هل هناك حقا شيء أسمه لعنة الفراعنة؟.
يستلزم منا لمعرفة وجود لعنة أو لا إحصاء عدد الذين ماتوا حقا بسبب تدنيسهم للقبور الفرعونية وهتكهم لحرمة مومياءاتها. وفي الواقع لا توجد أبدا مثل هكذا إحصائية، بل يستحيل وجودها، لأن أغلب الذين عبثوا بالقبور المصرية كانوا من اللصوص، غالبا في العهود القديمة، أحيانا بعد فترة ليست بقصيرة على دفن المومياء وإغلاق القبر، وبطبيعة الحال لا أحد يعلم ماذا جرى لهؤلاء اللصوص .. كيف ماتوا ؟ .. هل قرصتهم بعوضة أم لدغتهم كوبرا ملكية ؟ .. لا أحد يعلم جواب هذه الأسئلة طبعا. لكننا نعلم بأن حجم الانتهاكات لقبور المصريين القدماء كان من الانتشار والرواج والسعة بحيث أن مومياءات الفراعنة كانت تملئ أسواق مصر وكانت الكثير من الناس يرتدون لفائفها كملابس. وخير شاهد لنا على ذلك هو الرحالة عبد اللطيف البغدادي، فأنا تعجبني أمانة وعلمية ودقة هذا الرجل في كتاباته بعيدا عن الخرافات التي كانت رائجة في زمانه، وهو يقول بهذا الخصوص :
"ومما يقوي أطماعهم (اللصوص) ويديم إصرارهم أنهم يجدون نواويس تحت الأرض فسيحة الأرجاء محكمة البناء، وفيها من موتى القدماء الجم الغفير والعدد الكثير قد لفوا بأكفان من ثياب القنب لعله يكون على الميت منها زهاء ألف ذراع وقد كفن كل عضو على انفراده كاليد والرجل والإصبع في قطع دقاق ، ثم بعد ذلك تلف جثة الميت جملة حتى يرجع كالحمل العظيم . ومن كان يتتبع هذه النواويس من الإعراب وأهل الريف وغيرهم يأخذ هذه الأكفان فما وجد فيه تماسكا ، اتخذه ثيابا أو باعه للوراقين يعملون منه ورق العطارين . ويوجد بعض موتاهم في توابيت من خشب الجميز الثخين ، ويوجد بعضهم في نواويس من حجارة أما رخام أو صوان وبعضهم في أزيار مملوءة عسلا ، وخبرني الثقة أنهم بينما كانوا يتقفون المطالب عند الأهرام صادفوا دنا مختوما ففضوه فإذا فيه عسل ، فأكلوا منه فعلق في أصبع احدهم شعر فجذبه فظهر لهم صبي صغير متماسك الأعضاء ورطب البدن عليه شيء من الحلي والجواهر .... وأما ما يوجد في أجوافهم وأدمغتهم من الشيء الذي يسمونه موميا فكثير جدا ، يجلبه أهل الريف إلى المدينة ويباع بالشيء النزر ولقد اشتريت ثلاثة رؤوس مملوءة منه بنصف درهم مصري".
يا للعجب! .. عبد اللطيف البغدادي .. في سنة 1198 ميلادية .. أشترى رؤوس ثلاثة مومياءات من سوق القاهرة بنصف درهم مصري! .. ولك بعد هذا عزيزي القارئ أن تتخيل حجم التدنيس والانتهاك الذي تعرضت له المقابر الفرعونية على مدى أربعين قرنا.
طيب إذا كان تدنيس وسرقة القبور الفرعونية في العصور القديمة بهذه السعة والانتشار كما قرأنا أنفا، فلماذا إذن لم نسمع باللعنة إلا في العصر الحديث، إلا مع فتح قبر الملك توت عام 1922 ؟.
الجواب ببساطة هو أن تلك اللعنة لا تصيب سوى منتهكي قبور الملوك والكهنة وليس عامة الناس، فاللعنات لها متطلبات، من طلاسم وتعاويذ ووصفات سحرية لا يقدر عليها سوى الملك والنبلاء والكهنة. ولهذا فأن اللعنات لم تكن توضع إلا في قبور علية القوم، خصوصا في القبور التي تحوي كنوزا عظيمة مثل قبر الملك توت. وربما تعرض سارقو أمثال هذه القبور للمرض والموت بسبب اللعنة في العصور القديمة لكننا لم نسمع عن ذلك لأنهم أولا كانوا يعملون بسرية تامة .. ثانيا كانت عوائلهم لا تجرؤ حتما بالحديث عن كيفية وسبب موتهم خشية أن يقوم الملك أو الوالي بالقبض عليهم ومطالبتهم بتسليم الكنز.
وبعيدا عن هذا كله .. يؤكد العلماء من جهتهم بأن الكثير من الناس عبر العصور ماتوا بسبب القبور الفرعونية، ليس جراء اللعنة طبعا، فالعلماء لا يؤمنون بهذه الأمور، لكن بسبب الجراثيم والبكتريا القاتلة التي تشتمل عليها تلك القبور، فلا تنسى عزيزي القارئ بأنها كانت قبورا مغلقة لآلاف السنين ففسد وتكدر هواءها وصارت مرتعا للكثير من الطفيليات والغازات السامة الخطيرة. وقد أكتشف العلماء حديثا بأن قبور الفراعنة غير المفتوحة تحتوي بالفعل على العديد من الغازات السامة التي يمكن لها أن تسبب الموت خلال لحظات قليلة فقط.
عام 1922 كان عاما استثنائيا لا ينسى في عالم الآثار المصرية، ففي تلك السنة توصل المنقب البريطاني هاورد كارتر إلى اكتشاف قبر الفرعون توت عنخ آمون بعد سنوات طويلة ومضنية من البحث والتنقيب في وادي الملوك بالأقصر، وبعد أن كاد اليأس يتسلل إلى قلبه وقلب مموليه. وأهمية هذا الاكتشاف لا تنبع من شخصية صاحب القبر، أي الفرعون توت، ذلك الفرعون الشاب الذي توج حاكما مطلقا لمصر وهو لم يزل طفلا في التاسعة من عمره، ولم يمتد حكمه سوى لسنوات معدودة، إذ وافته المنية قبل بلوغه عامه التاسع عشر، فلم يكن عهده ذو أهمية بالغة في تاريخ مصر القديمة كما هو الحال مع عهد والده المثير للجدل الفرعون أخناتون الذي هز أركان عصره بتغييره لدين وعاصمة الدولة.
جانب من بذخ كنز الفرعون توت ؟
لكن على الرغم من أن الفرعون توت لم يكن فرعونا عظيما على وزن رمسيس الثاني وتحتمس الثالث، إلا إن أهمية قبره تكمن في حقيقة كونه أول قبر ملكي فرعوني تنجو كنوزه بالكامل من سرقة وعبث لصوص المقابر. وقد كانت تلك الكنوز من الروعة والبهاء والبذخ والجمال بحيث خطفت أبصار وأنفاس الناس حول العالم وتحولت سريعا إلى مادة دسمة للكثير من القصص والحكايات والأساطير، أشهرها تلك التي تحدثت عن لعنة غريبة وغامضة أصابت وطاردت العديد ممن ساهموا وشاركوا في فتح قبر الفرعون الشاب.
ويقال بأن تلك اللعنة المميتة ابتدأت منذ أن خطى كارتر بقدمه لأول مرة إلى داخل القبر، منذ أن مر بجسده تحت تلك العبارة الهيروغليفية المخيفة التي نقشت فوق مدخل القبر والتي تقول .. "سيأتي الموت على أجنحة رشيقة لكل من يقلق راحة الملك" .. وهي عبارة ربما لم يأخذها كارتر وزملاءه على محمل الجد، لكنهم ومن حيث لا يعلمون كانوا قد أطلقوا العنان للعنة شريرة عمرها عشرات القرون، فالمصريون القدماء كانوا أساتذة في السحر، خصوصا الكهنة، وقد أتى على ذكر براعتهم وحذاقتهم وخفة يدهم في فنون السحر جميع من زاروا مصر القديمة من المؤرخين والرحالة والغزاة.
مومياء الفرعون توت ؟
بالطبع هناك أناس لا يأخذون هذا الكلام على محمل الجد، وقد لا يحسبونه سوى من الخرافات والأساطير، متناسين بأن أرض مصر الفرعونية كانت أصلا أرضا للأساطير الحية التي أعيا حلها العلماء حتى يومنا هذا، فالعلماء مثلا يقولون بأن الفراعنة شيدوا الأهرامات بطريقة المدرجات الترابية وباستعمال الأزاميل النحاسية والرافعات الخشبية، لكن أولئك العلماء أنفسهم يجدون صعوبة في تصديق هذه النظرية، فكيف لرافعة خشبية أن تحمل حجرا يزن عشرات الأطنان لتضعه في مكانه بالضبط بحيث يتراص مع الأحجار التي بجواره بدقة لا تترك المجال لدخول إبرة؟!. بعض المؤرخين العرب كانت لهم نظرية أخرى في كيفية تشييد الأهرامات، قالوا بأن الفراعنة كانوا ينقلون تلك الأحجار العظيمة إلى أعلى الهرم بواسطة السحر، كان الكاهن يشير إلى الحجر بعصاه فيحلق في الهواء كالريشة ليحط في مكانه بالضبط!. وقد ذهب بعض الباحثين في مجال الخوارق أمثال السويسري فون دانكين في كتابه الشهير "عربات الآلهة" إلى نظرية مفادها أن الفراعنة شيدوا الأهرامات بواسطة تكنولوجيا متطورة حصلوا عليها من مخلوقات فضائية.
ومع وجود كل هذه الألغاز والغرائب في أرض مصر، فلماذا لا تكون قصة اللعنة حقيقية أيضا. ففي نفس ذلك المساء الذي جرى فيه فتح قبر الفرعون، تسللت أفعى كوبرا ملكية إلى غرفة نوم هاورد كارتر والتهمت عصفور الكناري المحبب لديه والذي كان محبوسا داخل قفص في منزله المشيد على أحد التلال القريبة من موقع التنقيب. وقد أثارت هذه الحادثة دهشة الجميع، حتى كارتر نفسه تعجب منها، ليس فقط لتزامنها مع دخوله القبر للمرة الأولى، لكن لدلالتها أيضا، فالمعروف أن الكوبرا الملكية كانت حارسة الفرعون ودائما ما تزين تاجه، فهل كانت هذه بمثابة رسالة تحذير لكارتر؟.
المصادفات الغريبة لم تقف عند هذا الحد، فبعد فترة على حادثة الكناري شاهد كارتر حيوان أبن آوى يحوم بالقرب من قبر الفرعون توت، وقد أثار ذلك استغرابه بشدة، فخلال 35 عاما من عمله في البراري والصحاري المصرية لم تقع عيناه قط على حيوان أبن آوى. والمعروف أن لأبن آوى دلالة كبيرة لدى الفراعنة، فهو تجسيد الإله أنوبيس، إله الموتى لدى قدماء الفراعنة. فهل كان ظهوره إيذانا بالموت الذي سيطارد العديد من الأشخاص الذين شاركوا وساهموا في انتهاك حرمة قبر الفرعون؟.
أول وأشهر ضحايا اللعنة كان اللورد كارنافون، الرجل الذي مول بعثة كارتر لسنوات وشارك في فتح القبر. إذ لم تمض سوى شهور قليلة حتى فارق الحياة لسبب تافه وغريب، قرصته بعوضة على وجنته أثناء نومه، وفي صباح اليوم التالي جرح اللورد مكان القرصة بالموس أثناء حلاقة لحيته، وهو الأمر الذي أدى إلى تلوث وتسمم الجرح ليلفظ اللورد كارنافون أنفاسه الأخيرة بعد أيام قليلة فقط في غرفته بأحد فنادق القاهرة، ويقال بأن التيار الكهربائي أنطفأ بصورة غامضة في جميع أنحاء القاهرة خلال الدقائق التي لفظ فيها كارتر أنفاسه الأخيرة، وبأن كلبه المدلل في قصره بانجلترا صرخ فجأة ثم سقط ميتا. ولعل أعجب ما في الأمر هو التطابق المثير للدهشة بين طريقة موت اللورد وبين نص اللعنة الذي يقول بأن الموت سيأتي على "أجنحة رشيقة" لكل من يقلق راحة الملك .. وهل هناك أرشق وأخف من جناح البعوضة؟!. ولا تنتهي الغرابة هنا، فبعد أقل من سنة على موت اللورد مات شقيقه مسموما هو الآخر، وبعد بضعة سنوات مات شقيقهما الآخر بنفس الطريق تقريبا!! .. أما أغرب ما في القصة بأسرها فيتمثل في وجود أثر لجرح صغير على وجنة مومياء الفرعون توت في نفس المكان بالضبط الذي تعرض فيه اللورد كارنافون لقرصة البعوضة!!!.
حادث موت اللورد كارنافون يعتبر الأشهر في سلسلة الحوادث الغريبة التي أدت لاحقا إلى موت العديد من أفراد بعثة كارتر، من الأجانب والمصريين، فبعض المصادر تشير إلى أن عدد ضحايا اللعنة بلغ أربعين رجلا مات أغلبهم في حوادث غامضة وأقدم بعضهم على الانتحار. وهناك أيضا من يربط بين الموت المفاجئ لعدد من مدراء المتاحف الأوربية والأمريكية وبين عرض مومياء الفرعون توت في تلك المتاحف خلال جولاتها العالمية.
أما بعيدا عن التهويل والإثارة، فأن السجلات الرسمية تعطينا أرقاما أخرى لعدد حوادث الموت المرتبطة بالفرعون توت، فهي لا تشير سوى إلى موت ثمانية أشخاص من أفراد بعثة كارتر خلال السنوات العشر التالية لاكتشاف القبر، ماتوا لأسباب مختلفة، مرضا وقتلا وانتحارا. هاورد كارتر نفسه لم يمت إلا بعد 16 عاما على اكتشاف القبر. وهو الأمر الذي دفع المشككين بقصة اللعنة إلى اعتبارها مجرد خرافة لا أساس لها من الصحة، أما المؤمنين فيقولون بأنها حقيقية متحججين بموت اللورد كارنافون الغريب، فاللورد كان الشخص الأكثر أهمية في بعثة كارتر، بل أهم من كارتر نفسه، فلولا تمويله لبعثة كارتر لما استطاع هذا الأخير أن يكتشف القبر أبدا.
التايتنك ولعنة الفراعنة
يقال بأن التايتنك .. تلك السفينة الجبارة التي قال عنها قبطانها متباهيا لحظة نزولها إلى الماء بأن : "الله نفسه لن يستطيع إغراقها"! .. يقال بأنها كانت تحمل على متنها مومياء مصرية ساعة حلت بها النكبة واصطدمت بجبل الجليد في عرض المحيط الأطلسي. تلك المومياء كانت تعود إلى كاهنة مصرية عظيمة الشأن في عهد الفرعون اخناتون. كانت المومياء ملكا للورد سنترفيل الذي كان عازما على إرسالها إلى أحد متاحف نيويورك، ولم يجد طبعا وسيلة أكثر أمنا من التايتنك ليرسل هكذا مومياء نفيسة على متنها. ربما أيمانا منه بمقولة قبطانها بأنه غير قابلة للغرق. لكن على غير ما توقع اللورد والقبطان، فأن التايتنك العظيمة والمهيبة غرقت خلال ساعات قليلة فقط أثناء رحلتها الأولى! .. فهل أصيبت التايتانك بلعنة الفراعنة؟.
المأمون والهرم الأكبر
لقرون طويلة ظلت أهرمات الجيزة تثير حيرة وفضول جميع من زاروا مصر، وكيف لا يثير هذا البناء العظيم أعجاب أي شخص ويلهب فضوله لمعرفة ما يشتمل عليه من أسرار وكوامن. لاسيما وأن أهل مصر تعلموا بالتجربة بأن الفراعنة كانوا يدفنون كنوزهم مع موتاهم. وهكذا أصبحت تلك الخبايا الفرعونية النفيسة صيدا ومطلبا وغرضا للصوص المقابر الذين ساهموا على مدار آلاف السنين في تدمير معظم الآثار المصرية للآسف. إضافة طبعا إلى التدمير الحاصل بسبب استخدام أحجار الأهرام والمعابد الفرعونية في بناء المدن والأسوار والقلاع الجديدة في طول مصر وعرضها خلال الحقب التاريخية المختلفة. فبعض الرحالة القدماء ذكروا في كتبهم بأن الجيزة كانت مليئة بالأهرام الصغار التي كانت تتناثر حول وإلى جوار الأهرامات الكبيرة، لكنها اختفت على يد الحجارين الذين استسهلوا استعمال أحجارها الجاهزة عوضا عن اقتلاع وجلب الحجر من المقالع. ولولا عظمة الأهرامات الثلاثة واستعصاءها على معاول وأزاميل السراق والمخربين لزالت هي الأخرى مع ما زال وخرب من آثار مصر وعجائبها.
أهرام الجيزة ظلت عصية على الطامعين والباحثين والداخلين إلى جوفها حتى قدم الخليفة العباسي المأمون إلى مصر في عام 217 هـ لإخماد ثورة المصريين الذين أرهقتهم الضرائب الفادحة وأغضبهم جور الولاة وتعسفهم. وسرعان ما أثار الهرم فضول المأمون وسحر خياله إلى أقصى درجة، فالخليفة كان معروفا بحبه للعلم والاكتشاف، وقد زاد من فضوله ما سمعه من عامة الناس في مصر من قصص وأساطير حول الكنوز والنفائس المخبأة داخل الهرم، فعقد العزم على قيادة حملة كبيرة لاكتشاف خبايا وأسرار هذا الصرح الحجري العظيم. ودعوني هنا أقتبس لكم من كتاب الأستاذ راجي عنايت الموسوم "الهرم وسر قواه الخارقة" من أجل تتبع مسار الحملة وما توصلت إليه في النهاية، حيث كتب يقول :
"وفي عام 820 ميلادية ، وصل إلى علم الخليفة المأمون نبأ وجود كنوز عظيمة ومحتويات لا تقدر بثمن مدفونة داخل الهرم ، فنظم المأمون حملة تضم المهندسين والمعماريين والبنائيين ونحاتي الأحجار. تواصل بحث الحملة لأيام طويلة عن مدخل للهرم على امتداد جوانبه الملساء. وعندما فشلت الحملة في العثور على مثل هذا المدخل قررت أن تحفر مباشرة في الأحجار الصخرية التي تشكل جسم الهرم. لكن المطارق والأزاميل لم تنجح في خدش البناء المنيع. ولم ترض الحملة بهذه الهزيمة ، فعمدوا إلى تسخين جانب من أحجار الهرم حتى توهجت احمرارا ثم صبوا عليها الخل البارد حتى نجحوا في إحداث شق في الأحجار ثم استخدموا آلة الكبش ، وهي آلة حربية قديمة كانت تستخدم في هدم الأسوار ، وقد نجحت هذه الآلة في تكسير الأحجار التي كانت مقاومتها قد ضعفت".
ويمضي الكتاب ليحدثنا عن دخول رجال المأمون إلى الهرم وعن المجهود الخارق والمخيف الذي بذلوه داخل الممرات والدهاليز المظلمة التي لم تطأها قدم إنسان منذ آلاف السنين (وقد أعرضنا عن ذكر ذلك خشية التطويل والإسهاب) حتى وصلوا في نهاية المطاف إلى حجرة الدفن الرئيسية، وهنا دعونا نعود مرة أخرى إلى الأستاذ عنايت ليصف لنا ما عثرت عليه الحملة في تلك الحجرة الغامضة :
"وجد رجال المأمون أنفسهم داخل حجرة كبيرة حوائطها وأرضها مصنوعة من الحجر الجرانيتي الأحمر المصقول. كان طول الحجرة 34 قدما وعرضها 17 قدما وارتفاعها 19 قدما وهي الحجرة التي تعرف حاليا بأسم حجرة الملك. أخذ الرجال يبحثون بجنون في أرجاء الحجرة عن الكنز الذي جاءوا من اجله ، فوجدوا الحجرة لا تضم سوى تابوت مصقول بمهارة من حجر الجرانيت البني الداكن. ويقال أن المأمون ، خوفا من ثورة رجاله من أفراد الحملة ، قد أوعز إلى احدهم أن يضع بعض القطع الذهبية في إحدى الحجرات ، بحيث يكتشفها أفراد الحملة أثناء بحثهم ، فتكون بمثابة التعويض لهم عن جهدهم إذا لم يسفر التنقيب داخل الهرم عن شيء. على كل حال كانت هذه هي نهاية أول محاولة لاكتشاف سر الهرم".
حملة المأمون الاستكشافية عادت خالية الوفاض، لكن منذ ذلك الحين ظل المدخل الذي فتحه رجال المأمون في جسم الهرم هو المدخل الرئيسي المستخدم من قبل المستطرقين والزوار والسياح لدخول الهرم حتى يومنا هذا، وهو بالطبع ليس المدخل الأصلي الذي صممه مهندسو الهرم القدماء، لكنه يعترض المدخل الأصلي اتفاقا ويسير معه، وهو أسهل للوصول وأيسر للدخول والخروج. وقد ذكره الرحالة عبد اللطيف البغدادي في رحلته إلى مصر عام 595 هـ فقال : "وفي أحد هذين الهرمين مدخل يلجه الناس يفضي بهم إلى مسالك ضيقة وأسراب متنافذة وآبار ومهالك وغير ذلك مما يحكيه من يلجه ويتوغله ، فأن ناسا كثيرين لهم غرام به وتخيل فيه فيوغلون في أعماقه ولابد أن ينتهوا إلى ما يعجزون عن سلوكه ، وأما المسلوك فيه المطروق كثيرا فزلاقه تفضي إلى أعلاه فيوجد فيه بيت مربع فيه ناووس من حجر ، وهذا المدخل ليس هو المتخذ له في أصل البناء وإنما هو منقوب نقبا صودف اتفاقا ، وذكر أن المأمون هو الذي فتحه".
طيب قد تسأل عزيزي القارئ ما علاقة كل ما ذكرناه أعلاه بلعنة الفراعنة ؟.
والجواب يكمن في وفاة الخليفة المأمون، المكتشف الأول للهرم، وهو أمر أثار دهشتي وجلب انتباهي بالرغم من أني لم اسمع أحدا قد تطرق لهذا الموضوع سابقا عند حديثه عن لعنة الفراعنة، فالمأمون كان قد دخل الهرم مع رجاله عام 217 هـ ولم يعش بعد ذلك سوى لأقل من سنة، فقد مات عام 218 هـ بصورة لا تقل غرابة عن موت اللورد كارنافون.
يقول الطبري في وفاته :
"ذكر عن سعيد العلاف القارئ قال أرسل إلي المأمون وهو ببلاد الروم (تركيا) وكان دخلها من طرسوس يوم الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من جمادى الآخرة فحملت إليه وهو في البدندون (نهر) فكان يستقرئني فدعاني يوما فجئت فوجدته جالسا على شتاطئ البدندون وأبو إسحاق المعتصم جالس عن يمينه فأمرني فجلست نحوه منه فإذا هو وأبو إسحاق مدليان أرجلهما في ماء البدندون فقال يا سعيد دل رجليك في هذا الماء وذقه فهل رأيت ماء قط أشد بردا ولا أعذب ولا أصفى صفاء منه ففعلت وقلت يا أمير المؤمنين ما رأيت مثل هذا قط قال أي شيء يطيب أن يؤكل ويشرب هذا الماء عليه فقلت أمير المؤمنين أعلم فقال رطب الآزاذ فبينا هو يقول هذا إذا سمع وقع لجم البريد فالتفت فنظر فإذا بغال من بغال البريد على أعجازها حقائب فيه الألطاف فقال لخادم له اذهب فانظر هل في هذه الألطاف رطب فانظره فإذا كان آزاد فأت به فجاء يسعى بسلتين فيهما رطب آزاد كأنما جني من النخل تلك الساعة فأظهر شكرا لله تعالى وكثر تعجبنا منه فقال ادن فكل فأكل هو وأبو إسحاق وأكلت معهما وشربنا جميعا من ذلك الماء فما قام منا أحد إلا وهو محموم فكانت منية المأمون من تلك العلة ولم يزل المعتصم عليلا حتى دخل العراق ولم أزل عليلا حتى كان قريبا".
طبعا قد يقول قائل بأن اللعنة ترتبط بالمومياءات وليس بالقبور .. هذا صحيح .. لكن الفراعنة لم يعلقوا لعناتهم على صدور مومياءاتهم وإنما نقشوها على جدران المقابر التي ضمت أجساد تلك المومياءات، والهرم كما نعلم جميعا كان مقدرا له أن يكون قبرا للفرعون خوفو، بغض النظر عن حقيقة دفنه فيه من عدمها، وعليه فأن الكهنة القدماء لابد من أنهم بثوا لعناتهم وطلاسمهم في أرجاء الهرم لتصيب الأشخاص الذين ينتهكون حرمته. وهنا قد يحتج أحدهم قائلا بأن الهرم زاره ملايين الناس خلال القرون الخالية وحتى يومنا هذا فلماذا لم تصبهم اللعنة، والجواب ببساطة هو أن اللعنة غالبا ما تكون مصممة لتصيب أول شخص ينتهك حرمة القبر وليس جميع الناس، فعلى سبيل المثال، يقال بأن أحد المنقبين الألمان في مصر في أواخر القرن التاسع عشر عثر على قبر أحد الكهنة المصريين القدماء، كان القبر يحتوي في داخله على ناووس مفتوح وفي جوفه تقبع مومياء فرعونية، وبجانب الناووس على الأرض تمدد هيكل عظمي لإنسان كانت جمجمته مهشمة بالكامل والى جواره يقبع حجر كبير. المنقب الألماني شعر بالدهشة ولم يفهم سبب وجود هذا الهيكل العظمي إلى جوار ناووس المومياء، لكنه سرعان ما أكتشف حقيقة ما جرى، فعلى الناووس كانت هناك كتابة هيروغليفية تقول : "كل من ينتهك حرمة هذا الميت ستسحق رأسه" .. أنها لعنة .. لعنة فرعونية قديمة لم يستطع لص المقابر البسيط قراءتها حينما دخل القبر لأول مرة قبل قرون عديدة، وهو لم يكن مهتما أصلا بقراءتها، إذ جاء طامعا بالذهب والجواهر فقط، لهذا لم يتردد لحظة في تنحية غطاء الناووس عن المومياء ثم مد يده ليسرق حليها وزينتها الذهبية، لكن قبل أن تصل يده إلى غايتها .. سقط على رأسه حجر من سقف القبر فهشمه بالكامل ليسقط اللص صريعا في الحال إلى جوار المومياء التي جاء ليسرقها!.
فاللعنة هي شكل من أشكال النحس، فالملعون منحوس يستمر نحسه ما بقيت اللعنة تطارده.
يستلزم منا لمعرفة وجود لعنة أو لا إحصاء عدد الذين ماتوا حقا بسبب تدنيسهم للقبور الفرعونية وهتكهم لحرمة مومياءاتها. وفي الواقع لا توجد أبدا مثل هكذا إحصائية، بل يستحيل وجودها، لأن أغلب الذين عبثوا بالقبور المصرية كانوا من اللصوص، غالبا في العهود القديمة، أحيانا بعد فترة ليست بقصيرة على دفن المومياء وإغلاق القبر، وبطبيعة الحال لا أحد يعلم ماذا جرى لهؤلاء اللصوص .. كيف ماتوا ؟ .. هل قرصتهم بعوضة أم لدغتهم كوبرا ملكية ؟ .. لا أحد يعلم جواب هذه الأسئلة طبعا. لكننا نعلم بأن حجم الانتهاكات لقبور المصريين القدماء كان من الانتشار والرواج والسعة بحيث أن مومياءات الفراعنة كانت تملئ أسواق مصر وكانت الكثير من الناس يرتدون لفائفها كملابس. وخير شاهد لنا على ذلك هو الرحالة عبد اللطيف البغدادي، فأنا تعجبني أمانة وعلمية ودقة هذا الرجل في كتاباته بعيدا عن الخرافات التي كانت رائجة في زمانه، وهو يقول بهذا الخصوص :
"ومما يقوي أطماعهم (اللصوص) ويديم إصرارهم أنهم يجدون نواويس تحت الأرض فسيحة الأرجاء محكمة البناء، وفيها من موتى القدماء الجم الغفير والعدد الكثير قد لفوا بأكفان من ثياب القنب لعله يكون على الميت منها زهاء ألف ذراع وقد كفن كل عضو على انفراده كاليد والرجل والإصبع في قطع دقاق ، ثم بعد ذلك تلف جثة الميت جملة حتى يرجع كالحمل العظيم . ومن كان يتتبع هذه النواويس من الإعراب وأهل الريف وغيرهم يأخذ هذه الأكفان فما وجد فيه تماسكا ، اتخذه ثيابا أو باعه للوراقين يعملون منه ورق العطارين . ويوجد بعض موتاهم في توابيت من خشب الجميز الثخين ، ويوجد بعضهم في نواويس من حجارة أما رخام أو صوان وبعضهم في أزيار مملوءة عسلا ، وخبرني الثقة أنهم بينما كانوا يتقفون المطالب عند الأهرام صادفوا دنا مختوما ففضوه فإذا فيه عسل ، فأكلوا منه فعلق في أصبع احدهم شعر فجذبه فظهر لهم صبي صغير متماسك الأعضاء ورطب البدن عليه شيء من الحلي والجواهر .... وأما ما يوجد في أجوافهم وأدمغتهم من الشيء الذي يسمونه موميا فكثير جدا ، يجلبه أهل الريف إلى المدينة ويباع بالشيء النزر ولقد اشتريت ثلاثة رؤوس مملوءة منه بنصف درهم مصري".
يا للعجب! .. عبد اللطيف البغدادي .. في سنة 1198 ميلادية .. أشترى رؤوس ثلاثة مومياءات من سوق القاهرة بنصف درهم مصري! .. ولك بعد هذا عزيزي القارئ أن تتخيل حجم التدنيس والانتهاك الذي تعرضت له المقابر الفرعونية على مدى أربعين قرنا.
طيب إذا كان تدنيس وسرقة القبور الفرعونية في العصور القديمة بهذه السعة والانتشار كما قرأنا أنفا، فلماذا إذن لم نسمع باللعنة إلا في العصر الحديث، إلا مع فتح قبر الملك توت عام 1922 ؟.
الجواب ببساطة هو أن تلك اللعنة لا تصيب سوى منتهكي قبور الملوك والكهنة وليس عامة الناس، فاللعنات لها متطلبات، من طلاسم وتعاويذ ووصفات سحرية لا يقدر عليها سوى الملك والنبلاء والكهنة. ولهذا فأن اللعنات لم تكن توضع إلا في قبور علية القوم، خصوصا في القبور التي تحوي كنوزا عظيمة مثل قبر الملك توت. وربما تعرض سارقو أمثال هذه القبور للمرض والموت بسبب اللعنة في العصور القديمة لكننا لم نسمع عن ذلك لأنهم أولا كانوا يعملون بسرية تامة .. ثانيا كانت عوائلهم لا تجرؤ حتما بالحديث عن كيفية وسبب موتهم خشية أن يقوم الملك أو الوالي بالقبض عليهم ومطالبتهم بتسليم الكنز.
وبعيدا عن هذا كله .. يؤكد العلماء من جهتهم بأن الكثير من الناس عبر العصور ماتوا بسبب القبور الفرعونية، ليس جراء اللعنة طبعا، فالعلماء لا يؤمنون بهذه الأمور، لكن بسبب الجراثيم والبكتريا القاتلة التي تشتمل عليها تلك القبور، فلا تنسى عزيزي القارئ بأنها كانت قبورا مغلقة لآلاف السنين ففسد وتكدر هواءها وصارت مرتعا للكثير من الطفيليات والغازات السامة الخطيرة. وقد أكتشف العلماء حديثا بأن قبور الفراعنة غير المفتوحة تحتوي بالفعل على العديد من الغازات السامة التي يمكن لها أن تسبب الموت خلال لحظات قليلة فقط.
عام 1922 كان عاما استثنائيا لا ينسى في عالم الآثار المصرية، ففي تلك السنة توصل المنقب البريطاني هاورد كارتر إلى اكتشاف قبر الفرعون توت عنخ آمون بعد سنوات طويلة ومضنية من البحث والتنقيب في وادي الملوك بالأقصر، وبعد أن كاد اليأس يتسلل إلى قلبه وقلب مموليه. وأهمية هذا الاكتشاف لا تنبع من شخصية صاحب القبر، أي الفرعون توت، ذلك الفرعون الشاب الذي توج حاكما مطلقا لمصر وهو لم يزل طفلا في التاسعة من عمره، ولم يمتد حكمه سوى لسنوات معدودة، إذ وافته المنية قبل بلوغه عامه التاسع عشر، فلم يكن عهده ذو أهمية بالغة في تاريخ مصر القديمة كما هو الحال مع عهد والده المثير للجدل الفرعون أخناتون الذي هز أركان عصره بتغييره لدين وعاصمة الدولة.
جانب من بذخ كنز الفرعون توت ؟
لكن على الرغم من أن الفرعون توت لم يكن فرعونا عظيما على وزن رمسيس الثاني وتحتمس الثالث، إلا إن أهمية قبره تكمن في حقيقة كونه أول قبر ملكي فرعوني تنجو كنوزه بالكامل من سرقة وعبث لصوص المقابر. وقد كانت تلك الكنوز من الروعة والبهاء والبذخ والجمال بحيث خطفت أبصار وأنفاس الناس حول العالم وتحولت سريعا إلى مادة دسمة للكثير من القصص والحكايات والأساطير، أشهرها تلك التي تحدثت عن لعنة غريبة وغامضة أصابت وطاردت العديد ممن ساهموا وشاركوا في فتح قبر الفرعون الشاب.
ويقال بأن تلك اللعنة المميتة ابتدأت منذ أن خطى كارتر بقدمه لأول مرة إلى داخل القبر، منذ أن مر بجسده تحت تلك العبارة الهيروغليفية المخيفة التي نقشت فوق مدخل القبر والتي تقول .. "سيأتي الموت على أجنحة رشيقة لكل من يقلق راحة الملك" .. وهي عبارة ربما لم يأخذها كارتر وزملاءه على محمل الجد، لكنهم ومن حيث لا يعلمون كانوا قد أطلقوا العنان للعنة شريرة عمرها عشرات القرون، فالمصريون القدماء كانوا أساتذة في السحر، خصوصا الكهنة، وقد أتى على ذكر براعتهم وحذاقتهم وخفة يدهم في فنون السحر جميع من زاروا مصر القديمة من المؤرخين والرحالة والغزاة.
مومياء الفرعون توت ؟
بالطبع هناك أناس لا يأخذون هذا الكلام على محمل الجد، وقد لا يحسبونه سوى من الخرافات والأساطير، متناسين بأن أرض مصر الفرعونية كانت أصلا أرضا للأساطير الحية التي أعيا حلها العلماء حتى يومنا هذا، فالعلماء مثلا يقولون بأن الفراعنة شيدوا الأهرامات بطريقة المدرجات الترابية وباستعمال الأزاميل النحاسية والرافعات الخشبية، لكن أولئك العلماء أنفسهم يجدون صعوبة في تصديق هذه النظرية، فكيف لرافعة خشبية أن تحمل حجرا يزن عشرات الأطنان لتضعه في مكانه بالضبط بحيث يتراص مع الأحجار التي بجواره بدقة لا تترك المجال لدخول إبرة؟!. بعض المؤرخين العرب كانت لهم نظرية أخرى في كيفية تشييد الأهرامات، قالوا بأن الفراعنة كانوا ينقلون تلك الأحجار العظيمة إلى أعلى الهرم بواسطة السحر، كان الكاهن يشير إلى الحجر بعصاه فيحلق في الهواء كالريشة ليحط في مكانه بالضبط!. وقد ذهب بعض الباحثين في مجال الخوارق أمثال السويسري فون دانكين في كتابه الشهير "عربات الآلهة" إلى نظرية مفادها أن الفراعنة شيدوا الأهرامات بواسطة تكنولوجيا متطورة حصلوا عليها من مخلوقات فضائية.
ومع وجود كل هذه الألغاز والغرائب في أرض مصر، فلماذا لا تكون قصة اللعنة حقيقية أيضا. ففي نفس ذلك المساء الذي جرى فيه فتح قبر الفرعون، تسللت أفعى كوبرا ملكية إلى غرفة نوم هاورد كارتر والتهمت عصفور الكناري المحبب لديه والذي كان محبوسا داخل قفص في منزله المشيد على أحد التلال القريبة من موقع التنقيب. وقد أثارت هذه الحادثة دهشة الجميع، حتى كارتر نفسه تعجب منها، ليس فقط لتزامنها مع دخوله القبر للمرة الأولى، لكن لدلالتها أيضا، فالمعروف أن الكوبرا الملكية كانت حارسة الفرعون ودائما ما تزين تاجه، فهل كانت هذه بمثابة رسالة تحذير لكارتر؟.
المصادفات الغريبة لم تقف عند هذا الحد، فبعد فترة على حادثة الكناري شاهد كارتر حيوان أبن آوى يحوم بالقرب من قبر الفرعون توت، وقد أثار ذلك استغرابه بشدة، فخلال 35 عاما من عمله في البراري والصحاري المصرية لم تقع عيناه قط على حيوان أبن آوى. والمعروف أن لأبن آوى دلالة كبيرة لدى الفراعنة، فهو تجسيد الإله أنوبيس، إله الموتى لدى قدماء الفراعنة. فهل كان ظهوره إيذانا بالموت الذي سيطارد العديد من الأشخاص الذين شاركوا وساهموا في انتهاك حرمة قبر الفرعون؟.
أول وأشهر ضحايا اللعنة كان اللورد كارنافون، الرجل الذي مول بعثة كارتر لسنوات وشارك في فتح القبر. إذ لم تمض سوى شهور قليلة حتى فارق الحياة لسبب تافه وغريب، قرصته بعوضة على وجنته أثناء نومه، وفي صباح اليوم التالي جرح اللورد مكان القرصة بالموس أثناء حلاقة لحيته، وهو الأمر الذي أدى إلى تلوث وتسمم الجرح ليلفظ اللورد كارنافون أنفاسه الأخيرة بعد أيام قليلة فقط في غرفته بأحد فنادق القاهرة، ويقال بأن التيار الكهربائي أنطفأ بصورة غامضة في جميع أنحاء القاهرة خلال الدقائق التي لفظ فيها كارتر أنفاسه الأخيرة، وبأن كلبه المدلل في قصره بانجلترا صرخ فجأة ثم سقط ميتا. ولعل أعجب ما في الأمر هو التطابق المثير للدهشة بين طريقة موت اللورد وبين نص اللعنة الذي يقول بأن الموت سيأتي على "أجنحة رشيقة" لكل من يقلق راحة الملك .. وهل هناك أرشق وأخف من جناح البعوضة؟!. ولا تنتهي الغرابة هنا، فبعد أقل من سنة على موت اللورد مات شقيقه مسموما هو الآخر، وبعد بضعة سنوات مات شقيقهما الآخر بنفس الطريق تقريبا!! .. أما أغرب ما في القصة بأسرها فيتمثل في وجود أثر لجرح صغير على وجنة مومياء الفرعون توت في نفس المكان بالضبط الذي تعرض فيه اللورد كارنافون لقرصة البعوضة!!!.
حادث موت اللورد كارنافون يعتبر الأشهر في سلسلة الحوادث الغريبة التي أدت لاحقا إلى موت العديد من أفراد بعثة كارتر، من الأجانب والمصريين، فبعض المصادر تشير إلى أن عدد ضحايا اللعنة بلغ أربعين رجلا مات أغلبهم في حوادث غامضة وأقدم بعضهم على الانتحار. وهناك أيضا من يربط بين الموت المفاجئ لعدد من مدراء المتاحف الأوربية والأمريكية وبين عرض مومياء الفرعون توت في تلك المتاحف خلال جولاتها العالمية.
أما بعيدا عن التهويل والإثارة، فأن السجلات الرسمية تعطينا أرقاما أخرى لعدد حوادث الموت المرتبطة بالفرعون توت، فهي لا تشير سوى إلى موت ثمانية أشخاص من أفراد بعثة كارتر خلال السنوات العشر التالية لاكتشاف القبر، ماتوا لأسباب مختلفة، مرضا وقتلا وانتحارا. هاورد كارتر نفسه لم يمت إلا بعد 16 عاما على اكتشاف القبر. وهو الأمر الذي دفع المشككين بقصة اللعنة إلى اعتبارها مجرد خرافة لا أساس لها من الصحة، أما المؤمنين فيقولون بأنها حقيقية متحججين بموت اللورد كارنافون الغريب، فاللورد كان الشخص الأكثر أهمية في بعثة كارتر، بل أهم من كارتر نفسه، فلولا تمويله لبعثة كارتر لما استطاع هذا الأخير أن يكتشف القبر أبدا.
التايتنك ولعنة الفراعنة
يقال بأن التايتنك .. تلك السفينة الجبارة التي قال عنها قبطانها متباهيا لحظة نزولها إلى الماء بأن : "الله نفسه لن يستطيع إغراقها"! .. يقال بأنها كانت تحمل على متنها مومياء مصرية ساعة حلت بها النكبة واصطدمت بجبل الجليد في عرض المحيط الأطلسي. تلك المومياء كانت تعود إلى كاهنة مصرية عظيمة الشأن في عهد الفرعون اخناتون. كانت المومياء ملكا للورد سنترفيل الذي كان عازما على إرسالها إلى أحد متاحف نيويورك، ولم يجد طبعا وسيلة أكثر أمنا من التايتنك ليرسل هكذا مومياء نفيسة على متنها. ربما أيمانا منه بمقولة قبطانها بأنه غير قابلة للغرق. لكن على غير ما توقع اللورد والقبطان، فأن التايتنك العظيمة والمهيبة غرقت خلال ساعات قليلة فقط أثناء رحلتها الأولى! .. فهل أصيبت التايتانك بلعنة الفراعنة؟.
المأمون والهرم الأكبر
لقرون طويلة ظلت أهرمات الجيزة تثير حيرة وفضول جميع من زاروا مصر، وكيف لا يثير هذا البناء العظيم أعجاب أي شخص ويلهب فضوله لمعرفة ما يشتمل عليه من أسرار وكوامن. لاسيما وأن أهل مصر تعلموا بالتجربة بأن الفراعنة كانوا يدفنون كنوزهم مع موتاهم. وهكذا أصبحت تلك الخبايا الفرعونية النفيسة صيدا ومطلبا وغرضا للصوص المقابر الذين ساهموا على مدار آلاف السنين في تدمير معظم الآثار المصرية للآسف. إضافة طبعا إلى التدمير الحاصل بسبب استخدام أحجار الأهرام والمعابد الفرعونية في بناء المدن والأسوار والقلاع الجديدة في طول مصر وعرضها خلال الحقب التاريخية المختلفة. فبعض الرحالة القدماء ذكروا في كتبهم بأن الجيزة كانت مليئة بالأهرام الصغار التي كانت تتناثر حول وإلى جوار الأهرامات الكبيرة، لكنها اختفت على يد الحجارين الذين استسهلوا استعمال أحجارها الجاهزة عوضا عن اقتلاع وجلب الحجر من المقالع. ولولا عظمة الأهرامات الثلاثة واستعصاءها على معاول وأزاميل السراق والمخربين لزالت هي الأخرى مع ما زال وخرب من آثار مصر وعجائبها.
أهرام الجيزة ظلت عصية على الطامعين والباحثين والداخلين إلى جوفها حتى قدم الخليفة العباسي المأمون إلى مصر في عام 217 هـ لإخماد ثورة المصريين الذين أرهقتهم الضرائب الفادحة وأغضبهم جور الولاة وتعسفهم. وسرعان ما أثار الهرم فضول المأمون وسحر خياله إلى أقصى درجة، فالخليفة كان معروفا بحبه للعلم والاكتشاف، وقد زاد من فضوله ما سمعه من عامة الناس في مصر من قصص وأساطير حول الكنوز والنفائس المخبأة داخل الهرم، فعقد العزم على قيادة حملة كبيرة لاكتشاف خبايا وأسرار هذا الصرح الحجري العظيم. ودعوني هنا أقتبس لكم من كتاب الأستاذ راجي عنايت الموسوم "الهرم وسر قواه الخارقة" من أجل تتبع مسار الحملة وما توصلت إليه في النهاية، حيث كتب يقول :
"وفي عام 820 ميلادية ، وصل إلى علم الخليفة المأمون نبأ وجود كنوز عظيمة ومحتويات لا تقدر بثمن مدفونة داخل الهرم ، فنظم المأمون حملة تضم المهندسين والمعماريين والبنائيين ونحاتي الأحجار. تواصل بحث الحملة لأيام طويلة عن مدخل للهرم على امتداد جوانبه الملساء. وعندما فشلت الحملة في العثور على مثل هذا المدخل قررت أن تحفر مباشرة في الأحجار الصخرية التي تشكل جسم الهرم. لكن المطارق والأزاميل لم تنجح في خدش البناء المنيع. ولم ترض الحملة بهذه الهزيمة ، فعمدوا إلى تسخين جانب من أحجار الهرم حتى توهجت احمرارا ثم صبوا عليها الخل البارد حتى نجحوا في إحداث شق في الأحجار ثم استخدموا آلة الكبش ، وهي آلة حربية قديمة كانت تستخدم في هدم الأسوار ، وقد نجحت هذه الآلة في تكسير الأحجار التي كانت مقاومتها قد ضعفت".
ويمضي الكتاب ليحدثنا عن دخول رجال المأمون إلى الهرم وعن المجهود الخارق والمخيف الذي بذلوه داخل الممرات والدهاليز المظلمة التي لم تطأها قدم إنسان منذ آلاف السنين (وقد أعرضنا عن ذكر ذلك خشية التطويل والإسهاب) حتى وصلوا في نهاية المطاف إلى حجرة الدفن الرئيسية، وهنا دعونا نعود مرة أخرى إلى الأستاذ عنايت ليصف لنا ما عثرت عليه الحملة في تلك الحجرة الغامضة :
"وجد رجال المأمون أنفسهم داخل حجرة كبيرة حوائطها وأرضها مصنوعة من الحجر الجرانيتي الأحمر المصقول. كان طول الحجرة 34 قدما وعرضها 17 قدما وارتفاعها 19 قدما وهي الحجرة التي تعرف حاليا بأسم حجرة الملك. أخذ الرجال يبحثون بجنون في أرجاء الحجرة عن الكنز الذي جاءوا من اجله ، فوجدوا الحجرة لا تضم سوى تابوت مصقول بمهارة من حجر الجرانيت البني الداكن. ويقال أن المأمون ، خوفا من ثورة رجاله من أفراد الحملة ، قد أوعز إلى احدهم أن يضع بعض القطع الذهبية في إحدى الحجرات ، بحيث يكتشفها أفراد الحملة أثناء بحثهم ، فتكون بمثابة التعويض لهم عن جهدهم إذا لم يسفر التنقيب داخل الهرم عن شيء. على كل حال كانت هذه هي نهاية أول محاولة لاكتشاف سر الهرم".
حملة المأمون الاستكشافية عادت خالية الوفاض، لكن منذ ذلك الحين ظل المدخل الذي فتحه رجال المأمون في جسم الهرم هو المدخل الرئيسي المستخدم من قبل المستطرقين والزوار والسياح لدخول الهرم حتى يومنا هذا، وهو بالطبع ليس المدخل الأصلي الذي صممه مهندسو الهرم القدماء، لكنه يعترض المدخل الأصلي اتفاقا ويسير معه، وهو أسهل للوصول وأيسر للدخول والخروج. وقد ذكره الرحالة عبد اللطيف البغدادي في رحلته إلى مصر عام 595 هـ فقال : "وفي أحد هذين الهرمين مدخل يلجه الناس يفضي بهم إلى مسالك ضيقة وأسراب متنافذة وآبار ومهالك وغير ذلك مما يحكيه من يلجه ويتوغله ، فأن ناسا كثيرين لهم غرام به وتخيل فيه فيوغلون في أعماقه ولابد أن ينتهوا إلى ما يعجزون عن سلوكه ، وأما المسلوك فيه المطروق كثيرا فزلاقه تفضي إلى أعلاه فيوجد فيه بيت مربع فيه ناووس من حجر ، وهذا المدخل ليس هو المتخذ له في أصل البناء وإنما هو منقوب نقبا صودف اتفاقا ، وذكر أن المأمون هو الذي فتحه".
طيب قد تسأل عزيزي القارئ ما علاقة كل ما ذكرناه أعلاه بلعنة الفراعنة ؟.
والجواب يكمن في وفاة الخليفة المأمون، المكتشف الأول للهرم، وهو أمر أثار دهشتي وجلب انتباهي بالرغم من أني لم اسمع أحدا قد تطرق لهذا الموضوع سابقا عند حديثه عن لعنة الفراعنة، فالمأمون كان قد دخل الهرم مع رجاله عام 217 هـ ولم يعش بعد ذلك سوى لأقل من سنة، فقد مات عام 218 هـ بصورة لا تقل غرابة عن موت اللورد كارنافون.
يقول الطبري في وفاته :
"ذكر عن سعيد العلاف القارئ قال أرسل إلي المأمون وهو ببلاد الروم (تركيا) وكان دخلها من طرسوس يوم الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من جمادى الآخرة فحملت إليه وهو في البدندون (نهر) فكان يستقرئني فدعاني يوما فجئت فوجدته جالسا على شتاطئ البدندون وأبو إسحاق المعتصم جالس عن يمينه فأمرني فجلست نحوه منه فإذا هو وأبو إسحاق مدليان أرجلهما في ماء البدندون فقال يا سعيد دل رجليك في هذا الماء وذقه فهل رأيت ماء قط أشد بردا ولا أعذب ولا أصفى صفاء منه ففعلت وقلت يا أمير المؤمنين ما رأيت مثل هذا قط قال أي شيء يطيب أن يؤكل ويشرب هذا الماء عليه فقلت أمير المؤمنين أعلم فقال رطب الآزاذ فبينا هو يقول هذا إذا سمع وقع لجم البريد فالتفت فنظر فإذا بغال من بغال البريد على أعجازها حقائب فيه الألطاف فقال لخادم له اذهب فانظر هل في هذه الألطاف رطب فانظره فإذا كان آزاد فأت به فجاء يسعى بسلتين فيهما رطب آزاد كأنما جني من النخل تلك الساعة فأظهر شكرا لله تعالى وكثر تعجبنا منه فقال ادن فكل فأكل هو وأبو إسحاق وأكلت معهما وشربنا جميعا من ذلك الماء فما قام منا أحد إلا وهو محموم فكانت منية المأمون من تلك العلة ولم يزل المعتصم عليلا حتى دخل العراق ولم أزل عليلا حتى كان قريبا".
طبعا قد يقول قائل بأن اللعنة ترتبط بالمومياءات وليس بالقبور .. هذا صحيح .. لكن الفراعنة لم يعلقوا لعناتهم على صدور مومياءاتهم وإنما نقشوها على جدران المقابر التي ضمت أجساد تلك المومياءات، والهرم كما نعلم جميعا كان مقدرا له أن يكون قبرا للفرعون خوفو، بغض النظر عن حقيقة دفنه فيه من عدمها، وعليه فأن الكهنة القدماء لابد من أنهم بثوا لعناتهم وطلاسمهم في أرجاء الهرم لتصيب الأشخاص الذين ينتهكون حرمته. وهنا قد يحتج أحدهم قائلا بأن الهرم زاره ملايين الناس خلال القرون الخالية وحتى يومنا هذا فلماذا لم تصبهم اللعنة، والجواب ببساطة هو أن اللعنة غالبا ما تكون مصممة لتصيب أول شخص ينتهك حرمة القبر وليس جميع الناس، فعلى سبيل المثال، يقال بأن أحد المنقبين الألمان في مصر في أواخر القرن التاسع عشر عثر على قبر أحد الكهنة المصريين القدماء، كان القبر يحتوي في داخله على ناووس مفتوح وفي جوفه تقبع مومياء فرعونية، وبجانب الناووس على الأرض تمدد هيكل عظمي لإنسان كانت جمجمته مهشمة بالكامل والى جواره يقبع حجر كبير. المنقب الألماني شعر بالدهشة ولم يفهم سبب وجود هذا الهيكل العظمي إلى جوار ناووس المومياء، لكنه سرعان ما أكتشف حقيقة ما جرى، فعلى الناووس كانت هناك كتابة هيروغليفية تقول : "كل من ينتهك حرمة هذا الميت ستسحق رأسه" .. أنها لعنة .. لعنة فرعونية قديمة لم يستطع لص المقابر البسيط قراءتها حينما دخل القبر لأول مرة قبل قرون عديدة، وهو لم يكن مهتما أصلا بقراءتها، إذ جاء طامعا بالذهب والجواهر فقط، لهذا لم يتردد لحظة في تنحية غطاء الناووس عن المومياء ثم مد يده ليسرق حليها وزينتها الذهبية، لكن قبل أن تصل يده إلى غايتها .. سقط على رأسه حجر من سقف القبر فهشمه بالكامل ليسقط اللص صريعا في الحال إلى جوار المومياء التي جاء ليسرقها!.
فاللعنة هي شكل من أشكال النحس، فالملعون منحوس يستمر نحسه ما بقيت اللعنة تطارده.