((عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ))
أفضل ما قلت أنا والأنبياء من قبلي:" ولا إله إلا الله " ولا إله إلا الله حِصنٌ مَن دخلها أَمِنَ من عذابه، لا إله إلا الله كلمة التوحيد وينبغي أن نقف عند هذه الكلمة ولستوحي منها دروسا كثيرة، لكن بادىء ذي بدء نقف عند المعنى اللغوي لهذه الكلمة ؛ لا إله إلا الله، يقول علماء التوحيد: " الله عَلَمٌ على الذات الكاملة، علم الواجب الوجود وهو الله،وفي الكون ممكن الوجود وهو ما سوى الله وفي الكون مستحيل الوجود "، فالله عَلَمٌ على الذات الكاملة على واجب الوجوب، عَلَم على الخالق،عَلَم على البارىء المصورالمسير العزيز الجبار المتكبر، أسماء الله الحُسنى كلها جُمعت في لا إله إلا الله،عَلَم على الذات، بعضهم قال: (الله) اسم الذات الأعظم على كلٍ كلمة، (الله) لها بحث مُستقلّ، لكن إذا أردت أن تشير إلى الذات الكاملة، إلى الواجب الوجود المتصف بصفات الوجود وصفات الكمال وصفات الوحدانية فهو (الله):علم على الذات جُمعت أسماء الله الحُسنى كلها في كلمة الله لذلك يا الله، يا أرحم الراحمين أو (الرحمن الرحيم) أو (الله)، بعضهم قال: اسم الله الأعظم (الله) وبعضهم قال (الرحمن الرحيم)، وبعضهم قال أي اسم تهتز له وتتفاعل معه فهو اسم الله الأعظم، على كلٍ في هذه الكلمة لا إله إلا الله، الله علم على الذات الواجب الوجود أي أسماء الله الحُسنى كلها مجموعة في (الله) وبعدُ فما معنى إله ؟
في المعجم جاء: أَلَهَ يَأْلَهُ إِلَهَةً وأُلوهَةً وأُلوهِيَةً يعني عَبَدَ عبادة فأَلَهَ بمعنى عَبَدَ الإله المعبود، لكن أَلِهَ يَأْلَهُ أَلَهاً أيْ تحَيَّرَ، أَلِهَ إليه أيْ لَجَأَ إليه، هذه هي المعاني المستفادة من معنى أَلَهَ يَأْلَهُ إِلَهَةً وأُلوهَةً وأُلوهِيَةً أي عَبدَ، فعَبَدَ ليس معناها أطاع، بل أَطاعَ ومُضافٌ إليها معنىً آخر: أطاعَ وأحبَّ ؛ "فأطاع ولم يحب" فليست هذه عبادة ؛ وأحب ولم يطع فهذا مستحيل. فغاية الحب مع غاية الطاعة هي العبادة.
فأحب وأطاع بمعنى (عَبَدَ)، مَن المعبود؟ هو الله، بعض ما يقوله العلماء حول هذه الكلمة: " لا معبود بحق إلا الله "، من الذي يستحق العبادة ؟ هو الخالق، إذاً لا خالق إلا الله، من الذي يستحق العبادة ؟ هو الرازق، هو المُعطي، هو المانع هو الرافع هو الخافض هو المُعِزّ هو المُذِلّ هو الفعّال لِمَا يُريد هو العزيز هو الجبار هو القهار، فإذا قُلت لا إله: لا معبود ؛ من هو المعبود ؟ هو الجبّار، مَن هو المعبود ؟ هو القوي. من هو المعبود ؟ هوالمسيّر، من هو المعبود ؟ هو الخالق هو البارىء المصور الرازق المانع هو المعطي الرافع والخافض، فالذي يستحق العبادة هو الرازق، إذاً (لا إله): أي لامعبود لا رازق إلا الله فإذا قُلت لا إله إلا الله أيْ لا مُعطي ولا مانع ولا رافع ولاخافض ولا مُعِزّ ولا مُذِلّ ولا رازق ولا وهّاب ولا مُغْنٍ ولا مُبْدٍ ولا مُعيد كُلُ الأسماء الحُسنى إذا جُمعت هي الله ؛ أيْ هو المعبود.
إذاً: أَلَهَ يَأْلَهُ إِلَهَةً وأُلوهَةً أي عَبَد يَعبُد والعبادة هي غاية الخضوع مع غاية الحب ولن تُحب ولن تُطيع إلا إذا عرفت الله عزّ وجل فالعبادة ثلاث مراحل: معرفةٌ وطاعة مع حب وسعادة.
المعنى الثاني: أَلِهَ، الأولى مضت وهي أَلَهَ، الثانية أَلِهَ ونحن بصددها الآن، أَلِهَ يَأْلَهُ أَلَهاً أيْ تحَيَّرَ، الإنسان يتحيّر بمَن ؟ بالصغير أم بالكبير؟ بالجليل أم بالحقير؟ بالغني أم بالفقير ؟ فالتحيُّر من معاني العظمة تَحار به الألباب تَحارُ به العقول تَحارُ به النفوس تَحارُ به الأفئدة، إذاً من جهة هو معبود، فلماذا هو معبود ؟ لأنه خالق، ولماذا هو معبود ؟ لأنه رازق، لماذا هو معبود ؟ لأنه فعّال، لماذا هو معبود ؟ لأنه قوي، لماذا هو معبود ؟ لأنه مُحيي ومُميت، مُعِزّ ومُذِلّ...إلخ هذا المعنى الأول.
المعنى الثاني: لماذا هو معبود؟ عظمته تَحارُ فيها العقول أَلِهَ يَأْلَهُ أَلَهاً أيْ تحَيَّرَ.
والمعنى الثالث: أَلِهَ إليه أي لجأ إليه يعني لا ملجأ لك أيها الإنسان إلا (الله)، فمعنى لا إله إلا الله لا معبود ولا عظيم ولا ملجأ إلا الله، طبعاً الإله هو الله لكن هذه اللام نافية للجنس، ما الفرق بين اللام النافية للجنس واللام النافية نفياً عادياً ؟
قد تقول مثلاً: لا طالبَ في الصف بل طالبة، فجنس الذكور ليس موجوداً أما إذا قلت لا طالبٌ في الصف بل طالبان، في الحالة الثانية نفيت أنت ماذا ؟ نفيت المُفرد، فاللام التي تنفي المفرد تُسمى اللام الحجازية، أما اللام التي تنفي الجنس تُسمى اللام النافية للجنس، فإذا قال لك أحدهم هل عندك خُبزٌ ؟ فقلت: لا خبزَ عندي، فالمقصود لا خبز ولا قمح ولا طحين ولا أي شيء من أنواع القمح لا خبزَ عندي بل لحم أما لا خبزٌ عندي فقد نفيت المفرد وقد يكون عندك أجناس القمح أما الخبز نفيته وحده.
إذاً (لا إلهَ) تنفي أن يكون في الكون إله غير الله عزّ وجل بعض العلماء قال: المعنى الأول قاله ابن عباس رضي الله عنه لا إله إلا الله أيْ لا نافع ولاضار ولا مُعِزّ ولا مُذِلّ ولا مُعطيَ ومانعَ إلا الله، هذا التفسير لابن عباس رضي الله عنه، وبعضهم قال: " لا إله يرجى فضله ولا إله يُخاف عدله ولا إله يُؤمن جَوْرُه ولا إله يُؤكل رزقه ولا إله يترك أمره ولا إله يُسأل مغفرته ولا إله يرتكب نهيه ولا إله يحرم فضله إلا الله الذي هو رب المؤمنين وغفار ذنوب المؤمنين وملجأ المؤمنين وستار المخطئين غاية رجاء الراجين ومنتهى مقصد العارفين ".
أنا أتمنى من الإخوة القرّاء الأكارم أن يتحققوا ويتوقفوا مليّاً عند هذه الكلمة، فهي كلمة الإسلام الأولى، هذه كلمة التوحيد، الدين كله مجموع في هذه الكلمة، قال بعضهم: (لا إله إلا الله) إشارةُ المعرفة والتوحيد بلسان الحمد والتسديد إلى الملك الحميد، أجل ؛ إشارة المعرفة والتوحيد.
تعلمون أنَّ نهاية العلم التوحيد ونهاية العمل التقوى، أنت إذا وحَّدتَ واتقيت ملكت زمام أمرك، والحقيقة عندما تُوحِّد أو تستقيم فلن تشعر أن هناك جِهات أخرى تملك أمرك وإنك موزّع بينها جميعاً. فمتى توحِّد وجهتك إلى الله عزّ وجل؟ ومتى تعبده وحده ؟ متى تُطيعه وحده ؟ متى تُقبل عليه وحده ؟ متى ترجوه وحده ؟ متى تخافه وحده ؟ متى تطمع بعطائِهِ وحده ؟ إذا أيقنت أنه لا إله غيره.
قضية دقيقة جداً ما دام هُناك شعور بوجود جهة في الأرض بإمكانها أن تنفعك أو أنَّ جهةً أخرى بالأرض بإمكانها أن تضرك، فأنت في هذه الحالة لن تستطيع أن تعبد الله وحده، لذلك الله عزّ وجل لم يأمُرْكَ أن تعبده إلا بعد أن طمْأنك أنَّ الأمر كله عائد إليه فلا إله إلا الله لك أن تفهمها على النحو التالي: الإله هو المعبود، ومن الذي يعبد الخالق:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾
(سورة البقرة)
إذاً (لا إله إلا الله) أي لا معبود بحق إلا الله من الذي ينبغي أن يُعبد ؟ هو الرازق، من الذي ينبغي أن يُعبد ؟ هو المُعطي والمانع والرافع والخافض والمُعِزّ والمُذِلّ والقوي والقهّار والجبّار، فكُلُّ الأسماء الحُسنى بمجموعها تدل على أن صاحب الأسماء الحُسنى يستحق العبادة فهو المعبود هذا هو المعنى الأول.
أَلِهَ يَأْلَهَ أَلَهاً تحيَّر، عظيم: الله عزّ وجل لا نهاية لقوته مهما عرفت عنه فهو أعظم، لا نهاية لجبروته لقوته لجماله لرحمته لعدالته لحبه لعباده أيْ منتهى النهايات هو الله سبحانه وتعالى.
والمعنى الثالث: لا ملجأ لك إلا الله أَلِهَ إليه أيْ لجأ إليه وقال بعضهم: (لا إله) للرغبة إذا رغبت فالله وحده هو الذي ينبغي أنْ ترغب فيه و(لا إله) للرهبة إلا الله وإذا خِفت فينبغي ألاّ تخاف إلا الله، فإذا حدّثتْك نفسك أن تخاف فليس في الكون كله جهة ينبغي أن تخاف منها إلا الله، وإذا حدَّثتْك نفسك أن تُحب فهناك في الكون أشياء جميلة وهناك أشخاص وهناك نساء وهناك أماكن وهناك بيوت وهناك مركبات إذا حدَّثتْك نفسك أن تُحب شيئاً ينبغي ألاّ تُحب إلا الله.
هذا المعنى الرابع أي لا إله للرغبة إلا الله ولا إله للرهبة إلا الله، فهو الذي يكشف الكُربة والدليل ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام: " لا يخافنَّ العبد إلا ذنبه ولا يرجُوَنَّ إلا ربه " فَحَالَة التوحيد مع المؤمن حالة مريحة، بالعكس حالة التوحيد هي الصحة النفسيّة وخِلاف التوحيد مرض فحينما يشعر شخص أن إنساناً من بني جلدته أمْره بيده وهو لا يُحبه وهو يتمنى تحطيمه هذا الشعور وحده شعور مَرَضيّ، شعور يسحق، شعور مُدمّر، أنت إذا أيقنت أن أمرك بغير يد الله عزّ وجل فهذا اليقين وحده يكفي لِسحق الإنسان، فينبغي إذا أردت أن تُحب ألاّ تُحب إلا الله وإذا راودك خوف فلا تخف إلا من الله وإذا أردت أن تعتمد على جهة فلا ينبغي أن تعتمد إلا على الله وإذا أردت أن تثق بجهة فلا ينبغي أن تثق إلا بالله.
كلمة معبود، تكفي لا معبود بحق. علماء السلف الصالح ضغطوا كل هذه المعاني بكلمة معبود، الذي يستحق العبادة، هل يستحق العبادة إنسانٍ فانٍ ؟ إنسان سَيَموت ؛ إنسان كان في العَدَم ثم حَدث ثم سيَنْتهي إلى عدم هذا لا يستحق العبادة.
رُوي عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي - قبل أن يُسلم - يا حصين كم تعبد من إله ؟ فقال أعبد ستاً أو سبعاً في الأرض وواحداً في السماء فقال عليه الصلاة والسلام وأيهم تعبد لرغبتك ورهبتك ؟ فقال الذي في السماء فقال عليه الصلاة والسلام فيَكْفيكَ إله السماء.
لا تحتاج أنت إلى آلهة الأرض، هذا هو سبب الصحة النفسية، فالإنسان أمره كله بيد جهة واحدة يسعى إليها، يُرضيها يخافها، يرجوها يُطيع أمرها، ثم قال يا حصين لو أسلمْتَ علَّمتك كلمتين يَنفعانك فأسلَمَ حصين ثم قال يا رسول الله علّمني هاتين الكلمتين؟ فقال اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي، ونص الحديث:
((عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا قَالَ أَبِي سَبْعَةً سِتَّةً فِي الأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ قَالَ فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ قَالَ يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ قَالَ فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِيَ الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي فَقَالَ قُلِ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي))
(رواه الترمذي)
هذه بعض معاني كلمة لا إله إلا الله.
هناك موضوع لطيف حول هذه الكلمة، كلمة التوحيد، فلو أننا جمعنا الأحاديث التي تتحدث عن فضل لا إله إلا الله وهناك أحاديث كثيرة جداً كما أن هناك آثاراً عند السلف الصالح كثيرة جداً، طبعاً كما قلت في بداية البحث لا إله إلا الله لا يسبقها عمل ولا تترك ذنباً، كيف ؟ ننظر بالشِرك، فقبل أن تتحقق من أنه لا إله إلا الله أنت في حياتك آلهة كثيرة دعْك مما ينبغي أن يُقال في العالم الإسلامي، كُن مع الحقيقة هناك شخص مثلاً توحيده ضعيف في حياته، أشخاص كثيرون لهم تأثير عليه فإذا توجّه إليهم وسعى إلى إرضائهم وخاف من غضبهم وعلّقَ عليهم الآمال فهذا هو الشِرك، فإذا كنت ترجو زيدا وتخشى عُبيدا وتطمع بما عند فلان وتخاف من عِلاّن فالعمل الصالح الخالص لن يكون لله عزّ وجل.
لا يسبقها عمل، قبل أن تؤمن بلا إله إلا الله عملك مَشوبٌ بالشِرك ترجو غير الله وتخاف غير الله وتُعلّق الأمر على غير الله، وإذا تحققت منها لا تترك ذنباً، لماذا تعصي الله من أجل أن يرضى عنك زيد ؟، فَزَيْد بِيَدِ الله.
ولا أعتقد أن أحداً من القراء الكرام يخفى عليه ما رويته من قبل من أنَّ أحد خلفاء بني أمية وهو يزيد بن معاوية أصدر توجيها إلى والي البصرة، وكان عند هذا الوالي حين وصل التوجيه الحسنُ البصري وهو من كبار التابعين فجاء التوجيه مخالفاً لِما ينبغي أن يكون، مخالفاً للحق فوقع الوالي في حيرة من أمره ! هذا الوالي قال للحسن البصري، ماذا أفعل ؟ أجابَهُ بكلمة واحدة تتلخص بكامل التوحيد، قال له " اعلم أن الله يَمْنَعُك من يزيد، ولكن يزيداً لا يمنعك من الله ".
إذاً هو المعبود فأنت حينما ترى إنساناً يعصي الله ليُرضي فلاناً ويُقصّر في أعماله الصالحة ليُرضي زيداً ويقترف الآثام ليُرضي عبيداً هذا توحيده ضعيف جداً، إذاً في الحياة اليومية أشخاص يراهم آلهة يراهم يستحقون العبادة ويستحقون الطاعة و يستحقون الخضوع ويستحقون الحب فما هو التوحيد ؟ أن تتخلص مما سِوى الله عزّ وجل مُطلقاً، لا حباً ولا كراهيةً ولا خوفاً ولا طمعاً ولا أملاً ولا إرضاءً.
أفضل الذِكر لا إله إلا الله، فالعدوُّ لما جاءته المِحنة فَزِعَ إلى هذا الذِكر، من هو هذا العدوّ ؟ فرعون، حينما أدركه الغرق فَزِعَ إلى كلمة التوحيد قال " آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل " أحياناً الكافر باعتبارأن بين يديه أوراقاً رابحة كثيرة ومنها أن ماله ينقذه، مركز قوي يُنْقذه، أتباعه يعينونه، فهؤلاء كلهم في نظره آلهة، فحينما يُقدّر الله له شيئاً كريهاً وكل هذه الآلهة التي توهّمها لا تستطيع أن تفعل شيئاً عندئذٍ يُسْقَط في يده ويندم ويقول: لا إله إلا الله.
قد يظن الإنسان أن المال كل شيء في مقتبل حياته لكنه كلما امتد به العمر يرى أن حجم المال يصغُر إلى أن يُعِدّهُ شيئاً، ولكن ليس كل شيء فإذا جاء الموت لا يرى إلا الله وأن هذا المال عاريَّة مسترَدَّة وأنَّ الله ملَّكَه إياه ليتقرّب إليه، أُريد أن أُوسع معنى الألوهية قال تعالى:
﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)﴾
في المعجم جاء: أَلَهَ يَأْلَهُ إِلَهَةً وأُلوهَةً وأُلوهِيَةً يعني عَبَدَ عبادة فأَلَهَ بمعنى عَبَدَ الإله المعبود، لكن أَلِهَ يَأْلَهُ أَلَهاً أيْ تحَيَّرَ، أَلِهَ إليه أيْ لَجَأَ إليه، هذه هي المعاني المستفادة من معنى أَلَهَ يَأْلَهُ إِلَهَةً وأُلوهَةً وأُلوهِيَةً أي عَبدَ، فعَبَدَ ليس معناها أطاع، بل أَطاعَ ومُضافٌ إليها معنىً آخر: أطاعَ وأحبَّ ؛ "فأطاع ولم يحب" فليست هذه عبادة ؛ وأحب ولم يطع فهذا مستحيل. فغاية الحب مع غاية الطاعة هي العبادة.
فأحب وأطاع بمعنى (عَبَدَ)، مَن المعبود؟ هو الله، بعض ما يقوله العلماء حول هذه الكلمة: " لا معبود بحق إلا الله "، من الذي يستحق العبادة ؟ هو الخالق، إذاً لا خالق إلا الله، من الذي يستحق العبادة ؟ هو الرازق، هو المُعطي، هو المانع هو الرافع هو الخافض هو المُعِزّ هو المُذِلّ هو الفعّال لِمَا يُريد هو العزيز هو الجبار هو القهار، فإذا قُلت لا إله: لا معبود ؛ من هو المعبود ؟ هو الجبّار، مَن هو المعبود ؟ هو القوي. من هو المعبود ؟ هوالمسيّر، من هو المعبود ؟ هو الخالق هو البارىء المصور الرازق المانع هو المعطي الرافع والخافض، فالذي يستحق العبادة هو الرازق، إذاً (لا إله): أي لامعبود لا رازق إلا الله فإذا قُلت لا إله إلا الله أيْ لا مُعطي ولا مانع ولا رافع ولاخافض ولا مُعِزّ ولا مُذِلّ ولا رازق ولا وهّاب ولا مُغْنٍ ولا مُبْدٍ ولا مُعيد كُلُ الأسماء الحُسنى إذا جُمعت هي الله ؛ أيْ هو المعبود.
إذاً: أَلَهَ يَأْلَهُ إِلَهَةً وأُلوهَةً أي عَبَد يَعبُد والعبادة هي غاية الخضوع مع غاية الحب ولن تُحب ولن تُطيع إلا إذا عرفت الله عزّ وجل فالعبادة ثلاث مراحل: معرفةٌ وطاعة مع حب وسعادة.
المعنى الثاني: أَلِهَ، الأولى مضت وهي أَلَهَ، الثانية أَلِهَ ونحن بصددها الآن، أَلِهَ يَأْلَهُ أَلَهاً أيْ تحَيَّرَ، الإنسان يتحيّر بمَن ؟ بالصغير أم بالكبير؟ بالجليل أم بالحقير؟ بالغني أم بالفقير ؟ فالتحيُّر من معاني العظمة تَحار به الألباب تَحارُ به العقول تَحارُ به النفوس تَحارُ به الأفئدة، إذاً من جهة هو معبود، فلماذا هو معبود ؟ لأنه خالق، ولماذا هو معبود ؟ لأنه رازق، لماذا هو معبود ؟ لأنه فعّال، لماذا هو معبود ؟ لأنه قوي، لماذا هو معبود ؟ لأنه مُحيي ومُميت، مُعِزّ ومُذِلّ...إلخ هذا المعنى الأول.
المعنى الثاني: لماذا هو معبود؟ عظمته تَحارُ فيها العقول أَلِهَ يَأْلَهُ أَلَهاً أيْ تحَيَّرَ.
والمعنى الثالث: أَلِهَ إليه أي لجأ إليه يعني لا ملجأ لك أيها الإنسان إلا (الله)، فمعنى لا إله إلا الله لا معبود ولا عظيم ولا ملجأ إلا الله، طبعاً الإله هو الله لكن هذه اللام نافية للجنس، ما الفرق بين اللام النافية للجنس واللام النافية نفياً عادياً ؟
قد تقول مثلاً: لا طالبَ في الصف بل طالبة، فجنس الذكور ليس موجوداً أما إذا قلت لا طالبٌ في الصف بل طالبان، في الحالة الثانية نفيت أنت ماذا ؟ نفيت المُفرد، فاللام التي تنفي المفرد تُسمى اللام الحجازية، أما اللام التي تنفي الجنس تُسمى اللام النافية للجنس، فإذا قال لك أحدهم هل عندك خُبزٌ ؟ فقلت: لا خبزَ عندي، فالمقصود لا خبز ولا قمح ولا طحين ولا أي شيء من أنواع القمح لا خبزَ عندي بل لحم أما لا خبزٌ عندي فقد نفيت المفرد وقد يكون عندك أجناس القمح أما الخبز نفيته وحده.
إذاً (لا إلهَ) تنفي أن يكون في الكون إله غير الله عزّ وجل بعض العلماء قال: المعنى الأول قاله ابن عباس رضي الله عنه لا إله إلا الله أيْ لا نافع ولاضار ولا مُعِزّ ولا مُذِلّ ولا مُعطيَ ومانعَ إلا الله، هذا التفسير لابن عباس رضي الله عنه، وبعضهم قال: " لا إله يرجى فضله ولا إله يُخاف عدله ولا إله يُؤمن جَوْرُه ولا إله يُؤكل رزقه ولا إله يترك أمره ولا إله يُسأل مغفرته ولا إله يرتكب نهيه ولا إله يحرم فضله إلا الله الذي هو رب المؤمنين وغفار ذنوب المؤمنين وملجأ المؤمنين وستار المخطئين غاية رجاء الراجين ومنتهى مقصد العارفين ".
أنا أتمنى من الإخوة القرّاء الأكارم أن يتحققوا ويتوقفوا مليّاً عند هذه الكلمة، فهي كلمة الإسلام الأولى، هذه كلمة التوحيد، الدين كله مجموع في هذه الكلمة، قال بعضهم: (لا إله إلا الله) إشارةُ المعرفة والتوحيد بلسان الحمد والتسديد إلى الملك الحميد، أجل ؛ إشارة المعرفة والتوحيد.
تعلمون أنَّ نهاية العلم التوحيد ونهاية العمل التقوى، أنت إذا وحَّدتَ واتقيت ملكت زمام أمرك، والحقيقة عندما تُوحِّد أو تستقيم فلن تشعر أن هناك جِهات أخرى تملك أمرك وإنك موزّع بينها جميعاً. فمتى توحِّد وجهتك إلى الله عزّ وجل؟ ومتى تعبده وحده ؟ متى تُطيعه وحده ؟ متى تُقبل عليه وحده ؟ متى ترجوه وحده ؟ متى تخافه وحده ؟ متى تطمع بعطائِهِ وحده ؟ إذا أيقنت أنه لا إله غيره.
قضية دقيقة جداً ما دام هُناك شعور بوجود جهة في الأرض بإمكانها أن تنفعك أو أنَّ جهةً أخرى بالأرض بإمكانها أن تضرك، فأنت في هذه الحالة لن تستطيع أن تعبد الله وحده، لذلك الله عزّ وجل لم يأمُرْكَ أن تعبده إلا بعد أن طمْأنك أنَّ الأمر كله عائد إليه فلا إله إلا الله لك أن تفهمها على النحو التالي: الإله هو المعبود، ومن الذي يعبد الخالق:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾
(سورة البقرة)
إذاً (لا إله إلا الله) أي لا معبود بحق إلا الله من الذي ينبغي أن يُعبد ؟ هو الرازق، من الذي ينبغي أن يُعبد ؟ هو المُعطي والمانع والرافع والخافض والمُعِزّ والمُذِلّ والقوي والقهّار والجبّار، فكُلُّ الأسماء الحُسنى بمجموعها تدل على أن صاحب الأسماء الحُسنى يستحق العبادة فهو المعبود هذا هو المعنى الأول.
أَلِهَ يَأْلَهَ أَلَهاً تحيَّر، عظيم: الله عزّ وجل لا نهاية لقوته مهما عرفت عنه فهو أعظم، لا نهاية لجبروته لقوته لجماله لرحمته لعدالته لحبه لعباده أيْ منتهى النهايات هو الله سبحانه وتعالى.
والمعنى الثالث: لا ملجأ لك إلا الله أَلِهَ إليه أيْ لجأ إليه وقال بعضهم: (لا إله) للرغبة إذا رغبت فالله وحده هو الذي ينبغي أنْ ترغب فيه و(لا إله) للرهبة إلا الله وإذا خِفت فينبغي ألاّ تخاف إلا الله، فإذا حدّثتْك نفسك أن تخاف فليس في الكون كله جهة ينبغي أن تخاف منها إلا الله، وإذا حدَّثتْك نفسك أن تُحب فهناك في الكون أشياء جميلة وهناك أشخاص وهناك نساء وهناك أماكن وهناك بيوت وهناك مركبات إذا حدَّثتْك نفسك أن تُحب شيئاً ينبغي ألاّ تُحب إلا الله.
هذا المعنى الرابع أي لا إله للرغبة إلا الله ولا إله للرهبة إلا الله، فهو الذي يكشف الكُربة والدليل ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام: " لا يخافنَّ العبد إلا ذنبه ولا يرجُوَنَّ إلا ربه " فَحَالَة التوحيد مع المؤمن حالة مريحة، بالعكس حالة التوحيد هي الصحة النفسيّة وخِلاف التوحيد مرض فحينما يشعر شخص أن إنساناً من بني جلدته أمْره بيده وهو لا يُحبه وهو يتمنى تحطيمه هذا الشعور وحده شعور مَرَضيّ، شعور يسحق، شعور مُدمّر، أنت إذا أيقنت أن أمرك بغير يد الله عزّ وجل فهذا اليقين وحده يكفي لِسحق الإنسان، فينبغي إذا أردت أن تُحب ألاّ تُحب إلا الله وإذا راودك خوف فلا تخف إلا من الله وإذا أردت أن تعتمد على جهة فلا ينبغي أن تعتمد إلا على الله وإذا أردت أن تثق بجهة فلا ينبغي أن تثق إلا بالله.
كلمة معبود، تكفي لا معبود بحق. علماء السلف الصالح ضغطوا كل هذه المعاني بكلمة معبود، الذي يستحق العبادة، هل يستحق العبادة إنسانٍ فانٍ ؟ إنسان سَيَموت ؛ إنسان كان في العَدَم ثم حَدث ثم سيَنْتهي إلى عدم هذا لا يستحق العبادة.
رُوي عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي - قبل أن يُسلم - يا حصين كم تعبد من إله ؟ فقال أعبد ستاً أو سبعاً في الأرض وواحداً في السماء فقال عليه الصلاة والسلام وأيهم تعبد لرغبتك ورهبتك ؟ فقال الذي في السماء فقال عليه الصلاة والسلام فيَكْفيكَ إله السماء.
لا تحتاج أنت إلى آلهة الأرض، هذا هو سبب الصحة النفسية، فالإنسان أمره كله بيد جهة واحدة يسعى إليها، يُرضيها يخافها، يرجوها يُطيع أمرها، ثم قال يا حصين لو أسلمْتَ علَّمتك كلمتين يَنفعانك فأسلَمَ حصين ثم قال يا رسول الله علّمني هاتين الكلمتين؟ فقال اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي، ونص الحديث:
((عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا قَالَ أَبِي سَبْعَةً سِتَّةً فِي الأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ قَالَ فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ قَالَ يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ قَالَ فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِيَ الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي فَقَالَ قُلِ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي))
(رواه الترمذي)
هذه بعض معاني كلمة لا إله إلا الله.
هناك موضوع لطيف حول هذه الكلمة، كلمة التوحيد، فلو أننا جمعنا الأحاديث التي تتحدث عن فضل لا إله إلا الله وهناك أحاديث كثيرة جداً كما أن هناك آثاراً عند السلف الصالح كثيرة جداً، طبعاً كما قلت في بداية البحث لا إله إلا الله لا يسبقها عمل ولا تترك ذنباً، كيف ؟ ننظر بالشِرك، فقبل أن تتحقق من أنه لا إله إلا الله أنت في حياتك آلهة كثيرة دعْك مما ينبغي أن يُقال في العالم الإسلامي، كُن مع الحقيقة هناك شخص مثلاً توحيده ضعيف في حياته، أشخاص كثيرون لهم تأثير عليه فإذا توجّه إليهم وسعى إلى إرضائهم وخاف من غضبهم وعلّقَ عليهم الآمال فهذا هو الشِرك، فإذا كنت ترجو زيدا وتخشى عُبيدا وتطمع بما عند فلان وتخاف من عِلاّن فالعمل الصالح الخالص لن يكون لله عزّ وجل.
لا يسبقها عمل، قبل أن تؤمن بلا إله إلا الله عملك مَشوبٌ بالشِرك ترجو غير الله وتخاف غير الله وتُعلّق الأمر على غير الله، وإذا تحققت منها لا تترك ذنباً، لماذا تعصي الله من أجل أن يرضى عنك زيد ؟، فَزَيْد بِيَدِ الله.
ولا أعتقد أن أحداً من القراء الكرام يخفى عليه ما رويته من قبل من أنَّ أحد خلفاء بني أمية وهو يزيد بن معاوية أصدر توجيها إلى والي البصرة، وكان عند هذا الوالي حين وصل التوجيه الحسنُ البصري وهو من كبار التابعين فجاء التوجيه مخالفاً لِما ينبغي أن يكون، مخالفاً للحق فوقع الوالي في حيرة من أمره ! هذا الوالي قال للحسن البصري، ماذا أفعل ؟ أجابَهُ بكلمة واحدة تتلخص بكامل التوحيد، قال له " اعلم أن الله يَمْنَعُك من يزيد، ولكن يزيداً لا يمنعك من الله ".
إذاً هو المعبود فأنت حينما ترى إنساناً يعصي الله ليُرضي فلاناً ويُقصّر في أعماله الصالحة ليُرضي زيداً ويقترف الآثام ليُرضي عبيداً هذا توحيده ضعيف جداً، إذاً في الحياة اليومية أشخاص يراهم آلهة يراهم يستحقون العبادة ويستحقون الطاعة و يستحقون الخضوع ويستحقون الحب فما هو التوحيد ؟ أن تتخلص مما سِوى الله عزّ وجل مُطلقاً، لا حباً ولا كراهيةً ولا خوفاً ولا طمعاً ولا أملاً ولا إرضاءً.
أفضل الذِكر لا إله إلا الله، فالعدوُّ لما جاءته المِحنة فَزِعَ إلى هذا الذِكر، من هو هذا العدوّ ؟ فرعون، حينما أدركه الغرق فَزِعَ إلى كلمة التوحيد قال " آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل " أحياناً الكافر باعتبارأن بين يديه أوراقاً رابحة كثيرة ومنها أن ماله ينقذه، مركز قوي يُنْقذه، أتباعه يعينونه، فهؤلاء كلهم في نظره آلهة، فحينما يُقدّر الله له شيئاً كريهاً وكل هذه الآلهة التي توهّمها لا تستطيع أن تفعل شيئاً عندئذٍ يُسْقَط في يده ويندم ويقول: لا إله إلا الله.
قد يظن الإنسان أن المال كل شيء في مقتبل حياته لكنه كلما امتد به العمر يرى أن حجم المال يصغُر إلى أن يُعِدّهُ شيئاً، ولكن ليس كل شيء فإذا جاء الموت لا يرى إلا الله وأن هذا المال عاريَّة مسترَدَّة وأنَّ الله ملَّكَه إياه ليتقرّب إليه، أُريد أن أُوسع معنى الألوهية قال تعالى:
﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)﴾