الاحلام اما منعشة ومريحة واما كوبيس مخيفة وسرعان مانتوجه لتفسير الاحلام ونبحث في كل مكان عن معنى شيء معين في الحلم شاهدناه فمنهم من يهتم بالتفسير ومنهم من يوليها عظيم اهتمامه، فيجتهد في معرفة معانيها وفك رموزها وطلاسمها، ملتمسا فيها معاني ورسائل قد تؤثر في مصيره ومستقبله؛ وصدقا أقول ..
هناك من القصص والحكايات في هذا الشأن ما يضاهي الخيال غرابة، تطرقنا لبعضها سابقا و وعدناكم بالمزيد، وها نحن نوفي الوعد في هذا المقال راجين أن ينال إعجابكم وعنايتكم.
رؤية الميت في الحلم ؟
في صباح يوم ما من عام 1977 استيقظت الممرضة الأمريكية، ريمي جوا، من نومها وقد علت محياها مسحة واضحة من الكآبة والوجوم، وحين سألها زوجها عن سبب انزعاجها، أخبرته بأن صديقتها، تريزيتا باسا، قد زارتها في الحلم. وعبثا حاول زوجها التسلية عنها قائلا بأنها مجرد أضغاث أحلام، إلا أن ريمي لم تقتنع بهذا الكلام أبدا، آمنت بأن ما شاهدته في حلمها لم يكن مجرد صدفة أو كابوس عابر، وأيقنت بأن صديقتها وزميلتها الراحلة، التي عثرت الشرطة عليها مقتولة في شقتها قبل أسبوعين فقط، تحاول إيصال رسالة معينة إليها
في الليالي التالية تكررت مشاهدات ريمي لصديقتها في الحلم، وأخذت تلك الأحلام تصبح أكثر وضوحا وتفصيلا، بدت كأنها لقطات من شريط سينمائي تظهر فيه تريزيتا وهي تقف وسط شقتها عارية تماما تغطي جسدها بعض الحروق وسكين كبيرة مغروسة في صدرها، وكانت تتحدث إلى رجل ما يرتدي بزة عمل عرفت ريمي بأنه رجل أسود البشرة من لون يديه، لكنها لم تستطع رؤية وجهه لأنه كان يقف وقد أعطاها ظهره، ثم فجأة تتوقف تريزيتا عن الكلام مع الرجل وتضع يديها على كتفه ثم تديره على مهل ليواجه ريمي، وما أن يستدير الرجل حتى تتعرف عليه ريمي في الحال، انه عامل الصيانة في المستشفى الذي تعمل فيه ويدعى ألين شويري، وفي هذه اللحظة بالذات تنشب النار فجأة في أرجاء المكان ويعلو صراخ تريزيتا فتستيقظ ريمي من نومها فزعة وهي ترتجف خوفا، وفي اليوم التالي أخبرها زوجها بأنه سمعها تهذي وتتكلم خلال الليل قائلة : "أنا تريزيتا باس .. أريد منك أبلاغ الشرطة .. قاتلي يدعى ألين .. سرق مجوهراتي .. وقدم بعضا منها لصديقته".
صورة الممرضة تريزيتا وصورة قاتلها ألين ؟
أخيرا يقرر الزوجان اللجوء إلى الشرطة فتتصل ريمي بهم وتخبرهم بتفاصيل حلمها الغريب، بالطبع لم يأخذوا كلامها على محمل الجد في البداية، بيد أن وصفها الدقيق لما بدت عليه تريزيتا أثناء الحلم أسترعى انتباه بعض المحققين، إذ كان وصفها مطابقا تماما لما بدت عليه جثتها حينما عثرت عليها الشرطة في مسرح الجريمة، كانت عارية تماما تغطي جسدها بعض الحروق وقد غرست في صدرها سكين كبيرة. لذلك ومن باب الفضول قام أحد المحققين بزيارة ألين شويري في شقته لمجرد الاستفسار منه عن علاقته بتريزيتا؛ وقد بدا ألين مصدوما من هذه الزيارة المفاجئة، راح يتلعثم ويتلكأ في كلامه، وأعترف ضمنا بزيارته لتريزيتا في شقتها يوم مقتلها من أجل تصليح جهاز تلفازها، لكنه أنكر أية علاقة له بملابسات موتها.
ارتباك ألين واعترافه بزيارته لشقة القتيلة ليلة مقتلها، كل هذا جعل الشكوك تحوم حوله، فراح المخبرون يراقبونه على مدار الساعة، وقام المحققون بزيارة صديقته، لأن تريزيتا أخبرت ريمي في الحلم بأن ألين قدم بعضا من المجوهرات المسروقة كهدية لصديقته، وسرعان ما اعترفت تلك الصديقة بأن ألين أهداها بالفعل خاتما مرصعا بالجواهر قبل فترة قصيرة، وقد تبين بأن ذلك الخاتم كان من ضمن المجوهرات المسروقة من شقة تريزيتا.
وبمحاصرته بالأدلة الدامغة التي تدينه اعترف ألين أخيرا بارتكابه لجريمة القتل، وأخبر المحققين بأن تريزيتا باس – 49 عاما – استدعته إلى شقتها يوم وقوع الجريمة لتصليح تلفازها فهاجمها على حين غرة وقام باغتصابها أولا قبل أن يقتلها طعنا بالسكين، ثم أقدم على سرقة أموالها ومجوهراتها وأضرم النار في الشقة لأبعاد الشبهة الجنائية عن الحادث، لكن تشاء الأقدار أن تخمد النيران من تلقاء نفسها من دون ألحاق ضرر كبير بمسرح الجريمة.
في عام 1979 تمت محاكمة ألين شويري بتهمة قتل الممرضة تريزيتا باس، وقد أثارت قصة الحلم دهشة وذهول وحيرة جميع من كانوا في المحكمة، وأعتبره البعض دليلا على عدالة السماء، لكن عدالة الإنسان جاءت للأسف مخيبة لجميع الآمال، فألين شويري لم يحصل سوى على حكم إدانة مخفف بالسجن لأربعة عشر عاما فقط.
ظهرت في الحلم لترشدهم إلى جثتها !
عثروا على الجثة داخل خزان معالجة مياه الصرف الصحي ؟
لمدة ستة أشهر، لم يتوقف أطفال "نيمفا ديجايا" للحظة عن التفكير في أمهم المفقودة والسؤال عن مصيرها الغامض، لم يستطيعوا أبدا تصديق ما يقوله أبوهم "فيرمن" عن رحيلها وفرارها من المنزل .. مستحيل .. أمهم الحنون التي ضحت طوال حياتها بالغالي والنفيس من أجل أطفالها الثمانية، كيف يعقل أن تهجرهم .. محال أن تفعل ذلك .. لكن الأب فيرمن أصر على قصته، أخبر الجميع بأن زوجته هجرته ورحلت إلى المجهول، هكذا فجأة ومن دون أية مقدمات، وفي الواقع لم يكن الأمر مفاجئا أو مستبعدا بالنسبة لبعض الجيران والأقارب ممن يعرفون العائلة جيدا، فنيمفا عانت لسنوات طويلة من التصرفات الخرقاء لزوجها السكير الذي دأب على إيذاءها وضربها، وقد تأزمت الأمور بين الزوجين كثيرا في الآونة الأخيرة بعد أن اكتشفت نيمفا قيام زوجها باغتصاب شقيقتها الصغرى، فأصرت على مساندة شقيقتها في رفع دعوى قضائية ضده.
التساؤلات حول اختفاء نيمفا وعلامات الاستفهام الكثيرة حول مصيرها الغامض تزايدت باضطراد بعد موت أصغر أبناءها جراء تعرضه لحادث دهس بالسيارة، فكيف يعقل أن يموت أحد أبناءها ولا تعود إلى المنزل ؟ .. لابد أن عارضا أو مكروها ما قد أصابها فمنعها من الحضور، لكن ما طبيعة هذا العارض .. لا أحد يعلم ..
وفي تلك الفترة بالذات، راود احد الجيران، ويدعى الياندرو أموي، حلم في غاية الغرابة، رأى خلاله نيمفا وهي تقوده إلى خزان معالجة مياه الصرف الصحي القريب من منزله وتطلب منه فتحه بإصرار.
في البدء لم يعر الياندرو الحلم اهتماما كبيرا وسرعان ما نسيه، لكن بعد مرور أيام قليلة فقط اتصلت به ابنة نيمفا الكبرى وأخبرته بأنها شاهدت أمها في الحلم وهي تقودها إلى خزان الصرف الصحي القريب من منزله وتطلب منها فتحه!.
وقد أصيب الاثنان بالصدمة والذهول لتطابق حلميهما، فقرر الياندرو فتح الخزان وتفتيشه بمساعدة بعض جيران وأقارب نيمفا، وكم كانت دهشة الجميع كبيرة حين عثروا على جثة بشرية متحللة داخل الخزان، وفي الحال تعرف أحد أبناء نيمفا على الجثة، فالثوب الذي كانت تلبسه هو نفس الثوب الذي كانت أمه ترتديه ليلة اختفاءها .. أنها جثة نيمفا بالتأكيد، وطبعا توجهت جميع أصابع الاتهام في مقتلها إلى زوجها فيرمن الذي سرعان ما ألقت الشرطة القبض عليه وهو يقبع الآن في احد السجون الفلبينية بانتظار القصاص العادل.
الحلم قادهم الى الجثة الخطأ !
شيرل .. المرأة التي رأت الجثة في الحلم ؟
اختفاء كيشيا ابراهامز كان فعلا أمرا في غاية الغرابة، كانت الفتاة ذات الستة أعوام نائمة بهدوء في فراشها، بينما جلست أمها كريستي تشاهد التلفاز في الغرفة المجاورة مع زوجها، وفي ساعة متأخرة من تلك الليلة، دخلت الأم كعادتها إلى غرفة أبنتها للاطمئنان عليها، لكن كيشيا لم تكن في الفراش، كانت قد اختفت تماما، وباءت جميع محاولات العثور عليها بالفشل ..
بعد أسبوعين على اختفاء كيشيا اتصلت امرأة تدعى شيرل ليغرويز بالشرطة وأخبرتهم بأنها تعرف مكان الطفلة المفقودة، وبالفعل قادتهم إلى متنزه كبير في ضواحي مدينة سيدني الأسترالية، وهناك وسط الأحراش الكثيفة عثرت الشرطة على بقايا جثة بشرية ملفوفة في بطانية، وعلى الرغم من كون الجثة مشوهة تماما ومن دون رأس وأطراف، إلا انه بدا واضحا بأنها لم تكن جثة طفلة صغيرة، كانت في الحقيقة جثة امرأة بالغة، اشتبهت الشرطة في كونها جثة كريستي مكدوغال، وهي أم في الواحدة والثلاثين من عمرها كانت مفقودة منذ عدة أشهر.
شيرل .. المرأة التي قادت المحققين إلى الجثة، أخبرت الصحفيين لاحقا بأنها شاهدت في الحلم طفلة مقتولة في هذه البقعة من المنتزه، وقد ظنت في البداية بأنها كيشيا أبراهامز، لكن تبين أنها على خطأ. أما الشرطة فقد اعترفت للصحافة حلم السيدة شيرل هو الذي قادهم الى الجثة. ولاحقا تأكدت الشرطة من أن الجثة تعود فعلا إلى كريستي مكدوغال وذلك عن طريق مقارنة حمضها النووي، وقاد ذلك كله إلى إلقاء القبض على قاتلها وهو بائع مخدرات.
لكن هل انتهت القصة هنا ؟ ..
الطفلة الجميلة كيشيا .. والى اليسار امها وزوج امها المتهمان بقتلها ؟
كلا عزيزي القارئ .. فلابد أنك تتساءل عن مصير الطفلة البريئة كيشيا ابراهامز وما حل بها .. واليك الحقيقة ..
في عام 2011 .. بعد قرابة السنة على اختفاء الطفلة، تمكنت الشرطة من العثور على جثتها وإلقاء القبض على قاتليها .. وقد شكلت ملابسات القضية صدمة كبيرة للرأي العام في استراليا، فكيشيا ابراهامز لم تختف من سريرها كما زعمت أمها، لكنها في الحقيقة قتلت في منزلها، أما القتلة فهم أمها نفسها، كريستي ابراهامز، وزوج الأم روبرت سمث، وقد دفنا جثتها داخل حفرة صغيرة بين الأحراش في منتزه نائي في ضواحي سدني ثم زعما بأن الطفلة اختفت من سريرها ليضللا الشرطة، وهما الآن في السجن بانتظار محاكمتهما.
هل يمكن للإنسان أن يحلم بدنو أجله وموته ؟!
العديد من الأشخاص حول العالم يزعمون بأنهم حلموا بأمور تحققت لاحقا، أنا شخصيا – وربما أنت أيضا عزيزي القارئ – كثيرا ما مررت بأحداث في حياتي كنت أشعر للحظات بأني شاهدتها في أحد أحلامي، وقد يكون هذا الشعور مجرد وهم، لكن هناك بالفعل أناس يؤمنون بإمكانية رؤية الأحداث المستقبلية في الحلم، وبعض هؤلاء لا يتوانون عن تدوين أحلامهم وكوابيسهم بالتفصيل ليتذكروها لاحقا ويقارنوها بوقائع الحياة.
لا بل أن التاريخ يحدثنا عن علماء وفنانين نسبوا الفضل في اختراعاتهم وإبداعاتهم إلى الأحلام، منهم من سمع لحنا موسيقيا في الحلم فحوله لاحقا إلى مقطوعة أو أغنية رائع الجمال، ومنهم من شاهد معادلة رياضية في منامه قادته لاحقا إلى اختراع كبير .. الخ .. وقد نعود لهذه القصص الغريبة في مقال لاحق. لكننا الآن وفي خضم حديثنا عن علاقة الأحلام بالمستقبل، قد يتبادر إلى ذهننا سؤال حول أمكانية تنبأ الإنسان بدنو أجله عن طريق الأحلام .. هل هذا ممكن ؟.
الجواب هو نعم ..
فمفسري ومؤولي الأحلام لهم مصنفات كثيرة في هذا الشأن، وبزعم هؤلاء فأن هنالك علامات ذكروها بالتفصيل في كتبهم .. تكون رؤيتها دلالة على قرب النهاية وأزوف الرحيل عن هذا العالم، كرؤية الأقارب الموتى أو رؤية المقابر .. الخ .. والقصص والحكايات التي يتناقلها الناس منذ القدم في هذا الشأن لا تعد ولا تحصى .. فكم من جنازة وجنازة .. حضرناها وسمعنا بأن صاحبها قد تنبأ بموته قبل أن توافيه المنية بأيام أو أسابيع أو شهور.
لوحة تصور عملية أغتيال الرئيس الامريكي ابراهام لنكولن ؟
وكعينة على هذا النوع من القصص، اخترنا لكم قصتين لرجلين طبقت شهرتهما الآفاق، الأول هو الرئيس الأمريكي الأسبق أبراهام لنكولن، الذي راوده كابوس في غاية الغرابة قبل أيام قليلة من حادثة اغتياله الشهيرة، ولندع الرئيس لنكولن يحدثنا بنفسه عن ذلك الحلم، يقول :
"قبل حوالي العشرة أيام، أويت إلى الفراش في ساعة متأخرة لأني كنت بانتظار وصول بعض البرقيات من الجبهة. لم أتمدد في الفراش طويلا حتى غططت في النوم لأني كنت أشعر بالضجر، وسرعان ما بدأت أحلم، كان هناك صمت مطبق أشبه بسكون الموت حولي، ثم بدأت أسمع تنهيدات وآهات حزينة، كما لو أن عددا من الأشخاص كانوا يبكون، وخيل لي بأني غادرت سريري ونزلت إلى الطابق السفلي. هناك سمعت نفس التنهيدات والنشيج مجددا، لكني لم أشاهد أي شخص من النائحين، فرحت أتجول من غرفة إلى غرفة، ولم أعثر على أي شخص، لكن الأصوات الباكية الحزينة استمرت تتردد في أرجاء المكان خلال تجوالي. وكانت جميع الغرف مضاءة بالأنوار، بدا كل شيء مألوفا بالنسبة لي، لكن أين هم الناس الذين كانوا يبكون بهذا الشكل الحزين كأن قلوبهم تتكسر؟ كنت متحيرا وشعرت بانزعاج شديد، ماذا يمكن أن يعنى كل هذا؟ .. وعقدت العزم على البحث عن حقيقة هذا الوضع الشديد الغموض والصادم جدا، فظللت أمشي حتى وصلت إلى القاعة الشرقية ودخلتها. هناك كانت تنتظرني مفاجأة مروعة، فأمامي كان هناك تابوت، وفي داخله قبعت جثة ملفوفة في أثواب جنائزية، وحول التابوت تمركز عدد من الجنود كالحراس وكان هناك حشد من الناس يحدقون إلى الجثة التي كان وجهها مغطى وبعضهم كانوا يبكون بحزن. فسألت أحد الجنود قائلا : من هو الميت في البيت الأبيض ؟. فأجابني قائلا : أنه الرئيس .. ثم أردف قائلا : لقد تعرض للاغتيال. وهنا أنفجر الحشد بالبكاء والنحيب بصوت مرتفع مما جعلني أستيقظ من نومي، ولم أستطع النوم مجددا تلك الليلة، وعلى الرغم من كونه مجرد حلم، لكني كنت في غاية الانزعاج من ذلك الحين".
هذا الحلم رواه الرئيس لنكولن لزوجته وعدد من أصدقاءه قبل ثلاثة أيام فقط من أغتياله على يد جون ويلكس بوث في 14 نيسان / ابريل عام 1865 وذلك أثناء حضوره أحد العروض المسرحية برفقة زوجته.
هارون الرشيد والتربة الحمراء ؟
قصتنا الثانية عن شخصية طبقت شهرتها الآفاق، عن الخليفة هارون الرشيد، أشهر الخلفاء العباسيين، وقد اخترنا أن نروي قصته – بتصرف - على لسان المؤرخ الطبري كما أوردها في كتابه الموسوم بـ "تاريخ الأمم والملوك"، حيث ذكر ضمن كلامه عن أحداث سنة ثلاثة وتسعين ومائة للهجرة، قصة الحلم الغريب الذي راود الرشيد في مدينة الرقة بالشام، وذلك بالأستناد الى رواية طبيب الرشيد، جبريل بن بختيشوع.
يقول .. دخلت يوما على الخليفة فوجدته عابسا مفكرا مهموما، فحاولت التسلية والترويح عنه واستفسرت عن سبب غمه وكربه، فقال الرشيد بأنه رأى رؤيا في منامه أفزعته واقرحت قلبه ..
يقول جبريل : قلت فرجت عني يا أمير المؤمنين .. أهذا الغم كله لرؤيا ؟! .. إنما تكون من بخارات رديئة أو من تهاويل السوداء .. وإنما هي أضغاث أحلام ..
قال الرشيد : فأقصها عليك .. رأيت كأني جالس على سريري هذا إذ بدت من تحتي ذراع أعرفها وكف أعرفها .. وفي الكف تربة حمراء .. فقال لي قائل أسمعه ولا أرى شخصه : هذه التربة التي تدفن فيها .. فقلت : وأين هذه التربة ؟ .. قال : بطوس .. ثم غابت اليد وانقطع الكلام وانتبهت من منامي ..
يقول جبريل : فقلت يا سيدي هذه والله رؤيا بعيدة ملتبسة .. أحسبك أخذت مضجعك ففكرت في خراسان وحروبها وما قد ورد عليك من انتقاض بعضها ..
فقال الرشيد : قد كان ذاك ..
يقول جبريل : قلت لذلك الفكر خالطك في منامك ما خالطك فولد هذه الرؤيا فلا تحفل بها جعلني الله فداك .. وما برحت أطيب نفسه بضروب من الحيل حتى سلا وانبسط .. ومرت الأيام فنسي ونسينا تلك الرؤيا فما خطرت لأحد منا ببال ..
ثم قدر مسيره إلى خراسان .. فلما صار في بعض الطريق ابتدأت به العلة فلم تزل تتزايد حتى دخلنا طوس فنزلنا في منزل الجنيد بن عبد الرحمن في ضيعة له تعرف بسناباذ .. فبينما الرشيد يمرض في بستان في ذلك القصر إذ تذكر تلك الرؤيا .. فوثب متحاملا يقوم ويسقط .. فاجتمعنا إليه كل يقول يا سيدي ما حالك وما دهاك ؟ .. فقال يا جبريل لقد تذكرت رؤياي بالرقة .. ثم رفع رأسه إلى مسرور وقال جئني بالقليل من تربة هذا البستان .. فمضى مسرور وأتى بالتربة في كفه حاسرا عن ذراعه .. فلما نظر إليه الرشيد قال هذه والله الذراع التي رأيتها في منامي .. وهذه والله الكف بعينها .. وهذه والله التربة الحمراء ما خرمت شيئا .. ثم أقبل على البكاء والنحيب حتى مات بها بعد ثلاثة ودفن في ذلك البستان".
بقلم : اياد العطار
ك ا ب و س
هناك من القصص والحكايات في هذا الشأن ما يضاهي الخيال غرابة، تطرقنا لبعضها سابقا و وعدناكم بالمزيد، وها نحن نوفي الوعد في هذا المقال راجين أن ينال إعجابكم وعنايتكم.
رؤية الميت في الحلم ؟
في صباح يوم ما من عام 1977 استيقظت الممرضة الأمريكية، ريمي جوا، من نومها وقد علت محياها مسحة واضحة من الكآبة والوجوم، وحين سألها زوجها عن سبب انزعاجها، أخبرته بأن صديقتها، تريزيتا باسا، قد زارتها في الحلم. وعبثا حاول زوجها التسلية عنها قائلا بأنها مجرد أضغاث أحلام، إلا أن ريمي لم تقتنع بهذا الكلام أبدا، آمنت بأن ما شاهدته في حلمها لم يكن مجرد صدفة أو كابوس عابر، وأيقنت بأن صديقتها وزميلتها الراحلة، التي عثرت الشرطة عليها مقتولة في شقتها قبل أسبوعين فقط، تحاول إيصال رسالة معينة إليها
في الليالي التالية تكررت مشاهدات ريمي لصديقتها في الحلم، وأخذت تلك الأحلام تصبح أكثر وضوحا وتفصيلا، بدت كأنها لقطات من شريط سينمائي تظهر فيه تريزيتا وهي تقف وسط شقتها عارية تماما تغطي جسدها بعض الحروق وسكين كبيرة مغروسة في صدرها، وكانت تتحدث إلى رجل ما يرتدي بزة عمل عرفت ريمي بأنه رجل أسود البشرة من لون يديه، لكنها لم تستطع رؤية وجهه لأنه كان يقف وقد أعطاها ظهره، ثم فجأة تتوقف تريزيتا عن الكلام مع الرجل وتضع يديها على كتفه ثم تديره على مهل ليواجه ريمي، وما أن يستدير الرجل حتى تتعرف عليه ريمي في الحال، انه عامل الصيانة في المستشفى الذي تعمل فيه ويدعى ألين شويري، وفي هذه اللحظة بالذات تنشب النار فجأة في أرجاء المكان ويعلو صراخ تريزيتا فتستيقظ ريمي من نومها فزعة وهي ترتجف خوفا، وفي اليوم التالي أخبرها زوجها بأنه سمعها تهذي وتتكلم خلال الليل قائلة : "أنا تريزيتا باس .. أريد منك أبلاغ الشرطة .. قاتلي يدعى ألين .. سرق مجوهراتي .. وقدم بعضا منها لصديقته".
صورة الممرضة تريزيتا وصورة قاتلها ألين ؟
أخيرا يقرر الزوجان اللجوء إلى الشرطة فتتصل ريمي بهم وتخبرهم بتفاصيل حلمها الغريب، بالطبع لم يأخذوا كلامها على محمل الجد في البداية، بيد أن وصفها الدقيق لما بدت عليه تريزيتا أثناء الحلم أسترعى انتباه بعض المحققين، إذ كان وصفها مطابقا تماما لما بدت عليه جثتها حينما عثرت عليها الشرطة في مسرح الجريمة، كانت عارية تماما تغطي جسدها بعض الحروق وقد غرست في صدرها سكين كبيرة. لذلك ومن باب الفضول قام أحد المحققين بزيارة ألين شويري في شقته لمجرد الاستفسار منه عن علاقته بتريزيتا؛ وقد بدا ألين مصدوما من هذه الزيارة المفاجئة، راح يتلعثم ويتلكأ في كلامه، وأعترف ضمنا بزيارته لتريزيتا في شقتها يوم مقتلها من أجل تصليح جهاز تلفازها، لكنه أنكر أية علاقة له بملابسات موتها.
ارتباك ألين واعترافه بزيارته لشقة القتيلة ليلة مقتلها، كل هذا جعل الشكوك تحوم حوله، فراح المخبرون يراقبونه على مدار الساعة، وقام المحققون بزيارة صديقته، لأن تريزيتا أخبرت ريمي في الحلم بأن ألين قدم بعضا من المجوهرات المسروقة كهدية لصديقته، وسرعان ما اعترفت تلك الصديقة بأن ألين أهداها بالفعل خاتما مرصعا بالجواهر قبل فترة قصيرة، وقد تبين بأن ذلك الخاتم كان من ضمن المجوهرات المسروقة من شقة تريزيتا.
وبمحاصرته بالأدلة الدامغة التي تدينه اعترف ألين أخيرا بارتكابه لجريمة القتل، وأخبر المحققين بأن تريزيتا باس – 49 عاما – استدعته إلى شقتها يوم وقوع الجريمة لتصليح تلفازها فهاجمها على حين غرة وقام باغتصابها أولا قبل أن يقتلها طعنا بالسكين، ثم أقدم على سرقة أموالها ومجوهراتها وأضرم النار في الشقة لأبعاد الشبهة الجنائية عن الحادث، لكن تشاء الأقدار أن تخمد النيران من تلقاء نفسها من دون ألحاق ضرر كبير بمسرح الجريمة.
في عام 1979 تمت محاكمة ألين شويري بتهمة قتل الممرضة تريزيتا باس، وقد أثارت قصة الحلم دهشة وذهول وحيرة جميع من كانوا في المحكمة، وأعتبره البعض دليلا على عدالة السماء، لكن عدالة الإنسان جاءت للأسف مخيبة لجميع الآمال، فألين شويري لم يحصل سوى على حكم إدانة مخفف بالسجن لأربعة عشر عاما فقط.
ظهرت في الحلم لترشدهم إلى جثتها !
عثروا على الجثة داخل خزان معالجة مياه الصرف الصحي ؟
لمدة ستة أشهر، لم يتوقف أطفال "نيمفا ديجايا" للحظة عن التفكير في أمهم المفقودة والسؤال عن مصيرها الغامض، لم يستطيعوا أبدا تصديق ما يقوله أبوهم "فيرمن" عن رحيلها وفرارها من المنزل .. مستحيل .. أمهم الحنون التي ضحت طوال حياتها بالغالي والنفيس من أجل أطفالها الثمانية، كيف يعقل أن تهجرهم .. محال أن تفعل ذلك .. لكن الأب فيرمن أصر على قصته، أخبر الجميع بأن زوجته هجرته ورحلت إلى المجهول، هكذا فجأة ومن دون أية مقدمات، وفي الواقع لم يكن الأمر مفاجئا أو مستبعدا بالنسبة لبعض الجيران والأقارب ممن يعرفون العائلة جيدا، فنيمفا عانت لسنوات طويلة من التصرفات الخرقاء لزوجها السكير الذي دأب على إيذاءها وضربها، وقد تأزمت الأمور بين الزوجين كثيرا في الآونة الأخيرة بعد أن اكتشفت نيمفا قيام زوجها باغتصاب شقيقتها الصغرى، فأصرت على مساندة شقيقتها في رفع دعوى قضائية ضده.
التساؤلات حول اختفاء نيمفا وعلامات الاستفهام الكثيرة حول مصيرها الغامض تزايدت باضطراد بعد موت أصغر أبناءها جراء تعرضه لحادث دهس بالسيارة، فكيف يعقل أن يموت أحد أبناءها ولا تعود إلى المنزل ؟ .. لابد أن عارضا أو مكروها ما قد أصابها فمنعها من الحضور، لكن ما طبيعة هذا العارض .. لا أحد يعلم ..
وفي تلك الفترة بالذات، راود احد الجيران، ويدعى الياندرو أموي، حلم في غاية الغرابة، رأى خلاله نيمفا وهي تقوده إلى خزان معالجة مياه الصرف الصحي القريب من منزله وتطلب منه فتحه بإصرار.
في البدء لم يعر الياندرو الحلم اهتماما كبيرا وسرعان ما نسيه، لكن بعد مرور أيام قليلة فقط اتصلت به ابنة نيمفا الكبرى وأخبرته بأنها شاهدت أمها في الحلم وهي تقودها إلى خزان الصرف الصحي القريب من منزله وتطلب منها فتحه!.
وقد أصيب الاثنان بالصدمة والذهول لتطابق حلميهما، فقرر الياندرو فتح الخزان وتفتيشه بمساعدة بعض جيران وأقارب نيمفا، وكم كانت دهشة الجميع كبيرة حين عثروا على جثة بشرية متحللة داخل الخزان، وفي الحال تعرف أحد أبناء نيمفا على الجثة، فالثوب الذي كانت تلبسه هو نفس الثوب الذي كانت أمه ترتديه ليلة اختفاءها .. أنها جثة نيمفا بالتأكيد، وطبعا توجهت جميع أصابع الاتهام في مقتلها إلى زوجها فيرمن الذي سرعان ما ألقت الشرطة القبض عليه وهو يقبع الآن في احد السجون الفلبينية بانتظار القصاص العادل.
الحلم قادهم الى الجثة الخطأ !
شيرل .. المرأة التي رأت الجثة في الحلم ؟
اختفاء كيشيا ابراهامز كان فعلا أمرا في غاية الغرابة، كانت الفتاة ذات الستة أعوام نائمة بهدوء في فراشها، بينما جلست أمها كريستي تشاهد التلفاز في الغرفة المجاورة مع زوجها، وفي ساعة متأخرة من تلك الليلة، دخلت الأم كعادتها إلى غرفة أبنتها للاطمئنان عليها، لكن كيشيا لم تكن في الفراش، كانت قد اختفت تماما، وباءت جميع محاولات العثور عليها بالفشل ..
بعد أسبوعين على اختفاء كيشيا اتصلت امرأة تدعى شيرل ليغرويز بالشرطة وأخبرتهم بأنها تعرف مكان الطفلة المفقودة، وبالفعل قادتهم إلى متنزه كبير في ضواحي مدينة سيدني الأسترالية، وهناك وسط الأحراش الكثيفة عثرت الشرطة على بقايا جثة بشرية ملفوفة في بطانية، وعلى الرغم من كون الجثة مشوهة تماما ومن دون رأس وأطراف، إلا انه بدا واضحا بأنها لم تكن جثة طفلة صغيرة، كانت في الحقيقة جثة امرأة بالغة، اشتبهت الشرطة في كونها جثة كريستي مكدوغال، وهي أم في الواحدة والثلاثين من عمرها كانت مفقودة منذ عدة أشهر.
شيرل .. المرأة التي قادت المحققين إلى الجثة، أخبرت الصحفيين لاحقا بأنها شاهدت في الحلم طفلة مقتولة في هذه البقعة من المنتزه، وقد ظنت في البداية بأنها كيشيا أبراهامز، لكن تبين أنها على خطأ. أما الشرطة فقد اعترفت للصحافة حلم السيدة شيرل هو الذي قادهم الى الجثة. ولاحقا تأكدت الشرطة من أن الجثة تعود فعلا إلى كريستي مكدوغال وذلك عن طريق مقارنة حمضها النووي، وقاد ذلك كله إلى إلقاء القبض على قاتلها وهو بائع مخدرات.
لكن هل انتهت القصة هنا ؟ ..
الطفلة الجميلة كيشيا .. والى اليسار امها وزوج امها المتهمان بقتلها ؟
كلا عزيزي القارئ .. فلابد أنك تتساءل عن مصير الطفلة البريئة كيشيا ابراهامز وما حل بها .. واليك الحقيقة ..
في عام 2011 .. بعد قرابة السنة على اختفاء الطفلة، تمكنت الشرطة من العثور على جثتها وإلقاء القبض على قاتليها .. وقد شكلت ملابسات القضية صدمة كبيرة للرأي العام في استراليا، فكيشيا ابراهامز لم تختف من سريرها كما زعمت أمها، لكنها في الحقيقة قتلت في منزلها، أما القتلة فهم أمها نفسها، كريستي ابراهامز، وزوج الأم روبرت سمث، وقد دفنا جثتها داخل حفرة صغيرة بين الأحراش في منتزه نائي في ضواحي سدني ثم زعما بأن الطفلة اختفت من سريرها ليضللا الشرطة، وهما الآن في السجن بانتظار محاكمتهما.
هل يمكن للإنسان أن يحلم بدنو أجله وموته ؟!
العديد من الأشخاص حول العالم يزعمون بأنهم حلموا بأمور تحققت لاحقا، أنا شخصيا – وربما أنت أيضا عزيزي القارئ – كثيرا ما مررت بأحداث في حياتي كنت أشعر للحظات بأني شاهدتها في أحد أحلامي، وقد يكون هذا الشعور مجرد وهم، لكن هناك بالفعل أناس يؤمنون بإمكانية رؤية الأحداث المستقبلية في الحلم، وبعض هؤلاء لا يتوانون عن تدوين أحلامهم وكوابيسهم بالتفصيل ليتذكروها لاحقا ويقارنوها بوقائع الحياة.
لا بل أن التاريخ يحدثنا عن علماء وفنانين نسبوا الفضل في اختراعاتهم وإبداعاتهم إلى الأحلام، منهم من سمع لحنا موسيقيا في الحلم فحوله لاحقا إلى مقطوعة أو أغنية رائع الجمال، ومنهم من شاهد معادلة رياضية في منامه قادته لاحقا إلى اختراع كبير .. الخ .. وقد نعود لهذه القصص الغريبة في مقال لاحق. لكننا الآن وفي خضم حديثنا عن علاقة الأحلام بالمستقبل، قد يتبادر إلى ذهننا سؤال حول أمكانية تنبأ الإنسان بدنو أجله عن طريق الأحلام .. هل هذا ممكن ؟.
الجواب هو نعم ..
فمفسري ومؤولي الأحلام لهم مصنفات كثيرة في هذا الشأن، وبزعم هؤلاء فأن هنالك علامات ذكروها بالتفصيل في كتبهم .. تكون رؤيتها دلالة على قرب النهاية وأزوف الرحيل عن هذا العالم، كرؤية الأقارب الموتى أو رؤية المقابر .. الخ .. والقصص والحكايات التي يتناقلها الناس منذ القدم في هذا الشأن لا تعد ولا تحصى .. فكم من جنازة وجنازة .. حضرناها وسمعنا بأن صاحبها قد تنبأ بموته قبل أن توافيه المنية بأيام أو أسابيع أو شهور.
لوحة تصور عملية أغتيال الرئيس الامريكي ابراهام لنكولن ؟
وكعينة على هذا النوع من القصص، اخترنا لكم قصتين لرجلين طبقت شهرتهما الآفاق، الأول هو الرئيس الأمريكي الأسبق أبراهام لنكولن، الذي راوده كابوس في غاية الغرابة قبل أيام قليلة من حادثة اغتياله الشهيرة، ولندع الرئيس لنكولن يحدثنا بنفسه عن ذلك الحلم، يقول :
"قبل حوالي العشرة أيام، أويت إلى الفراش في ساعة متأخرة لأني كنت بانتظار وصول بعض البرقيات من الجبهة. لم أتمدد في الفراش طويلا حتى غططت في النوم لأني كنت أشعر بالضجر، وسرعان ما بدأت أحلم، كان هناك صمت مطبق أشبه بسكون الموت حولي، ثم بدأت أسمع تنهيدات وآهات حزينة، كما لو أن عددا من الأشخاص كانوا يبكون، وخيل لي بأني غادرت سريري ونزلت إلى الطابق السفلي. هناك سمعت نفس التنهيدات والنشيج مجددا، لكني لم أشاهد أي شخص من النائحين، فرحت أتجول من غرفة إلى غرفة، ولم أعثر على أي شخص، لكن الأصوات الباكية الحزينة استمرت تتردد في أرجاء المكان خلال تجوالي. وكانت جميع الغرف مضاءة بالأنوار، بدا كل شيء مألوفا بالنسبة لي، لكن أين هم الناس الذين كانوا يبكون بهذا الشكل الحزين كأن قلوبهم تتكسر؟ كنت متحيرا وشعرت بانزعاج شديد، ماذا يمكن أن يعنى كل هذا؟ .. وعقدت العزم على البحث عن حقيقة هذا الوضع الشديد الغموض والصادم جدا، فظللت أمشي حتى وصلت إلى القاعة الشرقية ودخلتها. هناك كانت تنتظرني مفاجأة مروعة، فأمامي كان هناك تابوت، وفي داخله قبعت جثة ملفوفة في أثواب جنائزية، وحول التابوت تمركز عدد من الجنود كالحراس وكان هناك حشد من الناس يحدقون إلى الجثة التي كان وجهها مغطى وبعضهم كانوا يبكون بحزن. فسألت أحد الجنود قائلا : من هو الميت في البيت الأبيض ؟. فأجابني قائلا : أنه الرئيس .. ثم أردف قائلا : لقد تعرض للاغتيال. وهنا أنفجر الحشد بالبكاء والنحيب بصوت مرتفع مما جعلني أستيقظ من نومي، ولم أستطع النوم مجددا تلك الليلة، وعلى الرغم من كونه مجرد حلم، لكني كنت في غاية الانزعاج من ذلك الحين".
هذا الحلم رواه الرئيس لنكولن لزوجته وعدد من أصدقاءه قبل ثلاثة أيام فقط من أغتياله على يد جون ويلكس بوث في 14 نيسان / ابريل عام 1865 وذلك أثناء حضوره أحد العروض المسرحية برفقة زوجته.
هارون الرشيد والتربة الحمراء ؟
قصتنا الثانية عن شخصية طبقت شهرتها الآفاق، عن الخليفة هارون الرشيد، أشهر الخلفاء العباسيين، وقد اخترنا أن نروي قصته – بتصرف - على لسان المؤرخ الطبري كما أوردها في كتابه الموسوم بـ "تاريخ الأمم والملوك"، حيث ذكر ضمن كلامه عن أحداث سنة ثلاثة وتسعين ومائة للهجرة، قصة الحلم الغريب الذي راود الرشيد في مدينة الرقة بالشام، وذلك بالأستناد الى رواية طبيب الرشيد، جبريل بن بختيشوع.
يقول .. دخلت يوما على الخليفة فوجدته عابسا مفكرا مهموما، فحاولت التسلية والترويح عنه واستفسرت عن سبب غمه وكربه، فقال الرشيد بأنه رأى رؤيا في منامه أفزعته واقرحت قلبه ..
يقول جبريل : قلت فرجت عني يا أمير المؤمنين .. أهذا الغم كله لرؤيا ؟! .. إنما تكون من بخارات رديئة أو من تهاويل السوداء .. وإنما هي أضغاث أحلام ..
قال الرشيد : فأقصها عليك .. رأيت كأني جالس على سريري هذا إذ بدت من تحتي ذراع أعرفها وكف أعرفها .. وفي الكف تربة حمراء .. فقال لي قائل أسمعه ولا أرى شخصه : هذه التربة التي تدفن فيها .. فقلت : وأين هذه التربة ؟ .. قال : بطوس .. ثم غابت اليد وانقطع الكلام وانتبهت من منامي ..
يقول جبريل : فقلت يا سيدي هذه والله رؤيا بعيدة ملتبسة .. أحسبك أخذت مضجعك ففكرت في خراسان وحروبها وما قد ورد عليك من انتقاض بعضها ..
فقال الرشيد : قد كان ذاك ..
يقول جبريل : قلت لذلك الفكر خالطك في منامك ما خالطك فولد هذه الرؤيا فلا تحفل بها جعلني الله فداك .. وما برحت أطيب نفسه بضروب من الحيل حتى سلا وانبسط .. ومرت الأيام فنسي ونسينا تلك الرؤيا فما خطرت لأحد منا ببال ..
ثم قدر مسيره إلى خراسان .. فلما صار في بعض الطريق ابتدأت به العلة فلم تزل تتزايد حتى دخلنا طوس فنزلنا في منزل الجنيد بن عبد الرحمن في ضيعة له تعرف بسناباذ .. فبينما الرشيد يمرض في بستان في ذلك القصر إذ تذكر تلك الرؤيا .. فوثب متحاملا يقوم ويسقط .. فاجتمعنا إليه كل يقول يا سيدي ما حالك وما دهاك ؟ .. فقال يا جبريل لقد تذكرت رؤياي بالرقة .. ثم رفع رأسه إلى مسرور وقال جئني بالقليل من تربة هذا البستان .. فمضى مسرور وأتى بالتربة في كفه حاسرا عن ذراعه .. فلما نظر إليه الرشيد قال هذه والله الذراع التي رأيتها في منامي .. وهذه والله الكف بعينها .. وهذه والله التربة الحمراء ما خرمت شيئا .. ثم أقبل على البكاء والنحيب حتى مات بها بعد ثلاثة ودفن في ذلك البستان".
بقلم : اياد العطار
ك ا ب و س