إذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَـا
إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الإنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)"
قال ابن عباس {إذا زلزلت الأرض زلزالها}: أي تحركت من أسفلها {وأخرجت الأرض أثقالها} يعني ألقت ما فيها من الموتى، كقوله تعالى: {إن زلزلة الساعة شيء عظيم}، وكقوله: {وألقت ما فيها وتخلت}، وفي الحديث: "تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي، ثم يدَعونه فلا يأخذون منه شيئاً" (أخرجه مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً)، وقوله عزَّ وجلَّ: {وقال الإنسان مالها} أي استنكر أمرها بعدما كانت قارة ساكنة ثابتة، وهو مستقر على ظهرها أي تقلبت الحال، فصارت متحركة مضطربة، قد جاءها من أمر اللّه ما قد أعده لها، من الزلزال الذي لا محيد عنه، ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين والآخرين، وحينئذ استنكر الناس أمرها، وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات، وبرزوا للّه الواحد القهار، وقوله تعالى: {يومئذ تحدث أخبارها} أي تحدث بما عمل العاملون على ظهرها، عن أبي هريرة قال: قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية: {يومئذ تحدث أخبارها} قال: "أتدرون ما أخبارها؟" قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: "فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها" (أخرجه أحمد والترمذي والنسائي). وفي معجم الطبراني: "تحفظوا من الأرض فإنها أمكم، وإنه ليس من أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلا وهي مخبرة" (أخرجه الحافظ الطبراني)
وقوله تعالى: {بأن ربك أوحى لها} قال البخاري: أوحى لها، وأوحى إليها، ووحى لها، ووحى إليها، وكذا قال ابن عباس {أوحى لها} أي أوحى إليها، والظاهر أن هذا مضمن بمعنى أذن لها، وقال ابن عباس: {يومئذ تحدث أخبارها} قال، قال لها ربها قولي، فقالت؛ وقال مجاهد {أوحى لها} أي أمرها، وقال القرظي: أمرها أن تنشق عنهم، وقوله تعالى: {يومئذ يصدر الناس أشتاتاً} أي يرجعون عن موقف الحساب {أشتاتاً} أي أنواعاً وأصنافاً ما بين شقي وسعيد، مأمور به إلى الجنة ومأمور به إلى النار، قال ابن جرير: يتصدعون أشتاتاً فلا يجتمعون آخرما عليهم، وقال السدي {أشتاتاً} فرقاً.
وقوله تعالى: {ليروا أعمالهم} أي ليجازوا بما عملوه في الدنيا من خير وشر، ولهذا قال: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}.