بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وسلم
وبعد
من هدي القرءان الكريم
''لَا خَالِقَ وَلَا أحد يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ إِلَّا الله تعالى''
لَا خَالِقَ وَلَا أحد يَسْتَحِقُّ
أَنْ يُعْبَدَ إِلَّا الله تعالى
الحمدُ لله ربِّ العالمين لهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن
صَلَوَاتُ اللهِ البَرِّ الرَّحيم والملائِكَةِ الْمُقرَّبينَ
عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ المرسَلِين وحبيبِ رَبِّ العَالمين
وعلى جميعِ إخوانِهِ مِنَ النَّبِيينَ والـمُرسَلِين
وَءَالِ كُلٍّ والصَّالِحين وسلامُ اللهِ عليهم أجمعين
يقولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى:
''يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَآءَ بِنَآءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُم تَعْلَمُونَ''.
(سورة البقرة/21-22).
إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ بِعِبَادَتِه،
قَالَ عَلْقَمَةُ: مَا فِي القُرْءَانِ
''يَآ أَيُّهَا النَّاس'' فَهُوَ خِطَابٌ لِأَهْلِ مَكَّة
وَمَا فِيهِ '' يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا''
فَهُوَ خِطَابٌ لِأَهْلِ الـمَدِينَة.
وَهَذَا خِطَابٌ لِـمُشْرِكِي مَكَّة وَ"يَا" حَرْفٌ وُضِعَ لِنِدَاءِ البَعِيد
وَأي وَالهَمْزَةُ لِلْقَرِيب ثُمَّ استُعْمِلَ فِي مُنَادَاةِ مَن غَفَلَ وَسَهَا
وَإِنْ قَرُبَ وَدَنَا تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ مَن بَعُدَ وَنَأَى
فَإِذَا نُودِيَ بِهِ القَرِيبُ الـمُقَاطِن فَذَاكَ لِلتَّوْكِيدِ الـمُؤذِنِ
بِأَنَّ الخِطَابَ الَّذِي يَتْلُوهُ مُعْتَنًا بِهِ جِدًّا وَكَثُرَ النِّدَاءُ فِي القُرْءَانِ
عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَة لِأَنَّ مَا نَادَى اللهُ بِهِ عِبَادَهُ مِن أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيه
وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِه أُمُورٌ عِظَامٌ وَخُطُوبٌ جِسَام يَجِبُ عَلَيْهِم أَنْ يَتَيَقَّظُوا لَهَا
وَيَمِيلوا بِقُلُوبِهِم إِلَيْهَا وَهُم عَنْهَا غَافِلُون
فأقْتَضَتِ الحَال أَنْ يُنَادَوْ بِالآكَدِ الأَبْلَغ وَقَوْلُهُ تَعَالَى
''اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ'' أيْ وَحِّدُوه،
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:
كُلُّ عِبَادَةٍ فِي القُرْءَانِ فَهِيَ تَوْحِيد
أَيْ كُلُّ أَمْرٍ فِي القُرْءَانِ بِعِبَادَةِ الله فَهُوَ أَمْرٌ بِالتَّوْحِيد.
وَالتَّوْحِيدُ كَمَا قَالَ الإِمَامُ الجُنَيْدُ البَغْدَادِيُّ رَحِمَهُ الله إِمَامُ الصُّوفِيَّةِ:
"التَّوْحِيدُ إِفْرَادُ القَدِيمِ مِنَ الـمُحْدَث"
أَيْ تَنْزِيهُ القَدِيمِ الأَزَلِيّ وَهُوَ الله عَنْ مُشَابَهَةِ الـمُحْدَثِ وَهُوَ الـمَخْلُوق،
فَمَنْ شَبَّهَ اللهَ بِخَلْقِهِ فَهُوَ كَافِرٌ غَيْرُ عَارِفٍ بِرَبِّه
كَمَا قَالَ الإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ الله:
"وَمَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى مِن مَعَانِي البَشَر فَقَدْ كَفَر"
أَيْ مَن وَصَفَهُ وَلَوْ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ مِن صِفَاتِ البَشَرِ فَقَدْ كَفَر
وَصِفَاتُ البَشَرِ كَثِيرَة مِنْهَا الوجُودُ بَعْدَ عَدَم وَالتَّغَيُّرُ
مِن حَالٍ إِلَى حَال وَالحَرَكَةُ وَالسُّكُون وَلَا يَكُونُ العَبْدُ مُؤمِنًا
إِلَّا بِاعتِقَادِ أَنَّ اللهَ هُوَ وَحْدَهُ الخَالِقُ لِكُلِّ شّىء
وَأَنَّهُ لَا خَالِقَ سِوَاه فَأَخْبَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ خَلَقَهُم
وَخَلَقَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم وَقِيلَ لَهُم إِنْ كُنْتُم مُقِرِّينَ بِأَنَّهُ خَالِقُكُم
وَخَالِقُ مَن قَبْلَكُم فَاعْبُدُوهُ وَلَا تَعْبُدُوا الأَصْنَام
''لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ'' أي اعبُدُوا اللهَ عَلَى رَجَاءِ
أنْ تَتَّقُوا فَتَنْجُوا بِسَبَبِهِ مِنَ العَذَاب،
وَلَعَلَّ لِلتَّرَجِي وَالإِطْمَاع وَلَكِنَّهُ إِطْمَاعٌ مِن كَرِيم فَيَجْرِي مَجْرَى وَعْدِهِ
الـمَحْتُومِ وَفَاؤه وَبِهِ قَالَ سِيبَوَيْه
''الَّذِي جَعَلَ'' أَيْ صَيَّرَ
''لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا'' أَيْ بِسَاطًا تَقْعُدُونَ عَلَيْهَا وَتَنَامُونَ وَتَتَقَلَّبُون،
وَلَا تَنَافِي بَيْنَ كَوْنِ الأَرْضِ مَسْطُوحَةً وَبَيْنَ كَوْنِهَا شَبِيهَةً بِالكُرِيَّة
''وَالسَّمَآءَ بِنَآءً'' أَيْ سَقْفًا،
كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
''وَجَعَلْنَا السَّمَآءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا''.
(سورة الأنبياء/ 32).
أَيْ مَحْفُوظًا مِنَ الـهُوِيِّ إِلَى أَسْفَل
لِأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ اللهَ أَمْسَكَ السَّمَاءَ لَهَوَت إِلَى الأّرْض وَدَمَّرَتِ الأَرْض
''وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً'' أِيْ مَطَرًا
''فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ'' أَيْ بِالـمَاء.
نَعَم، خُرُوجُ الثَّمَرَاتِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِه وَإِيجَادِهِ
وَلَكِن جَعَلَ الـمَاءَ سَبَبًا فِي خُرُوجِهَا،
كَمَاءِ الفَحْلِ فِي خَلْقِ الوَلَد فَإِنَّ الـمَنِيَّ سَبَبٌ لِخَلْقِ اللهِ الوَلَد.
لَيْسَ الـمَنِيُّ يَخْلُقُ الوَلَد، وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَخَلَقَ الوَلَدَ
بِلَا مَنِيّ كَمَا خَلَقَ ءَادَمَ مِن دُونِ مَنِيٍّ وَعِيسَى خَلَقَهُ بِدُونِ مَنِيّ.
وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى إِنْشَاءِ الكُلِّ بِلَا سَبَبٍ كَمَا أَنْشَأَ نُفُوسَ الأَسْبَابِ
وَالـمَوَاد وَلَكِن لَهُ فِي إِنْشَاءِ الأَشْيَاءِ مُدَرِّجًا لَهَا مِن حَالٍ إِلَى حَال
وَنَاقِلًا مِن مَرْتَبَةٍ إِلَى مَرْتَبَة حِكَمًا وَعِبَرًا لِلنُّظَّارِ بِعُيُونِ الاسْتِبْصَار
''فَلَا تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُم تَعْلَمُونَ''
أَيْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّذِي حَفَّكُم بِهَذِهِ الأَيَاتِ العَظِيمَة
وَالدَّلَائِلِ النَّــيِـّرَة الشَّاهِدَةِ بِالوَحْدَانِيَّةِ شَرِيكًا وَمِثْلًا.
وَمَعْنَى قَوْلِهِم لَيْسَ لِلَّهِ نِدٌّ وَلَا ضِدٌّ نَفْيُ مَا يَسُدُّ مَسَدَّه وَنَفْيُ مَا يُنَافِيه،
فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَعَالٍ عَنِ الأَضْدَادِ وَالأَنْدَاد
أَيْ مُرتُفِعٌ بِالعَظَمَةِ وَالكِبرِيَاءِ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِدٌّ
أَيْ مِثْل أَوْ ضِدٌّ أَيْ نَظِير أَيْ لَا نَظَيرَ لَه،
وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الجُمْعُ بَيْنَ الأَنْدَادِ
وَالأَضْدَاد زِيَادَةَ تَأكِيدٍ لِمَعْنَى الكَلِمَةِ الأُولَى،
وَالأَشْهَرُ إسْتِعْمَالُهُ بِمَعْنَى مَا لَا يَجْتَمِعُ مَعَ مُقَابِلِه.
وَقَوْلُهُ: ''وَأَنْتُم تَعْلَمُونَ''
أَيْ وَأَنْتُم تَعْلَمُونَ أَنَّ الأَصْنَامَ لَا تَخْلُقُ شَيْئًا
وَلَا تَرْزُقُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الخَالِقُ الرَّازِق.
وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين،
رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً
وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار
وَءَاخِرُ دُعْوَانَا أَنِ الحُمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وسلم
وبعد
من هدي القرءان الكريم
''لَا خَالِقَ وَلَا أحد يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ إِلَّا الله تعالى''
لَا خَالِقَ وَلَا أحد يَسْتَحِقُّ
أَنْ يُعْبَدَ إِلَّا الله تعالى
الحمدُ لله ربِّ العالمين لهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن
صَلَوَاتُ اللهِ البَرِّ الرَّحيم والملائِكَةِ الْمُقرَّبينَ
عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ المرسَلِين وحبيبِ رَبِّ العَالمين
وعلى جميعِ إخوانِهِ مِنَ النَّبِيينَ والـمُرسَلِين
وَءَالِ كُلٍّ والصَّالِحين وسلامُ اللهِ عليهم أجمعين
يقولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى:
''يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَآءَ بِنَآءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُم تَعْلَمُونَ''.
(سورة البقرة/21-22).
إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ بِعِبَادَتِه،
قَالَ عَلْقَمَةُ: مَا فِي القُرْءَانِ
''يَآ أَيُّهَا النَّاس'' فَهُوَ خِطَابٌ لِأَهْلِ مَكَّة
وَمَا فِيهِ '' يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا''
فَهُوَ خِطَابٌ لِأَهْلِ الـمَدِينَة.
وَهَذَا خِطَابٌ لِـمُشْرِكِي مَكَّة وَ"يَا" حَرْفٌ وُضِعَ لِنِدَاءِ البَعِيد
وَأي وَالهَمْزَةُ لِلْقَرِيب ثُمَّ استُعْمِلَ فِي مُنَادَاةِ مَن غَفَلَ وَسَهَا
وَإِنْ قَرُبَ وَدَنَا تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ مَن بَعُدَ وَنَأَى
فَإِذَا نُودِيَ بِهِ القَرِيبُ الـمُقَاطِن فَذَاكَ لِلتَّوْكِيدِ الـمُؤذِنِ
بِأَنَّ الخِطَابَ الَّذِي يَتْلُوهُ مُعْتَنًا بِهِ جِدًّا وَكَثُرَ النِّدَاءُ فِي القُرْءَانِ
عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَة لِأَنَّ مَا نَادَى اللهُ بِهِ عِبَادَهُ مِن أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيه
وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِه أُمُورٌ عِظَامٌ وَخُطُوبٌ جِسَام يَجِبُ عَلَيْهِم أَنْ يَتَيَقَّظُوا لَهَا
وَيَمِيلوا بِقُلُوبِهِم إِلَيْهَا وَهُم عَنْهَا غَافِلُون
فأقْتَضَتِ الحَال أَنْ يُنَادَوْ بِالآكَدِ الأَبْلَغ وَقَوْلُهُ تَعَالَى
''اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ'' أيْ وَحِّدُوه،
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:
كُلُّ عِبَادَةٍ فِي القُرْءَانِ فَهِيَ تَوْحِيد
أَيْ كُلُّ أَمْرٍ فِي القُرْءَانِ بِعِبَادَةِ الله فَهُوَ أَمْرٌ بِالتَّوْحِيد.
وَالتَّوْحِيدُ كَمَا قَالَ الإِمَامُ الجُنَيْدُ البَغْدَادِيُّ رَحِمَهُ الله إِمَامُ الصُّوفِيَّةِ:
"التَّوْحِيدُ إِفْرَادُ القَدِيمِ مِنَ الـمُحْدَث"
أَيْ تَنْزِيهُ القَدِيمِ الأَزَلِيّ وَهُوَ الله عَنْ مُشَابَهَةِ الـمُحْدَثِ وَهُوَ الـمَخْلُوق،
فَمَنْ شَبَّهَ اللهَ بِخَلْقِهِ فَهُوَ كَافِرٌ غَيْرُ عَارِفٍ بِرَبِّه
كَمَا قَالَ الإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ الله:
"وَمَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى مِن مَعَانِي البَشَر فَقَدْ كَفَر"
أَيْ مَن وَصَفَهُ وَلَوْ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ مِن صِفَاتِ البَشَرِ فَقَدْ كَفَر
وَصِفَاتُ البَشَرِ كَثِيرَة مِنْهَا الوجُودُ بَعْدَ عَدَم وَالتَّغَيُّرُ
مِن حَالٍ إِلَى حَال وَالحَرَكَةُ وَالسُّكُون وَلَا يَكُونُ العَبْدُ مُؤمِنًا
إِلَّا بِاعتِقَادِ أَنَّ اللهَ هُوَ وَحْدَهُ الخَالِقُ لِكُلِّ شّىء
وَأَنَّهُ لَا خَالِقَ سِوَاه فَأَخْبَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ خَلَقَهُم
وَخَلَقَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم وَقِيلَ لَهُم إِنْ كُنْتُم مُقِرِّينَ بِأَنَّهُ خَالِقُكُم
وَخَالِقُ مَن قَبْلَكُم فَاعْبُدُوهُ وَلَا تَعْبُدُوا الأَصْنَام
''لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ'' أي اعبُدُوا اللهَ عَلَى رَجَاءِ
أنْ تَتَّقُوا فَتَنْجُوا بِسَبَبِهِ مِنَ العَذَاب،
وَلَعَلَّ لِلتَّرَجِي وَالإِطْمَاع وَلَكِنَّهُ إِطْمَاعٌ مِن كَرِيم فَيَجْرِي مَجْرَى وَعْدِهِ
الـمَحْتُومِ وَفَاؤه وَبِهِ قَالَ سِيبَوَيْه
''الَّذِي جَعَلَ'' أَيْ صَيَّرَ
''لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا'' أَيْ بِسَاطًا تَقْعُدُونَ عَلَيْهَا وَتَنَامُونَ وَتَتَقَلَّبُون،
وَلَا تَنَافِي بَيْنَ كَوْنِ الأَرْضِ مَسْطُوحَةً وَبَيْنَ كَوْنِهَا شَبِيهَةً بِالكُرِيَّة
''وَالسَّمَآءَ بِنَآءً'' أَيْ سَقْفًا،
كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
''وَجَعَلْنَا السَّمَآءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا''.
(سورة الأنبياء/ 32).
أَيْ مَحْفُوظًا مِنَ الـهُوِيِّ إِلَى أَسْفَل
لِأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ اللهَ أَمْسَكَ السَّمَاءَ لَهَوَت إِلَى الأّرْض وَدَمَّرَتِ الأَرْض
''وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً'' أِيْ مَطَرًا
''فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ'' أَيْ بِالـمَاء.
نَعَم، خُرُوجُ الثَّمَرَاتِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِه وَإِيجَادِهِ
وَلَكِن جَعَلَ الـمَاءَ سَبَبًا فِي خُرُوجِهَا،
كَمَاءِ الفَحْلِ فِي خَلْقِ الوَلَد فَإِنَّ الـمَنِيَّ سَبَبٌ لِخَلْقِ اللهِ الوَلَد.
لَيْسَ الـمَنِيُّ يَخْلُقُ الوَلَد، وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَخَلَقَ الوَلَدَ
بِلَا مَنِيّ كَمَا خَلَقَ ءَادَمَ مِن دُونِ مَنِيٍّ وَعِيسَى خَلَقَهُ بِدُونِ مَنِيّ.
وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى إِنْشَاءِ الكُلِّ بِلَا سَبَبٍ كَمَا أَنْشَأَ نُفُوسَ الأَسْبَابِ
وَالـمَوَاد وَلَكِن لَهُ فِي إِنْشَاءِ الأَشْيَاءِ مُدَرِّجًا لَهَا مِن حَالٍ إِلَى حَال
وَنَاقِلًا مِن مَرْتَبَةٍ إِلَى مَرْتَبَة حِكَمًا وَعِبَرًا لِلنُّظَّارِ بِعُيُونِ الاسْتِبْصَار
''فَلَا تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُم تَعْلَمُونَ''
أَيْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّذِي حَفَّكُم بِهَذِهِ الأَيَاتِ العَظِيمَة
وَالدَّلَائِلِ النَّــيِـّرَة الشَّاهِدَةِ بِالوَحْدَانِيَّةِ شَرِيكًا وَمِثْلًا.
وَمَعْنَى قَوْلِهِم لَيْسَ لِلَّهِ نِدٌّ وَلَا ضِدٌّ نَفْيُ مَا يَسُدُّ مَسَدَّه وَنَفْيُ مَا يُنَافِيه،
فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَعَالٍ عَنِ الأَضْدَادِ وَالأَنْدَاد
أَيْ مُرتُفِعٌ بِالعَظَمَةِ وَالكِبرِيَاءِ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِدٌّ
أَيْ مِثْل أَوْ ضِدٌّ أَيْ نَظِير أَيْ لَا نَظَيرَ لَه،
وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الجُمْعُ بَيْنَ الأَنْدَادِ
وَالأَضْدَاد زِيَادَةَ تَأكِيدٍ لِمَعْنَى الكَلِمَةِ الأُولَى،
وَالأَشْهَرُ إسْتِعْمَالُهُ بِمَعْنَى مَا لَا يَجْتَمِعُ مَعَ مُقَابِلِه.
وَقَوْلُهُ: ''وَأَنْتُم تَعْلَمُونَ''
أَيْ وَأَنْتُم تَعْلَمُونَ أَنَّ الأَصْنَامَ لَا تَخْلُقُ شَيْئًا
وَلَا تَرْزُقُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الخَالِقُ الرَّازِق.
وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين،
رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً
وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار
وَءَاخِرُ دُعْوَانَا أَنِ الحُمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين