قصة حاتم الأصم وابنته .
حكي أن حاتما الأصم كان رجلا كثير العيال ، وكان له أولاد ذكور وإناث ، ولم يكن يملك حبة واحدة ، وكان قدمه التوكل فجلس ذات ليلة مع أصحابه يتحدث معهم ، فتعرضوا لذكر الحج ، فداخل الشوق قلبه ، ثم دخل على أولاده ، فجلس معهم يحدثهم ، ثم قال لهم : لو أذنتم لأبيكم أن يذهب إلى بيت ربه في هذا العام حاجا ، ويدعو لكم ماذا عليكم لو فعلتم ؟ فقالت زوجته وأولاده : أنت على هذه الحالة لا تملك شيئا ونحن على ما ترى من الفاقة ، فكيف تريد ذلك ونحن بهذه الحالة ؟ وكان له ابنة صغيرة فقالت : ماذا عليكم لو أذنتم له ولا يهمكم ذلك ، دعوه يذهب حيث شاء ، فإنه مناول للرزق ، وليس برزاق ، فذكرتهم ذلك ، فقالوا : صدقت والله هذه الصغيرة يا أبانا انطلق حيث أحببت .
فقام من وقته وساعته وأحرم بالحج ، وخرج مسافرا ، وأصبح أهل بيته يدخل عليهم جيرانهم يوبخونهـم كيف أذنوا له بالحج ، وتأسف على فراقه أصحابه وجيرانه ، فجعل أولاده يلومون تلك الصغيرة ويقولون : لو سكت ما تكلمنا . فرفعت الصغيرة طرفها إلى السماء ، وقالت : إلهي وسيدي ومولاي عودت القوم بفضلك وأنك لا تضيعهم فلا تخيبهم ، ولا تخجلني معهم ، فبينما على هذه الحالة إذ خرج أمير البلدة متصيدا ، فانقطع عن عسكره وأصحابه ، فحصل له عطش شدید ، فاجتاز ببيت الرجل الصالح حاتم الأصم ، فاستسقى منهم ماء ، وقرع الباب فقالوا : من أنت ؟ قال : الأمير ببابكم يستسقيكم ، فرفعت زوجة حاتم رأسها إلى السماء وقالت : إلهي وسيدي سبحانك البارحة بتنا جياعا ، واليوم يقف الأمير على بابنا يستسقينا ، ثم إنها أخذت كوزا جديدا وملأته ماء ، وقالت للمتناول منها : اعذرونا ، فأخذ الأمير الكوز وشرب منه ، فاستطاب الشرب من ذلك الماء فقال : هذه الدار لأمير ؟ فقالوا : لا والله بل لعبد من عباد الله الصالحين يعرف بحاتم الأصم .
فقال الأمير : لقد سمعت به ، فقال الوزير : يا سيدي لقد سمعت أنه البارحة أحرم بالحج وسافر ولم يخلف لعياله شيئا ، وأخبرت أنهم البارحة باتوا جياعا ،
فقال الأمير : ونحن أيضا قد ثقلنا عليهم اليوم ، وليس من المروءة أن يثقل مثلنا على مثلهم ، ثم حل الأمير منطقته من وسطه ورمى بها في الدار ، ثم قال لأصحابه : من أحبني ، فليلق منطقته ، فحل جميع أصحابه مناطقهم ورموا بها إليهم ، ثم انصرفوا ، فقال الوزير : السلام عليكم أهل البيت ، لأتينكم الساعة بثمن هذه المناطق ، فلما أنزل الأمير رجع إليهم الوزير ، ودفع إليهم ثمن المناطق مالا جزيلا واستردها منهم .
فلما رأت الصبية الصغيرة ذلك بكت بكاء شديدا ، فقالوا لها : ما هذا البكاء ؟ إنما يجب أن تفرحي ، فإن الله قد وسع علينا ، فقالت : يا أم . والله إنما بكائي كيف بتنا البارحة جياعا ، فنظر إلينا مخلوق نظرة واحدة ، فأغنانا بعد فقرنا ، فالكريم الخالق إذا نظر إلينا لا يكلنا إلى أحد طرفة عين ، اللهم انظر إلى أبينا ، ودبره بأحسن التدبير ، هذا ما كان من أمرهم .
وأما ما كان من أمر حاتم أبيهم ، فإنه لما خرج محرما ولحق بالقوم توجع أمير الركب ، فطلبوا له طبيبا ، فلم يجدوا ، فقال : هل من عبد صالح ، فدل على حاتم ، فلما دخل عليه وكلمه دعا له فعوفي الأمير من وقته ، فأمر له بما يركب ، وما يأكل ، وما يشرب ، فنام تلك الليلة مفكرا في أمر عياله ، فقيل له في منامه : يا حاتم من أصلح معاملته معنا أصلحنا معاملتنا معه ، ثم أخبر بما كان من أمر عياله ، فأكثر الثناء على الله تعالى ، فلما قضى حجه ورجع تلقته أولاده ، فعانق الصبية الصغيرة وبكي ، ثم قال : صغار قوم كبار قوم آخرين . إن الله لا ينظر إلى أكبركم ولكن ينظر إلى أعرفكم به ، فعليكم بمعرفته والاتكال عليه فإنه من توكل على الله
فهو حسبه .
حكي أن حاتما الأصم كان رجلا كثير العيال ، وكان له أولاد ذكور وإناث ، ولم يكن يملك حبة واحدة ، وكان قدمه التوكل فجلس ذات ليلة مع أصحابه يتحدث معهم ، فتعرضوا لذكر الحج ، فداخل الشوق قلبه ، ثم دخل على أولاده ، فجلس معهم يحدثهم ، ثم قال لهم : لو أذنتم لأبيكم أن يذهب إلى بيت ربه في هذا العام حاجا ، ويدعو لكم ماذا عليكم لو فعلتم ؟ فقالت زوجته وأولاده : أنت على هذه الحالة لا تملك شيئا ونحن على ما ترى من الفاقة ، فكيف تريد ذلك ونحن بهذه الحالة ؟ وكان له ابنة صغيرة فقالت : ماذا عليكم لو أذنتم له ولا يهمكم ذلك ، دعوه يذهب حيث شاء ، فإنه مناول للرزق ، وليس برزاق ، فذكرتهم ذلك ، فقالوا : صدقت والله هذه الصغيرة يا أبانا انطلق حيث أحببت .
فقام من وقته وساعته وأحرم بالحج ، وخرج مسافرا ، وأصبح أهل بيته يدخل عليهم جيرانهم يوبخونهـم كيف أذنوا له بالحج ، وتأسف على فراقه أصحابه وجيرانه ، فجعل أولاده يلومون تلك الصغيرة ويقولون : لو سكت ما تكلمنا . فرفعت الصغيرة طرفها إلى السماء ، وقالت : إلهي وسيدي ومولاي عودت القوم بفضلك وأنك لا تضيعهم فلا تخيبهم ، ولا تخجلني معهم ، فبينما على هذه الحالة إذ خرج أمير البلدة متصيدا ، فانقطع عن عسكره وأصحابه ، فحصل له عطش شدید ، فاجتاز ببيت الرجل الصالح حاتم الأصم ، فاستسقى منهم ماء ، وقرع الباب فقالوا : من أنت ؟ قال : الأمير ببابكم يستسقيكم ، فرفعت زوجة حاتم رأسها إلى السماء وقالت : إلهي وسيدي سبحانك البارحة بتنا جياعا ، واليوم يقف الأمير على بابنا يستسقينا ، ثم إنها أخذت كوزا جديدا وملأته ماء ، وقالت للمتناول منها : اعذرونا ، فأخذ الأمير الكوز وشرب منه ، فاستطاب الشرب من ذلك الماء فقال : هذه الدار لأمير ؟ فقالوا : لا والله بل لعبد من عباد الله الصالحين يعرف بحاتم الأصم .
فقال الأمير : لقد سمعت به ، فقال الوزير : يا سيدي لقد سمعت أنه البارحة أحرم بالحج وسافر ولم يخلف لعياله شيئا ، وأخبرت أنهم البارحة باتوا جياعا ،
فقال الأمير : ونحن أيضا قد ثقلنا عليهم اليوم ، وليس من المروءة أن يثقل مثلنا على مثلهم ، ثم حل الأمير منطقته من وسطه ورمى بها في الدار ، ثم قال لأصحابه : من أحبني ، فليلق منطقته ، فحل جميع أصحابه مناطقهم ورموا بها إليهم ، ثم انصرفوا ، فقال الوزير : السلام عليكم أهل البيت ، لأتينكم الساعة بثمن هذه المناطق ، فلما أنزل الأمير رجع إليهم الوزير ، ودفع إليهم ثمن المناطق مالا جزيلا واستردها منهم .
فلما رأت الصبية الصغيرة ذلك بكت بكاء شديدا ، فقالوا لها : ما هذا البكاء ؟ إنما يجب أن تفرحي ، فإن الله قد وسع علينا ، فقالت : يا أم . والله إنما بكائي كيف بتنا البارحة جياعا ، فنظر إلينا مخلوق نظرة واحدة ، فأغنانا بعد فقرنا ، فالكريم الخالق إذا نظر إلينا لا يكلنا إلى أحد طرفة عين ، اللهم انظر إلى أبينا ، ودبره بأحسن التدبير ، هذا ما كان من أمرهم .
وأما ما كان من أمر حاتم أبيهم ، فإنه لما خرج محرما ولحق بالقوم توجع أمير الركب ، فطلبوا له طبيبا ، فلم يجدوا ، فقال : هل من عبد صالح ، فدل على حاتم ، فلما دخل عليه وكلمه دعا له فعوفي الأمير من وقته ، فأمر له بما يركب ، وما يأكل ، وما يشرب ، فنام تلك الليلة مفكرا في أمر عياله ، فقيل له في منامه : يا حاتم من أصلح معاملته معنا أصلحنا معاملتنا معه ، ثم أخبر بما كان من أمر عياله ، فأكثر الثناء على الله تعالى ، فلما قضى حجه ورجع تلقته أولاده ، فعانق الصبية الصغيرة وبكي ، ثم قال : صغار قوم كبار قوم آخرين . إن الله لا ينظر إلى أكبركم ولكن ينظر إلى أعرفكم به ، فعليكم بمعرفته والاتكال عليه فإنه من توكل على الله
فهو حسبه .