بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى : ( وَ مَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الأَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) سورة الإسراء والمراد منه عمى القلب كما قال الله تعالى : ( .. فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) سورة الحج .
وسبب إعماه ظلمات الحجب والغفلة والنسيان بسبب بُعد العهد من ربَه .
وسبب الغفلة : الجهل من حقيقة الأمر الإلهي .
وسبب الجهل : استيلاء الصّفات الظّلمانية عليه كالكبر والحقد والحسد والبخل والعُجب والغيبة والنّميمة والكذب ونحو ذلك من الذّمائم . وسبب تنزّله إلى أسفل السّافلين هذه الصفات .
وإزالة هذه الصفات الذّمائم بتصقيل مرآة القلب بمصقل التّوحيد وبالعلم والعمل والمجاهدة القويّة باطناً وظاهراً , فتحصل حياة القلب بنور الأسماء والصّفات فيذكر وطنه الأصلّي فيشتاق إليه فيرجع ويصل بعناية الرّحمن .
وبعد أرتفاع هذه الحجب الظّلمانيّة تبقى النّورانيّة , ويصير بصيراً ببصيرة الرّوح , ومنوراً بنور الأسماء والصّفات حتى ترتفع الحجب النّورانيّة تدريجاً , فينوّر بنور الذّات .
واعلم أنّ للقلب في الباطن عينين : عين الصّغرى , وعين الكبرى
فعين الصّغرى : تشاهد تجلّيات الصّفات بنور الأسماء والصّفات إلى أنتهاء عالم الدّرجات .
وعين الكبرى : تشاهد تجلّي أنوار الذّات في عالم اللاهوت , وهو القربة بنور التوحيد الأحديّة . وحصول هذه المراتب للإنسان بالموت , وقبل الموت بالفناء من البشريّة النّفسانّية , ووصول العبد إلى ذلك العالم بقدر الانقطاع من البشريّة النّفسانيّة .
وليس معنى الوصول إلى الله تعالى من قبيل وصول الجسم إلى الجسم , ولا العلم بالمعلوم , ولا العقل بالمعقول , ولا الوهم بالموهوم . فمعنى الوصول : بقدر الانقطاع عن غيره بلا قرب ولا بعد ولا جهة ولا مقابلة ولا اتصال ولا انفصال . فسبحان من في ظهوره وخفاءه وتجلّيه واستتاره وفي معرفته حكمة عظيمة .
فمن حصّل ذلك المعنى في الدّنيا وحاسب نفسه قبل أن يحاسب فهو من المفلحين , وإلاّ فمستقبله عقوبات من عذاب القبر والحشر والحساب والميزان والصّراط وغير ذلك من شدائد الآخرة .