الإعجاز العلمي لغة الدعوة في عصر العلم
حوار مع علم من أعلام قضية الإعجاز ورائداً من روادها، أفنى عمره وهو يحاضر هنا ويشارك هناك مستعيناً بمكانته العالمية المرموقة بين علماء عصره المتخصصين، وموظفاً هذه المكانة في خدمة دين الله من خلال التجانس بين العلم والإيمان والذي تجسده شخصيته في واقع العلماء، ومن خلال استخدام علمه التخصصي الدقيق واطلاعه الواسع على المصادر الشرعية في الإشارة والتنبيه إلى ما في كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم من حقائق علمية ثابتة لم تكن معروفة في زمن الوحي والرسالة، تطلبت معرفتها جهود أجيال من العقول البشرية المتميزة، ليدلل بذلك على صدق هذين المصدرين وصدق الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه في رسالته وتبليغه عن الله.. فإلى الحوار.
ـ كيف ومتى بدأت علاقتكم بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؟
بدأت علاقتي بقضية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة منذ أوائل الخمسينات من القرن الماضي، ففي سنة 1951 م التحقت بالدراسة في كلية العلوم ـ جامعة القاهرة ـ وكان بها رجل من رجال الدعوة الإسلامية وواحد من المجاهدين في سبيل إعلاء كلمة الله في الأرض وهو أستاذي في علوم الأرض الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد القادر محمد فرج (بارك الله في عمره وجزاه خير الجزاء) فقد كان من رجال الجامعة القلائل الذين يحملون هم الدعوة الإسلامية وكان يرى في الإشارت الكونية المنبثة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم منطقا متلائماً مع طبيعة تلك الكلية التي يدرس فيها، ومع سمات العصر الذي نعيشه (عصر الطفرة العلمية الهائلة)، خاصة وأن الكلية في ذلك الزمن كانت تزخر بالتيارات اليسارية المشككة. وانطلاقا من غيرته الإسلامية حرص أستاذنا على الاستشهاد بآيات من القران الكريم والأحاديث النبوية في كل محاضراته وفي ثنايا كتبه ومذكراته مما آثار إعجاب المخلصين.
وكان لأستاذنا الفاضل الدكتور إبراهيم فرج دائرة من المهتمين بقضية الإعجاز العلمي في القران والسنة يلتقي بهم بطريقة دورية منتظمة لتدريس تلك القضية والعمل على خدمتها ونشرها بين الناس وكان من بين هؤلاء الأستاذ الجامعي في مختلف التخصصات العلمية والفقهيه الشرعية، والمتضلع في علوم القرآن واللغة العربية وغير هؤلاء من أصحاب المهن المختلفة من أهل الدعوة الإسلامية المباركة، وكان على رأس هؤلاء الأستاذ الدكتور محمد محمود إبراهيم (يرحمه الله) الذي كان رئيسا لقسم هندسة التعدين والبترول بجامعة القاهرة، والأستاذ الدكتور محمد أحمد سليمان (يرحمه الله) الذي كان أستاذ الطب الشرعي بنفس الجامعة، والأستاذ الدكتور محمد أحمد الغمراوي (يرحمه الله) الذي كان أستاذاً بكلية الصيدلة بجامعة الملك سعود بالرياض، وغيرهم كثير ممن شرفنا بمعرفتهم وتتلمذنا على أيديهم في هذا المجال العظيم الذي ترك كل منهم فيه من البصمات ما لا يمكن أن ينسى أو أن يتجاهل.
وقد أكرمني الله تعالى بالعمل لدى جامعة الملك سعود بالرياض منذ أول إنشائها سنة (1378 هـ 1958م) وحتى سنة (1381 هـ 1961م) ثم في الفترة من عام (1384هـ 1964م) وحتى سنة (1387هـ 1967م) حيث وجد عدد من كبار الأستاذة المهتمين بتلك القضية وعلى رأسهم الدكتور إبراهيم فرج، والأستاذ الدكتور محمد أحمد الغمراوي، والأستاذ الدكتور محمد رشاد الطوبي، والاستاذ الدكتور مجدي الشوا، والأستاذ الكبير مصطفى السقا، والأستاذ الدكتور أحمد محمد مجاهد، وفضيلة الداعية الكبير الشيخ عبد المعز عبد الستار.
إضافة إلى ذلك فإنني استفدت من قراءاتي للعديد من الكتاب الذين اهتموا بقضية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وفي مقدمتهم فضيلة الدكتور طنطاوي جوهري، والأستاذ عبد الرزاق نوفل، الأستاذ الدكتور محمد جمال الدين الفندي، والأستاذ حنفي أحمد، والأستاذ نديم الجسر، والأستاذ عبد الكريم الخطيب، والأستاذ الدكتور أحمد زكي، والأستاذ عفيف عبد الفتاح طبارة، والأستاذ الدكتور عبد المحسن صالح (يرحمهم الله أجمعين).
وفي أواخر الستينات كنت أعمل أستاذاً لعلم الأرض في جامعة الكويت حين جاءتني صفحات عن التوحيد تستشهد ببعض القضايا العلمية، قدمها إلي لمراجعتها الأخ الفاضل المستشار عبد الله العقيل، وعلمت أن كاتبها الذي لم أكن أعرفه ذلك الوقت هو الشيخ عبد المجيد الزنداني، فقمت بمراجعة ذلك المتن ورددته إلى الأخ الكريم الشيخ عبد الله العقيل ونسيت أمرها بالكامل، حتى شاء الله تعالى أن أعمل أستاذ العلوم الأرضية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران في الفترة من (1398هـ 1978م) وحتى (1417هـ 1996م) حيث طلب مني إلقاء عدد من المحاضرات العامة والخاصة في موضوعات عدة كان في مقدمتها موضوع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بجامعة الملك عبد العزيز بجد ة حيث التقيت بفضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني، وتعارفنا على قضية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة النبوية المطهرة. وشاء الله تعالى أن ينتقل الدكتور نصيف أمينا عاما لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة وتنتقل معه فكرة إنشاء هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة كفرع من المجلس الأعلى العالمي للمساجد بتلك الرابطة، وبدأت الهيئة في تبني تلك القضية التي لقيت دعما كبيرا على المستويين الرسمي والشعبي مما مكنها من عقد عدد من المؤتمرات الدولية والمحلية، ومن إصدار قرابة العشرين نشرة وكتيباً وكتاباً ومن إصدار مجلتها "الإعجاز العلمي".
ـ هل لكم ان تعرفوا قراء "الإعجاز العلمي" بأهم الهيئات التي خدمت قضية الإعجاز على مستوى العالم؟
بالإضافة إلى الأسماء السابقة هناك:
ا ـ هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة بمؤسسيها وهيئتها الاستشارية والعاملين فيها والمشاركين في مؤتمراتها.
ب ـ المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر وأعضاؤه الكرام الذين أسهموا في إخراج »المنتخب في تفسير القرآن الكريم«، ويجتهدون اليوم في إخراج كل من الوسيط والمفصل في تفسير القرآن وهي من أهم التفاسير التي عالجت الآيات الكونية في كتاب الله بمنهجية علمية صحيحة.
ج ـ اللجنة المصرية للإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وأعضاؤها الكرام وفي مقدمتهم الأستاذ الدكتور منصور حسب النبي (رحمه الله)، والأستاذ الدكتور أحمد شوقي إبراهيم، والأستاذ الدكتور كارم غنيم، واللواء المهندس أحمد عبدالوهاب، والأستاذ الدكتور أحمد حشاد،والأستاذ الدكتور ممدوح عبدالغفور والأستاذ الدكتور على مرسي وغيرهم.
د ـ أعداد من الأفراد الذين ينطلقون بجهود ذاتية ومنهم الأستاذ الدكتور عبد العليم عبد الرحمن خضر، الأستاذ الدكتور سالم نجم، الأستاذ الدكتور احمد القاضي، الأستاذ الدكتور عبد الهادي حلمي محمد، الدكتور أبو الوفا عبد الآخر وغيرهم كثير
هـ ـ المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت وأمينها العام والأمين المساعد وكافة الأعضاء الكرام.
و ـ الأكاديمية الإسلامية للعلوم (ومقرها عمان ـ الأردن) وعدد من الزملاء العاملين بها.
ز ـ اللجنة البنجلاديشية للإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بجامعة شيتا جونج.
ح ـ مركز بحوث للإعجاز العلمي في القرآن والسنة ببنغلاديش، وهو مركز حديث وله مجلس استشاري وآخر تنفيذي وتضم نخبة من العلماء والدعاة.
ـ ماهو تعريف الإعجاز العلمي؟ وماالفرق بينه وبين التفسير العلمي؟ ومن أول من تحدث في موضوع الإعجاز من السلف؟
يقصد بالتفسير العلمي للقرآن الكريم توظيف كل المعارف المتاحة للإنسان في كل عصر من العصور، وفي مختلف مجالات الدراسات العلمية ـ البحثية منها والتطبيقية ـ في حسن فهم دلالات الآية القرآنية وذلك لأن الآيات القرآنية في كتاب الله ترد كلها في صياغة ضمنية لطيفة يظهر منها أهل كل عصر معنى معينا على ضوء المعارف المتاحة لهم وتظل هذه المعاني المتتالية للآية الواحدة تتسع باتساع دائرة المعرفة الإنسانية في تكامل لا يعرف التضاد وذلك تحقيقا لوصف المصطفى صلى الله عليه وسلم لكتاب الله بأنه (لا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه..).
ولما كان التفسير جهدا بشريا لحسن فهم دلالة الآية القرآنية إن أصاب فيه المفسر فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد جاز للمفسر استخدام كل الوسائل المتاحة له سواء كانت حقائق علمية أو فروضاً أو نظريات مادام الإخلاص والتجرد وصدق النية قد توفر ومادام أنه قد استعان بالأدوات اللازمة للتعرض لتفسير كلام الله بعد إلمام باللغة العربية ومفرداتها وقواعدها وأساليب التعبير فيها وبكل من أسباب النزول والناسخ والمنسوخ والمأثور وجهود السابقين في ذلك المجال
أما الإعجاز العلمي للقران والسنة فهو موقف تحد نثبت فيه للناس كافة ـ مسلمين وغير مسلمين ـ أن هذا الكتاب الذي أنزل قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة على نبي أمي في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين يحوي من حقائق هذا الكون ما لم يستطع الإنسان أن يصل إلى شيء من إدراكه إلا منذ عشرات قليلة من السنين وبعد مجاهدة استغرقت جهود أعداد كبيرة من العلماء في فترات زمنية طويلة. وهذا الموقف المتحدي لا يجوز أن يوظف فيه إلا الحقائق العلمية القاطعة التي حسمها العلم ولم تعد مجالا للخلاف لأنه إذا وظفت فيه الفروض والنظريات وهي عرضة للتغير والتبديل انهارت القضية وبطل التحدي بل انقلب على صاحبه وعلى القضية التي استخدمه من أجل الانتصار لها. ومن هنا يتضح لنا الفارق الكبير بين قضية التفسير العلمي وقضية الإعجاز العلمي. وكل من القضيتين مهم في مجال الدعوة إلى الله في زمن العلم الذي نعيشه وذلك لأن كثيراً من آي القرآن الكريم ومن أقوال سيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ المتعلقة بالكون ومكوناته لم يكن من الممكن إدراكها في أبعادها الحقيقية في زمن تنزيل القرآن وانما تتضح دلالاتها للناس في مستقبل من الزمان يلي زمن تنزيل الوحي تصديقاً لقول الحق: }سنــُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِى الآفَاقِ وَفِى أنفُسِهِمْ حَتــَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنـَّهُ الْحَقُّ{ وقوله تعالى: }وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ{ وقوله تعالى: }لِكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ{ وهذه الرؤى المستقبلية للآيات الكونية في كتاب الله مرتبطة بالطبيعة التراكمية للمعرفة الإنسانية بالكون ومكوناته ولذلك فإن تلك الآيات الكونية ترد في كتاب الله بصياغة معجزة يفهم منها أهل كل عصر دلالاتها وتظل هذه الدلالات تتسع باتساع دائرة المعرفة الإنسانية في تكامل لا يعرف التضاد وإلى نهاية لا يعلمها إلا الله.
أما الآيات المرتبطة بتبليغ الدين بركائزه الأساسية كالعقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات فقد جاءت بصياغة واضحة محكمة قطعية الدلالة يفهم منها أهل كل عصر نفس المعنى مهما تباينت مستوياتهم الثقافية والعلمية.
هذا بالنسبة للفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي للقران والسنة أما بالنسبة لأول من تحدث عن قضية الإعجاز العلمي في كتاب الله فيبدو ـ والله اعلم ـ انه الرازي الذي أشار إلى شيء من ذلك في تفسيره الكبير المعروف باسم »مفاتيح الغيب« وربما قد سبقه في ذلك نفر من المفسرين ولكن لم يدون شيء عن جهودهم في هذا المضمار.
ذكرتم أن الحديث في أمر الإعجاز أمر دقيق ولا يحسن أن يخوض فيه كل أحد ولا أن يوظف فيه كل ماينسب إلى »العلم«، فهل لديكم ضوابط محددة ودقيقة يجب التزامها عند التطرق لقضية الإعجاز العلمي؟
نعم هناك ضوابط للتعامل مع الإعجاز العلمي ويمكن إجمالها في النقاط الأساسية التالية:
أ ـ عدم توظيف سوى الحقائق العلمية الثابتة التي حسمها العلم وأصبحت من الأمور القطعية المسلمة التي لا رجعة فيها وذلك في الاستدلال على سبق القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في الإشارة إلى تلك الحقيقة الكونية.
ب ـ عدم التكلف وعدم ليِّ أعناق الآيات للتوافق مع الحقيقة العلمية لأن القرآن الكريم أعز علينا من ذلك وأصدق.
ج ـ ضرورة الإلمام باللغة العربية ودلالة مفرداتها وقواعدها وأساليب التعبير فيها وكذلك بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ وبالمأثور من تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم وبجهود الصحابة والتابعين وكبار المفسرين في كل آية يتعرض لها الدارس لإثبات جانب من جوانب الإعجاز العلمي فيها أو لإثبات ذلك في حديث صحيح من أحاديث الرسول.
د ـ الإلمام بآخر ما توصل إليه العلم في الحقل الذي تتعرض له الآية الكريمة أو الحديث النبوي الشريف الصحيح.
هـ ـ احترام التخصص العلمي حتى لا يخوض في هذه القضية التخصصية كل خائض ولا يخوض متخصص في فرع من فروع العلم لإثبات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كافة التخصصات الخارجة عن مجاله فقد انتهى زمن العلماء الموسوعيين وأصبح مستحيلا على فرد واحد أن يخوض في قضية الإعجاز من علم الأجنة إلى علوم الفلك.
و ـ التأكد من صحة الحديث النبوي الشريف ودرجة ذلك قبل التعرض لإثبات جوانب الإعجاز العلمي فيه.
مارأيكم في من يقول إن الحديث في أمور الإعجاز يقلل من هيبة وعظمة كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويجعلهما عرضة لما يستجد من علوم كونية فيتغير فهمهما بتغير هذه الأخيرة؟
إن الادعاء بأن الحديث في موضوع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة يقلل من هيبة هذين المصدرين الرئيسيين للتشريع الإسلامي ويربطهما بما يستجد من علوم كونية ادعاء مرفوض تماماً لأن دلالة الإعجاز العلمي تتعامل مع الآيات الكونية في كتاب الله ومع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالكون والطاقة والظواهر المصاحبة لها وهذه القضايا تتبع فهم الإنسان من عصر إلى عصر ولا يجوز أن ننعزل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم عن معارف العصر الثابتة والنافعة والمفيدة، وهناك من الإشارات الكونية في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما لا نستطيع فهمه إلا في ضوء عدد من الحقائق العلمية الحديثة، والقرآن الكريم يؤكد على هذه الرؤى المستقبلية لتلك الآيات الكونية في كتاب الله كما سبق وأن أسلفنا، وقد يرى القادمون بعدنا في تلك الآيات الكونية ما لم ندركه نحن بعد حتى يظل القرآن الكريم والسنة المطهرة مهيمنا على المعرفة الإنسانية.
شاركتم في عدد من المؤتمرات العالمية التي عقدت في موضوع الإعجاز وحاضرتم عن هذه القضية في العديد من الدول، فهل لكم أن تحدثونا عن تجربتكم في هذا المجال وعن انطباعات الحضور والمشاركين ومدى تجاوبهم مع هذه القضية.
حضرت عددا من المؤتمرات العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة منها مؤتمرات إسلام آباد وموسكو وباندونج، هذا بالإضافة إلى العديد من المؤتمرات والندوات المحلية واللقاءات التلفازية والإذاعية وكان صدى ذلك إيجابيا عند كافة الحضور أو المشاهدين والمستمعين مسلمين وغير مسلمين مما يشير إلى أهمية هذا المنهج في الدعوة إلى الله في زمن العلم الذي نعيشه وأخيراً كان لي لقاء على شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) أجبت فيه على تساؤلات وردت من جميع أرجاء الأرض. كما حاضرت في موضوع الإعجاز العلمي للقران والسنة في العديد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية منها مصر، المملكة العربية السعودية، الأردن، البحرين، الإمارات، قطر، الكويت، السودان، ماليزيا، إندونيسيا، تركيا، إيران، ومن الدول غير الإسلامية استراليا، بريطانيا وايرلندا، ألمانيا، هولندا، سويسرا، إيطاليا، كما استضافتني أعداد من المحطات الإذاعية والتلفزيونية المحلية والفضائية منها قناة الجزيرة، القناة الثقافية المصرية، القناة الأولى والقناة الثانية وقناة التنوير من التلفزيون المصري، وقناة أبي ظبي الفضائية وغيرها، وكان أثر ذلك عند الناس مما يفوق الوصف.
ـ نظرتك و آمالك فيما يخص مستقبل الإعجاز العلمي؟
آمل أن تتمكن هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة برابطة العالم الإسلامي من تشكيل لجان فرعية لها في كافة عواصم الدول الإسلامية وفي بعض عواصم الدول الغربية وذلك لتفعيل قضية الإعجاز العلمي على مستوى العالم والاستفادة من الطاقة البشرية المتوفرة في تلك البلاد وهي كثيرة وقادرة على العطاء في هذا المجال كل في حقل تخصصه. كما آمل أن تستمر الهيئة في عقد مؤتمراتها الدولية وندواتها المحلية بطريقة منتظمة ودورية في كافة عواصم الدول الإسلامية وبعض العواصم الأخرى من أجل التعريف بتلك القضية وإبراز معطياتها في زمن فتن فيه الناس بالعلوم الكونية فتنة كبير ة. وآمل أن تكون هذه الندوات في قاعات احتفالات كبرى في الغرب مثل قاعة (البرت الملكية) في قلب لندن. كما أتمنى أن تحول الهيئة تلك القضايا التي تمت دراستها إلى عدد من الأفلام الوثائقية المزودة بكافة الإحصاءات والتواريخ والأرقام والوسائل التوضيحية وطرح هذه الأفلام باللغة العربية وغيرها من لغات العالم الإسلامي وبعدد من اللغات الأجنبية والعمل على توزيع تلك الأفلام الوثائقية وتسويقها على القنوات الفضائية في زمن تسارعت فيه وسائل الإعلام وتركت بصمات على عقول البشر، وأخيراً آمل أن يكون للهيئة أكثر من موقع على الشبكة العالمية (إنترنت) باللغتين العربية والإنجليزية وغيرهما.
ـ يقال إن مواضيع الإعجاز محدودة، وإن ما يثار عن الإعجاز هو تكرار لمواضيع قديمة؟
إن ما يثار حول محدودية موضوع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة يتنافى مع وصف المصطفى صلى الله عليه وسلم لهذا الكتاب بأنه (لا تنتهي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد) ويتنافى مع حقيقة أن الآيات الكونية في كتاب الله تتعدى ألف آية صريحة بالإضافة إلى الآيات العديدة التي تقترب دلالاتها من الصراحة، ومع تسليمنا أن هذه الآيات التي تتحدث عن الكون ومكوناته وظواهره وحركاته لم تأت للإنسان من قبيل الإخبار العلمي المباشر لأن ذلك كله متروك لاجتهاد الإنسان على مر العصور، ومع التسليم أنها جاءت كلها في مقام الاستدلال على قدرة الخالق العظيم في إبداعه لخلقه، وإتقانه لصنعته، وضبطه لكل أمر من أمور هذا الخلق وأن هذه الآيات الكونية هي مجرد نماذج للاستدلال على تلك القضايا ولا يمكن الادعاء بأنها تغطي كافة المعارف المكتسبة في مجال دراسات الكون ومكوناته، أقول بالرغم من تسليمنا بذلك كله إلا أن دراسة هذه الآيات على الرغم من محدودية أعدادها لم تستكمل فيما يخص وجه إعجازها العلمي ـ إلا في القليل النادر. كما إن هذا القليل الذي تمت دراسته لا يمكن اعتباره كاملاً ونهائياً لأن الدلالة العلمية لتلك الآيات الكونية تظل تتسع باستمرار لتبقى مهيمنة على المعرفة الإنسانية وسابقة لها في كل المجالات التي أشارت إليها فكلما اكتشف الإنسان حقيقة كونية تتعلق بتلك الآيات وجد في دلالة آياتها ما يحتوي على تلك الحقيقة وهذا من أبلغ جوانب الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
ـ ما هي أهم الكتب عن الإعجاز بالعربية والإنـجليزية؟
الكتب التي تعاملت مع قضية الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة باللغات العربية والأجنبية كثيرة وهي أكثر من أن تحصى في حوار كهذا ويمكن إعداد قائمة بها لتنشر في عدد قادم من أعداد مجلة الإعجاز العلمي حتى تكون عونا للباحثين في تلك القضية وبمكتبتي الخاصة عشرات من تلك الكتب باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية على تباين كبير في محتوياتها ومستوى أدائها.
ـ ما هو موقف الإعلام الإسلامي من الإعجاز العلمي؟
الإعلام الإسلامي لم يقم بدوره بعد في خدمة قضية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ونرجو أن يتنبه المسؤولون فيه إلى أهمية تلك القضية التي تدعو إلى الإسلام في منطق سوي لا يثير حساسية الآخرين ولا يجرح مشاعرهم.
ـ هل سبق وأن ناقشتم مواضيع في الإعجاز العلمي مع المختصين من غير المسلمين، وما هي ردود الفعل؟
سبق لي مناقشات عديدة مع نفر من كبار المتخصصين في مجال علوم الأرض والفضاء وكان من نتائج تلك المناقشات حرص هؤلاء العلماء على الاطلاع المتبصر بحقائق تلك الإرشادات العلمية في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهو ما نطلبه ونتمناه لأن في مجرد ذلك الاطلاع على كتاب الله وعلى بعض أقوال رسوله الكريم ما يكفي لإقناع كل عاقل محايد لقبول الإسلام دينا أو على الأقل الاعتراف بصدق هذا الدين لأن الهداية نعمة من الله تعالى يمن بها على من يشاء من عباده وليس علينا إلا البلاغ وفي هذا المجال أود أن أؤكد على ما تسجله وكالات الاستخبارات والمعلومات الدولية من أن الإسلام هو أكثر الأديان انتشاراً في عالم اليوم فالمستقبل للإسلام وسوف ينصر الله هذا الدين بنا أو بغيرنا وصدق الله العظيم إذ يقول: }وإِن تَتَوَلـَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوآ أَمْثَالَكُمْ{، ونرجو ألا نحرم من شرف التبليغ عن الله وعن رسوله وهو شرف لا يدانيه شرف.
حوار مع علم من أعلام قضية الإعجاز ورائداً من روادها، أفنى عمره وهو يحاضر هنا ويشارك هناك مستعيناً بمكانته العالمية المرموقة بين علماء عصره المتخصصين، وموظفاً هذه المكانة في خدمة دين الله من خلال التجانس بين العلم والإيمان والذي تجسده شخصيته في واقع العلماء، ومن خلال استخدام علمه التخصصي الدقيق واطلاعه الواسع على المصادر الشرعية في الإشارة والتنبيه إلى ما في كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم من حقائق علمية ثابتة لم تكن معروفة في زمن الوحي والرسالة، تطلبت معرفتها جهود أجيال من العقول البشرية المتميزة، ليدلل بذلك على صدق هذين المصدرين وصدق الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه في رسالته وتبليغه عن الله.. فإلى الحوار.
ـ كيف ومتى بدأت علاقتكم بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؟
بدأت علاقتي بقضية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة منذ أوائل الخمسينات من القرن الماضي، ففي سنة 1951 م التحقت بالدراسة في كلية العلوم ـ جامعة القاهرة ـ وكان بها رجل من رجال الدعوة الإسلامية وواحد من المجاهدين في سبيل إعلاء كلمة الله في الأرض وهو أستاذي في علوم الأرض الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد القادر محمد فرج (بارك الله في عمره وجزاه خير الجزاء) فقد كان من رجال الجامعة القلائل الذين يحملون هم الدعوة الإسلامية وكان يرى في الإشارت الكونية المنبثة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم منطقا متلائماً مع طبيعة تلك الكلية التي يدرس فيها، ومع سمات العصر الذي نعيشه (عصر الطفرة العلمية الهائلة)، خاصة وأن الكلية في ذلك الزمن كانت تزخر بالتيارات اليسارية المشككة. وانطلاقا من غيرته الإسلامية حرص أستاذنا على الاستشهاد بآيات من القران الكريم والأحاديث النبوية في كل محاضراته وفي ثنايا كتبه ومذكراته مما آثار إعجاب المخلصين.
وكان لأستاذنا الفاضل الدكتور إبراهيم فرج دائرة من المهتمين بقضية الإعجاز العلمي في القران والسنة يلتقي بهم بطريقة دورية منتظمة لتدريس تلك القضية والعمل على خدمتها ونشرها بين الناس وكان من بين هؤلاء الأستاذ الجامعي في مختلف التخصصات العلمية والفقهيه الشرعية، والمتضلع في علوم القرآن واللغة العربية وغير هؤلاء من أصحاب المهن المختلفة من أهل الدعوة الإسلامية المباركة، وكان على رأس هؤلاء الأستاذ الدكتور محمد محمود إبراهيم (يرحمه الله) الذي كان رئيسا لقسم هندسة التعدين والبترول بجامعة القاهرة، والأستاذ الدكتور محمد أحمد سليمان (يرحمه الله) الذي كان أستاذ الطب الشرعي بنفس الجامعة، والأستاذ الدكتور محمد أحمد الغمراوي (يرحمه الله) الذي كان أستاذاً بكلية الصيدلة بجامعة الملك سعود بالرياض، وغيرهم كثير ممن شرفنا بمعرفتهم وتتلمذنا على أيديهم في هذا المجال العظيم الذي ترك كل منهم فيه من البصمات ما لا يمكن أن ينسى أو أن يتجاهل.
وقد أكرمني الله تعالى بالعمل لدى جامعة الملك سعود بالرياض منذ أول إنشائها سنة (1378 هـ 1958م) وحتى سنة (1381 هـ 1961م) ثم في الفترة من عام (1384هـ 1964م) وحتى سنة (1387هـ 1967م) حيث وجد عدد من كبار الأستاذة المهتمين بتلك القضية وعلى رأسهم الدكتور إبراهيم فرج، والأستاذ الدكتور محمد أحمد الغمراوي، والأستاذ الدكتور محمد رشاد الطوبي، والاستاذ الدكتور مجدي الشوا، والأستاذ الكبير مصطفى السقا، والأستاذ الدكتور أحمد محمد مجاهد، وفضيلة الداعية الكبير الشيخ عبد المعز عبد الستار.
إضافة إلى ذلك فإنني استفدت من قراءاتي للعديد من الكتاب الذين اهتموا بقضية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وفي مقدمتهم فضيلة الدكتور طنطاوي جوهري، والأستاذ عبد الرزاق نوفل، الأستاذ الدكتور محمد جمال الدين الفندي، والأستاذ حنفي أحمد، والأستاذ نديم الجسر، والأستاذ عبد الكريم الخطيب، والأستاذ الدكتور أحمد زكي، والأستاذ عفيف عبد الفتاح طبارة، والأستاذ الدكتور عبد المحسن صالح (يرحمهم الله أجمعين).
وفي أواخر الستينات كنت أعمل أستاذاً لعلم الأرض في جامعة الكويت حين جاءتني صفحات عن التوحيد تستشهد ببعض القضايا العلمية، قدمها إلي لمراجعتها الأخ الفاضل المستشار عبد الله العقيل، وعلمت أن كاتبها الذي لم أكن أعرفه ذلك الوقت هو الشيخ عبد المجيد الزنداني، فقمت بمراجعة ذلك المتن ورددته إلى الأخ الكريم الشيخ عبد الله العقيل ونسيت أمرها بالكامل، حتى شاء الله تعالى أن أعمل أستاذ العلوم الأرضية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران في الفترة من (1398هـ 1978م) وحتى (1417هـ 1996م) حيث طلب مني إلقاء عدد من المحاضرات العامة والخاصة في موضوعات عدة كان في مقدمتها موضوع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بجامعة الملك عبد العزيز بجد ة حيث التقيت بفضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني، وتعارفنا على قضية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة النبوية المطهرة. وشاء الله تعالى أن ينتقل الدكتور نصيف أمينا عاما لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة وتنتقل معه فكرة إنشاء هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة كفرع من المجلس الأعلى العالمي للمساجد بتلك الرابطة، وبدأت الهيئة في تبني تلك القضية التي لقيت دعما كبيرا على المستويين الرسمي والشعبي مما مكنها من عقد عدد من المؤتمرات الدولية والمحلية، ومن إصدار قرابة العشرين نشرة وكتيباً وكتاباً ومن إصدار مجلتها "الإعجاز العلمي".
ـ هل لكم ان تعرفوا قراء "الإعجاز العلمي" بأهم الهيئات التي خدمت قضية الإعجاز على مستوى العالم؟
بالإضافة إلى الأسماء السابقة هناك:
ا ـ هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة بمؤسسيها وهيئتها الاستشارية والعاملين فيها والمشاركين في مؤتمراتها.
ب ـ المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر وأعضاؤه الكرام الذين أسهموا في إخراج »المنتخب في تفسير القرآن الكريم«، ويجتهدون اليوم في إخراج كل من الوسيط والمفصل في تفسير القرآن وهي من أهم التفاسير التي عالجت الآيات الكونية في كتاب الله بمنهجية علمية صحيحة.
ج ـ اللجنة المصرية للإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وأعضاؤها الكرام وفي مقدمتهم الأستاذ الدكتور منصور حسب النبي (رحمه الله)، والأستاذ الدكتور أحمد شوقي إبراهيم، والأستاذ الدكتور كارم غنيم، واللواء المهندس أحمد عبدالوهاب، والأستاذ الدكتور أحمد حشاد،والأستاذ الدكتور ممدوح عبدالغفور والأستاذ الدكتور على مرسي وغيرهم.
د ـ أعداد من الأفراد الذين ينطلقون بجهود ذاتية ومنهم الأستاذ الدكتور عبد العليم عبد الرحمن خضر، الأستاذ الدكتور سالم نجم، الأستاذ الدكتور احمد القاضي، الأستاذ الدكتور عبد الهادي حلمي محمد، الدكتور أبو الوفا عبد الآخر وغيرهم كثير
هـ ـ المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت وأمينها العام والأمين المساعد وكافة الأعضاء الكرام.
و ـ الأكاديمية الإسلامية للعلوم (ومقرها عمان ـ الأردن) وعدد من الزملاء العاملين بها.
ز ـ اللجنة البنجلاديشية للإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بجامعة شيتا جونج.
ح ـ مركز بحوث للإعجاز العلمي في القرآن والسنة ببنغلاديش، وهو مركز حديث وله مجلس استشاري وآخر تنفيذي وتضم نخبة من العلماء والدعاة.
ـ ماهو تعريف الإعجاز العلمي؟ وماالفرق بينه وبين التفسير العلمي؟ ومن أول من تحدث في موضوع الإعجاز من السلف؟
يقصد بالتفسير العلمي للقرآن الكريم توظيف كل المعارف المتاحة للإنسان في كل عصر من العصور، وفي مختلف مجالات الدراسات العلمية ـ البحثية منها والتطبيقية ـ في حسن فهم دلالات الآية القرآنية وذلك لأن الآيات القرآنية في كتاب الله ترد كلها في صياغة ضمنية لطيفة يظهر منها أهل كل عصر معنى معينا على ضوء المعارف المتاحة لهم وتظل هذه المعاني المتتالية للآية الواحدة تتسع باتساع دائرة المعرفة الإنسانية في تكامل لا يعرف التضاد وذلك تحقيقا لوصف المصطفى صلى الله عليه وسلم لكتاب الله بأنه (لا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه..).
ولما كان التفسير جهدا بشريا لحسن فهم دلالة الآية القرآنية إن أصاب فيه المفسر فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد جاز للمفسر استخدام كل الوسائل المتاحة له سواء كانت حقائق علمية أو فروضاً أو نظريات مادام الإخلاص والتجرد وصدق النية قد توفر ومادام أنه قد استعان بالأدوات اللازمة للتعرض لتفسير كلام الله بعد إلمام باللغة العربية ومفرداتها وقواعدها وأساليب التعبير فيها وبكل من أسباب النزول والناسخ والمنسوخ والمأثور وجهود السابقين في ذلك المجال
أما الإعجاز العلمي للقران والسنة فهو موقف تحد نثبت فيه للناس كافة ـ مسلمين وغير مسلمين ـ أن هذا الكتاب الذي أنزل قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة على نبي أمي في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين يحوي من حقائق هذا الكون ما لم يستطع الإنسان أن يصل إلى شيء من إدراكه إلا منذ عشرات قليلة من السنين وبعد مجاهدة استغرقت جهود أعداد كبيرة من العلماء في فترات زمنية طويلة. وهذا الموقف المتحدي لا يجوز أن يوظف فيه إلا الحقائق العلمية القاطعة التي حسمها العلم ولم تعد مجالا للخلاف لأنه إذا وظفت فيه الفروض والنظريات وهي عرضة للتغير والتبديل انهارت القضية وبطل التحدي بل انقلب على صاحبه وعلى القضية التي استخدمه من أجل الانتصار لها. ومن هنا يتضح لنا الفارق الكبير بين قضية التفسير العلمي وقضية الإعجاز العلمي. وكل من القضيتين مهم في مجال الدعوة إلى الله في زمن العلم الذي نعيشه وذلك لأن كثيراً من آي القرآن الكريم ومن أقوال سيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ المتعلقة بالكون ومكوناته لم يكن من الممكن إدراكها في أبعادها الحقيقية في زمن تنزيل القرآن وانما تتضح دلالاتها للناس في مستقبل من الزمان يلي زمن تنزيل الوحي تصديقاً لقول الحق: }سنــُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِى الآفَاقِ وَفِى أنفُسِهِمْ حَتــَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنـَّهُ الْحَقُّ{ وقوله تعالى: }وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ{ وقوله تعالى: }لِكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ{ وهذه الرؤى المستقبلية للآيات الكونية في كتاب الله مرتبطة بالطبيعة التراكمية للمعرفة الإنسانية بالكون ومكوناته ولذلك فإن تلك الآيات الكونية ترد في كتاب الله بصياغة معجزة يفهم منها أهل كل عصر دلالاتها وتظل هذه الدلالات تتسع باتساع دائرة المعرفة الإنسانية في تكامل لا يعرف التضاد وإلى نهاية لا يعلمها إلا الله.
أما الآيات المرتبطة بتبليغ الدين بركائزه الأساسية كالعقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات فقد جاءت بصياغة واضحة محكمة قطعية الدلالة يفهم منها أهل كل عصر نفس المعنى مهما تباينت مستوياتهم الثقافية والعلمية.
هذا بالنسبة للفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي للقران والسنة أما بالنسبة لأول من تحدث عن قضية الإعجاز العلمي في كتاب الله فيبدو ـ والله اعلم ـ انه الرازي الذي أشار إلى شيء من ذلك في تفسيره الكبير المعروف باسم »مفاتيح الغيب« وربما قد سبقه في ذلك نفر من المفسرين ولكن لم يدون شيء عن جهودهم في هذا المضمار.
ذكرتم أن الحديث في أمر الإعجاز أمر دقيق ولا يحسن أن يخوض فيه كل أحد ولا أن يوظف فيه كل ماينسب إلى »العلم«، فهل لديكم ضوابط محددة ودقيقة يجب التزامها عند التطرق لقضية الإعجاز العلمي؟
نعم هناك ضوابط للتعامل مع الإعجاز العلمي ويمكن إجمالها في النقاط الأساسية التالية:
أ ـ عدم توظيف سوى الحقائق العلمية الثابتة التي حسمها العلم وأصبحت من الأمور القطعية المسلمة التي لا رجعة فيها وذلك في الاستدلال على سبق القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في الإشارة إلى تلك الحقيقة الكونية.
ب ـ عدم التكلف وعدم ليِّ أعناق الآيات للتوافق مع الحقيقة العلمية لأن القرآن الكريم أعز علينا من ذلك وأصدق.
ج ـ ضرورة الإلمام باللغة العربية ودلالة مفرداتها وقواعدها وأساليب التعبير فيها وكذلك بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ وبالمأثور من تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم وبجهود الصحابة والتابعين وكبار المفسرين في كل آية يتعرض لها الدارس لإثبات جانب من جوانب الإعجاز العلمي فيها أو لإثبات ذلك في حديث صحيح من أحاديث الرسول.
د ـ الإلمام بآخر ما توصل إليه العلم في الحقل الذي تتعرض له الآية الكريمة أو الحديث النبوي الشريف الصحيح.
هـ ـ احترام التخصص العلمي حتى لا يخوض في هذه القضية التخصصية كل خائض ولا يخوض متخصص في فرع من فروع العلم لإثبات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كافة التخصصات الخارجة عن مجاله فقد انتهى زمن العلماء الموسوعيين وأصبح مستحيلا على فرد واحد أن يخوض في قضية الإعجاز من علم الأجنة إلى علوم الفلك.
و ـ التأكد من صحة الحديث النبوي الشريف ودرجة ذلك قبل التعرض لإثبات جوانب الإعجاز العلمي فيه.
مارأيكم في من يقول إن الحديث في أمور الإعجاز يقلل من هيبة وعظمة كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويجعلهما عرضة لما يستجد من علوم كونية فيتغير فهمهما بتغير هذه الأخيرة؟
إن الادعاء بأن الحديث في موضوع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة يقلل من هيبة هذين المصدرين الرئيسيين للتشريع الإسلامي ويربطهما بما يستجد من علوم كونية ادعاء مرفوض تماماً لأن دلالة الإعجاز العلمي تتعامل مع الآيات الكونية في كتاب الله ومع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالكون والطاقة والظواهر المصاحبة لها وهذه القضايا تتبع فهم الإنسان من عصر إلى عصر ولا يجوز أن ننعزل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم عن معارف العصر الثابتة والنافعة والمفيدة، وهناك من الإشارات الكونية في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما لا نستطيع فهمه إلا في ضوء عدد من الحقائق العلمية الحديثة، والقرآن الكريم يؤكد على هذه الرؤى المستقبلية لتلك الآيات الكونية في كتاب الله كما سبق وأن أسلفنا، وقد يرى القادمون بعدنا في تلك الآيات الكونية ما لم ندركه نحن بعد حتى يظل القرآن الكريم والسنة المطهرة مهيمنا على المعرفة الإنسانية.
شاركتم في عدد من المؤتمرات العالمية التي عقدت في موضوع الإعجاز وحاضرتم عن هذه القضية في العديد من الدول، فهل لكم أن تحدثونا عن تجربتكم في هذا المجال وعن انطباعات الحضور والمشاركين ومدى تجاوبهم مع هذه القضية.
حضرت عددا من المؤتمرات العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة منها مؤتمرات إسلام آباد وموسكو وباندونج، هذا بالإضافة إلى العديد من المؤتمرات والندوات المحلية واللقاءات التلفازية والإذاعية وكان صدى ذلك إيجابيا عند كافة الحضور أو المشاهدين والمستمعين مسلمين وغير مسلمين مما يشير إلى أهمية هذا المنهج في الدعوة إلى الله في زمن العلم الذي نعيشه وأخيراً كان لي لقاء على شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) أجبت فيه على تساؤلات وردت من جميع أرجاء الأرض. كما حاضرت في موضوع الإعجاز العلمي للقران والسنة في العديد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية منها مصر، المملكة العربية السعودية، الأردن، البحرين، الإمارات، قطر، الكويت، السودان، ماليزيا، إندونيسيا، تركيا، إيران، ومن الدول غير الإسلامية استراليا، بريطانيا وايرلندا، ألمانيا، هولندا، سويسرا، إيطاليا، كما استضافتني أعداد من المحطات الإذاعية والتلفزيونية المحلية والفضائية منها قناة الجزيرة، القناة الثقافية المصرية، القناة الأولى والقناة الثانية وقناة التنوير من التلفزيون المصري، وقناة أبي ظبي الفضائية وغيرها، وكان أثر ذلك عند الناس مما يفوق الوصف.
ـ نظرتك و آمالك فيما يخص مستقبل الإعجاز العلمي؟
آمل أن تتمكن هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة برابطة العالم الإسلامي من تشكيل لجان فرعية لها في كافة عواصم الدول الإسلامية وفي بعض عواصم الدول الغربية وذلك لتفعيل قضية الإعجاز العلمي على مستوى العالم والاستفادة من الطاقة البشرية المتوفرة في تلك البلاد وهي كثيرة وقادرة على العطاء في هذا المجال كل في حقل تخصصه. كما آمل أن تستمر الهيئة في عقد مؤتمراتها الدولية وندواتها المحلية بطريقة منتظمة ودورية في كافة عواصم الدول الإسلامية وبعض العواصم الأخرى من أجل التعريف بتلك القضية وإبراز معطياتها في زمن فتن فيه الناس بالعلوم الكونية فتنة كبير ة. وآمل أن تكون هذه الندوات في قاعات احتفالات كبرى في الغرب مثل قاعة (البرت الملكية) في قلب لندن. كما أتمنى أن تحول الهيئة تلك القضايا التي تمت دراستها إلى عدد من الأفلام الوثائقية المزودة بكافة الإحصاءات والتواريخ والأرقام والوسائل التوضيحية وطرح هذه الأفلام باللغة العربية وغيرها من لغات العالم الإسلامي وبعدد من اللغات الأجنبية والعمل على توزيع تلك الأفلام الوثائقية وتسويقها على القنوات الفضائية في زمن تسارعت فيه وسائل الإعلام وتركت بصمات على عقول البشر، وأخيراً آمل أن يكون للهيئة أكثر من موقع على الشبكة العالمية (إنترنت) باللغتين العربية والإنجليزية وغيرهما.
ـ يقال إن مواضيع الإعجاز محدودة، وإن ما يثار عن الإعجاز هو تكرار لمواضيع قديمة؟
إن ما يثار حول محدودية موضوع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة يتنافى مع وصف المصطفى صلى الله عليه وسلم لهذا الكتاب بأنه (لا تنتهي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد) ويتنافى مع حقيقة أن الآيات الكونية في كتاب الله تتعدى ألف آية صريحة بالإضافة إلى الآيات العديدة التي تقترب دلالاتها من الصراحة، ومع تسليمنا أن هذه الآيات التي تتحدث عن الكون ومكوناته وظواهره وحركاته لم تأت للإنسان من قبيل الإخبار العلمي المباشر لأن ذلك كله متروك لاجتهاد الإنسان على مر العصور، ومع التسليم أنها جاءت كلها في مقام الاستدلال على قدرة الخالق العظيم في إبداعه لخلقه، وإتقانه لصنعته، وضبطه لكل أمر من أمور هذا الخلق وأن هذه الآيات الكونية هي مجرد نماذج للاستدلال على تلك القضايا ولا يمكن الادعاء بأنها تغطي كافة المعارف المكتسبة في مجال دراسات الكون ومكوناته، أقول بالرغم من تسليمنا بذلك كله إلا أن دراسة هذه الآيات على الرغم من محدودية أعدادها لم تستكمل فيما يخص وجه إعجازها العلمي ـ إلا في القليل النادر. كما إن هذا القليل الذي تمت دراسته لا يمكن اعتباره كاملاً ونهائياً لأن الدلالة العلمية لتلك الآيات الكونية تظل تتسع باستمرار لتبقى مهيمنة على المعرفة الإنسانية وسابقة لها في كل المجالات التي أشارت إليها فكلما اكتشف الإنسان حقيقة كونية تتعلق بتلك الآيات وجد في دلالة آياتها ما يحتوي على تلك الحقيقة وهذا من أبلغ جوانب الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
ـ ما هي أهم الكتب عن الإعجاز بالعربية والإنـجليزية؟
الكتب التي تعاملت مع قضية الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة باللغات العربية والأجنبية كثيرة وهي أكثر من أن تحصى في حوار كهذا ويمكن إعداد قائمة بها لتنشر في عدد قادم من أعداد مجلة الإعجاز العلمي حتى تكون عونا للباحثين في تلك القضية وبمكتبتي الخاصة عشرات من تلك الكتب باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية على تباين كبير في محتوياتها ومستوى أدائها.
ـ ما هو موقف الإعلام الإسلامي من الإعجاز العلمي؟
الإعلام الإسلامي لم يقم بدوره بعد في خدمة قضية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ونرجو أن يتنبه المسؤولون فيه إلى أهمية تلك القضية التي تدعو إلى الإسلام في منطق سوي لا يثير حساسية الآخرين ولا يجرح مشاعرهم.
ـ هل سبق وأن ناقشتم مواضيع في الإعجاز العلمي مع المختصين من غير المسلمين، وما هي ردود الفعل؟
سبق لي مناقشات عديدة مع نفر من كبار المتخصصين في مجال علوم الأرض والفضاء وكان من نتائج تلك المناقشات حرص هؤلاء العلماء على الاطلاع المتبصر بحقائق تلك الإرشادات العلمية في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهو ما نطلبه ونتمناه لأن في مجرد ذلك الاطلاع على كتاب الله وعلى بعض أقوال رسوله الكريم ما يكفي لإقناع كل عاقل محايد لقبول الإسلام دينا أو على الأقل الاعتراف بصدق هذا الدين لأن الهداية نعمة من الله تعالى يمن بها على من يشاء من عباده وليس علينا إلا البلاغ وفي هذا المجال أود أن أؤكد على ما تسجله وكالات الاستخبارات والمعلومات الدولية من أن الإسلام هو أكثر الأديان انتشاراً في عالم اليوم فالمستقبل للإسلام وسوف ينصر الله هذا الدين بنا أو بغيرنا وصدق الله العظيم إذ يقول: }وإِن تَتَوَلـَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوآ أَمْثَالَكُمْ{، ونرجو ألا نحرم من شرف التبليغ عن الله وعن رسوله وهو شرف لا يدانيه شرف.