*■ الحلقة _ الأولى ■*
- دخل يوسف التيمي ديار بني عجلان .. وكان يركب فرسأ اسودا ، وقد علاه الغبار وأخذ منه التعب ما أخذ .. وعند دخوله لأزقة الديار ، قابله أولاد صغار يلعبون في الطريق .. فأوقف الفرس وقال لهم : يا أولاد أين هو بيت ورقة بن عابد ؟؟
فقال أحد الصبيه : أنا ابنه ماذا تريد ؟
فقال له يوسف : انا أريد أباك ..
قال له : أنا ابنه ومن حقي أن أعلم ماذا تريد منه ، فإما أن تخبرني أو لن أدلك على بيتنا ..
فقال له يوسف : لن أخبرك ، وسيدلني على بيتكم احد الصبية الآخرين ..
فقال الصبي : أنا القائد هنا ولن يستطيع أحد منهم أن يفعل شيئا ضد إرادتي .
فقال له يوسف : حسنا حسنا .. أنا معي مال كنت قد أخذته من أبيك دينا ، فأريد أن أرجعه إليه ..
فقال له الغلام : وكم هو الدين ؟
قال : أربعمائة دينار ..
فقال له الولد : يظهر عليك أثر السفر والتعب وقد جئت من مكان بعيد .. فقط من أجل أربعمائة دينار ؟!
فقال له يوسف : الحق حق مها قل أو كثر ..
فقال الغلام : إن أبي رجل كريم قوم .. ورأس قبيلته ، فإن عرف أنك أتيت من السفر من أجل هذه الدنانير ، فلن يرضى وسيغضب عليك ؟
فقال له يوسف : إذا دلني ماذا أفعل أيها الغلام ؟
قال له : تعطيني المال وتذهب إلى أبي كأنك أتيته في زيارة ، فإن سألك عن المال فسأعطيك إياه لترجعه إليه ؛ فإنه بخيل لاخير فيه ..
وإن لم يسألك ، تكمل زيارتك وتذهب وأنا بعد ذهابك سأعطيه المال ، وبهذا لايغضب عليك ولا ترى منه سوء وتكون قد سددت دينك ..
فقال له لاعليك خذ هذه الدنانير وافعل مثلما قلت .. فأعطاه صرة فيها دنانير .. وأشار الغلام إلى دار في نهاية الطريق وقال : تلك دارنا ..
فذهب يوسف إلى الدار واستطرق قائلا : ياورقة أنا يوسف بن صخر التيمي
ففتح له الباب وقال مرحبا بالكريم ابن الكرام تفضل بالدخول ..
فأدخله وأخذ بلجام الفرس وربطه له في حلقة كانت في الدار ..
قال له : لقد جئت لك زيارة محبة وود أريد أن أسالك من شئ ؟! هل هذا الغلام الذي يلعب في بداية هذا الطريق مع الصبيان هو ابنك ؟
قال له : نعم هذا سعيد بن ورقة …
قال له : هو الذي دلني على الدار ..
فقال له : ثم ماذا ؟
قال له : لاشي غير هذا ..
قال : محال أن يدلك سعد على الدار هكذا بدون أن يكون جرى بينك وبينه أمر عظيم فإنه غلام ليس كالغلمان .. وإنه باستطاعته أن يلوي آراء الرجال عما يريدون ..
وأصر الرجل الضيف أن لا يخبر والد الغلام بشيء مما جرى ؛ لانه يريد أن يعرف هل الغلام أمين أم أنه لص ..
أكمل الرجل زيارته وذهب ..
فجاء الغلام الى أبيه وقال : يا أبي هل ذهب الرجل الذي جاءك اليوم ؟
قال : نعم أكرمناه وذهب في طريقه ..
قال الولد لأبيه : هل كان مستدينا منك شيئا من المال ؟
قال له : لا .. لم يكن بيننا شئ من المال إنما هو ود قديم وصداقة راسخة ..
قال الولد : يا أبي لقد خدعني الرجل ..
قال له أبوه : وكيف ذاك والرجل من أصدق الرجال قولا ، وأوفاهم عهدا ، فحكى له ماحصل ..
فقال له ابوه : لقد أخطأت يا بني .. ما كان لك أن تفعل هذا ، وإنما كان ينبغي أن تدله على الدار وكفى ؛ لأن هذا المال الذي أعطاك لا نسطيع أن نصرفه ؛ لأنه ليس لنا فيه حق ..
قال الغلام : خذه يا أبي وأرجعه إليه متى ما قابلته ..
فأخذ ورقة المال وقال لابنه : غدأ إن شاء الله سأذهب إلى دار يوسف وأعطيه ماله ، وأسأله عن ما قال ..
وعند المساء رجع يوسف إلى دار ورقة ونزل ، فسأله ورقة : الم ترجع إلى بلادك ؟
قال : لا .. ذهبت لزيارة صديق آخر وجئتك راجعا ، لأبيت عندك وأسافر غدا صباحا إن شاء الله ..
فقال له ورقة : لقد أعطاني ابني مالا يقول أنك أعطيته إياه وهو دين لي عليك ..
قال له يوسف : وقد فعلها الغلام ..
قال : نعم .. إن ابني من أكثر الناس أمانة وأصدقهم حديثا ..
قال له : وأنا جئتك من أجل الغلام وليس من أجل المال .. جئت لأرى هل ابنك أمين فيوفي بما قال ، أم أنه سيأحذ المال ويسكت .. ولكن الغلام حقق ظني وسر قلبي ..
فإن هذه الدنانير ليست لك ولا لي .. بل هي لولدك ؛ تقديرا لصدقه وأمانته ..
قال له ورقة : سأعطيه إياها .. وبات معهم ليلته وفي الصباح ودعه وذهب يوسف إلى طريقه ..
فلما أصبح الغلام قال له أبوه : إن الضيف الذي كان عندنا البارحة جاء بالليل وأنت كنت تغط في نومك .. فقال ان أعطيك المال ؛ تقديرا لصدقك وأمانتك ..
فقال الغلام : يا أبي أنا لا أبيع صدقي وأمانتي بأربعمائة دينار ..
قال له أبوه : هو ليس بيعا وإنما مكافأة ..
فقال له : إن الصدق والأمانة لاتكافؤها أربعمائة دينار ..
فقال له والده : إذا ماذا ؟
قال له : فليعطني فرسه وسيفه ، ويزوجني ابنته ، وبذلك يكافؤ صدقي وأمانتي ؛ فإنهما غاليتان عندي ..
فضحك والده وقال : ولكنك صغير على الزواج يابُني ..
قال له : يا أبي الصغير سيكبر والوعود ستبقى ، فليعدني بذلك ..
أنا لا أريد أربعمائة درهم ؛ فيقول الناس إن سعد ابن ورقة اخذ أربعمائة دينار مكأفاة لصدقه وأمانته فيظن الناس أن الصدق والأمانة بهذا الثمن الزهيد ..
متى ما قابلت صديقك يا أبي أرجع إليه ماله وأخبره برفضي لصفقته ..
- كان سعد بن ورقة طفلا لايتجاوز الثانية عشر ولكنه بفهم رجل وبصدق الصالحين وأمانة الصادقين حقا .. كان يتمتع بروح القيادة والسيادة .. حتى أنه كان في لعبه مع الأطفال يلعب لعبة القائد وجيشه ، ويحب المبارزة بالسيوف المصنوعة من جريد النخل ..
مرت الأيام وذهب ورقة إلى سوق كبير يسمى سوق ( وضرة )..
*( للعلم : هذه الأحداث تدور في اليمن )*
المهم .. كان من فرسان الأشراف وهو والد لأربعة ذكور أصغرهم سعد .
ولكنه كان أكبرهم قدرا وفهما وعلما وذكاء ..
دخل ورقة السوق الكبير وكان يتاجر في العطور والأزياء التي تأتيه من بلاد الشام ، وفي السوق قابل صديقا له وتحادثا في أمر يوسف التيمي ..
وما جرى بينه وبين سعد ابن ورقة ..
فقال له : لقد سمعت هذا الكلام من يوسف يتحدث به عن غلام من بني عجلان .. ولكني لم أكن اعلم أنه ابنك ..
قال له ورقة : هل تدري أن سعد يرفض المال الذي وهبه له يوسف ، ويقول : أنه يطلب ابنته زوجة وسيفه وفرسه ..
قال له : أحلام ابنك أكبر من سنه ..
ودوما الآمال تبنى في الصغر وتثمر في الكبر .. فلا تقل لابنك كلاما يثبط همته و يثني عزيمته ..
قال له ورقة : مهما قلنا له من قول يأتينا بحديث يطيش بالعقول .. أنا سأعطيك هذا المال ؛ لأنك ستقابل يوسف التيمي .. فأخبره برفض ابني وشروط قبوله المكافاة .. يتحادثان ويضحكان ..
ولما رجع ورقة إلى الدار وقابل ابنه .. قال له : يا أبتي هل أعطيت الرجل ماله ؟
قال : لا .. ولكن أرسلته إليه ..
قال ابنه متحسرا : واحسرتاه .. كنت أتمنى أن تعطيه إياه بنفسك وتخبره بشروطي حتى تنقل لي تعابير وجهه ورده على كلامي ..
قال ورقة : يابني إني أسألك سؤالا ..
لماذا تطلب زواجك من ابنة يوسف .. وأهلك الأشراف .. لهم من البنات أجمل ماخلق الله ..
قال له : يا أبتي إن الرجال لايتزوجون النساء من أجل الجمال ، ولكن من أجل الرجال الذين رعوهن ، وأدبوهن ، وربوهن .. فإن صديقك هذا أعجبتني سمته ، وأبهرني منطقه ، وحتى فرسه الذي يمتطيه فرس الفرسان .. رجل يعطي المال للأمين ، ويدعي الدين ليعرف مكان صديقه .. هذا رجل لو كانت له بنت ستكون هي مطلبي ومرادي ..
تبسم ورقة وهو يهز رأسه متعجبا ..
وصل الخبر إلى يوسف التيمي .. وأعطاه الرجل ماله وأخبره برفض الصبي وشروطه ..
لم يتأخر يوسف التيمي فركب وجاء إلى دار ورقة مرة أخرى ..
ولما دخل عليه قال له : يا صديقي اليوم جاء يوم اختبارك أني أريد الغلام ..
قال : ماذا تريد منه ..
قال له : أحضره لي لأقول ما أقول أمامه .. ف والله إن لابنك عقلا يوازي عقلي وعقلك ..
لما جاء سعد ووجد الضيف مرة أخرى سلم عليه وقال له : أراك أكثرت الخطى إلينا ، لعله أن يكون دينا آخر ..
قال : لا .. لقد جئت هذه المرة من أجلك .. سأعطيك سيفي ، وفرسي ، وأزوجك ابنتي هل أنت مستعد لذلك ؟
وورقة ينظر ويستمع والحيرة تملأ رأسه ..
قال الغلام : أقول الصدق لست مستعدا لامتطاء فرسك فإنه جسور ..
ولا لحمل سيفك فإنه ثقيل ..
ولا لزواج ابنتك فإني صغير ..
ولكن إن تعدني بذلك فسيكون سيفي عهدة عندك ، وفرسي تمتطيه حتى آتيه ، وعروسي عندك تربيها حتى أناهز الحلم وألحق ملحق الرجال ..
قال يوسف : حسبي الله ونعم الوكيل .. ماهذا الغلام يا ورقة ؟
قال له : إنه أمامك وتكلم ،أما أنا فليس لي كلاما أزيد عليه ..
وأنا موافق على ماقال ..
قال يوسف التيمي : يا أيها الغلام هل تذهب معي إلى بلدي ، أدربك على ركوب الخيل ومبارزة السيوف وأصنع منك فارسا لا يقهر ، وجلمودا لايلين ؛ فإن أباك رجل تشغله التجارة لا يفرغ ليعطيك مما سأعطيك .. ها ماذا تقول ..
قال له سعد : أما أنا فهذا يوم فرحتي .. أتابع فرسي .. وأتعلم حمل سيفي .. وأرى خطيبتي ، ولكن القول مايقول أبي فإن وافق فأردفني خلفك الآن ..
قال ورقة : والله ماعندي شك في قدرتك يايوسف ، وإني أعلم أنك ستصنع منه فارسا تخافه الكماة ..
ولكن دعني أستشير أمه فإنه صغيرها ولا تقوى على فراقه ..
*( برأيكم هل ستوافق أم سعد أم أنها سترفض ؛ لتعلقها به ؟! )*
*---------------------------*
إذا أتممت القراءة صلي الرسول
*" إلى اللقاء في الحلقة الثانية بمشيئة الله تعالى "*
منقول