بسم الله الرحمن الرحيم
في قصص الأنبياء عبرة للمعتبرين قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى} [يوسف: 111]. ومن العبر المستفادة من قصة نبي الله صالح u وقومه ثمود الذين كانت تتحكم فيهم طغمة فاسدة، تدير بهواها دفة أمورهم، أن المجتمع متى ما استسلم لما يهوى أولئك السفهاء المفسدون، فإن مصيره مصيرهم سواء بسواء.
خططت تلك الفئة الباغية لقتل الناقة ثم لقتل صالح u ونفذت نصف الجريمة، ثم لم يكن من المجتمع حراك قبل ولا بعد الجريمة، كان مجتمعًا سلبيًّا تقوم بتدبير دفة أموره فئة قليلة متنفذة فاسدة، وتظل الأكثرية فيه صامتة متواطئة.
إنَّ السلبية ليست عذرًا للمجتمع، فلا بد للمجتمع من دور رائد في تنحية الظالمين وعدم تمكينهم من النطق باسمهم وتولي زمام الأمور، فإذا تخلى المجتمع عن هذا الدور فلا يلومَنَّ إلا نفسه يوم ينزل العذاب الشامل وتحل النقمة العامة كتلك التي نزلت على ثمود. نعم، لم يكن المتآمرون غير تسعة ولم يكن المنفذ للجريمة (المؤامرة) إلا واحدًا، ولكن المجتمع تغافل عن دور أولئك الطغاة وتركهم يمرحون ويسرحون ويتصرفون في مصيره وفي مستقبله. إن هؤلاء المجرمين لم يجرُّوا البلاء على أنفسهم فحسب، بل كان بلاء عامًّا نال المقترف بيده والساكت ذا الموقف السلبي، ولم ينج إلا من لحق بسفينةٍ كان ربَّانُها صالح u.
ولذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشريعة بمنزلة صمام الأمان للمجتمع؛ عن زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أن النبي دخل عليها فزعًا يقول: "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" وحلَّق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا كثر الخبث
وفي أبي داود قال أبو بكر t بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا أيها الناس، إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، وإنَّا سمعنا النبي يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب". وقال عمرو عن هشيم: وإني سمعت رسول الله يقول: "ما من قوم يُعمَل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيِّروا ثم لا يغيروا إلاَّ يوشك أن يعُمَّهم الله منه بعقاب
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا، اتق الله ودع ما تصنع؛ فإنه لا يحل لك. ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض"، ثم قرأ: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} إلى قوله: {فَاسِقُونَ} [المائدة: 78-81]، ثم قال: "كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرًا، ولتقصرنه على الحق قصرًا
إذًا، فإن للمجتمع دورًا كبيرًا في الإصلاح، دورًا متى تخلى عنه استحق الهلاك بجريرة السفهاء فيه؛ لأن المجتمع عندئذٍ شريك أصيل في جريمة حيث لم يعمل شيئًا للحيلولة دون وقوعها، ولا بد للمجتمع أن يعمل بما يتاح له من وسائل حتى ينفي خبثه؛ لأنه سيهلك إذا كثر الخبث.