الزار صورة وشكل من أشكال الشعوذة والدجل ، وهو عبارة عن حفلات تقرع فيها الطبول وتضرب بها الدفوف تتمايل على نغماتها الأجساد وتتعرى فيها الأبدان ، يختلط بها الرجال والنساء ، وتنتهك فيها الأعراض ، يتصاعد فيها دخان البخور كل ذلك إرضاء للشياطين . وفي حفلات الزار تسلب أموال السفهاء والجهال من الناس من قبل فئة من المشعوذين الذين لا يخافون الله لا من قريب ولا من بعيد، كل همهم جمع الأموال والشهرة والمتعة والضحك على من يأتيهم ويؤمن بكلامهم ويتبع إرشاداتهم المضحكة المبكية في آن واحد.
تقول إحدى السيدات التي تجاوزت الخمسين من عمرها عندما علمت بنبأ وفاة شقيقتي كنت بدورة المياه فصرخت فيها صرخة عالية ، مرضت على أثرها ، وأشار علي البعض بالزار وذهبت للحاجة أم الجوهرة التي أخبرتني أن هناك عفريتا قد ركبني فسألتها وماذا يطلب ؟
فقالت يريد خلخال فضة ، وقلب عقيق حر ، بعدها أغرقوا رأسي بمياه باردة لأني كما أخبرتني أم الجوهرة كنت ممسوكة بسفينة البحر العوامة ، ودقوا لي الزار، بعدها شعرت بتحسن ولكن لم تمض فترة حتى عاودتني الحالة ، فأخبرتني بان سلطان الجن الأحمر لبسني هذه المرة ، ودقوا لي الزار مرة أخرى وطلبوا مني أن ألبس ثيابا حمراء ، وبعدها ركبتني عفريتة سودانية ومن يومها وأنا أتردد على أم الجوهرة لحضور الزار كل أسبوع وإحضار طلب الأسياد ، وهكذا تظل المريضة أسيرة لهذا الزار ولهؤلاء الدجالين حتى تجد الطريق الصحيح وهو طريق العلاج بالقران "هذه القصة من كتاب العلاج بالقران صفحة 78 "
وإن الزار في عرف بعض المناطق في دول الخليج هو جني يتلبس الإنسان بسبب العين أو بسبب السحر أو بسبب العشق أو غيرها من أسباب التلبس .. ولكن غالب التلبس بسبب العين أو بسبب الاعتداء ( تلبس الجني الإنسي بدون سبب ) ، وغالبا ما يكون من المسلمين ، وأن هذا الجني يحضر على من هو في جسده ويرقص عندما يضرب له بالدف وبغناء مخصوص يعرف في بعض المناطق بالسامري .
وعند حضور هذا الخبيث قد يطلب بعض الطلبات مثل بخور معين أو نغمة معينة ، وقد يأكل الجمر أو الأكل وهو حار جداً ، وربما حصل بينه وبين جن آخر عراك بحجة أنه من عائلة أصيلة كأن يكون أفريقياً أو ساحلياً أو عماناً أو عيدروسياً والآخر من حثالة القوم ، أو لأنه مسلم والآخر كافر ، وربما أشار إلى أحد الجالسين وأمر بطرده لأنه جنب أو أنه سكران … الخ . وإذا ما أُغضب هذا الجني فإنه يُتعب من هو متلبس به ولا يرضى حتى يبخر بالجاوني أو يذبح له ذبيحة وتسمى بالرضوة ، وعنه أنه نهى عن ذبائح الجن . فعن أَبي الطُّفَيْلِ عَامِر بْن وَاثِلَةَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ مَا كَانَ النَّبِيُّ يُسِرُّ إِلَيْكَ قَالَ فَغَضِبَ وَقَالَ مَا كَانَ النَّبِيُّ يُسِرُّ إِلَيَّ شَيْئًا يَكْتُمُهُ النَّاسَ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ حَدَّثَنِي بِكَلِمَاتٍ أَرْبَعٍ قَالَ فَقَالَ مَا هُنَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ . رواه مسلم
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ. رواه صحيح مسلم
فمثل هذه الاعتقادات تكثر بين فئة من الناس في دول الخليج وخصوصا بين من بهم مس مما يسمونهم بشيوخ الزار ، وهؤلاء الناس هم من أجهل ما رأيت في الدين، ولذلك تجد أن أغلبهم به مس من الجن ، بل إن الجن يتوارثونهم وكأنهم عبيد عندهم.
والذي يسمع ما يقوله هؤلاء القوم عن صلاح الجن الذين معهم وأنهم يعينون البعض منهم على العلاج ومعرفة مكان السحر ويعلمون البعض منهم الطب الشعبي مثل الكي والعلاج بالأعشاب ، تنبيك هذه الأقوال على مدى سذاجة العقول وعلى مدى تلاعب الشياطين بهم . وهل الدين يؤخذ بالرقص والدفوف والذبح لغير الله .
يقول الله سبحانه وتعالى :} الّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ { ، لعل في هذه الآية الدليل على أنه لا يمس الإنس من الجن إلا شيطان ، ويقول الله تعالى في سورة النساء } وَمَن يَكُنِ الشّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً { . ومع الأسف الشديد يغرر بالبعض أن الجن الذي معه من الجن المسلمين الصالحين ولا يأمره إلا بخير وأنه يوقظه لصلاة الفجر ويمنعه من فعل الموبقات ، وما هذا إلا من تلبيس الشياطين ، ومتى أصبحت الشياطين أعداء الله ورسوله يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر . يقول تعالى : }وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرّحْمَنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنّهُمْ لَيَصُدّونَهُمْ عَنِ السّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنّهُم مّهْتَدُونَ * حَتّىَ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ{ [الزخرف: 36 - 38].
ومن خلال الحوارات مع الجن من عصاة المسلمين يزعم البعض منهم أنه مرغم على التلبس وأذية الإنسان لأنه دخله بسبب السحر أو العين، والبعض يزعم أنه يحب الإنسان الذي هو به أي تلبس به عن عشق ، والبعض منهم يقول أين أذهب نحن لنا نواميس وأنظمة وقوانين وشرائع تحكمنا وتلَبسِنا في هذه الأجساد يعطينا الحرية والمتعة ورغد العيش ثم نحن من المسلمين ولا نؤذيه ، أو يزعم البعض منهم أنه متلبس به لأن جسده مكشوف أوعُرضة للتلبس ، ومن أجل ذلك تلبس به هو ليدافع عنه ويحميه من شرار الجن والإنس ، ويزعم بعض هؤلاء الجن أنهم يتلبسوا بالإنسي حتى يحمونه من الأرواح الشريرة لأن جسده مكشوف فهو عرضة للتلبس، والبعض يقول إذا خرجت منه سوف يتلبسه غيري وقد يكون شيطانا كافرا وأنا مسلم ولا أضره ، وكأنه يستشهد بقول النّبِيّ e عندما سئل عَن ضَالّة الْغَنَمِ قَالَ:" خُذْها ، فإنما هيَ لكَ أو لأخيكَ أو للذّئْبِ " رواه البخاري ، وكأن هذه الخبيث يقول إن الله عَجز عن حفظه وحمايته لذلك أنا معه، والله سبحانه وتعالى وكل على كل نفس حفظة من الملائكة يقول الله تعالى : } لَهُ مُعَقّبَاتٌ مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنّ اللّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّىَ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوَءًا فَلاَ مَرَدّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍ{ [الرعد:11] ، ويقول تعالى: } وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيّنّاهَا لِلنّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلّ شَيْطَانٍ رّجِيمٍ{ [الحجر:17] ، ويقول تعالى:}وَحِفْظاً مّن كُلّ شَيْطَانٍ مّارِدٍ{[الصافات:7] ، ويقول تعالى على لسان يعقوب:} قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىَ أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ{ [يوسف:64]، ويقول أحفظ الحافظين:} إِن كُلّ نَفْسٍ لّمّا عَلَيْهَا حَافِظٌ{ [الطارق:4].
وإذا ما نصحت أحدهم وقلت لـه إن اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقَول: } وَلاَ تَعْتَدُوَاْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ{ ، ويقول في الحديث القدسي " يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ". وإن دخولك في جسد هذا الإنسان ظلم لا يرضاه الله تعالى وإنك على عمل باطل وكبيرة من الكبائر يقول النَّبِيَّ : لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقُ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى تُقَادَ الشَّاةُ الْجَلْحَاءُ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ " ويقول رَسُولَ اللَّهِ : مَنْ ظَلَمَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ" ، فكيف بك وأنت تظلم الإنسان نفسه ؟ ..إلخ ، فتب إلى الله واخرج من هذا الجسد طاعة لله ورسوله .
يجيبك البعض منهم بالرفض والمكابرة وهذا قليل ، والبعض منهم يبكي ويقول لك أنا أعرف هذا كله ولكني لا أستطيع الخروج أنا معه منذ سنوات ، أو يقول إني مربوط بسحر أو عين ، والبعض منهم ينصرف لأنه ليس له حُجة ولا يريد أن يقول أنا لا أريد الخروج ، بل إن البعض منهم لا يحضر عند الرقية البتة ، وفي الحقيقة أن خروج شياطين الزار من جسد الإنسان قليلة جداً على الرغم من أنهم من المسلمين على حسب زعمهم، يقول تعالى في سورة الشعراء:} وَسَيَعْلَمْ الّذِينَ ظَلَمُوَاْ أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ{ ، ومن الملاحظ أنهم يتعذبون عندما تقرأ عليهم الرقية أقل من غيرهم خصوصا إذا كان سبب التلبس الاعتداء فقط ( دون سبب ) وكان الجني لا يؤذي الإنسان ، بل تجدهم يخادعون ويقرأون القران مع الراقي من باب التلبيس على الراقي وعلى المريض بأنهم لا يتأثرون ، والحقيقة التي لا مرية فيها أنه لا يوجد انسان به تلبس حقيقي من الجن إلا ويتأثر الجني من الرقية والعلاج مهما كان ماردا أو عفريتا ، مسلما أو كافرا .
بعض المراهقين من الشباب عندما يسمع عن إنسان به زار أو مكان تقام به حفلات الزار تجده شديد الحرص على التعرف على ذلك الإنسان والذهاب معه لحضور تلك الحفلات بسبب مراهقته وحب فضوله ، ولا يعلم المسكين أن تلك الأماكن التي تقام بها حضرات وجلسات الزار ما هي إلا كالزبالة تتهافت عليها الحشرات القذرة ، فهي أوكار لأولئك الشياطين الذين ينتظرون الفرصة السانحة حتى يقترنون بأجساد من يرتاد تلك الأماكن من الشباب العزل من التحصين والذكر ، بل يمكن أن يقترن الجني بالإنسي عن طريق جن آخر متلبس في شخص آخر حتى يكون تبعا له ، فكم من شاب ابتلي بالمس بسبب ذهابه لتلك الأماكن الموبوءة ، فأوصي ولاة الأمور من الآباء والأمهات بمتابعة أبنائهم واختيار الرفقة الصالحة لهم. وإن أغلب أولئك الذين يطلق عليهم شيوخ الزار ما هم إلا كبير عائلة أو كبير عصابة له القدرة علي السماح لأفراد عائلته أو أفراد عصابته للإقتران بأجساد البشر العزل من ذكر الله تعالى عن طريق سحر يعمله للإنسي أو العين أو بكيفية يعلمها الله تعالى .