قيل الكثير في معرفة النفس واحد هذه الاقوال ، ان معرفة النفس مستحيلة ولا يستطيع الانسان ان يصل اليها لان معرفة الرب مستحيلة وعليه لايمكن معرفة النفس .
أقول: معرفته سبحانه لو كانت مستحيلة، فإنما هي المعرفة الفكرية من طريق الفكر، لا من طريق الشهود. ومع التسليم، فإنما المستحيل معرفته بمعنى الإحاطة التامة، وأما المعرفة بقدر الطاقة الإمكانية فغير مستحيلة.
***
أما كيف تكون معرفة الرب ممكنة من خلال معرفة النفس، فقد ذكرت في هذا المجال تفسيرات عدة يمكن اجمالها في فئات:
1. الشيء يعرف بضده
الانسان كلما زادت بصيرته في نفسه العاجزة الجاهلة الضعيفة كلما زادت بصيرته في جلال الله تعالى بمعرفة صفاته وأنه قادر عالم قيوم.
وعلى هذا، ذكروا في معنى الحديث أنه:
· من عرف نفسه بصفات النقص عرف ربه بصفات الكمال.
· أو من عرف نفسه بالفقر عرف ربه بالغناء.
· أو من عرف نفسه بالعجز عرف ربه بالقدرة.
· أو من عرف نفسه بذلها عرف الله بعزه.
· أو من عرف نفسه بالفناء عرف ربه بالبقاء.
· أو من عرف نفسه بالجفاء والخطأ عرف ربه بالوفاء والعطاء.
فمن يعرف أنه مخلوق عاجز فقير مركّب ممكن.. يعرف أن له خالقاً مقتدراً غنياً بسيطاً واجباً.. وعلى هذا القياس.
وفي نهج البلاغة: الحمد لله الدالّ على وجوده بخلقه، وبمحدث خلقه على أزليته..
***
2. الشيء يعرف بمثاله
قالوا: إن الله سبحانه وتعالى وضع هذه الروح اللطيفة في هذه الجثة الكثيفة ليدل على وحدانيته وربانيته. ووجه الاستدلال بذلك من عشرة أوجه:
1- من عرف أن نفسه محركة للبدن، فيلزم من ذلك معرفة أن للعالم مدبرا، وللكون محركا، فمعرفة النفس من جملة الأدلة الموصلة إلى معرفة الرب.
2- من عرف كون نفسه واحدة، وأنها لو كانت متعددة لأمكن التعارض والممانعة والفساد في البدن، عرف أن الرب لو تعدد لكان ذلك كله كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}.
3- من عرف أن النفس هي المحركة للجسد باختيارها وإرادتها، عرف أن الله هو المدّبر للعالم باختياره وإرادته.
4- من عرف أنه لا يخفى على النفس أحوال الجسد، علم أنه لا يعزب عن الباري مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء؛ لامتناع علم المخلوق وجهل الخالق.
5- من عرف أن النفس ليست إلى شيء من الجسد أقرب منها إلى شيء آخر منه، علم أن نسبة الأشياء كلها إلى قدرة الله وعلمه على السواء (روايات).
6- من عرف أن النفس موجودة قبل البدن، باقية بعده، عرف أن ربه تعالى كان موجودا قبل خلق المخلوقات وهو بعدها باق لم يزل ولا يزال.
7- من عرف أن نفسه لا يعرف لها مكان ولا أينية عرف أن ربه منزّه عن المكان والأينية.
8- من عرف أن نفسه لا يُعرف كنه ذاتها وحقيقتها عرف أن ربه كذلك بطريق أولى.
9- من عرف أن النفس لا تُحس ولا تمس عرف أن الله كذلك.
10- من عرف أن النفس لا تدرك بالحواس الظاهرة عرف أن الله كذلك.
والخلاصة، فكل من شاهد نفسه المجردة وبساطتها وجوهريتها ووحدتها وبقاءها ودوامها واحاطتها بعالمها عرف الحق وشاهده وعرف انه محيط بالأشياء وصورها ومعانيها.. مع تجرده ووحدته وتنزهه وبقائه ودوامه من غير تغير في ذاته وحقيقته. فهذا معنى قوله: من عرف نفسه عرف ربه.
وقد استفاد العرفاء من هذه الطريقة في تفسير الحديث، وعملوا على تطبيقها وفق مفاهيمهم الخاصة، فقالوا: النفس الناطقة مخلوقة على صورة الرحمن ذاتا وصفة وفعلا فهي سلم المعرفة ومرقاة إلى معرفة بارئها ذاتا وصفة وفعلا. وأن ظهوره وتجليه لخلقه لا يمكن الا بهم وبصورهم المعبر عنها بالمظاهر، ليعرفوه بها ويستدلوا على ذاته بمظاهره. وأن معية الحق تعالى إلى الموجودات، هي بعينها معية الروح مع أعضاء الجسد، ونحو ذلك.
***
3. المعرفة بالمعاملة
بأن تكون المعاملة مع النفس سببا لمعرفة المعاملة مع الله؛ فإذا عرفت صفات نفسك في معاملة الخلق وأنك تكره الاعتراض عليك في أفعالك وأن يعاب عليك ما تصنعه، عرفت منها صفات خالقك وأنه يكره ذلك، فارض بقضائه وعامله بما تحب أن تعامل به.
***
4. المعرفة بالعمل
معرفة النفس لا يمكن بلوغها بالبحث الفكري والمفهوم. فلا تنال إلا بالمعرفة الذوقية من كشف ومشاهدة ورياضة ومجاهدة وخلوة وخدمة مع توحش شديد عن صحبة الخلق وانقطاع عن أعراض الدنيا وشهواتها الباطلة وأمانيها الكاذبة؛ وتلك المكاشفة والمشاهدة هي في الحقيقة تخطّي النفس إلى عالم المفارقات.
· قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله: «مَنْ أَخْلَصَ لِلّه أَربَعينَ صَباحاً ظَهَرتْ يَنابيعُ الحِكمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلى لِسانِه».
· وهؤلاء ـ كما قال الامام علي عليه السلام لتلميذه كميل الكامل النخعي ـ: «أُولئكَ وَاللّهِ الأَقَلُّونَ عَدَداً، وَالأَعظَمونَ عِنْدَ اللّهِ قَدْراً».
والمعرفة الذوقية هي ما يجده العالم على سبيل الوجدان والكشف. لا البرهان والنظر، ولا عن طريق التقليد والأخذ بالخبر؛ إذ ليس الخبر كالعيان.
والذوق والشهود يقتضي اتصاف الذائق بما يذوقه حالا، بخلاف العلم التصوري فإنه بمجرد الاطلاع على الشيء.
ويستند هذا النوع من المعرفة الذوقية الى حقيقة أنك: لا تدرك شيئا إلا بحسب ما فيك منه.
وجملة الأمر أن معرفة النفس كمعرفة الرب: فكرية، وشهودية ذوقية. والنظر الفكري رؤية عن بعد {أُولئكَ يُنادونَ مِنْ مَكانٍ بَعيدٍ}. والشهودية الذوقية هو الوجدان والكشف.
وعليه، إن النفس لا تُعرَف تمام المعرفة إلا من طريق السلوك العملي دون النظري؛ ذلك أن المعرفة ملازمة للسلوك ومجاهدة النفس والعبادة؛ والعبادة على ثلاثة أقسام: طمعاً في الجنة، وخوفاً من النار، ولوجه الله: حباً وشكراً له. وغاية القسمين الأول والثاني هو الفوز بالراحة أو التخلص من العذاب، وكلاهما مشتهى النفس. وإنما جعل الحق سبحانه واسطة لحصول المشتهى. والواسطة غير مقصودة إلا بالعرض، فهي بالحقيقة ليست إلا عبادة للشهوة. والقسم الثالث هو العبادة بالحقيقة. وهي التوجه الى الله تعالى بالشكر والحب. فإن الحب أو الشوق إلى الشيء هو الموجب للتوجه إليه. فالتوجه (وهو العمل) يثبت الحب والشوق، وذلك العلم.
ومع ذلك، فإن العبادة (بمعنى التوجه إلى الله سبحانه) لا تتحقق من دون معرفة ما، فإتيانها بحقيقتها المقدورة يحتاج إلى سير في المعرفة، اذ؛ العلم مقرون إلى العمل، فمن علم عمل، ومن عمل علم. فيلزم أن تقع العبادة عن معرفة حتى تنتج معرفة: من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم.
من هنا قيل: إن من عرف نفسه علم أنها أمارة بالسوء، فاشتغل بمجاهدتها وبعبادة ربه، ومن عبد الله وأطاعه كانت معرفته صحيحة، ومن عصاه فكأنه لم يعرفه لأنه إذا لم ينتفع فهو أسوأ حالاً ممن لا يعرفه فكأنه عليه السلام قال: من عرف نفسه جاهدها وعبد ربه، ومن عبده فقد عرفه حق المعرفة وحصل له ثمرة العلم.
وفي كشكول الشيخ البهائي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال لحبر من أحبار اليهود وعلمائهم: مَن اعْتَدَلَ طِباعُهُ صفي مزاجُه، وَمَن صَفي مزاجُه قَويَ أثرُ النَّفس فيهِ، وَمَن قَويَ أثرُ النَّفس فيهِ سمي إلى ما يَرتَقيه ومن سمي إلى ما يرتقيه فَقَد تَخَلَّقَ بالأخلاقِ النّفْسانِيةِ، وَمَنْ تَخلَّقَ بالأَخلاقِ النَفسانِيةِ فَقدْ صارَ مَوجُوداً بِما هُوَ إنسان دُونَ أَنْ يَكونَ مَوجُوداً بِما هُوَ حَيوانٌ وَدَخَلَ في البابِ الْمَلَكي وَلَيسْ لَهُ عَنْ هذِهِ الحالةِ مُغيِّر. فقال اليهودي: «اللّه أكبرُ يا ابنَ أَبي طالبٍ لَقَدْ نَطَقْتَ بِالفَلْسَفَةِ جَميعِها».
أقول: معرفته سبحانه لو كانت مستحيلة، فإنما هي المعرفة الفكرية من طريق الفكر، لا من طريق الشهود. ومع التسليم، فإنما المستحيل معرفته بمعنى الإحاطة التامة، وأما المعرفة بقدر الطاقة الإمكانية فغير مستحيلة.
***
أما كيف تكون معرفة الرب ممكنة من خلال معرفة النفس، فقد ذكرت في هذا المجال تفسيرات عدة يمكن اجمالها في فئات:
1. الشيء يعرف بضده
الانسان كلما زادت بصيرته في نفسه العاجزة الجاهلة الضعيفة كلما زادت بصيرته في جلال الله تعالى بمعرفة صفاته وأنه قادر عالم قيوم.
وعلى هذا، ذكروا في معنى الحديث أنه:
· من عرف نفسه بصفات النقص عرف ربه بصفات الكمال.
· أو من عرف نفسه بالفقر عرف ربه بالغناء.
· أو من عرف نفسه بالعجز عرف ربه بالقدرة.
· أو من عرف نفسه بذلها عرف الله بعزه.
· أو من عرف نفسه بالفناء عرف ربه بالبقاء.
· أو من عرف نفسه بالجفاء والخطأ عرف ربه بالوفاء والعطاء.
فمن يعرف أنه مخلوق عاجز فقير مركّب ممكن.. يعرف أن له خالقاً مقتدراً غنياً بسيطاً واجباً.. وعلى هذا القياس.
وفي نهج البلاغة: الحمد لله الدالّ على وجوده بخلقه، وبمحدث خلقه على أزليته..
***
2. الشيء يعرف بمثاله
قالوا: إن الله سبحانه وتعالى وضع هذه الروح اللطيفة في هذه الجثة الكثيفة ليدل على وحدانيته وربانيته. ووجه الاستدلال بذلك من عشرة أوجه:
1- من عرف أن نفسه محركة للبدن، فيلزم من ذلك معرفة أن للعالم مدبرا، وللكون محركا، فمعرفة النفس من جملة الأدلة الموصلة إلى معرفة الرب.
2- من عرف كون نفسه واحدة، وأنها لو كانت متعددة لأمكن التعارض والممانعة والفساد في البدن، عرف أن الرب لو تعدد لكان ذلك كله كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}.
3- من عرف أن النفس هي المحركة للجسد باختيارها وإرادتها، عرف أن الله هو المدّبر للعالم باختياره وإرادته.
4- من عرف أنه لا يخفى على النفس أحوال الجسد، علم أنه لا يعزب عن الباري مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء؛ لامتناع علم المخلوق وجهل الخالق.
5- من عرف أن النفس ليست إلى شيء من الجسد أقرب منها إلى شيء آخر منه، علم أن نسبة الأشياء كلها إلى قدرة الله وعلمه على السواء (روايات).
6- من عرف أن النفس موجودة قبل البدن، باقية بعده، عرف أن ربه تعالى كان موجودا قبل خلق المخلوقات وهو بعدها باق لم يزل ولا يزال.
7- من عرف أن نفسه لا يعرف لها مكان ولا أينية عرف أن ربه منزّه عن المكان والأينية.
8- من عرف أن نفسه لا يُعرف كنه ذاتها وحقيقتها عرف أن ربه كذلك بطريق أولى.
9- من عرف أن النفس لا تُحس ولا تمس عرف أن الله كذلك.
10- من عرف أن النفس لا تدرك بالحواس الظاهرة عرف أن الله كذلك.
والخلاصة، فكل من شاهد نفسه المجردة وبساطتها وجوهريتها ووحدتها وبقاءها ودوامها واحاطتها بعالمها عرف الحق وشاهده وعرف انه محيط بالأشياء وصورها ومعانيها.. مع تجرده ووحدته وتنزهه وبقائه ودوامه من غير تغير في ذاته وحقيقته. فهذا معنى قوله: من عرف نفسه عرف ربه.
وقد استفاد العرفاء من هذه الطريقة في تفسير الحديث، وعملوا على تطبيقها وفق مفاهيمهم الخاصة، فقالوا: النفس الناطقة مخلوقة على صورة الرحمن ذاتا وصفة وفعلا فهي سلم المعرفة ومرقاة إلى معرفة بارئها ذاتا وصفة وفعلا. وأن ظهوره وتجليه لخلقه لا يمكن الا بهم وبصورهم المعبر عنها بالمظاهر، ليعرفوه بها ويستدلوا على ذاته بمظاهره. وأن معية الحق تعالى إلى الموجودات، هي بعينها معية الروح مع أعضاء الجسد، ونحو ذلك.
***
3. المعرفة بالمعاملة
بأن تكون المعاملة مع النفس سببا لمعرفة المعاملة مع الله؛ فإذا عرفت صفات نفسك في معاملة الخلق وأنك تكره الاعتراض عليك في أفعالك وأن يعاب عليك ما تصنعه، عرفت منها صفات خالقك وأنه يكره ذلك، فارض بقضائه وعامله بما تحب أن تعامل به.
***
4. المعرفة بالعمل
معرفة النفس لا يمكن بلوغها بالبحث الفكري والمفهوم. فلا تنال إلا بالمعرفة الذوقية من كشف ومشاهدة ورياضة ومجاهدة وخلوة وخدمة مع توحش شديد عن صحبة الخلق وانقطاع عن أعراض الدنيا وشهواتها الباطلة وأمانيها الكاذبة؛ وتلك المكاشفة والمشاهدة هي في الحقيقة تخطّي النفس إلى عالم المفارقات.
· قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله: «مَنْ أَخْلَصَ لِلّه أَربَعينَ صَباحاً ظَهَرتْ يَنابيعُ الحِكمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلى لِسانِه».
· وهؤلاء ـ كما قال الامام علي عليه السلام لتلميذه كميل الكامل النخعي ـ: «أُولئكَ وَاللّهِ الأَقَلُّونَ عَدَداً، وَالأَعظَمونَ عِنْدَ اللّهِ قَدْراً».
والمعرفة الذوقية هي ما يجده العالم على سبيل الوجدان والكشف. لا البرهان والنظر، ولا عن طريق التقليد والأخذ بالخبر؛ إذ ليس الخبر كالعيان.
والذوق والشهود يقتضي اتصاف الذائق بما يذوقه حالا، بخلاف العلم التصوري فإنه بمجرد الاطلاع على الشيء.
ويستند هذا النوع من المعرفة الذوقية الى حقيقة أنك: لا تدرك شيئا إلا بحسب ما فيك منه.
وجملة الأمر أن معرفة النفس كمعرفة الرب: فكرية، وشهودية ذوقية. والنظر الفكري رؤية عن بعد {أُولئكَ يُنادونَ مِنْ مَكانٍ بَعيدٍ}. والشهودية الذوقية هو الوجدان والكشف.
وعليه، إن النفس لا تُعرَف تمام المعرفة إلا من طريق السلوك العملي دون النظري؛ ذلك أن المعرفة ملازمة للسلوك ومجاهدة النفس والعبادة؛ والعبادة على ثلاثة أقسام: طمعاً في الجنة، وخوفاً من النار، ولوجه الله: حباً وشكراً له. وغاية القسمين الأول والثاني هو الفوز بالراحة أو التخلص من العذاب، وكلاهما مشتهى النفس. وإنما جعل الحق سبحانه واسطة لحصول المشتهى. والواسطة غير مقصودة إلا بالعرض، فهي بالحقيقة ليست إلا عبادة للشهوة. والقسم الثالث هو العبادة بالحقيقة. وهي التوجه الى الله تعالى بالشكر والحب. فإن الحب أو الشوق إلى الشيء هو الموجب للتوجه إليه. فالتوجه (وهو العمل) يثبت الحب والشوق، وذلك العلم.
ومع ذلك، فإن العبادة (بمعنى التوجه إلى الله سبحانه) لا تتحقق من دون معرفة ما، فإتيانها بحقيقتها المقدورة يحتاج إلى سير في المعرفة، اذ؛ العلم مقرون إلى العمل، فمن علم عمل، ومن عمل علم. فيلزم أن تقع العبادة عن معرفة حتى تنتج معرفة: من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم.
من هنا قيل: إن من عرف نفسه علم أنها أمارة بالسوء، فاشتغل بمجاهدتها وبعبادة ربه، ومن عبد الله وأطاعه كانت معرفته صحيحة، ومن عصاه فكأنه لم يعرفه لأنه إذا لم ينتفع فهو أسوأ حالاً ممن لا يعرفه فكأنه عليه السلام قال: من عرف نفسه جاهدها وعبد ربه، ومن عبده فقد عرفه حق المعرفة وحصل له ثمرة العلم.
وفي كشكول الشيخ البهائي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال لحبر من أحبار اليهود وعلمائهم: مَن اعْتَدَلَ طِباعُهُ صفي مزاجُه، وَمَن صَفي مزاجُه قَويَ أثرُ النَّفس فيهِ، وَمَن قَويَ أثرُ النَّفس فيهِ سمي إلى ما يَرتَقيه ومن سمي إلى ما يرتقيه فَقَد تَخَلَّقَ بالأخلاقِ النّفْسانِيةِ، وَمَنْ تَخلَّقَ بالأَخلاقِ النَفسانِيةِ فَقدْ صارَ مَوجُوداً بِما هُوَ إنسان دُونَ أَنْ يَكونَ مَوجُوداً بِما هُوَ حَيوانٌ وَدَخَلَ في البابِ الْمَلَكي وَلَيسْ لَهُ عَنْ هذِهِ الحالةِ مُغيِّر. فقال اليهودي: «اللّه أكبرُ يا ابنَ أَبي طالبٍ لَقَدْ نَطَقْتَ بِالفَلْسَفَةِ جَميعِها».