السلام عليكم ورحمة الله
قد ذكرنا في مواضيع سابقة ان الرؤى في المنام ماهي الا ثلاث: رؤى صالحة من الله – أحلام مفزعة من الشيطان – وحديث النفس.
وقد ذكرنا قسم رابع وهو في الأصل يندرج تحت (الرؤى الصالحة) وهي التي تأتي كإنذار او تنبيه وقتي كالذي ينقطع عنده النفس اثناء
النوم او كالذي يصرع اثناء نومه او ما يتأثر به الرائي كهبوط في السكر او ضغط الدم وهكذا ... اذا ماذا عن (اضغاث الأحلام)؟
ولماذا لم يذكرها النبي صلى الله عليه واله وسلم مع انها في القرآن ... قال تعالى:
(قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين)
(بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون)
اضغاث الأحلام في الحقيقة تندرج تحت قسم (حديث النفس) ولكن تختلف وتتميز عن حديث النفس في امرين وهي حالة الرائي
قبل النوم وتسلسل احداث الرؤيا نفسها ... فجميعنا نعلم ان حديث النفس هو ما يشغل تفكير الرائي قبل نومه ... كالذي يفكر في اختبار
او مقابلة وظيفية او جلسة مع القاضي او اقباله على اتخاذ قرار مصيري ... ويكون هذا الحدث قريب جدا كالذي يكون لديه اختبار في اليوم
الثاني او بعد يومين او أسبوع ... وهذا النوع من الرؤى لا اظن للرائي ان يطلب تعبيرها الا اذا كان هناك رمز قوي جدا يرسخ في الذاكرة.
سأذكر لكم رؤيتين احدها فيها رمز قوّي بأنها رؤيا والأخرى مجرد حديث نفس وكلاهما امثلة حقيقية.
يقول الرائي: رأيت اني اخذت الشهادة من المدرسة وكان مكتوب عليها فقط وبخط كبير وواضح (مادة الشعر والأدب 24) فلما استيقظت
مازالت صورة الورقة في مخيلتي ولم اعبرها ولكنها فعلا وقعت ... كانت الرؤيا قبل اختبار مادة الادب بليلة ... وعند انتهاء الاختبارات
تسلم الشهادة وسقط في هذه المادة وكانت درجته 24 ... لاحظ انه يقول (مازالت صورة الورقة في مخيلتي) والرمز القوي هو وجود الرقم.
والرؤيا الأخرى من فتاة تقول: اشتد الخلاف بيني وبين زوجي وهددني بالطلاق وخرج من البيت ورأيت اني مطلقة فعلا لكن لا اذكر التفاصيل
بالضبط، عند سؤالي لها ماذا فعلتي قبل النوم؟ قالت كنت ابكي وخائفة جدا من الطلاق لأن المشكلة كبيرة. في الحقيقة رجع زوجها بعد ان هدأ
وانتهت المشكلة ولم يطلق الى الان، ولاحظ قولها (لا اذكر التفاصيل بالضبط) ولاحظ حالها قبل النوم. فهذا بالتأكيد مجرد حديث نفس لا أكثر.
الان نقارن حديث النفس بأضغاث الأحلام ... وقلنا انها تتميز عن حديث النفس بحالة الرائي قبل النوم واحداث الحلم نفسه ... فكلمة اضغاث
جمع ضغث وهي خلط الأشياء كالذي يغمض عينه ويأخذ قبضة من صندوق ملئ بالأغراض المختلفة او كالذي يأخذ قبضة من كيس ملئ بالحبوب
او المكسرات ... وهكذا ... فترى احداث (اضغاث الاحلام) متداخلة متعاكسة ليس بينها أي رابط وليست منطقية ابدا وقد ذكرت مثال سابقا
للأخت نور مصطفى بأن اضغاث الاحلام كالذي يرى نفسه في مدرسة ثم فجأة انتقل الى مطبخ ثم فجأة يرى نفسه يقرأ كتاب ثم فجأة يصبح طبيب
وهكذا من الاحداث والرموز التي لا يربطها شيء ابدا وهذا ما يميّز هذا النوع من الاحلام. وبالنسبة الى حالة الرائي قبل النوم فتختلف من شخص
لآخر... لكن اغلبها يأتي على شبع (تخمة) شديدة او مجهود بدني او بعد سهر طويل. فعندما يسأل المعبر عن حالة الرائي قبل النوم وتكون الرؤيا
بهذا الشكل من الاحداث فهذا يقطع الشك باليقين ويعبّرها بأنها اضغاث أحلام. فلو رجعنا الى الآية الشريفة
(قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين)
والتي تبيّن قمة جهلهم وقولهم لملك مصر أولا – اضغاث أحلام – ثم قالوا – ما نحن بتأويل الأحلام بعالمين
فقد افتوا في الأول ثم تعذروا بقلة علمهم في الأحلام وهذا هو (النفاق) وكان الأجدر ان يقولون – ما نحن بتأويل الأحلام بعالمين – فقط
لهذا كانت فرحة هذا الملك بتعبير سيدنا يوسف عليه السلام وكأنه وجد ضالته (عالم) بالرؤى وإيجاد الحل للملك (كيف تتفادى هذه المشكلة)
مما جعله مقربا لديه وجعله سيدا على جميع القوم الذين افتوا بأنها اضغاث أحلام. لأن احداث الرؤيا منطقية وجميعها تحتوي على رموز
تستدعي التأويل وحالة الرائي ملك يهمه كما نقول بمصطلح هذا الزمن "اقتصاد البلد وموارده"
... قال تعالى (وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات)
(وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين)
ارجو من الله اني وفقت في هذا الطرح وأسأل الله ينفع بها كل قارئ
تحياتي
