم لشأنه، وتلخيصه: يخافون ربهم عالياً رفيعاً عظيماً.
والثاني: أنه حال، وتلخيصه: يخافون ربهم معظِّمين له عالِمين بعظيم سلطانه. ] انتهى
ويقول الراغب الأصفهاني في كتابه النافع مفردات القرآن :
[فوق يستعمل في المكان، والزمان، والجسم، والعدد، والمنزلة، وذلك أضرب:
الأول: باعتبار العلو. نحو: {ورفعنا فوقكم الطور} ، {من فوقهم ظلل من النار}، {وجعل فيها رواسي من فوقها} ، ويقابله تحت. قال: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}.
الثاني: باعتبار الصعود والحدور. نحو قوله: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} .
الثالث: يقال في العدد. نحو قوله: {فإن كن نساء فوق اثنتين} .
الرابع: في الكبر والصغر: {مثلا ما بعوضة فما فوقها} ، قيل: أشار بقوله: {فما فوقها} إلى العنكبوت المذكور في الآية، وقيل: معناه ما فوقها في الصغر، ومن قال: أراد ما دونها فإنما قصد هذا المعنى، وتصور بعض أهل اللغة أنه يعني أن فوق يستعمل بمعنى دون فأخرج ذلك في جملة ما صنفه من الأضداد (يريد بذلك ابن الأنباري، فقد ذكر أن فوق من الأضداد. انظر: كتاب الأضداد ص 250)، وهذا توهم منه.
الخامس: باعتبار الفضيلة الدنيوية. نحو: {ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} ، أو الأخروية: {والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة} ، {فوق الذين كفروا}..
السادس: باعتبار القهر والغلبة. نحو قوله: {وهو القاهر فوق عباده} ، وقوله عن فرعون: {وإنا فوقهم قاهرون}]انتهى .
فالمعنى وارد ومستعمل ، ومادام هذا المعنى محتملا سقط الاحتجاج بهذه الآية ، فليست الآية (نصاً) في اثبات الفوقية الحسية كما توهمت وتساءلت عن مخالفة النص ، بل هي لا ترقى حتى لتكون ظاهرا - وأعتقد أنك تعرف الفرق بين النص والظاهر - في المسألة ، وغاية ما فيها متشابه يحكم وهم المجسم بفهمه حسيا تمشيا مع المألوف ، ويحكم عقل المنزه بفهمه على مقتضى خطاب العرب وتراكيبهم اللغوية بما يليق بالله تعالى ، وهذا بالطبع بغض النظر عن كون الفوقية الحسية مستحيلة أصلا في حق الله ، وهو وحده قرينة عقلية تكفي لصرف الفوقية إلى ما يجوز على الله من المعاني .
والله الموفق