"كان[صلى الله عليه وسلم] سهلاً لين العريكة مع الأطفال، لا يأنف إذا مر بطائفة منهم يلعبون أن يقرئهم السلام !"[1] .
ويقول لويس سيديو: "لا شي أدعى إلى راحة النفس من عناية محمد [صلى الله عليه وسلم] بالأولاد. فهو قد حرّم عادة الوأد، وشغل باله بحال اليتامى على الدوام.. وكان يجد في ملاحظة صغار الأولاد أعظم لذة. ومما حدث ذات يوم أن كان محمد [صلى الله عليه وسلم] يصلي فوثب الحسين بن علي [رضي الله عنهما] فوق ظهره فلم يبال بنظرات الحضور فانتظر صابرًا إلى حين نزوله كما أراد. "[2] .
ولقد كافح النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل استرداد حقوق الأطفال المسلوبة، عبر العصور الغابرة - خاصة في الميراث – بعدما كانت العصور الجاهلية تحرم الأطفال من الميراث، وتعتبر أن من لهم الحق في الميراث هم الذين يتستطيعون جلب الغنائم أو يمتطون الخيل بمهارة وفروسية !..
كما أن محمداً صلى الله عليه وسلم حمَّل الأسرة كلها أمانة رعاية الأطفال وصيانة حقوقهم.
فكانت الأسرة الإسلامية - كما يقول جاك ريسلر-:" ترعى دائمًا الطفل، وصحته، وتربيته، رعاية كبيرة. وترضع الأم هذا الطفل زمنًا طويلاً، وأحيانًا لمدة أكثر من سنتين، وتقوم على تنشئته بحنان وتغمره بحبها وباحتياطات متصلة. وإذا حدث أن أصاب الموت بعض الأسرة، وأصبحوا يتامى، فإن أقرباءهم المقربين لا يترددون في مساعدتهم وفي تبنّيهم"[3]
ولا فرق في ذلك بين ذكر وأنثى[4] ..
المطلب الثاني : نماذج رحمة النبي للأطفال :
أولاً : أرحم البشر بالعيال:
يقول أنس بن مالك:
"مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"[5].
قال بريدة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران [ يتعثران في المشي ] فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال : " صدق الله ] إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [ [ سورة التغابن: الآية15]، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما "[6] .
وعن شداد بن أوس قال :
خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا . قال شداد : فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ . قَالَ : "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ "[7] !
وعن ثَابِت عَنْ أَنَس : أَخَذَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِبْرَاهِيم فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ[8].
ويقول أنس :
كان إبراهيم ( ابن محمد صلى الله عليه وسلم ) مسترضعًا له في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن، وكان ظئره قينًا فيأخذه فيقبله ثم يرجع[9].
ثانيًا : توبيخه صلى الله عليه وسلم للغلاظ مع الأطفال:
عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: أَبْصَرَ اْلأَقْرَعُ بنُ حَابِسٍ الّنبيّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ يُقَبّلُ الْحَسَنَ فقالَ إنّ لي مِنَ الْوَلَدِ عَشَرَةً ما قَبّلْتُ أحَداً مِنْهُمْ، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّهُ مَن لاَ يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ" [10].
وهو نداء إلى غلاظ القلوب عامة، وإلى المسيئين للأطفال خاصة..
ثالثًا : دعاؤه صلى الله عليه وسلم للأطفال :
عن عائشة :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى إليه بالصبيان "فيبرّك عليهم "– أي يدعو لهم بالبركة، "ويحنكهم"[11] – أي يضع في أفواههم التمر اللين الذي مضغه في حنكه الشريف.
وعن ابن عباس قال : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ : إِنَّ أَبَاكُمَا [ إبراهيم عليه السلام ] كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ، وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ"[12].
وعن أسامة بن زيد عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ وَيَقُولُ : "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا "[13].
وقال البراء : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ، يَقُولُ :" اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ"[14] .
رابعًا : سلامه صلى الله عليه وسلم على الأطفال وعطفه عليهم:
لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم يسلم على الأطفال في الطرقات، ويمسح على رؤوسهم ووجوههم، فعن جَابِرِ بن سَمُرَةَ ، قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الأُولَى ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانُ الْمَدِينَةِ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا ، قَالَ : وَأَمَّا أنا فَمَسَحَ خَدِّي فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا ورِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُونَةِ عَطَّارٍ صلى الله عليه وسلم[15].
خامسًا : رفقه صلى الله عليه وسلم بالأطفال إذا صلى بهم :
يقول " كولن " :
"كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلة، ولا سيما النوافل منها؛ إذ كانت تتجاوز طاقة الصحابة، ولكنه عندما يقف للصلاة يريد إطالتها ويسمع بكاء طفل في أثنائها؛ إذ به يخفف صلاته ويتَجوَّز فيها؛ ذلك لأن النساء كن يقفن للصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يشتركن في أداء صلاة الجماعة خلفه، فخوفاً من أن تكون أم ذلك الطفل موجودة بين المصليات فإنه كان يخفف صلاته، ويسرع بها لكي يريح قلب تلك الأم"[16].
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فاتجوز في صلاتي كراهية ان أشق على أمه"[17] .
وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال:
مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ[18].
سادسًا: تعزيزه صلى الله عليه وسلم للطفل الصادق :
فلما نزل القرآن، مصدقًا لكلام عمير بن سعيد، عندما قال قول الصدق والحق في رجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن عمير فقال له النبيصلى الله عليه وسلم - وهو يُحَيِّيه على الصدق- : " وفت أذنك يا عمير.. وصدّقَكَ رَبُكَ"[19].
سابعًا: ملاطفته صلى الله عليه وسلم للأطفال:
عن أنس بن مالك قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير، فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال " أبا عمير ما فعل النغير ؟"[20] ..
والنغير طائر صغير كان أبو عمير يلعب معه !
وقد صلى الله عليه وسلمكان يصلي فإذا سجد ؛ وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا أراد الناس أن يمنعوهما ؛ أشار إليهم أن دعوهما ..
قال أبو هريرة : كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء فكان يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره وإذا رفع رأسه أخذهما [ بيده من خلفه أخذا رفيقًا ] فوضعهما وضعًا رفيقًا ، فإذا عاد عادا فلما صلى [ وضعهما على فخذيه ] جعل واحدًا هاهنا وواحدًا هاهنا .. ! قال أبو هريرة :
فجئته فقلت : يا رسول الله ألا أذهب بهما إلى أمهما ؟ قال : لا ..!"[21] .
ثامنًا: رحمته صلى الله عليه وسلم بغلام يهودي:
فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ :
كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ : "أَسْلِمْ" فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ .فَقَالَ : لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ! !"[22] .
وهكذا نرى أعلى درجات الرحمة في شخصية هذا النبي الكريمصلى الله عليه وسلم ، الذي يطلب من غلام يعالج سكرات الموت، أن ينطق بالشهادتين في لاحظاته الأخيره، لتكونا برهاناً لرسول الله يشفع به أمام الله لهذا الغلام .. يوم القيامة !
وهذا الشعور من رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين عمق عاطفته النبيلة الجياشة تجاه سائر البشر على اختلاف عقائدهم ودياناتهم .
إتها الرغبة الشديدة الفياضة في هداية البشر ، رغم جهلهم المطبق برسالة محمد – إلا من رحم الله -، فهو يدعوهم إلى الجنة، وهم يتفلتون منه، كما في حديثه، الذي يمثِّل فيه لرحمته بتصوير رائع بليغ، فيقول: "مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ: كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي"[23] .
الاسير...
ويقول لويس سيديو: "لا شي أدعى إلى راحة النفس من عناية محمد [صلى الله عليه وسلم] بالأولاد. فهو قد حرّم عادة الوأد، وشغل باله بحال اليتامى على الدوام.. وكان يجد في ملاحظة صغار الأولاد أعظم لذة. ومما حدث ذات يوم أن كان محمد [صلى الله عليه وسلم] يصلي فوثب الحسين بن علي [رضي الله عنهما] فوق ظهره فلم يبال بنظرات الحضور فانتظر صابرًا إلى حين نزوله كما أراد. "[2] .
ولقد كافح النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل استرداد حقوق الأطفال المسلوبة، عبر العصور الغابرة - خاصة في الميراث – بعدما كانت العصور الجاهلية تحرم الأطفال من الميراث، وتعتبر أن من لهم الحق في الميراث هم الذين يتستطيعون جلب الغنائم أو يمتطون الخيل بمهارة وفروسية !..
كما أن محمداً صلى الله عليه وسلم حمَّل الأسرة كلها أمانة رعاية الأطفال وصيانة حقوقهم.
فكانت الأسرة الإسلامية - كما يقول جاك ريسلر-:" ترعى دائمًا الطفل، وصحته، وتربيته، رعاية كبيرة. وترضع الأم هذا الطفل زمنًا طويلاً، وأحيانًا لمدة أكثر من سنتين، وتقوم على تنشئته بحنان وتغمره بحبها وباحتياطات متصلة. وإذا حدث أن أصاب الموت بعض الأسرة، وأصبحوا يتامى، فإن أقرباءهم المقربين لا يترددون في مساعدتهم وفي تبنّيهم"[3]
ولا فرق في ذلك بين ذكر وأنثى[4] ..
المطلب الثاني : نماذج رحمة النبي للأطفال :
أولاً : أرحم البشر بالعيال:
يقول أنس بن مالك:
"مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"[5].
قال بريدة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران [ يتعثران في المشي ] فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال : " صدق الله ] إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [ [ سورة التغابن: الآية15]، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما "[6] .
وعن شداد بن أوس قال :
خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا . قال شداد : فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ . قَالَ : "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ "[7] !
وعن ثَابِت عَنْ أَنَس : أَخَذَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِبْرَاهِيم فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ[8].
ويقول أنس :
كان إبراهيم ( ابن محمد صلى الله عليه وسلم ) مسترضعًا له في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن، وكان ظئره قينًا فيأخذه فيقبله ثم يرجع[9].
ثانيًا : توبيخه صلى الله عليه وسلم للغلاظ مع الأطفال:
عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: أَبْصَرَ اْلأَقْرَعُ بنُ حَابِسٍ الّنبيّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ يُقَبّلُ الْحَسَنَ فقالَ إنّ لي مِنَ الْوَلَدِ عَشَرَةً ما قَبّلْتُ أحَداً مِنْهُمْ، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّهُ مَن لاَ يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ" [10].
وهو نداء إلى غلاظ القلوب عامة، وإلى المسيئين للأطفال خاصة..
ثالثًا : دعاؤه صلى الله عليه وسلم للأطفال :
عن عائشة :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى إليه بالصبيان "فيبرّك عليهم "– أي يدعو لهم بالبركة، "ويحنكهم"[11] – أي يضع في أفواههم التمر اللين الذي مضغه في حنكه الشريف.
وعن ابن عباس قال : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ : إِنَّ أَبَاكُمَا [ إبراهيم عليه السلام ] كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ، وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ"[12].
وعن أسامة بن زيد عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ وَيَقُولُ : "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا "[13].
وقال البراء : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ، يَقُولُ :" اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ"[14] .
رابعًا : سلامه صلى الله عليه وسلم على الأطفال وعطفه عليهم:
لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم يسلم على الأطفال في الطرقات، ويمسح على رؤوسهم ووجوههم، فعن جَابِرِ بن سَمُرَةَ ، قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الأُولَى ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانُ الْمَدِينَةِ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا ، قَالَ : وَأَمَّا أنا فَمَسَحَ خَدِّي فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا ورِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُونَةِ عَطَّارٍ صلى الله عليه وسلم[15].
خامسًا : رفقه صلى الله عليه وسلم بالأطفال إذا صلى بهم :
يقول " كولن " :
"كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلة، ولا سيما النوافل منها؛ إذ كانت تتجاوز طاقة الصحابة، ولكنه عندما يقف للصلاة يريد إطالتها ويسمع بكاء طفل في أثنائها؛ إذ به يخفف صلاته ويتَجوَّز فيها؛ ذلك لأن النساء كن يقفن للصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يشتركن في أداء صلاة الجماعة خلفه، فخوفاً من أن تكون أم ذلك الطفل موجودة بين المصليات فإنه كان يخفف صلاته، ويسرع بها لكي يريح قلب تلك الأم"[16].
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فاتجوز في صلاتي كراهية ان أشق على أمه"[17] .
وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال:
مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ[18].
سادسًا: تعزيزه صلى الله عليه وسلم للطفل الصادق :
فلما نزل القرآن، مصدقًا لكلام عمير بن سعيد، عندما قال قول الصدق والحق في رجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن عمير فقال له النبيصلى الله عليه وسلم - وهو يُحَيِّيه على الصدق- : " وفت أذنك يا عمير.. وصدّقَكَ رَبُكَ"[19].
سابعًا: ملاطفته صلى الله عليه وسلم للأطفال:
عن أنس بن مالك قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير، فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال " أبا عمير ما فعل النغير ؟"[20] ..
والنغير طائر صغير كان أبو عمير يلعب معه !
وقد صلى الله عليه وسلمكان يصلي فإذا سجد ؛ وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا أراد الناس أن يمنعوهما ؛ أشار إليهم أن دعوهما ..
قال أبو هريرة : كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء فكان يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره وإذا رفع رأسه أخذهما [ بيده من خلفه أخذا رفيقًا ] فوضعهما وضعًا رفيقًا ، فإذا عاد عادا فلما صلى [ وضعهما على فخذيه ] جعل واحدًا هاهنا وواحدًا هاهنا .. ! قال أبو هريرة :
فجئته فقلت : يا رسول الله ألا أذهب بهما إلى أمهما ؟ قال : لا ..!"[21] .
ثامنًا: رحمته صلى الله عليه وسلم بغلام يهودي:
فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ :
كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ : "أَسْلِمْ" فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ .فَقَالَ : لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ! !"[22] .
وهكذا نرى أعلى درجات الرحمة في شخصية هذا النبي الكريمصلى الله عليه وسلم ، الذي يطلب من غلام يعالج سكرات الموت، أن ينطق بالشهادتين في لاحظاته الأخيره، لتكونا برهاناً لرسول الله يشفع به أمام الله لهذا الغلام .. يوم القيامة !
وهذا الشعور من رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين عمق عاطفته النبيلة الجياشة تجاه سائر البشر على اختلاف عقائدهم ودياناتهم .
إتها الرغبة الشديدة الفياضة في هداية البشر ، رغم جهلهم المطبق برسالة محمد – إلا من رحم الله -، فهو يدعوهم إلى الجنة، وهم يتفلتون منه، كما في حديثه، الذي يمثِّل فيه لرحمته بتصوير رائع بليغ، فيقول: "مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ: كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي"[23] .
الاسير...