هل هناك تزاوج حقيقي بين الإنس والجن كما يعتقد البعض ؟ سنتناول في هذا البحث " جن وشياطين " إشارات من الكتب السماوية والأحاديث الشريفة وما رواه السلف عن ذلك .
في القرآن الكريم
يقول تعالى : { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ } ( الأنعام - 128).
- نلاحظ هنا جملة (يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس).
- كذلك جملة ( ربنا استمتع بعضنا ببعض ) .
والجملتان قريبتان في المعنى، أو أنهما تؤديان إلى معنى متشابهاً. فالأولى (قد استكثرتم من الإنس) تطرح سؤالاً واضحاً عن معنى الاستكثار وكيفيته، هل هو استكثار بالتزاوج والذرية ؟ أم استكثار بالانتماء لفكرة واحدة أو متشابهة كأن يصبح الإنسان ذو ميول وأفكار وأعمال شيطانية بحتة بحيث ينطبق عليه لقب (شياطين الإنس) ؟ أم بالاحتمالين معاً.. أي التزاوج والانتماء ؟
في التوراة
في العهده القديم نجد :
1 وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ 2 أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا. 3 فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ، لِزَيَغَانِهِ، هُوَ بَشَرٌ. وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً » 4 كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا إِذ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَدًا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ. (التكوين- الإصحاح السادس ).
لاحظوا جملة: ( أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا ).
وكذلك جملة: ( وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا إِذ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَدًا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ )
فهل يوحي ذلك بوجود تزاوج حقيقي بين الإنس والجن ؟
ثم ما معنى أبناء الله ؟
هل هم من الجن والشياطين المتجسدين بصورة بشرية ويزعمون أنهم ملائكة مصلحون ؟-
مما لا شك فيه أن الأخذ من الإسرائيليات فيه الكثير من الشوائب، ومع أننا هنا نقرأ حدثاً تاريخياً أسطورياً ( نوعاً ما ) قد لا يكون صحيحاً بمعناه، ولكنه صحيح بحدوثه، خاصة وأن الأساطير الإغريقية تروي الكثير من هذه المعاني، فـ (أشيل) مثلاً كان ابن الإله زيوس، وكذلك هرقل، وكانا متجسدان على الأرض كأي واحد من أبناء البشر كما تروي إلياذة هوميروس. وكذلك الأساطير التي تتحدث عن قارة اتلانتس وسكانها الشفافون الذين انتقلوا إلى الكثير من بقاع العالم أثناء غرق قارتهم، حيث كانوا يتزاوجون مع سكان المناطق التي يحلون بها، علماً بأن سكان تلك المناطق كانوا يرون فيهم آلهة أو أنصاف آلهة بسبب تقدمهم العلمي والمعرفي عن أقرانهم من بني البشر آنذاك حسب الأساطير القديمة.
كيف يكون هذا الزواج ؟
مما تقدم يمكن الوصول إلى إستنتاج مفاده: " التزاوج بين الإنس والجن ممكن " ولكن في حالتين :- أن يكون الجني متجسداً في هيئة بشرية تنطبق عليه كافة الصيغ المادية، ويكون مرئياً لباقي البشر دون معرفة أصله الخفي.
- أن يكون الزواج غير مباشر لقوله تعالى:
{ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً} ( الإسراء - 64) .
نلاحظ هنا جملة ( وشاركهم في الأموال والأولاد ).
وما يهمنا هنا هو (الأولاد) حيث نرى أن هذه المشاركة تتم بمشاركة الشيطان للرجل أثناء مضاجعته لزوجته لأسباب كثيرة منها أن يكون أحد الزوجين أو كلاهما من ذوي الميول الشيطانية بحيث يمارسان ما حرم الله عليهما من المضاجعة بالدبر على سبيل المثال، أو إشراك التخيل الشاذ من أحد أو كلا الزوجين، كأن تتخيل المرأة نفسها بأحضان رجل آخر أو يتخيل الرجل نفسه بأحضان امرأة أخرى. أو يستعملان كلمات شاذة وقبيحة ومحرمة في أحيان كثيرة بحجة أن لا أحد يعلم بنجواهما متناسين وجود الشيطان بينهما.
إضافة للخيانات الزوجية التي يباركها الشيطان ويشارك بها، وبهذه الحالة يمكن للنساء أن تنجب شياطين دون شعور منها بالحمل والولادة أصلاً، وكذلك يمكن للرجال من البشر إنجاب الشياطين من إناث الجن دون إدراك منهم بمضاجعتهم، فهم يضاجعون نساء من البشر ولا يخطر ببالهم أن أناث الشياطين تكون متقمصة لأجساد تلك النساء ومستحوذة عليها أثناء المضاجعة، والعكس صحيح. أما المواليد البشرية من خلال تلك المضاجعات فمن المؤكد أنها ستكون من ذوي الطباع الشيطانية الشريرة والله أعلم.
وقد أخرج القرطبي في تفسيره لهذه الآية عن مجاهد قال:
إذا جامع الرجل ولم يُسَمّ بالله انطوى الجانّ على إحْلِيله فجامع معه، فذلك قوله تعالى: { لَمْ يَطْمِثْهُنّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنّ }.
روي من حديث عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن فيكم مُغَرّبين "، قلت: يا رسول الله, وما المغرّبون؟ قال:" الذين يشترك فيهم الجن " ( رواه الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول" ).
قال الهَرَوِيّ: سموا مغرّبين لأنه دخل فيهم عرق غريب. ويزعم بأن لـ بِلْقِيس ملكة سَبَأ أحد الأبوين من الجن والله أعلم.
ويقول الشيخ عبد الخالق العطار: " عالم الجن الذي نتكلم عنه هو الموصوف بأنه جسم دقيق رقيق لطيف وهذا النوع هو الذي يدخل بأذن الله جسم الإنسان ويقترن به، والنكاح بين هذا النوع من الجن وبين الإنس يتم بطريق الإثارة والتهيج من الجن إلى الإنس في موضع الإثارة العظمى بفرج الإنسي ذكراً أو أنثى، وأطمئن بناتي من بني الإنس أن هذا النكاح لا يترتب عليه هتك غشاء البكارة ولا ينجم عنه حمل لأنه لا يعدو إثارة وتهيج في موضع العفة للفتاة الإنسية حتى تفرز وتقذف ماءها هي لا ماء الجني الذي أثارها وهيجها حتى أمنت أي من الأمناء، وهذا العمل شبيه بالاستمناء والسحاق وهو المشهور بالعادة السرية، وكذلك إذا اقترنت الجنية الأنثى برجل من الإنس فإن النكاح بينهما في صورة إثارة واحتكاك في موضع الإثارة مناماً، فيستيقظ الرجل بعد أن يكون قد أمنى، وهو مثل الاحتلام بالضبط، لكن إذا تجسم وتجسد الجني أي تحول إلى جسم مادي فأنه يصير مثل الإنسان تماماً لأنه تحكمه الصورة، وفي هذه الحالة يصير الجني ذكراً كان أو أنثى مثل الإنسي تماماً ويحدث بينه وبين الإنسان التناكح والتلاقح والتناسل والذرية، وفي هذه الحالة تأخذ شكل وصفات وخصائص الإنسان الكامل" .
- قد يثير الشيطان الشهوة عند المرأة حتى أنها تهتك بكراتها بإصبعها أو أي آلة أخرى أما العوفي فيقول في تفسير الآية عن ابن عباس ومجاهد والضحاك: " المقصود أولاد الزنا " , وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو ما كانوا قتلوه من أولادهم سفهاً بغير علم , وقال قتادة والحسن البصري: " قد والله شاركهم في الأموال والأولاد مُجسوا وهُودوا ونُصروا وصُبغوا على غير صبغة الإسلام, وجزؤوا أموالهم جزءاً للشيطان" , وقال أبو صالح عن ابن عباس : " هو تسميتهم أولادهم عبد الحارث وعبد الشمس وعبد فلان قال ابن جرير وأولى الأقوال بالصواب أن يقال كل مولود ولدته أنثى عصى الله فيه بتسميته بما يكرهه الله أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله أو بالزنا بأمه أو بقتله أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بفعله به أو فيه فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك الولد له أو منه لأن الله لم يخصص بقوله : " وشاركهم في الأموال والأولاد" ، معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى فكل ما عصي الله فيه أو به أو أطيع الشيطان فيه أو به فهو مشاركة ، وهذا الذي قاله متجه وكل من السلف رحمهم الله فسر بعض المشاركة فقد ثبت في صحيح مسلم عن عياض بن حماد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" يقول الله عز وجل إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم"
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبداً" .
نستنتج مما سبق أن زواج الإنس بالجن هو المشاركة بالجماع دون شعور الزوجين بوجود الشيطان معهم. وهنا نعيد استحضار الآية الكريمة: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} ( الأنعام - 128)
والاستمتاع هنا يحتمل أكثر من وجه منه الاستمتاع بالمضاجعة. أما الأوجه الأخرى فهي كثيرة ولا مجال لشرحها الآن
في القرآن الكريم
يقول تعالى : { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ } ( الأنعام - 128).
- نلاحظ هنا جملة (يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس).
- كذلك جملة ( ربنا استمتع بعضنا ببعض ) .
والجملتان قريبتان في المعنى، أو أنهما تؤديان إلى معنى متشابهاً. فالأولى (قد استكثرتم من الإنس) تطرح سؤالاً واضحاً عن معنى الاستكثار وكيفيته، هل هو استكثار بالتزاوج والذرية ؟ أم استكثار بالانتماء لفكرة واحدة أو متشابهة كأن يصبح الإنسان ذو ميول وأفكار وأعمال شيطانية بحتة بحيث ينطبق عليه لقب (شياطين الإنس) ؟ أم بالاحتمالين معاً.. أي التزاوج والانتماء ؟
في التوراة
في العهده القديم نجد :
1 وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ 2 أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا. 3 فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ، لِزَيَغَانِهِ، هُوَ بَشَرٌ. وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً » 4 كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا إِذ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَدًا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ. (التكوين- الإصحاح السادس ).
لاحظوا جملة: ( أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا ).
وكذلك جملة: ( وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا إِذ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَدًا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ )
فهل يوحي ذلك بوجود تزاوج حقيقي بين الإنس والجن ؟
ثم ما معنى أبناء الله ؟
هل هم من الجن والشياطين المتجسدين بصورة بشرية ويزعمون أنهم ملائكة مصلحون ؟-
مما لا شك فيه أن الأخذ من الإسرائيليات فيه الكثير من الشوائب، ومع أننا هنا نقرأ حدثاً تاريخياً أسطورياً ( نوعاً ما ) قد لا يكون صحيحاً بمعناه، ولكنه صحيح بحدوثه، خاصة وأن الأساطير الإغريقية تروي الكثير من هذه المعاني، فـ (أشيل) مثلاً كان ابن الإله زيوس، وكذلك هرقل، وكانا متجسدان على الأرض كأي واحد من أبناء البشر كما تروي إلياذة هوميروس. وكذلك الأساطير التي تتحدث عن قارة اتلانتس وسكانها الشفافون الذين انتقلوا إلى الكثير من بقاع العالم أثناء غرق قارتهم، حيث كانوا يتزاوجون مع سكان المناطق التي يحلون بها، علماً بأن سكان تلك المناطق كانوا يرون فيهم آلهة أو أنصاف آلهة بسبب تقدمهم العلمي والمعرفي عن أقرانهم من بني البشر آنذاك حسب الأساطير القديمة.
كيف يكون هذا الزواج ؟
مما تقدم يمكن الوصول إلى إستنتاج مفاده: " التزاوج بين الإنس والجن ممكن " ولكن في حالتين :- أن يكون الجني متجسداً في هيئة بشرية تنطبق عليه كافة الصيغ المادية، ويكون مرئياً لباقي البشر دون معرفة أصله الخفي.
- أن يكون الزواج غير مباشر لقوله تعالى:
{ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً} ( الإسراء - 64) .
نلاحظ هنا جملة ( وشاركهم في الأموال والأولاد ).
وما يهمنا هنا هو (الأولاد) حيث نرى أن هذه المشاركة تتم بمشاركة الشيطان للرجل أثناء مضاجعته لزوجته لأسباب كثيرة منها أن يكون أحد الزوجين أو كلاهما من ذوي الميول الشيطانية بحيث يمارسان ما حرم الله عليهما من المضاجعة بالدبر على سبيل المثال، أو إشراك التخيل الشاذ من أحد أو كلا الزوجين، كأن تتخيل المرأة نفسها بأحضان رجل آخر أو يتخيل الرجل نفسه بأحضان امرأة أخرى. أو يستعملان كلمات شاذة وقبيحة ومحرمة في أحيان كثيرة بحجة أن لا أحد يعلم بنجواهما متناسين وجود الشيطان بينهما.
إضافة للخيانات الزوجية التي يباركها الشيطان ويشارك بها، وبهذه الحالة يمكن للنساء أن تنجب شياطين دون شعور منها بالحمل والولادة أصلاً، وكذلك يمكن للرجال من البشر إنجاب الشياطين من إناث الجن دون إدراك منهم بمضاجعتهم، فهم يضاجعون نساء من البشر ولا يخطر ببالهم أن أناث الشياطين تكون متقمصة لأجساد تلك النساء ومستحوذة عليها أثناء المضاجعة، والعكس صحيح. أما المواليد البشرية من خلال تلك المضاجعات فمن المؤكد أنها ستكون من ذوي الطباع الشيطانية الشريرة والله أعلم.
وقد أخرج القرطبي في تفسيره لهذه الآية عن مجاهد قال:
إذا جامع الرجل ولم يُسَمّ بالله انطوى الجانّ على إحْلِيله فجامع معه، فذلك قوله تعالى: { لَمْ يَطْمِثْهُنّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنّ }.
روي من حديث عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن فيكم مُغَرّبين "، قلت: يا رسول الله, وما المغرّبون؟ قال:" الذين يشترك فيهم الجن " ( رواه الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول" ).
قال الهَرَوِيّ: سموا مغرّبين لأنه دخل فيهم عرق غريب. ويزعم بأن لـ بِلْقِيس ملكة سَبَأ أحد الأبوين من الجن والله أعلم.
ويقول الشيخ عبد الخالق العطار: " عالم الجن الذي نتكلم عنه هو الموصوف بأنه جسم دقيق رقيق لطيف وهذا النوع هو الذي يدخل بأذن الله جسم الإنسان ويقترن به، والنكاح بين هذا النوع من الجن وبين الإنس يتم بطريق الإثارة والتهيج من الجن إلى الإنس في موضع الإثارة العظمى بفرج الإنسي ذكراً أو أنثى، وأطمئن بناتي من بني الإنس أن هذا النكاح لا يترتب عليه هتك غشاء البكارة ولا ينجم عنه حمل لأنه لا يعدو إثارة وتهيج في موضع العفة للفتاة الإنسية حتى تفرز وتقذف ماءها هي لا ماء الجني الذي أثارها وهيجها حتى أمنت أي من الأمناء، وهذا العمل شبيه بالاستمناء والسحاق وهو المشهور بالعادة السرية، وكذلك إذا اقترنت الجنية الأنثى برجل من الإنس فإن النكاح بينهما في صورة إثارة واحتكاك في موضع الإثارة مناماً، فيستيقظ الرجل بعد أن يكون قد أمنى، وهو مثل الاحتلام بالضبط، لكن إذا تجسم وتجسد الجني أي تحول إلى جسم مادي فأنه يصير مثل الإنسان تماماً لأنه تحكمه الصورة، وفي هذه الحالة يصير الجني ذكراً كان أو أنثى مثل الإنسي تماماً ويحدث بينه وبين الإنسان التناكح والتلاقح والتناسل والذرية، وفي هذه الحالة تأخذ شكل وصفات وخصائص الإنسان الكامل" .
- قد يثير الشيطان الشهوة عند المرأة حتى أنها تهتك بكراتها بإصبعها أو أي آلة أخرى أما العوفي فيقول في تفسير الآية عن ابن عباس ومجاهد والضحاك: " المقصود أولاد الزنا " , وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو ما كانوا قتلوه من أولادهم سفهاً بغير علم , وقال قتادة والحسن البصري: " قد والله شاركهم في الأموال والأولاد مُجسوا وهُودوا ونُصروا وصُبغوا على غير صبغة الإسلام, وجزؤوا أموالهم جزءاً للشيطان" , وقال أبو صالح عن ابن عباس : " هو تسميتهم أولادهم عبد الحارث وعبد الشمس وعبد فلان قال ابن جرير وأولى الأقوال بالصواب أن يقال كل مولود ولدته أنثى عصى الله فيه بتسميته بما يكرهه الله أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله أو بالزنا بأمه أو بقتله أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بفعله به أو فيه فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك الولد له أو منه لأن الله لم يخصص بقوله : " وشاركهم في الأموال والأولاد" ، معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى فكل ما عصي الله فيه أو به أو أطيع الشيطان فيه أو به فهو مشاركة ، وهذا الذي قاله متجه وكل من السلف رحمهم الله فسر بعض المشاركة فقد ثبت في صحيح مسلم عن عياض بن حماد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" يقول الله عز وجل إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم"
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبداً" .
نستنتج مما سبق أن زواج الإنس بالجن هو المشاركة بالجماع دون شعور الزوجين بوجود الشيطان معهم. وهنا نعيد استحضار الآية الكريمة: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} ( الأنعام - 128)
والاستمتاع هنا يحتمل أكثر من وجه منه الاستمتاع بالمضاجعة. أما الأوجه الأخرى فهي كثيرة ولا مجال لشرحها الآن