معاني اسمه تعالي {الغني}
( الغَنِيُّ ):
(الربُّ تَعَالَى... هوَ الغَنِيُّ بذاتِهِ، الذي كلُّ ما سِوَاهُ مُحْتَاجٌ إليهِ، وليسَ بهِ حاجةٌ إلى أحدٍ) ، ([كما] أنَّهُ... لا يَأْكُلُ ولا يَشْرَبُ ولا يَحْتَاجُ إلى شيءٍ مِمَّا يَحْتَاجُ إليهِ خَلْقُهُ بوجهٍ من الوجوهِ)
(فـ[هُوَ]… (( الغَنِيُّ )) الذي غِنَاهُ منْ لوازمِ ذاتِهِ، وكلُّ مَنْ في السَّمَاواتِ والأرضِ عبيدٌ لهُ، مَقْهُورُونَ بِقَهْرِهِ، مُصَرَّفُونَ بِمَشِيئَتِهِ، لَوْ أَهْلَكَهُم جميعاً لمْ يَنْقُصْ منْ عِزِّهِ وَسُلْطَانِهِ وَمُلْكِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ، قالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [المائدة: 17])
(فَلَهُ الغِنَى الكاملُ التامُّ منْ كلِّ وجهٍ عنْ كلِّ أحدٍ بكلِّ اعْتِبَارٍ)
([واللهُ سبحانَهُ وتَعَالَى] يُذَكِّرُ عِبَادَهُ فَقْرَهُم إليهِ، وَشِدَّةَ حَاجَتِهِم إليهِ منْ كلِّ وجهٍ، وأنَّهُم لا غِنَى لهمْ عنهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَيَذْكُرُ غِنَاهُ عنهم وعنْ جميعِ الموجوداتِ، وأنَّهُ الغَنِيُّ بنفسِهِ عنْ كلِّ ما سِوَاهُ، وكلُّ ما سِوَاهُ فَقِيرٌ إليهِ بنفسِهِ، وأنَّهُ لا يَنَالُ أحدٌ ذرَّةً من الخيرِ فما فَوْقَهَا إلاَّ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، ولا ذَرَّةً من الشرِّ فما فَوْقَهَا إلاَّ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ)
( قالَ اللهُ سبحانَهُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر: 15].
بَيَّنَ سبحانَهُ في هذهِ الآيَةِ أنَّ فَقْرَ العبادِ إليهِ أَمْرٌ ذَاتِيٌّ لهم، لا يَنْفَكُّ عنهم، كما أنَّ كَوْنَهُ غَنِيًّا حَمِيداً أَمْرٌ ذَاتِيٌّ لهُ، فَغِنَاهُ وَحَمْدُهُ ثابِتٌ لهُ لذاتِهِ لا لأمرٍ أَوْجَبَهُ، وَفَقْرُ مَنْ سِوَاهُ أمرٌ ثابتٌ لهُ لذاتِهِ لا لأمرٍ أَوْجَبَهُ، فلا يُعَلَّلُ هذا الفقرُ بحدوثٍ ولا إمكانٍ، بلْ هوَ ذَاتِيٌّ للفقيرِ، فحاجةُ العبدِ إلى رَبِّهِ لذاتِهِ , لا لِعِلَّةٍ أَوْجَبَتْ تلكَ الحاجةَ، كما أنَّ غِنَى الربِّ سُبْحَانَهُ لِذَاتِهِ لا لأمرٍ أَوْجَبَ غِنَاهُ، كما قالَ شَيْخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ:
([واللهُ سبحانَهُ وتَعَالَى] يُذَكِّرُ عِبَادَهُ فَقْرَهُم إليهِ، وَشِدَّةَ حَاجَتِهِم إليهِ منْ كلِّ وجهٍ، وأنَّهُم لا غِنَى لهمْ عنهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَيَذْكُرُ غِنَاهُ عنهم وعنْ جميعِ الموجوداتِ، وأنَّهُ الغَنِيُّ بنفسِهِ عنْ كلِّ ما سِوَاهُ، وكلُّ ما سِوَاهُ فَقِيرٌ إليهِ بنفسِهِ، وأنَّهُ لا يَنَالُ أحدٌ ذرَّةً من الخيرِ فما فَوْقَهَا إلاَّ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، ولا ذَرَّةً من الشرِّ فما فَوْقَهَا إلاَّ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ)
( قالَ اللهُ سبحانَهُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر: 15].
بَيَّنَ سبحانَهُ في هذهِ الآيَةِ أنَّ فَقْرَ العبادِ إليهِ أَمْرٌ ذَاتِيٌّ لهم، لا يَنْفَكُّ عنهم، كما أنَّ كَوْنَهُ غَنِيًّا حَمِيداً أَمْرٌ ذَاتِيٌّ لهُ، فَغِنَاهُ وَحَمْدُهُ ثابِتٌ لهُ لذاتِهِ لا لأمرٍ أَوْجَبَهُ، وَفَقْرُ مَنْ سِوَاهُ أمرٌ ثابتٌ لهُ لذاتِهِ لا لأمرٍ أَوْجَبَهُ، فلا يُعَلَّلُ هذا الفقرُ بحدوثٍ ولا إمكانٍ، بلْ هوَ ذَاتِيٌّ للفقيرِ، فحاجةُ العبدِ إلى رَبِّهِ لذاتِهِ , لا لِعِلَّةٍ أَوْجَبَتْ تلكَ الحاجةَ، كما أنَّ غِنَى الربِّ سُبْحَانَهُ لِذَاتِهِ لا لأمرٍ أَوْجَبَ غِنَاهُ، كما قالَ شَيْخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ:
وَالْفَقْرُ لِي وَصْفُ ذَاتٍ لازِمٌ أَبَداً = كَمَا الغِنَى أَبَداً وَصْفٌ لَهُ ذَاتِي
فالخلقُ فَقِيرٌ مُحْتَاجٌ إلى ربِّهِ بالذاتِ لا بِعِلَّةٍ، وكلُّ ما يُذْكَرُ ويُقَرَّرُ منْ أسبابِ الفقرِ والحاجةِ فهيَ أَدِلَّةٌ على الفقرِ والحاجةِ , لا عِلَلٌ لذلكَ؛ إذْ ما بالذاتِ لا يُعَلَّلُ، فالفقيرُ بذاتِهِ مُحْتَاجٌ إلى الغنيِّ بذاتِهِ، فما يُذْكَرُ منْ إمكانٍ وحدوثٍ واحتياجٍ فهيَ أَدِلَّةٌ على الفقرِ لا أَسْبَابٌ لهُ، ولهذا كانَ الصوابُ في مسألةِ علَّةِ احتياجِ العالمِ إلى الربِّ سبحانَهُ غيرَ القَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ يَذْكُرُهُمَا الفلاسفةُ والمُتَكَلِّمُونَ؛ فإنَّ الفلاسفةَ قالُوا: عِلَّةُ الحاجةِ الإمكانُ، والمُتَكَلِّمُونَ قالُوا: عِلَّةُ الحاجةِ الحدوثُ، والصوابُ أنَّ الإمكانَ والحدوثَ مُتَلازِمَانِ، وَكِلاهُمَا دليلُ الحاجةِ والافتقارِ، وفَقْرُ العالَمِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ أَمْرٌ ذاتيٌّ لا يُعَلَّلُ، فهوَ فَقِيرٌ بذاتِهِ إلى رَبِّهِ الغَنِيِّ بذاتِهِ، ثُمَّ يُسْتَدَلُّ بإمكانِهِ وحدوثِهِ وغيرِ ذلكَ من الأَدِلَّةِ على هذا الفقرِ.
والمقصودُ أنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ عنْ حقيقةِ العبادِ وَذَوَاتِهِم بأنَّهَا فَقِيرَةٌ إليهِ عَزَّ وَجَلَّ، كما أَخْبَرَ عنْ ذاتِهِ المُقَدَّسَةِ وَحَقِيقَتِهِ أنَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ.
فالفقرُ المُطْلَقُ منْ كلِّ وجهٍ ثابتٌ لِذَوَاتِهِم وَحَقَائِقِهم منْ حيثُ هيَ، والغِنَى المُطْلَقُ منْ كلِّ وجهٍ ثابتٌ لذاتِهِ تَعَالَى وَحَقِيقَتِهِ منْ حيثُ هيَ.
فَيَسْتَحِيلُ أنْ يكونَ العبدُ إلاَّ فَقِيراً، وَيَسْتَحِيلُ أنْ يكونَ الربُّ سبحانَهُ إلاَّ غَنِيًّا، كما أنَّهُ يَسْتَحِيلُ أنْ يكونَ العبدُ إلاَّ عَبْداً، والربُّ إلاَّ رَبًّا.
فالخلقُ فَقِيرٌ مُحْتَاجٌ إلى ربِّهِ بالذاتِ لا بِعِلَّةٍ، وكلُّ ما يُذْكَرُ ويُقَرَّرُ منْ أسبابِ الفقرِ والحاجةِ فهيَ أَدِلَّةٌ على الفقرِ والحاجةِ , لا عِلَلٌ لذلكَ؛ إذْ ما بالذاتِ لا يُعَلَّلُ، فالفقيرُ بذاتِهِ مُحْتَاجٌ إلى الغنيِّ بذاتِهِ، فما يُذْكَرُ منْ إمكانٍ وحدوثٍ واحتياجٍ فهيَ أَدِلَّةٌ على الفقرِ لا أَسْبَابٌ لهُ، ولهذا كانَ الصوابُ في مسألةِ علَّةِ احتياجِ العالمِ إلى الربِّ سبحانَهُ غيرَ القَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ يَذْكُرُهُمَا الفلاسفةُ والمُتَكَلِّمُونَ؛ فإنَّ الفلاسفةَ قالُوا: عِلَّةُ الحاجةِ الإمكانُ، والمُتَكَلِّمُونَ قالُوا: عِلَّةُ الحاجةِ الحدوثُ، والصوابُ أنَّ الإمكانَ والحدوثَ مُتَلازِمَانِ، وَكِلاهُمَا دليلُ الحاجةِ والافتقارِ، وفَقْرُ العالَمِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ أَمْرٌ ذاتيٌّ لا يُعَلَّلُ، فهوَ فَقِيرٌ بذاتِهِ إلى رَبِّهِ الغَنِيِّ بذاتِهِ، ثُمَّ يُسْتَدَلُّ بإمكانِهِ وحدوثِهِ وغيرِ ذلكَ من الأَدِلَّةِ على هذا الفقرِ.
والمقصودُ أنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ عنْ حقيقةِ العبادِ وَذَوَاتِهِم بأنَّهَا فَقِيرَةٌ إليهِ عَزَّ وَجَلَّ، كما أَخْبَرَ عنْ ذاتِهِ المُقَدَّسَةِ وَحَقِيقَتِهِ أنَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ.
فالفقرُ المُطْلَقُ منْ كلِّ وجهٍ ثابتٌ لِذَوَاتِهِم وَحَقَائِقِهم منْ حيثُ هيَ، والغِنَى المُطْلَقُ منْ كلِّ وجهٍ ثابتٌ لذاتِهِ تَعَالَى وَحَقِيقَتِهِ منْ حيثُ هيَ.
فَيَسْتَحِيلُ أنْ يكونَ العبدُ إلاَّ فَقِيراً، وَيَسْتَحِيلُ أنْ يكونَ الربُّ سبحانَهُ إلاَّ غَنِيًّا، كما أنَّهُ يَسْتَحِيلُ أنْ يكونَ العبدُ إلاَّ عَبْداً، والربُّ إلاَّ رَبًّا.
إذا عُرِفَ هذا فالفَقْرُ فَقْرَانِ:
- فقرٌ اضْطِرَارِيٌّ: وهوَ فَقْرٌ عامٌّ, لا خُرُوجَ لِبَرٍّ ولا فاجرٍ عنهُ، وهذا لا يَقْتَضِي مَدْحاً ولا ذَمًّا, ولا ثَوَاباً ولا عِقَاباً، بلْ هوَ بِمَنـْزِلَةِ كونِ المخلوقِ مَخْلُوقاً وَمَصْنُوعاً.
- والفقرُ الثاني: فَقْرٌ اخْتِيَارِيٌّ، هوَ نَتِيجَةُ عِلْمَيْنِ شَرِيفَيْنِ:
â—ڈ أَحَدُهُمَا: مَعْرِفَةُ العبدِ بِرَبِّهِ.
â—ڈ والثاني: مَعْرِفَتُهُ بِنَفْسِهِ.
فَمَتَى حَصَلَتْ لهُ هاتانِ المعرفتانِ أَنْتَجَتَا لهُ فَقْراً هوَ عَيْنُ غِنَاهُ وَعُنْوَانُ فَلاحِهِ وسعادتِهِ، وَتَفَاوُتُ الناسِ في هذا الفقرِ بِحَسَبِ تَفَاوُتِهِم في هاتَيْنِ المعرفتَيْنِ.
فمَنْ عَرَفَ رَبَّهُ بالغِنَى المُطْلَقِ عَرَفَ نفسَهُ بالفقرِ المطلقِ، ومَنْ عَرَفَ ربَّهُ بالقدرةِ التامَّةِ عَرَفَ نفسَهُ بالعجزِ التامِّ، ومَنْ عَرَفَ ربَّهُ بالعِزِّ التامِّ عَرَفَ نفسَهُ بالمسكنةِ التامَّةِ، ومَنْ عَرَفَ ربَّهُ بالعلمِ التامِّ والحكمةِ عَرَفَ نفسَهُ بالجهلِ
- فقرٌ اضْطِرَارِيٌّ: وهوَ فَقْرٌ عامٌّ, لا خُرُوجَ لِبَرٍّ ولا فاجرٍ عنهُ، وهذا لا يَقْتَضِي مَدْحاً ولا ذَمًّا, ولا ثَوَاباً ولا عِقَاباً، بلْ هوَ بِمَنـْزِلَةِ كونِ المخلوقِ مَخْلُوقاً وَمَصْنُوعاً.
- والفقرُ الثاني: فَقْرٌ اخْتِيَارِيٌّ، هوَ نَتِيجَةُ عِلْمَيْنِ شَرِيفَيْنِ:
â—ڈ أَحَدُهُمَا: مَعْرِفَةُ العبدِ بِرَبِّهِ.
â—ڈ والثاني: مَعْرِفَتُهُ بِنَفْسِهِ.
فَمَتَى حَصَلَتْ لهُ هاتانِ المعرفتانِ أَنْتَجَتَا لهُ فَقْراً هوَ عَيْنُ غِنَاهُ وَعُنْوَانُ فَلاحِهِ وسعادتِهِ، وَتَفَاوُتُ الناسِ في هذا الفقرِ بِحَسَبِ تَفَاوُتِهِم في هاتَيْنِ المعرفتَيْنِ.
فمَنْ عَرَفَ رَبَّهُ بالغِنَى المُطْلَقِ عَرَفَ نفسَهُ بالفقرِ المطلقِ، ومَنْ عَرَفَ ربَّهُ بالقدرةِ التامَّةِ عَرَفَ نفسَهُ بالعجزِ التامِّ، ومَنْ عَرَفَ ربَّهُ بالعِزِّ التامِّ عَرَفَ نفسَهُ بالمسكنةِ التامَّةِ، ومَنْ عَرَفَ ربَّهُ بالعلمِ التامِّ والحكمةِ عَرَفَ نفسَهُ بالجهلِ
فاللهُ سبحانَهُ أَخْرَجَ العبدَ منْ بَطْنِ أُمِّهِ لا يَعْلَمُ شيئاً ولا يَقْدِرُ على شيءٍ، ولا يَمْلِكُ شيئاً، ولا يَقْدِرُ على عطاءٍ ولا منعٍ ولا ضُرٍّ ولا نفعٍ ولا شيءٍ الْبَتَّةَ، فكانَ فَقْرُهُ في تلكَ الحالِ إلى ما بهِ كمالُهُ أَمْراً مَشْهُوداً مَحْسُوساً لكلِّ أَحَدٍ، ومعلومٌ أنَّ هذا لهُ منْ لَوَازِمِ ذاتِهِ، وما بالذاتِ دائمٌ بِدَوَامِهَا، وهوَ لمْ يَنْتَقِلْ منْ هذهِ الرُّتْبَةِ إلى رتبةِ الربوبيَّةِ أو الغِنَى، بلْ لمْ يَزَلْ عَبْداً فَقِيراً بذاتِهِ إلى بَارِئِهِ وفاطِرِهِ.
فَلَمَّا أَسْبَغَ عليهِ نعمتَهُ، وأفاضَ عليهِ رحمتَهُ، وساقَ إليهِ أسبابَ كمالِ وجودِهِ ظاهراً وباطناً، وَخَلَعَ عليهِ ملابسَ إِنْعَامِهِ، وجَعَلَ لهُ السَّمعَ والبصرَ والفؤادَ، وعلَّمَهُ وأَقْدَرَهُ وصَرَّفَهُ وحَرَّكَهُ ومَكَّنَهُ من استخدامِ بَنِي جِنْسِهِ، وسَخَّرَ لهُ الخيلَ والإبلَ، وَسَلَّطَهُ على دوابِّ الماءِ، وَاسْتِنـْزَالِ الطَّيْرِ من الهواءِ، وقَهْرِ الوحوشِ العاديةِ، وَحَفْرِ الأنهارِ، وغَرْسِ الأشجارِ، وَشَقِّ الأرضِ، وتَعْلِيَةِ البناءِ، والتَّحَيُّلِ على جميعِ مصالحِهِ، والتحَرُّزِ والتَّحَفُّظِ مماَّ يُؤْذِيهِ، ظَنَّ المسكينُ أنَّ لهُ نَصِيباً من الملكِ، وادَّعَى لنفسِهِ مُلْكاً معَ اللهِ سبحانَهُ، ورأى نَفْسَهُ بغيرِ تلكَ العينِ الأُولَى، ونَسِيَ ما كانَ فيهِ منْ حالةِ الإعدامِ والفقرِ والحاجةِ، حتَّى كأنَّهُ لمْ يكُنْ هوَ ذلكَ الفقيرَ المحتاجَ،
بلْ كانَ ذلكَ شَخْصاً آخرَ غيرَهُ، كما رَوَى الإمامُ أحمدُ في " مُسندِهِ " منْ حديثِ بُسْرِ بنِ جَحَّاشٍ القُرَشِيِّ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَصَقَ يوماً في كفِّهِ فَوَضَعَ عليها إِصْبَعَهُ ثُمَّ قالَ: ((قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ أَنَّى تُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ، حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ وَلِلأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ، فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ قُلْتَ: أَتَصَدَّقُ، وأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ))
فَلَمَّا أَسْبَغَ عليهِ نعمتَهُ، وأفاضَ عليهِ رحمتَهُ، وساقَ إليهِ أسبابَ كمالِ وجودِهِ ظاهراً وباطناً، وَخَلَعَ عليهِ ملابسَ إِنْعَامِهِ، وجَعَلَ لهُ السَّمعَ والبصرَ والفؤادَ، وعلَّمَهُ وأَقْدَرَهُ وصَرَّفَهُ وحَرَّكَهُ ومَكَّنَهُ من استخدامِ بَنِي جِنْسِهِ، وسَخَّرَ لهُ الخيلَ والإبلَ، وَسَلَّطَهُ على دوابِّ الماءِ، وَاسْتِنـْزَالِ الطَّيْرِ من الهواءِ، وقَهْرِ الوحوشِ العاديةِ، وَحَفْرِ الأنهارِ، وغَرْسِ الأشجارِ، وَشَقِّ الأرضِ، وتَعْلِيَةِ البناءِ، والتَّحَيُّلِ على جميعِ مصالحِهِ، والتحَرُّزِ والتَّحَفُّظِ مماَّ يُؤْذِيهِ، ظَنَّ المسكينُ أنَّ لهُ نَصِيباً من الملكِ، وادَّعَى لنفسِهِ مُلْكاً معَ اللهِ سبحانَهُ، ورأى نَفْسَهُ بغيرِ تلكَ العينِ الأُولَى، ونَسِيَ ما كانَ فيهِ منْ حالةِ الإعدامِ والفقرِ والحاجةِ، حتَّى كأنَّهُ لمْ يكُنْ هوَ ذلكَ الفقيرَ المحتاجَ،
بلْ كانَ ذلكَ شَخْصاً آخرَ غيرَهُ، كما رَوَى الإمامُ أحمدُ في " مُسندِهِ " منْ حديثِ بُسْرِ بنِ جَحَّاشٍ القُرَشِيِّ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَصَقَ يوماً في كفِّهِ فَوَضَعَ عليها إِصْبَعَهُ ثُمَّ قالَ: ((قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ أَنَّى تُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ، حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ وَلِلأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ، فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ قُلْتَ: أَتَصَدَّقُ، وأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ))
ومِنْ هَا هُنَا خُذِلَ مَنْ خُذِلَ، وَوُفِّقَ مَنْ وُفِّقَ، فَحُجِبَ المخذولُ عنْ حقيقتِهِ، ونَسِيَ نفسَهُ؛ فَنَسِيَ فَقْرَهُ وحاجتَهُ وضرورتَهُ إلى ربِّهِ، فَطَغَى وبَغَى وعَتَا فَحَقَّتْ عليهِ الشِّقْوَةُ،
قالَ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7)} [العلق: 6 - 7]، وقالَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} [الليل: 5 -10]، فَأَكْمَلُ الخلقِ أَكْمَلُهُم عبوديَّةً وأعظُمُهُم شُهُوداً لفقرِهِ وضرورتِهِ وحاجتِهِ إلى ربِّهِ وعدمِ استغنائِهِ عنهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، ولهذا كانَ منْ دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلا إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ)) ([9]).
وكانَ يَدْعُو: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)) ([10]). يَعْلَمُ أنَّ قَلْبَهُ بِيَدِ الرحمنِ عزَّ وجلَّ ([11]) لا يَمْلُكُ منهُ شَيْئاً، وأنَّ اللهَ سبحانَهُ يُصَرِّفُهُ كَمَا يَشَاءُ، كيفَ وهوَ يَتْلُو قولَهُ تَعَالَى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا [الإسراء: 74]. فَضَرُورَتُهُ صلى الله عليه وسلم إلى رَبِّهِ وَفَاقَتُهُ إليهِ بِحَسَبِ مَعْرِفَتِهِ بهِ، وَحَسَبِ قُرْبِهِ منهُ ومنـزلتِهِ عندَهُ، وهذا أَمْرٌ إِنَّمَا بَدَا منهُ لمَنْ بَعْدَهُ ما يَرْشَحُ منْ ظاهرِ الوعَاءِ،
ولهذا كانَ أقربَ الخلقِ إلى اللهِ وَسِيلَةً وَأَعظَمَهُم عندَهُ جَاهاً وأرفعَهُم عندَهُ منـزلةً؛ لتكميلِهِ مقامَ العبوديَّةِ والفقرِ إلى ربِّهِ عزَّ وجلَّ، وكانَ يقولُ لهم: ((أَيُّهَا النَّاسُ، مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْـزِلَتِي، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ)) وكانَ يَقُولُ: ((لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَت النَّصَارَى المَسِيحَ ابنَ مَرْيَمَ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ))
قالَ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7)} [العلق: 6 - 7]، وقالَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} [الليل: 5 -10]، فَأَكْمَلُ الخلقِ أَكْمَلُهُم عبوديَّةً وأعظُمُهُم شُهُوداً لفقرِهِ وضرورتِهِ وحاجتِهِ إلى ربِّهِ وعدمِ استغنائِهِ عنهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، ولهذا كانَ منْ دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلا إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ)) ([9]).
وكانَ يَدْعُو: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)) ([10]). يَعْلَمُ أنَّ قَلْبَهُ بِيَدِ الرحمنِ عزَّ وجلَّ ([11]) لا يَمْلُكُ منهُ شَيْئاً، وأنَّ اللهَ سبحانَهُ يُصَرِّفُهُ كَمَا يَشَاءُ، كيفَ وهوَ يَتْلُو قولَهُ تَعَالَى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا [الإسراء: 74]. فَضَرُورَتُهُ صلى الله عليه وسلم إلى رَبِّهِ وَفَاقَتُهُ إليهِ بِحَسَبِ مَعْرِفَتِهِ بهِ، وَحَسَبِ قُرْبِهِ منهُ ومنـزلتِهِ عندَهُ، وهذا أَمْرٌ إِنَّمَا بَدَا منهُ لمَنْ بَعْدَهُ ما يَرْشَحُ منْ ظاهرِ الوعَاءِ،
ولهذا كانَ أقربَ الخلقِ إلى اللهِ وَسِيلَةً وَأَعظَمَهُم عندَهُ جَاهاً وأرفعَهُم عندَهُ منـزلةً؛ لتكميلِهِ مقامَ العبوديَّةِ والفقرِ إلى ربِّهِ عزَّ وجلَّ، وكانَ يقولُ لهم: ((أَيُّهَا النَّاسُ، مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْـزِلَتِي، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ)) وكانَ يَقُولُ: ((لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَت النَّصَارَى المَسِيحَ ابنَ مَرْيَمَ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ))