يوجد أشباح ظلمت كما يوجد بشر مظلومين اليوم نناقش قضية مرعبة بحق..
هل ظلمت بالتأكيد هو امر بشع..أليس كذلك؟؟..
هناك مثل مصري يقول (ياما في الحبس مظاليم)..وهو مثل رائع فعلا..
فكم من شخص عوقب على جريمة لم يرتكبها..
إن مما يخفف من وطأة الظلم أن تظهر براءة البريء..
فهذا كفيل بعض الشيء برد كرامته المهدرة..
ولكن..
ماذا لو أعدم البريء؟؟
إن هذا لعمري أقسى أنواع الظلم طرا..
يتساوى ذلك مع من قتل غدرا دونما جريرة..
ويبقى السؤال: ماذا يحدث بعد ذلك؟؟
هل تهدأ روح البريء وترتضي الذهاب في سلام إلى العالم الآخر؟؟
أم تعود إلى الدنيا لتسعى لإثبات براءتها؟؟
أم تقتص من قاتلها..ثم تنفرد به في العالم الآخر؟؟
هذا ما سنعرفه الآن..فهيا بنا...
- شكرا أيها الملك
ملك انجلترا جورج الثاني ؟
السيد (ألان هاريس) أحد رجال حاشية الملك (جورج الثاني) ملك (إنجلترا) (1683-1760) كان كعادة النبلاء في ذلك الزمان يمتلك قصرا ريفيا محاطا بمزرعة مترامية الأطراف..فضلا عن قصره في (لندن) بجوار الملك..
وأثناء اجتماع الملك مع حاشيته صبيحة أحد أيام عام 1729دخل كبير الياوران وسلم السيد (هاريس) رسالة عاجلة من المشرف على منزله الريفي..
كانت الرسالة تقول:
(احضر بسرعة يا سيدي التحف الذهبية التي تركها الغالي العزيز والدكم قد سرقت والتحف الفضية التي تركها الغالي العزيز علينا جميعا جدكم الكبير قد سرقت أيضا.. ونحن نأسف لما حدث.. ولكن حضوركم سوف يكون شمسا تشرق على الحقيقة لنعرف الجاني الأثيم)
وأسقط في يد السيد (هاريس)..ولم يكن هناك بد من استئذان الملك في الذهاب إلى الضيعة..وأذن له الملك..
فذهب من فوره مصطحبا زوجته..وهناك استقبله المشرف على ضيعته..وكان في حالة يرثى لها..
وابتدره المشرف قائلا:
إن هذا عار قد لحقني بصفة شخصية.. لأنني أغلق الأبواب والنوافذ كل ليلة وبإحكام شديد.. ولا أدري كيف حدث كل ذلك..
كان في القصر الريفي طاه وثلاثة من الخدم وخادمتان..
وسأله السيد (هاريس):
كيف حدث ذلك؟
قال المشرف:
في إحدى الليالي وبعد أن أويت إلى فراشي..
انتبهت إلى أصوات خافتة وجلبة مكتومة في غرفة التحف التي تقع تحت غرفتي مباشرة..
واندهشت..وتساءلت في نفسي عن مصدر هذه الأصوات..
وتوجست خيفة لأنه لا أحد من الخدم قد يكون السبب في تلك الجلبة لأني كنت على يقين من نوم الجميع..
فأنا آخر من ينام في القصر بعد الاطمئنان إلى نوم الجميع وإغلاق كل الأبواب والنوافذ بإحكام وبنفسي..
فارتديت ملابسي وامتشقت سيفي وهبطت الدرج بحذر واقتربت من الغرفة..
وضعت أذني على الباب لعلي أستمع إلى شيء ما..
كان الصوت الآن واضح تماما..إنه صوت الآنية الفضية وهي تعبأ في صناديق..
وحاولت أن أقترب من الباب أكثر لعلي أسمع صوت الخدم الذين أفلحوا في التسلل في الليل إلى هذه الغرفة.. قال له السيد: لماذا لم توقظ الخادمتين، وتذهب أنت إلى رجال الشرطة؟
قال المشرف: خطرت لي هذه الفكرة لولا أنني خشيت أن يخرج اللصوص ويعتدوا على الفتاتين ويهربوا.
قال السيد: إذن لماذا لم توقظ الخادم والطاهي ليعاونوك في القبض على اللصوص؟
قال المشرف: بل كنت أظن أن الخادم والطاهي هما اللذان تسللا إلى الغرفة..
قال السيد:إذن ماذا فعلت؟
قال المشرف:استجمعت شجاعتي..وأمسكت سيفي بقوة..واندفعت أفتح الباب عنوة
سأله السيد: ومن وجدت؟
قال: الشاب النحيف (هنري) واثنين آخرين..كانوا ملثمين..ولكني تعرفت على (هنري) من طريقة مشيته..
سأله السيد: ومن هو (هنري) هذا؟
فأجاب: إنه شاب استأجرنه في الأيام الأخيرة..وهو من أسرة فقيرة..ولكن أباه رجل طيب. وقد أحسن تربيته.
ثم أكمل قائلا:
لم أكد أفتح الغرفة حتى هجموا علي وأوثقوني إلى أحد المقاعد بالحبال وسدوا فمي وهربوا..
اتجه السيد إلى بقية الخدم يسألهم عما حدث..
فأجاب أحدهم بحرقة: بأنه من الضروري أن يقدم استقالته وكذلك سوف يفعل زملاءه..لأنهم يعملون في خدمة السيد منذ عشر سنوات ولم توجه إليهم هذه التهمة الشنيعة..
أصر الخدم على أن يقدموا استقالتهم بعد هذه الإهانة البليغة..وحاول السيد أن يسترضيهم..وأفلح أخيرا في تهدئتهم بعد أن أضاف إلى مرتب كل منهم جنيهين فوافقوا على مضض.
واعتذر لهم السيد عما حدث..وقال:
قصر ريفي انجليزي ؟
إن التهمة غير مقصودة..ومشرف القصر كان في حيرة ولم يعرف بالضبط ما الذي يفعله..ثم إنه رجل كبير وهو في مقام الوالد للجميع..والآن هل لكم أن تقصوا علي ما حدث؟
قال الخدم أنهم اعتادوا أن يصحوا في السادسة صباحا..وأن يعدوا طعاما لإفطار في السابعة إلا ربعا..وأن ينزل المشرف لتناول الإفطار في السابعة إلا خمس دقائق..
ولكنه في ذلك اليوم لم يحضر في موعده..وأخذ الجميع ينتظرونه وهم يتعجبون لذلك ..
فهذه أول مرة يخلف موعده منذ عشر سنوات..
ثم أخذوا يتندرون فيما بينهم ويقولون:
لابد أن الغطاء كان ثقيلا..أو أن الشراب كان غزيرا..أو أن المشرف مريض..
ومع مرور الوقت شكوا أن شيئا غير عادي قد حدث له.. وتشاوروا فيما بينهم.. أيهم يذهب لإيقاظه بطريقة لبقة لا تسبب له أو لهم الخجل..واقترحوا أن تذهب إحدى الخادمتين وتدق بابه وتسأله كم الساعة الآن..
وذهبت الخادمة..ودقت الباب مرة..مرتين..ثلاثا..ولكن المشرف لم يرد..
فعادت بسرعة تروي لهم ذلك..
فقاموا جميعا إلى غرفة المشرف وفتحوا الباب قسرا..ولم يجدوا المشرف.. وإن كانوا وجدوا مكانه خاليا على السرير.. واستنتجوا أنه نام في فراشه..ثم استيقظ مبكرا وخرج لسبب ما..
وقرروا أن يسألوا (هنري) لعله يعرف مكان المشرف..اتجهوا إلى غرفته..ولكنهم لم يجدوا الشاب في فراشه.. واستنتجوا أن الاثنين قد خرجا إلى النزهة أو في أمر ما في ساعة مبكرة.. أو إنهما ذهبا إلى حظيرة الأبقار.. وأسرعوا إلى الحظيرة فلم يجدوا أحدا..
ثم قرروا أن يفتشوا بقية غرف القصر..وعندما وصلوا إلى غرفة التحف وجدوا المشرف مقيدا بالحبال إلى أحد المقاعد..ووجدوه مكمم الفم وقد وضع القماش في فمه لمنعه من الصراخ..ففكوا الحبال وحرروا المشرف.. وراحوا يدلكون جسمه ليستفيق..ولكن الشاب (هنري) كان قد اختفى تماما..ولم يعثروا له على أثر..
واستدعى السيد (هاريس) رجال الشرطة..وعاينوا كل شيء..وأحصوا المسروقات فكانت كثيرة..ومن بينها شمعدانات من الذهب الخالص أهديت إلى أسرة السيد (هاريس) من الملوك والأمراء. ومن بينها هدايا من كبير الأساقفة وكذلك لوحات فنية قيمة..والعديد من التحف الأخرى..
وتم عمل محضر بذلك..وانصرف رجال الشرطة مع وعد بالبحث الجدي عن الجاني وتقديمه للعدالة..
واتجهت كل الشكوك إلى الشاب (هنري) الذي اختفى تماما ولم يعثر له على أثر..
وقيل إنه فر بالمسروقات لبيعها في مدينة أخرى في (إنجلترا) ثم الاستقرار هناك أو الهرب خارج (إنجلترا) إلى أي مكان آخر..
ومضت شهور ولكن الشرطة لم تهتد إلى شيء..
ولم يكن من الصعب على السيد (هاريس) أن يعرف أنه لا أمل في شيء..وأن الذي راح قد ذهب إلى غير عودة.. كما أن الشرطة لم تفلح في العثور على الشاب (هنري) برغم البحث المضني المكثف في طول (إنجلترا) وعرضها..
ولم يصدق أحد هذه الدهشة والحزن الحقيقي والعار الذي أحس به والد (هنري)..
فلم يتصور أن ابنه الذي رباه على الأخلاق الحميدة يستطيع أن يسرق..أو يشترك مع آخرين في السرقة..
كان يحاول أن يدافع عن ولده ويدفع عنه العار..فلا يجد الجميع سوى مط شفاههم مشفقين عليه..
ليس في إثبات السرقة فالكل على يقين من أن (هنري) هو السارق..ولكن تعاطفا معه في صدمته في ابنه..
ومرت سنة..
وفي إحدى اجتماعات الملك (جورج الثاني) مع حاشيته..
قال الملك للسيد (هاريس): عندي شعور غريب بأنك سوف تعثر على مفقوداتك.
وسكت برهة ثم استطرد يقول: لم تسألني كيف عرفت ذلك؟
قال السيد (هاريس) بدهشة ممزوجة بالاحترام: إنها فطنة مولاي وبعد نظره بالتأكيد..
فابتسم الملك وقال: رأيت في نومي ليلة أمس أن طائرا كبيرا قد هبط على قصرك الريفي ومعه الشمعدان الذهبي المسروق منك والذي أهديته لك..
وعندما ألقى بالشمعدان فوق القصر انكسر الشمعدان..
ثم اختفى الطائر والشمعدان كلاهما فجأة..وحاول كل أفراد أسرتك والخدم أن يعثروا على الشمعدان فلم يجدوه..إنها مرات قليلة التي حلمت فيها بأشياء أشعر أنها ستتحقق ثم تتحقق..
كانت الحاشية كلها على علم بتلك القدرات العجيبة التي يتمتع بها الملك..لذلك أخذ السيد (هاريس) الكلام على محمل الجد..
ومرت أيام..ثم سافر السيد (هاريس) مع أسرته في إجازته السنوية إلى قصره الريفي..
وعندما وصل اجتمع بالمشرف على القصر..وطلب منه أن يعرض عليه كيف يحرس القصر وكيف يغلق أبوابه ونوافذه..
وفوجئ السيد (هاريس) بأن المشرف يغلق كل شيء..الأبواب والنوافذ الخارجية وكذلك أبواب ونوافذ غرفة التحف والغرف الغير مستخدمة من القصر..وهو يفعل ذلك بنفسه..وبذلك لا يستطيع أحد أن يتحرك في أية غرفة غير غرفته أو غرف بقية الخدم أو المطبخ ودورة المياه بالطابق الأرضي.. فكل الغرف قد أقفلت ومفاتيحها في جيب المشرف.. وهو كذلك يوصد على نفسه غرفته قبل أن ينام..
وذهب السيد (هاريس) إلى غرفته وقال لزوجته بدهشة: ما هذا الذي يفعله المشرف على قصرنا؟
قالت الزوجة: وما الذي يفعله؟
قال الزوج: إنه يغلق الأبواب والنوافذ..ولم يبق إلا أن يغلق أفواهنا أيضا.
ضحكت الزوجة وهي تقول: ولكنه يا عزيزي يفعل ذلك منذ عشرة أعوام
قال الزوج: لم أكن أعرف ذلك.
قالت الزوجة: وما الذي تعرفه أنت في هذا البيت؟أنت تمضي طيلة الوقت مع الملك حفظه الله..
وأوى السيد (هاريس) إلى فراشه وهو يفكر في هذا القصر الذي تغلق أبوابه ونوافذه بمثل هذا الإحكام منذ عشرة أعوام ومع ذلك استطاع اللصوص أن يتسللوا إليه..
ولم يصل إلى شيء..وأحس بصداع شديد يكتنفه جراء حيرته..ونظر إلى زوجته فوجدها تغط في نوم عميق فقرر أن ينام..وغدا يوم آخر..
وفي اللحظة التي امتدت يده فيها لكي تطفئ الشمعة رأى شابا نحيفا واقفا أمامه..وارتعد السيد (هاريس)..
ولكن الشاب النحيف انحنى أمامه ليحييه في هدوء باحترام بالغ...
فسأله السيد (هاريس) وهو في حالة فزع شديد: كيف دخلت إلى هنا؟ وماذا تريد مني؟
أشار الشاب إلى فمه بما يدل على إنه لا يستطيع الكلام..وأشار إلى السيد (هاريس) أن يتبعه فقط..ونزل السيد (هاريس) من سريره وبسرعة سحب سيفه..ولكنه فوجئ بالشاب يفتح باب الغرفة الذي كان مغلقا بالمفتاح.. وخرج..
ولم يجد السيد (هاريس) بدا من أن يتبعه برغم دهشته وخوفه..وقد طمأنه وجود السيف في قبضته وضعف الشاب الظاهر في مشيته الغريبة..
وانطلق يتبعه..ولاحظ رغم خوفه الشديد أن هذا الشاب يمشي بلا صوت.. ولم يتبين قدميه في الظلام..وازدادت دهشته..ولكنه قرر المضي مع الشاب فإن شعر بأي بادرة غدر أغمد السيف في قلبه مباشرة..
وقبضت يده على السيف بتوتر شديد..ولكنه اطمأن لأن الشاب كان يمشي أمامه..كما أن شيئا ما في مظهر الشاب أشعره بالهدوء..فالشاب بدا رقيقا ومهذبا للغاية..
خرج الشاب من القصر واتجه إلى الحديقة.. ووراءه السيد (هاريس).. ثم اتجه إلى شجرة بلوط ضخمة في الحديقة..والسيد يتبعه..فتوقف عندها وأشار إليها بيده..
وتقدم السيد (هاريس) إلى شجرة البلوط.. ونظر إلى الأرض..ولما حاول أن يستوضح كان الشاب قد اختفى..
وارتجف جسد السيد..وفرك عينيه جيدا ثم عاد يفتحهما مرارا..وبحث عن الشاب في الحديقة كلها..ولكنه لم يعثر له على أثر..
من ثم عاد من فوره إلى القصر وأيقظ الخدم.. وطلب منهم ألا يحدثوا أي ضوضاء حتى لا تصحو زوجته وأولاده..ثم طلب منهم أن يحملوا المعاول..واتجهوا إلى شجرة البلوط..وأمرهم أن يحفروا الأرض..
جثة هنري كانت مدفونة تحت شجرة البلوط ؟
وحفروا الأرض..وعثروا على سترة..ثم على جثة متحللة..
وصرخ الخدم: إنه (هنري)..
وأعادت الشرطة فتح التحقيقات..واعترف المشرف على القصر بالحقيقة..وقال:
لقد اتفقت مع اثنين من اللصوص على سرقة التحف ثم بيعها واقتسام ثمنها فيما بعد..
وكانت الخطة أن أنتظرهم بعد نوم الجميع..فيدخلا القصر ويجمعا كل التحف ثم يوثقاني إلى أحد المقاعد لإبعاد الشبهات عني..
كنت أعلم أن الخدم سيستغربون تأخري وسيبحثون عني إلى أن يجدوني موثقا فيكونوا خير شهود يعضدون روايتي..
وكان كل شيء يسير على ما يرام..ولكن فجأة خرج (هنري) من غرفته ورآنا..وأسقط في أيدينا..
وحاولنا استرضاءه..ووعدناه بأن يقتسم ثمن المسروقات معنا..ولكنه أبى إلا أن يخبر الجميع ويفضحنا..
فجن جنوننا..ولم يكن هناك بد من قتله..فقطعت لسانه تنكيلا به ثم قتلته ووارينا جثته تحت شجرة البلوط في الحديقة..
وقررت إجراء تعديل طفيف بالخطة بإشراك (هنري) في الجريمة في أقوالي..فتتجه كل الشبهات نحوه..وبالطبع لن يعثروا له على أثر..من ثم تحفظ التحقيقات بعد فترة..
وكان مما سيعضد أقوالي أن (هنري) شاب فقير ولم يمض على تعيينه في القصر سوى أسابيع قليلة..فلا ريب أن التحف قد زغللت عينيه فقرر سرقتها..وقلت لنفسي هكذا سيفكر الجميع..وبالفعل هذا ما حدث بعدها..
وأصدرت محكمة (لندن) حكمها على المشرف على القصر واللصين بالإعدام شنقا.. وأعدموا..
وبعد إعدام المشرف على القصر بيومين استدعى الملك (جورج الثاني) السيد (هاريس) في ساعة مبكرة من الصباح..ولما وصل السيد (هاريس) إلى قصر الملك وجد تعليمات بضرورة أن يدخل إليه في مخدعه مباشرة..ودخل على الملك في مخدعه..
ولم يكد الملك يراه حتى قال له: هل تعرف شابا في بداية العشرينات من عمره..طويلا ونحيفا..وعينه اليمنى أصغر قليلا من عينه اليسرى..وإذا سار وضع إحدى يديه على معدته كأنه يشكو مغصا وانحنى قليلا للأمام؟؟
قال السيد (هاريس) بدهشة: أعرفه يا مولاي..إنه الشاب (هنري) الذي قتلوه في قصري الريفي أثناء السرقة.. هنا اعتدل الملك في جلسته وقال: لقد صحوت من نومي على صوت باب المخدع وهو ينفتح..وعندما أخرجت رأسي من تحت الغطاء رأيت ذلك الشاب..
اندهشت بشدة وسألته:من أنت؟ وكيف دخلت إلى هنا دون أن يعترضك الحراس؟
ولكنه لم ينطق بكلمة واحدة..فقط أشار إلى فمه بأنه لا يستطيع الكلام..واقترب ببطء من السرير..
أردت أن أصرخ مستدعيا الحراس..ولكن شيئا ما منعني..ربما هدوء الشاب ورقته..
وكل ما حدث بعد ذلك أن الشاب اقترب من غطائي وانحنى عليه يقبله في امتنان..ثم اختفى
بالواقع لست أدري لم فكرت في أنك أنت بالذات تعرف ذلك الشاب؟.. فقررت استدعاءك..وصدق حدسي
نعم أيها الملك..
لقد صدق حدسك..
إنه (هنري)..جاء يشكرك لأنك انتقمت له..وقتلت قاتليه..
وبعدها اختفى ولم يعد أحد يراه أو يسمع عنه بعد ذلك..
لقد أنجز مهمته..ولم تعد له حاجة في دنيانا...
قدم الساحرة
في القرون الوسطى احرقت آلاف النساء بتهمة ممارسة السحر ؟
في نهايات القرن التاسع عشر..قامت في عموم (أميركا) حملة مسعورة لاصطياد السحرة وإعدامهم بعد تعذيبهم..
وبالطبع كانت الحملة تلقي القبض على أي شخص لمجرد الاشتباه في ممارسته السحر..ثم يعدمونه حرقا بعد تعذيبه..
وبالطبع راح ضحية ذلك آلاف المظلومين..
وقد سار كولونيل (باك) مؤسس مدينة (باكسبورت) بولاية (مين) على نفس ذلك النهج.. فأباح إعدام من يمارسون السحر ..وأطلق الحملات سعيا لتطهير مدينته من السحرة..
وكما هو معروف..كان ومازال التصور الشائع عن الساحرات في الغرب عبارة عن عجوز دميمة شعثاء الشعر ذات ذقن ناتئ وتصرفات غريبة الأطوار..كما نراها إلى الآن في قصص الأطفال والكارتون..
وطبقا لهذا التصور العام لم يجد الكولونيل (باك) صعوبة في اختيار ضحيته الأولى..
كانت امرأة مسنة وحيدة قد مات عنها زوجها المزارع فاعتزلت الناس في بيتها الفقير انتظارا لموعد لحاقها بزوجها..
لذلك كانت أول المشتبه بهم..وألقى الكولونيل القبض عليها..
وقد حاولت العجوز بكل وسيلة أن تنفي عن نفسها هذه التهمة الظالمة..
لكن الكولونيل لم يستجب لاستعطافها..ومن ثم.. إعدامها..
ودارت الأيام..وانتهت الحملة بعد أن قبضت أرواح المئات في تلك المدينة الصغيرة..
وتكفل الزمن بإسدال ستائر النسيان على ما حدث..
ونسي الناس..ولكن الكولونيل أبدا لم ينس..
ظلت صورة العجوز تقض مضجعه بقية حياته..
كان يصحو فزعا صارخا وقد تصبب جسده بالعرق..فتتجمع أسرته والخدم حوله..فيقول:
لقد جاءت لتقتلني..لقد لفت يديها حول عنقي..توسلت إليها أن تبتعد عني..ولكنها كانت تضحك ساخرة وتقول:
لا تخف..لن أقتلك..لن ألوث يدي بروح خبيثة مثلك..أنا فقط أنتظرك..أنتظرك..
ثم تبتعد وهي تطلق الضحكات المجلجلة..
صورة لقبر الكولونيل باك .. وصورة القدم واضحة عليه ؟
ثم ينهار الكولونيل في البكاء..ويحاول الجميع تهدئته..ولكن بلا جدوى..ويجافي النوم عينيه إلى الصباح..
وقبل أن يموت الكولونيل كانت وصيته أن تكون أحجار قبره ناصعة البياض من الذي لا تشوبه شائبة..
كيف لا وهو مؤسس المدينة وأغنى أغنيائها؟؟
وعندما مات، بذل ورثته جهدا جادا في تنفيذ وصيته..
وبعد اختيار أحجار القبر بعناية قام الورثة بوضع شاهد عند رأس القبر من الحجر الأبيض الناصع يرتفع عاليا في السماء تخليدا لذكرى الرجل..
ومرت الأيام..وكان حارس المقبرة هو أول من لاحظ ما طرأ من تغير..
من ثم أسرع إلى الكنيسة يبلغ القس الذي قام بدوره باستدعاء أقارب الكولونيل (باك)..
لقد ظهر للجميع بوضوح تلك التغييرات التي طرأت على حجر المقبرة والتي رسمت إطارا باهتا لقدم امرأة.. وأخذ الإطار الباهت يزداد وضوحا يوما بعد يوم..
أسرعت أسرة الراحل إلى استدعاء نحات الحجر الذي قام بنحت أحجار المقبرة من جديد، لإخفاء آثار قدم المرأة التي راحت ضحية الكولونيل الراحل.
لكن..
عادت الآثار للظهور بعد عدة أسابيع.. وانتشر الخبر بين الناس في المدينة..
واستدعى الورثة النحات مرة أخرى..وطلبوا منه تغيير الحجر كلية والاستعاضة عنه بحجر جديد..
ومع هذا ذهبت جهودهم سدى وعاد أثر قدم المرأة ليرتسم على الحجر من جديد وكأنه يتحدى الجميع..
عندها توقفت جهود الورثة.. ورضخوا أخيرا للأمر الواقع..
وما زال ذلك الحجر باقيا في مكانه حتى اليوم.. وقد انطبع عليه بوضوح ذلك الأثر..
آثر قدم امرأة مظلومة...
دليل البراءة
(جون دافيز)..شاب إنجليزي فقير تقطعت به سبل العيش..كان هائما شريدا في شوارع (لندن) في أوائل القرن التاسع عشر..وكان يتسول ليقتات لقيمات يقمن صلبه..
كان هذا حين وجدته السيدة ( إليزابيث باكستر)..وبدلا من أن تعطف عليه وتنصرف..وجدت فيه ضالتها..
فالسيدة (باكستر) كانت أرملة ثرية من (ويلز)..ورثت عن زوجها الراحل مزرعة مترامية الأطراف في مدينة (مونتجمري)..وكانت تبحث عمن يدير لها شئون المزرعة..لذلك وجدت ضالتها في (جون) وسرعان ما عرضت عليه الأمر فوافق على الفور..واصطحبته معها إلى (ويلز)..
احد القصور الضخمة في ويلز
ومارس (جون) عمله الجديد بكل همة ونشاط..وكان أمينا للغاية على المزرعة..فأحبته السيدة (باكستر) وقربته منها أكثر..مما أثار الضغينة في قلوب سكان المدينة..
كانوا يمقتون المكانة التي وصل إليها (جون) فضلا عن البغض الأزلي الذي يكنونه للإنجليز نتيجة النزعات والنزاعات القبلية القديمة بين السلت والساكسون..
لذلك لم يحظ (جون) بأي أصدقاء طيلة وجوده في (مونتجمري)..بل كان مكروها من الجميع..
وفي أحد الأيام..تأخر (جون) في المزرعة حتى غربت الشمس..وبينما كان عائدا إلى حجرته الملحقة بمنزل السيدة (باكستر) اعتدى عليه اثنان من اللصوص..استوليا على كيس نقوده وأوسعاه ضربا..حتى أغمي عليه..
وخوفا من أن يشكوهما إلى السلطات.. حملاه إلى مقر الشرطة..واتهماه بقطع الطريق على المسافرين..وحررا بلاغا بذلك..
عندما أفاق (جون) من إغمائه فوجئ بما حدث..
فثار وهاج وماج مقسما بأغلظ الأيمان أنه برئ وأنه هو المعتدى عليه وليس الجاني..محاولا بشتى السبل إثبات براءته ..ولكن..وكما لكم أن تتوقعوا..
لم يأخذ رجال الشرطة بأقوال ذلك الإنجليزي الغريب.. ومالوا إلى الأخذ بأقوال المعتدين لأنهما من أبناء (ويلز)..
وهكذا حكم على (دافيز) بالإعدام..وهي العقوبة المحددة لقطع الطريق في ذلك الوقت..
وهكذا وجد الشاب البريء نفسه معاقبا بالإعدام على تهمة لم يرتكبها..
لذلك لم ييأس الفتى..ومضى في احتجاجه على ذلك الحكم الظالم.. محاولا أن يبرئ نفسه من التهمة ولكن دون جدوى..
فلم يستمع إليه أحد..بل وجدها الجميع فرصة للتخلص من ذلك الإنجليزي وإشباع نوازعهم القبلية المحمومة..
وصبيحة يوم 2 سبتمبر 1821..حانت لحظة الإعدام..تجمهر الناس مطلقين صيحات الاستهجان أثناء اقتياد (جون) إلى المنصة..
وبعد أن وقف على المنصة.. رفع (جون دافيز) يده اليمنى إلى أعلى وصاح:
(سأموت وأنا أصلي طالبا من الله ألا ينمو زرع فوق قبري حتى يكون في هذا الدليل الدامغ على براءتي من التهمة التي ألصقت بي ظلما)..
وجرى تنفيذ الحكم..وأطلق الناس صرخات الانتصار..
وتم دفن الشاب في مدافن ساحة كنيسة (مونتجمري)..
ومرت أسابيع..
واكتشف أهل المدينة شيئا غريبا..
لقد كانت الحشائش تنمو فوق كل القبور وحولها..إلا قبر (دافيز)..
وانتشر الخبر بين أهل المدينة..وتذكر الجميع كلمات الفتى قبيل إعدامه..وسرى الاعتقاد ببراءته..
ولكن المسئولين لم يعترفوا بهذا الهراء على حد قولهم..وقرروا مجابهة الأمر بالعلم وعدم الاستسلام للخرافة..
فأسرعوا يأمرون بنقل تربة تنمو عليها الحشائش ووضعها فوق المقبرة..
وبدا الحل جيدا..
لكن الحشائش ما لبثت أن ذبلت وجفت..وعادت التربة فوق المقبرة جرداء بلا زرع..وبخاصة تلك الرقعة التي يرقد تحتها جثمان الفتى..
ولم ييأس المسئولون..
فأمروا بنثر أجود بذور الحشائش فوق التربة.. لكنها لم تنبت شيئا..
وبقيت المقبرة جرداء وكأنها تتحدى الجميع..
واستسلم الجميع للأمر..وحاولوا تناسي الموضوع برمته..وتشاغلوا عنه بأمور أخرى..ومرت السنون..
وفي عام 1851 عاد الموضوع ليطفو على سطح الأحداث من جديد..
سمع مسئول جديد بأمر المقبرة فتفتق ذهنه عن حل سحري..
لقد أمر بحرث تربة المقبرة بأكملها..وجرى تغطية المكان كله بتربة طازجة بارتفاع قدمين..وتم بذر أجود البذور بكثافة في التربة الجديدة..
وبالفعل في ظرف أسبوعين تحولت أرض المقبرة إلى بساط أخضر من الحشائش النضرة، فيما عدا الرقعة التي يرقد تحتها جثمان (جون دافيز)..
بل وفشلت كل الجهود المبذولة بعد ذلك في انتقاء أجود البذور وأجود أنواع التربة..وتغيير أنواع عدة منها..أو حتى تقوية التربة بأجود أنواع السماد..
فقد بقيت تلك الرقعة جرداء تماما..
وفي النهاية..اقتنع المسئولون والقساوسة الذين تعاقبوا على تلك الكنيسة بأن الأمر يفوق قدراتهم البشرية..
وقرروا أن يتركوا الطبيعة تأخذ مجراها..
كل ما فعلوه هو أن أحاطوا قبر (دافيز) بسياج خشبي..تم تركوا الفتى يرقد في سلام..
وهكذا بقيت تلك الرقعة من الأرض لا تنبت زرعا حتى يومنا هذا..
بقيت كدليل دائم على براءة ذلك الإنجليزي المظلوم..
شبح المحطة
في مدينة (طوخ) المصرية بمحافظة (الدقهلية)..حدثت واقعة أنقل في السطور التالية وقائعها كما سجلها القائم مقام (عقيد) (حسن إبراهيم الجارحي) في دفتر مذكراته وكان رحمة الله عليه قبل إحالته الي التقاعد عام 1948 من أكفأ رجال الشرطة المصرية..وقضي بقية عمره يروي ذكرياته ويكتب مذكراته حتى مات في يناير1965..
يقول القائم مقام (الجارحي):
(عندما تخرجت من (مدرسة البوليس) (كلية الشرطة) برتبة (ملازم ثاني) عينت في مركز (طوخ)..
وبعد أيام من تعييني..وفي عصر يوم من أيام الشتاء الباردة تعطل وابور (قطار) بضاعة قادم من (الإسكندرية) فتوقف علي الخط الرئيسي قبل محطة (طوخ) بحوالي ثلاثة كيلو مترات ولم يكن قد بقي علي مرور القطار السريع (الإكسبريس) المتجه إلى (القاهرة) سوى نصف ساعة..
إلا أن سائق قطار البضاعة تمكن من تنبيه سائق القطار السريع فخفف من سرعته حتى توقف..
ثم دفع قطار البضاعة أمامه حتى أدخله علي خط فرعي..ثم عاد ليواصل سيره بعد ذلك الي (القاهرة) بسلام..
وتقرر تخزين قطار البضاعة حتى الصباح انتظارا لمجيء قاطرة لجره..
كانت أول مشكلة تواجهني منذ تسلمت عملي كضابط.. فقد كلفني المأمور بحراسة القطار الذي تحمل عرباته آلاف الأجولة من القمح..
فقررت المبيت في غرفة ناظر المحطة لأتولى الإشراف علي الحراسة بنفسي..واصطحبت معي أربعة عساكر..
ووزعتهم على نقاط حراسة في المنطقة حول القطار..
في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل تقريبا دوت صرخة استغاثة..
سمعت بعدها وقع أقدام تهرول علي رصيف المحطة..
على الفور انطلقت خارج حجرة الناظر مستقصيا الأمر..فلم أجد شيئا..
فتشت الرصيف ذهابا وإيابا وأنا أحمل مسدسي متحفزا..
ولكن لا شيء سوء الظلام والسكون..فازداد توتري..
جمعت العساكر الأربعة..وحذرتهم من مغبة أن يكون أحدهم قد أطلق الصرخة علي سبيل المزاح السخيف.. وهددت بسجن من يثبت أنه فعل ذلك فأقسموا جميعا ببراءتهم..
بل إن أحدهم قال إنه سمع مثل ذلك في ليال سابقة عندما كان يتواجد للخدمة في المحطة في بعض المناسبات.. ولكنه خشي أن يتكلم سابقا حتى لا يتم اتهامه بالجنون ويفصل من الخدمة..
ولكنني نهرته وطلبت من العساكر العودة إلي أماكنهم التي كنت قد حددتها لهم..وتوجهت إلي غرفة الناظر وأنا أعاني من إحساس حقيقي بالاضطراب المختلط بالخوف وجلست خلف المكتب متحفزا..
وبعد حوالي نصف ساعة حدث ما يلي..
انفتح باب الغرفة ببطء ليدخل منه ما بدا لي أنه جسد إنسان من ضباب ولكنه بغير رأس.. وتقدم نحوي بخطوات ثابتة، حتي توقف أمامي لا يفصله عني سوي المكتب..
ثم تناول القلم، وكتب علي ورقة بسرعة رهيبة وبخط مضطرب:
(أنا (عبد التواب مصيلحي).. ذبحني اثنين حرامية (لصان ملثمان) من 3 شهور..وسرقوا 3000 جنيه كنت واخدها من الحاج (أحمد عبد الغفار) اللي أنا شغال عنده عشان أحطها في حسابه في فرع (بنك مصر) ببنها.. ودفنوا رأسي علي بعد 6متر من رصيف المحطة من الجهة القبلية.. وحطوا جسمي على سكة القطر من غير ما حد يشوفهم.. عايز رأسي تندفن مع جسمي عشان أرتاح)
ويستمر كاتب المذكرات في روايته الغريبة فيقول:
سقط القلم فوق الورقة.. واختفى الجسد من الغرفة..كل هذا وأنا متجمد من الرعب لم أحرك ساكنا..
وإن كنت أقاوم بصعوبة بالغة شعوري بالغثيان والدوار الذي يكتنفني حتى لا أسقط مغميا علي ويفتضح أمري بين العساكر..
وبعد ثوان دوت الصرخة من جديد وتبعها صوت الأقدام تهرول بعنف علي الرصيف وأنا في مكاني فوق الكرسي لا اقوي علي الحركة..
ومع أول خيوط الفجر..أفقت من ذهولي وأحسست أن قلبي قد عاد ينبض من جديد..
كنت أتمنى أن يكون ما حدث مجرد حلم..ولكن الورقة التي أمامي تنفي ذلك نفيا قاطعا..
أمسكت الورقة بأصابع مرتجفة وقرأتها عدة مرات.. وبدأت أستعيد نفسي وأفكر بعمق..
كان من المستحيل بطبيعة الحال أن أرفض تصديق ما حدث بعد أن رأيته بعيني وسمعته بأذني..
وكان من المستحيل كذلك إبلاغ المأمور بما جاء في الورقة التي كتبها (عفريت)..
وبقيت أياما أعاني من التوتر والحيرة..قبل أن اهتدي الي الحل..
فكتبت علي الآلة الكاتبة بلاغا للنائب العام بتوقيع فاعل خير..
ذكرت فيه تفاصيل واقعة القتل والسرقة ومكان دفن الرأس..
وبالطبع دارت الأمور في دورتها الطبيعية..
وحضر رجال المباحث والنيابة لجمع التحريات وإجراء التحقيقات مع بعض الأشقياء المشتبه فيهم..
كنت حريصا علي مرافقتهم أثناء بحثهم عن الرأس المدفون بالقرب من رصيف المحطة..
وكانت المفاجأة مذهلة لي دون الجميع عندما تم العثور علي جمجمة في نفس المكان الذي حدده (العفريت)..
أما المفاجأة الثانية فكانت ما جاء في تقرير الطبيب الشرعي بعد ذلك..
فقد أفاد بأن الجمجمة هي لجثة القتيل (عبد التواب مصيلحي) التي تم العثور عليها ملقاة علي قضبان السكة الحديد منذ ثلاثة أشهر وقد مزقها القطار..
وتم التعرف عليها يومئذ بواسطة أسرته عن طريق الوشم المكتوب علي الساعد الأيمن
ويختتم القائم مقام الجارحي روايته بقوله:
أذنت النيابة بعد انتهاء التحقيق بتسليم الجمجمة إلي أسرة القتيل لدفنها مع جثته في قبره..
ومنذ ذلك اليوم اختفى تماما صوت صرخات الاستغاثة والأقدام المهرولة علي رصيف محطة (طوخ)..
أما الورقة التي كتبها (العفريت) فمازلت احتفظ بها معي..
بقلم : د. مؤمن احمد عباس
ك ا ب و س
هل ظلمت بالتأكيد هو امر بشع..أليس كذلك؟؟..
هناك مثل مصري يقول (ياما في الحبس مظاليم)..وهو مثل رائع فعلا..
فكم من شخص عوقب على جريمة لم يرتكبها..
إن مما يخفف من وطأة الظلم أن تظهر براءة البريء..
فهذا كفيل بعض الشيء برد كرامته المهدرة..
ولكن..
ماذا لو أعدم البريء؟؟
إن هذا لعمري أقسى أنواع الظلم طرا..
يتساوى ذلك مع من قتل غدرا دونما جريرة..
ويبقى السؤال: ماذا يحدث بعد ذلك؟؟
هل تهدأ روح البريء وترتضي الذهاب في سلام إلى العالم الآخر؟؟
أم تعود إلى الدنيا لتسعى لإثبات براءتها؟؟
أم تقتص من قاتلها..ثم تنفرد به في العالم الآخر؟؟
هذا ما سنعرفه الآن..فهيا بنا...
- شكرا أيها الملك
ملك انجلترا جورج الثاني ؟
السيد (ألان هاريس) أحد رجال حاشية الملك (جورج الثاني) ملك (إنجلترا) (1683-1760) كان كعادة النبلاء في ذلك الزمان يمتلك قصرا ريفيا محاطا بمزرعة مترامية الأطراف..فضلا عن قصره في (لندن) بجوار الملك..
وأثناء اجتماع الملك مع حاشيته صبيحة أحد أيام عام 1729دخل كبير الياوران وسلم السيد (هاريس) رسالة عاجلة من المشرف على منزله الريفي..
كانت الرسالة تقول:
(احضر بسرعة يا سيدي التحف الذهبية التي تركها الغالي العزيز والدكم قد سرقت والتحف الفضية التي تركها الغالي العزيز علينا جميعا جدكم الكبير قد سرقت أيضا.. ونحن نأسف لما حدث.. ولكن حضوركم سوف يكون شمسا تشرق على الحقيقة لنعرف الجاني الأثيم)
وأسقط في يد السيد (هاريس)..ولم يكن هناك بد من استئذان الملك في الذهاب إلى الضيعة..وأذن له الملك..
فذهب من فوره مصطحبا زوجته..وهناك استقبله المشرف على ضيعته..وكان في حالة يرثى لها..
وابتدره المشرف قائلا:
إن هذا عار قد لحقني بصفة شخصية.. لأنني أغلق الأبواب والنوافذ كل ليلة وبإحكام شديد.. ولا أدري كيف حدث كل ذلك..
كان في القصر الريفي طاه وثلاثة من الخدم وخادمتان..
وسأله السيد (هاريس):
كيف حدث ذلك؟
قال المشرف:
في إحدى الليالي وبعد أن أويت إلى فراشي..
انتبهت إلى أصوات خافتة وجلبة مكتومة في غرفة التحف التي تقع تحت غرفتي مباشرة..
واندهشت..وتساءلت في نفسي عن مصدر هذه الأصوات..
وتوجست خيفة لأنه لا أحد من الخدم قد يكون السبب في تلك الجلبة لأني كنت على يقين من نوم الجميع..
فأنا آخر من ينام في القصر بعد الاطمئنان إلى نوم الجميع وإغلاق كل الأبواب والنوافذ بإحكام وبنفسي..
فارتديت ملابسي وامتشقت سيفي وهبطت الدرج بحذر واقتربت من الغرفة..
وضعت أذني على الباب لعلي أستمع إلى شيء ما..
كان الصوت الآن واضح تماما..إنه صوت الآنية الفضية وهي تعبأ في صناديق..
وحاولت أن أقترب من الباب أكثر لعلي أسمع صوت الخدم الذين أفلحوا في التسلل في الليل إلى هذه الغرفة.. قال له السيد: لماذا لم توقظ الخادمتين، وتذهب أنت إلى رجال الشرطة؟
قال المشرف: خطرت لي هذه الفكرة لولا أنني خشيت أن يخرج اللصوص ويعتدوا على الفتاتين ويهربوا.
قال السيد: إذن لماذا لم توقظ الخادم والطاهي ليعاونوك في القبض على اللصوص؟
قال المشرف: بل كنت أظن أن الخادم والطاهي هما اللذان تسللا إلى الغرفة..
قال السيد:إذن ماذا فعلت؟
قال المشرف:استجمعت شجاعتي..وأمسكت سيفي بقوة..واندفعت أفتح الباب عنوة
سأله السيد: ومن وجدت؟
قال: الشاب النحيف (هنري) واثنين آخرين..كانوا ملثمين..ولكني تعرفت على (هنري) من طريقة مشيته..
سأله السيد: ومن هو (هنري) هذا؟
فأجاب: إنه شاب استأجرنه في الأيام الأخيرة..وهو من أسرة فقيرة..ولكن أباه رجل طيب. وقد أحسن تربيته.
ثم أكمل قائلا:
لم أكد أفتح الغرفة حتى هجموا علي وأوثقوني إلى أحد المقاعد بالحبال وسدوا فمي وهربوا..
اتجه السيد إلى بقية الخدم يسألهم عما حدث..
فأجاب أحدهم بحرقة: بأنه من الضروري أن يقدم استقالته وكذلك سوف يفعل زملاءه..لأنهم يعملون في خدمة السيد منذ عشر سنوات ولم توجه إليهم هذه التهمة الشنيعة..
أصر الخدم على أن يقدموا استقالتهم بعد هذه الإهانة البليغة..وحاول السيد أن يسترضيهم..وأفلح أخيرا في تهدئتهم بعد أن أضاف إلى مرتب كل منهم جنيهين فوافقوا على مضض.
واعتذر لهم السيد عما حدث..وقال:
قصر ريفي انجليزي ؟
إن التهمة غير مقصودة..ومشرف القصر كان في حيرة ولم يعرف بالضبط ما الذي يفعله..ثم إنه رجل كبير وهو في مقام الوالد للجميع..والآن هل لكم أن تقصوا علي ما حدث؟
قال الخدم أنهم اعتادوا أن يصحوا في السادسة صباحا..وأن يعدوا طعاما لإفطار في السابعة إلا ربعا..وأن ينزل المشرف لتناول الإفطار في السابعة إلا خمس دقائق..
ولكنه في ذلك اليوم لم يحضر في موعده..وأخذ الجميع ينتظرونه وهم يتعجبون لذلك ..
فهذه أول مرة يخلف موعده منذ عشر سنوات..
ثم أخذوا يتندرون فيما بينهم ويقولون:
لابد أن الغطاء كان ثقيلا..أو أن الشراب كان غزيرا..أو أن المشرف مريض..
ومع مرور الوقت شكوا أن شيئا غير عادي قد حدث له.. وتشاوروا فيما بينهم.. أيهم يذهب لإيقاظه بطريقة لبقة لا تسبب له أو لهم الخجل..واقترحوا أن تذهب إحدى الخادمتين وتدق بابه وتسأله كم الساعة الآن..
وذهبت الخادمة..ودقت الباب مرة..مرتين..ثلاثا..ولكن المشرف لم يرد..
فعادت بسرعة تروي لهم ذلك..
فقاموا جميعا إلى غرفة المشرف وفتحوا الباب قسرا..ولم يجدوا المشرف.. وإن كانوا وجدوا مكانه خاليا على السرير.. واستنتجوا أنه نام في فراشه..ثم استيقظ مبكرا وخرج لسبب ما..
وقرروا أن يسألوا (هنري) لعله يعرف مكان المشرف..اتجهوا إلى غرفته..ولكنهم لم يجدوا الشاب في فراشه.. واستنتجوا أن الاثنين قد خرجا إلى النزهة أو في أمر ما في ساعة مبكرة.. أو إنهما ذهبا إلى حظيرة الأبقار.. وأسرعوا إلى الحظيرة فلم يجدوا أحدا..
ثم قرروا أن يفتشوا بقية غرف القصر..وعندما وصلوا إلى غرفة التحف وجدوا المشرف مقيدا بالحبال إلى أحد المقاعد..ووجدوه مكمم الفم وقد وضع القماش في فمه لمنعه من الصراخ..ففكوا الحبال وحرروا المشرف.. وراحوا يدلكون جسمه ليستفيق..ولكن الشاب (هنري) كان قد اختفى تماما..ولم يعثروا له على أثر..
واستدعى السيد (هاريس) رجال الشرطة..وعاينوا كل شيء..وأحصوا المسروقات فكانت كثيرة..ومن بينها شمعدانات من الذهب الخالص أهديت إلى أسرة السيد (هاريس) من الملوك والأمراء. ومن بينها هدايا من كبير الأساقفة وكذلك لوحات فنية قيمة..والعديد من التحف الأخرى..
وتم عمل محضر بذلك..وانصرف رجال الشرطة مع وعد بالبحث الجدي عن الجاني وتقديمه للعدالة..
واتجهت كل الشكوك إلى الشاب (هنري) الذي اختفى تماما ولم يعثر له على أثر..
وقيل إنه فر بالمسروقات لبيعها في مدينة أخرى في (إنجلترا) ثم الاستقرار هناك أو الهرب خارج (إنجلترا) إلى أي مكان آخر..
ومضت شهور ولكن الشرطة لم تهتد إلى شيء..
ولم يكن من الصعب على السيد (هاريس) أن يعرف أنه لا أمل في شيء..وأن الذي راح قد ذهب إلى غير عودة.. كما أن الشرطة لم تفلح في العثور على الشاب (هنري) برغم البحث المضني المكثف في طول (إنجلترا) وعرضها..
ولم يصدق أحد هذه الدهشة والحزن الحقيقي والعار الذي أحس به والد (هنري)..
فلم يتصور أن ابنه الذي رباه على الأخلاق الحميدة يستطيع أن يسرق..أو يشترك مع آخرين في السرقة..
كان يحاول أن يدافع عن ولده ويدفع عنه العار..فلا يجد الجميع سوى مط شفاههم مشفقين عليه..
ليس في إثبات السرقة فالكل على يقين من أن (هنري) هو السارق..ولكن تعاطفا معه في صدمته في ابنه..
ومرت سنة..
وفي إحدى اجتماعات الملك (جورج الثاني) مع حاشيته..
قال الملك للسيد (هاريس): عندي شعور غريب بأنك سوف تعثر على مفقوداتك.
وسكت برهة ثم استطرد يقول: لم تسألني كيف عرفت ذلك؟
قال السيد (هاريس) بدهشة ممزوجة بالاحترام: إنها فطنة مولاي وبعد نظره بالتأكيد..
فابتسم الملك وقال: رأيت في نومي ليلة أمس أن طائرا كبيرا قد هبط على قصرك الريفي ومعه الشمعدان الذهبي المسروق منك والذي أهديته لك..
وعندما ألقى بالشمعدان فوق القصر انكسر الشمعدان..
ثم اختفى الطائر والشمعدان كلاهما فجأة..وحاول كل أفراد أسرتك والخدم أن يعثروا على الشمعدان فلم يجدوه..إنها مرات قليلة التي حلمت فيها بأشياء أشعر أنها ستتحقق ثم تتحقق..
كانت الحاشية كلها على علم بتلك القدرات العجيبة التي يتمتع بها الملك..لذلك أخذ السيد (هاريس) الكلام على محمل الجد..
ومرت أيام..ثم سافر السيد (هاريس) مع أسرته في إجازته السنوية إلى قصره الريفي..
وعندما وصل اجتمع بالمشرف على القصر..وطلب منه أن يعرض عليه كيف يحرس القصر وكيف يغلق أبوابه ونوافذه..
وفوجئ السيد (هاريس) بأن المشرف يغلق كل شيء..الأبواب والنوافذ الخارجية وكذلك أبواب ونوافذ غرفة التحف والغرف الغير مستخدمة من القصر..وهو يفعل ذلك بنفسه..وبذلك لا يستطيع أحد أن يتحرك في أية غرفة غير غرفته أو غرف بقية الخدم أو المطبخ ودورة المياه بالطابق الأرضي.. فكل الغرف قد أقفلت ومفاتيحها في جيب المشرف.. وهو كذلك يوصد على نفسه غرفته قبل أن ينام..
وذهب السيد (هاريس) إلى غرفته وقال لزوجته بدهشة: ما هذا الذي يفعله المشرف على قصرنا؟
قالت الزوجة: وما الذي يفعله؟
قال الزوج: إنه يغلق الأبواب والنوافذ..ولم يبق إلا أن يغلق أفواهنا أيضا.
ضحكت الزوجة وهي تقول: ولكنه يا عزيزي يفعل ذلك منذ عشرة أعوام
قال الزوج: لم أكن أعرف ذلك.
قالت الزوجة: وما الذي تعرفه أنت في هذا البيت؟أنت تمضي طيلة الوقت مع الملك حفظه الله..
وأوى السيد (هاريس) إلى فراشه وهو يفكر في هذا القصر الذي تغلق أبوابه ونوافذه بمثل هذا الإحكام منذ عشرة أعوام ومع ذلك استطاع اللصوص أن يتسللوا إليه..
ولم يصل إلى شيء..وأحس بصداع شديد يكتنفه جراء حيرته..ونظر إلى زوجته فوجدها تغط في نوم عميق فقرر أن ينام..وغدا يوم آخر..
وفي اللحظة التي امتدت يده فيها لكي تطفئ الشمعة رأى شابا نحيفا واقفا أمامه..وارتعد السيد (هاريس)..
ولكن الشاب النحيف انحنى أمامه ليحييه في هدوء باحترام بالغ...
فسأله السيد (هاريس) وهو في حالة فزع شديد: كيف دخلت إلى هنا؟ وماذا تريد مني؟
أشار الشاب إلى فمه بما يدل على إنه لا يستطيع الكلام..وأشار إلى السيد (هاريس) أن يتبعه فقط..ونزل السيد (هاريس) من سريره وبسرعة سحب سيفه..ولكنه فوجئ بالشاب يفتح باب الغرفة الذي كان مغلقا بالمفتاح.. وخرج..
ولم يجد السيد (هاريس) بدا من أن يتبعه برغم دهشته وخوفه..وقد طمأنه وجود السيف في قبضته وضعف الشاب الظاهر في مشيته الغريبة..
وانطلق يتبعه..ولاحظ رغم خوفه الشديد أن هذا الشاب يمشي بلا صوت.. ولم يتبين قدميه في الظلام..وازدادت دهشته..ولكنه قرر المضي مع الشاب فإن شعر بأي بادرة غدر أغمد السيف في قلبه مباشرة..
وقبضت يده على السيف بتوتر شديد..ولكنه اطمأن لأن الشاب كان يمشي أمامه..كما أن شيئا ما في مظهر الشاب أشعره بالهدوء..فالشاب بدا رقيقا ومهذبا للغاية..
خرج الشاب من القصر واتجه إلى الحديقة.. ووراءه السيد (هاريس).. ثم اتجه إلى شجرة بلوط ضخمة في الحديقة..والسيد يتبعه..فتوقف عندها وأشار إليها بيده..
وتقدم السيد (هاريس) إلى شجرة البلوط.. ونظر إلى الأرض..ولما حاول أن يستوضح كان الشاب قد اختفى..
وارتجف جسد السيد..وفرك عينيه جيدا ثم عاد يفتحهما مرارا..وبحث عن الشاب في الحديقة كلها..ولكنه لم يعثر له على أثر..
من ثم عاد من فوره إلى القصر وأيقظ الخدم.. وطلب منهم ألا يحدثوا أي ضوضاء حتى لا تصحو زوجته وأولاده..ثم طلب منهم أن يحملوا المعاول..واتجهوا إلى شجرة البلوط..وأمرهم أن يحفروا الأرض..
جثة هنري كانت مدفونة تحت شجرة البلوط ؟
وحفروا الأرض..وعثروا على سترة..ثم على جثة متحللة..
وصرخ الخدم: إنه (هنري)..
وأعادت الشرطة فتح التحقيقات..واعترف المشرف على القصر بالحقيقة..وقال:
لقد اتفقت مع اثنين من اللصوص على سرقة التحف ثم بيعها واقتسام ثمنها فيما بعد..
وكانت الخطة أن أنتظرهم بعد نوم الجميع..فيدخلا القصر ويجمعا كل التحف ثم يوثقاني إلى أحد المقاعد لإبعاد الشبهات عني..
كنت أعلم أن الخدم سيستغربون تأخري وسيبحثون عني إلى أن يجدوني موثقا فيكونوا خير شهود يعضدون روايتي..
وكان كل شيء يسير على ما يرام..ولكن فجأة خرج (هنري) من غرفته ورآنا..وأسقط في أيدينا..
وحاولنا استرضاءه..ووعدناه بأن يقتسم ثمن المسروقات معنا..ولكنه أبى إلا أن يخبر الجميع ويفضحنا..
فجن جنوننا..ولم يكن هناك بد من قتله..فقطعت لسانه تنكيلا به ثم قتلته ووارينا جثته تحت شجرة البلوط في الحديقة..
وقررت إجراء تعديل طفيف بالخطة بإشراك (هنري) في الجريمة في أقوالي..فتتجه كل الشبهات نحوه..وبالطبع لن يعثروا له على أثر..من ثم تحفظ التحقيقات بعد فترة..
وكان مما سيعضد أقوالي أن (هنري) شاب فقير ولم يمض على تعيينه في القصر سوى أسابيع قليلة..فلا ريب أن التحف قد زغللت عينيه فقرر سرقتها..وقلت لنفسي هكذا سيفكر الجميع..وبالفعل هذا ما حدث بعدها..
وأصدرت محكمة (لندن) حكمها على المشرف على القصر واللصين بالإعدام شنقا.. وأعدموا..
وبعد إعدام المشرف على القصر بيومين استدعى الملك (جورج الثاني) السيد (هاريس) في ساعة مبكرة من الصباح..ولما وصل السيد (هاريس) إلى قصر الملك وجد تعليمات بضرورة أن يدخل إليه في مخدعه مباشرة..ودخل على الملك في مخدعه..
ولم يكد الملك يراه حتى قال له: هل تعرف شابا في بداية العشرينات من عمره..طويلا ونحيفا..وعينه اليمنى أصغر قليلا من عينه اليسرى..وإذا سار وضع إحدى يديه على معدته كأنه يشكو مغصا وانحنى قليلا للأمام؟؟
قال السيد (هاريس) بدهشة: أعرفه يا مولاي..إنه الشاب (هنري) الذي قتلوه في قصري الريفي أثناء السرقة.. هنا اعتدل الملك في جلسته وقال: لقد صحوت من نومي على صوت باب المخدع وهو ينفتح..وعندما أخرجت رأسي من تحت الغطاء رأيت ذلك الشاب..
اندهشت بشدة وسألته:من أنت؟ وكيف دخلت إلى هنا دون أن يعترضك الحراس؟
ولكنه لم ينطق بكلمة واحدة..فقط أشار إلى فمه بأنه لا يستطيع الكلام..واقترب ببطء من السرير..
أردت أن أصرخ مستدعيا الحراس..ولكن شيئا ما منعني..ربما هدوء الشاب ورقته..
وكل ما حدث بعد ذلك أن الشاب اقترب من غطائي وانحنى عليه يقبله في امتنان..ثم اختفى
بالواقع لست أدري لم فكرت في أنك أنت بالذات تعرف ذلك الشاب؟.. فقررت استدعاءك..وصدق حدسي
نعم أيها الملك..
لقد صدق حدسك..
إنه (هنري)..جاء يشكرك لأنك انتقمت له..وقتلت قاتليه..
وبعدها اختفى ولم يعد أحد يراه أو يسمع عنه بعد ذلك..
لقد أنجز مهمته..ولم تعد له حاجة في دنيانا...
قدم الساحرة
في القرون الوسطى احرقت آلاف النساء بتهمة ممارسة السحر ؟
في نهايات القرن التاسع عشر..قامت في عموم (أميركا) حملة مسعورة لاصطياد السحرة وإعدامهم بعد تعذيبهم..
وبالطبع كانت الحملة تلقي القبض على أي شخص لمجرد الاشتباه في ممارسته السحر..ثم يعدمونه حرقا بعد تعذيبه..
وبالطبع راح ضحية ذلك آلاف المظلومين..
وقد سار كولونيل (باك) مؤسس مدينة (باكسبورت) بولاية (مين) على نفس ذلك النهج.. فأباح إعدام من يمارسون السحر ..وأطلق الحملات سعيا لتطهير مدينته من السحرة..
وكما هو معروف..كان ومازال التصور الشائع عن الساحرات في الغرب عبارة عن عجوز دميمة شعثاء الشعر ذات ذقن ناتئ وتصرفات غريبة الأطوار..كما نراها إلى الآن في قصص الأطفال والكارتون..
وطبقا لهذا التصور العام لم يجد الكولونيل (باك) صعوبة في اختيار ضحيته الأولى..
كانت امرأة مسنة وحيدة قد مات عنها زوجها المزارع فاعتزلت الناس في بيتها الفقير انتظارا لموعد لحاقها بزوجها..
لذلك كانت أول المشتبه بهم..وألقى الكولونيل القبض عليها..
وقد حاولت العجوز بكل وسيلة أن تنفي عن نفسها هذه التهمة الظالمة..
لكن الكولونيل لم يستجب لاستعطافها..ومن ثم.. إعدامها..
ودارت الأيام..وانتهت الحملة بعد أن قبضت أرواح المئات في تلك المدينة الصغيرة..
وتكفل الزمن بإسدال ستائر النسيان على ما حدث..
ونسي الناس..ولكن الكولونيل أبدا لم ينس..
ظلت صورة العجوز تقض مضجعه بقية حياته..
كان يصحو فزعا صارخا وقد تصبب جسده بالعرق..فتتجمع أسرته والخدم حوله..فيقول:
لقد جاءت لتقتلني..لقد لفت يديها حول عنقي..توسلت إليها أن تبتعد عني..ولكنها كانت تضحك ساخرة وتقول:
لا تخف..لن أقتلك..لن ألوث يدي بروح خبيثة مثلك..أنا فقط أنتظرك..أنتظرك..
ثم تبتعد وهي تطلق الضحكات المجلجلة..
صورة لقبر الكولونيل باك .. وصورة القدم واضحة عليه ؟
ثم ينهار الكولونيل في البكاء..ويحاول الجميع تهدئته..ولكن بلا جدوى..ويجافي النوم عينيه إلى الصباح..
وقبل أن يموت الكولونيل كانت وصيته أن تكون أحجار قبره ناصعة البياض من الذي لا تشوبه شائبة..
كيف لا وهو مؤسس المدينة وأغنى أغنيائها؟؟
وعندما مات، بذل ورثته جهدا جادا في تنفيذ وصيته..
وبعد اختيار أحجار القبر بعناية قام الورثة بوضع شاهد عند رأس القبر من الحجر الأبيض الناصع يرتفع عاليا في السماء تخليدا لذكرى الرجل..
ومرت الأيام..وكان حارس المقبرة هو أول من لاحظ ما طرأ من تغير..
من ثم أسرع إلى الكنيسة يبلغ القس الذي قام بدوره باستدعاء أقارب الكولونيل (باك)..
لقد ظهر للجميع بوضوح تلك التغييرات التي طرأت على حجر المقبرة والتي رسمت إطارا باهتا لقدم امرأة.. وأخذ الإطار الباهت يزداد وضوحا يوما بعد يوم..
أسرعت أسرة الراحل إلى استدعاء نحات الحجر الذي قام بنحت أحجار المقبرة من جديد، لإخفاء آثار قدم المرأة التي راحت ضحية الكولونيل الراحل.
لكن..
عادت الآثار للظهور بعد عدة أسابيع.. وانتشر الخبر بين الناس في المدينة..
واستدعى الورثة النحات مرة أخرى..وطلبوا منه تغيير الحجر كلية والاستعاضة عنه بحجر جديد..
ومع هذا ذهبت جهودهم سدى وعاد أثر قدم المرأة ليرتسم على الحجر من جديد وكأنه يتحدى الجميع..
عندها توقفت جهود الورثة.. ورضخوا أخيرا للأمر الواقع..
وما زال ذلك الحجر باقيا في مكانه حتى اليوم.. وقد انطبع عليه بوضوح ذلك الأثر..
آثر قدم امرأة مظلومة...
دليل البراءة
(جون دافيز)..شاب إنجليزي فقير تقطعت به سبل العيش..كان هائما شريدا في شوارع (لندن) في أوائل القرن التاسع عشر..وكان يتسول ليقتات لقيمات يقمن صلبه..
كان هذا حين وجدته السيدة ( إليزابيث باكستر)..وبدلا من أن تعطف عليه وتنصرف..وجدت فيه ضالتها..
فالسيدة (باكستر) كانت أرملة ثرية من (ويلز)..ورثت عن زوجها الراحل مزرعة مترامية الأطراف في مدينة (مونتجمري)..وكانت تبحث عمن يدير لها شئون المزرعة..لذلك وجدت ضالتها في (جون) وسرعان ما عرضت عليه الأمر فوافق على الفور..واصطحبته معها إلى (ويلز)..
احد القصور الضخمة في ويلز
ومارس (جون) عمله الجديد بكل همة ونشاط..وكان أمينا للغاية على المزرعة..فأحبته السيدة (باكستر) وقربته منها أكثر..مما أثار الضغينة في قلوب سكان المدينة..
كانوا يمقتون المكانة التي وصل إليها (جون) فضلا عن البغض الأزلي الذي يكنونه للإنجليز نتيجة النزعات والنزاعات القبلية القديمة بين السلت والساكسون..
لذلك لم يحظ (جون) بأي أصدقاء طيلة وجوده في (مونتجمري)..بل كان مكروها من الجميع..
وفي أحد الأيام..تأخر (جون) في المزرعة حتى غربت الشمس..وبينما كان عائدا إلى حجرته الملحقة بمنزل السيدة (باكستر) اعتدى عليه اثنان من اللصوص..استوليا على كيس نقوده وأوسعاه ضربا..حتى أغمي عليه..
وخوفا من أن يشكوهما إلى السلطات.. حملاه إلى مقر الشرطة..واتهماه بقطع الطريق على المسافرين..وحررا بلاغا بذلك..
عندما أفاق (جون) من إغمائه فوجئ بما حدث..
فثار وهاج وماج مقسما بأغلظ الأيمان أنه برئ وأنه هو المعتدى عليه وليس الجاني..محاولا بشتى السبل إثبات براءته ..ولكن..وكما لكم أن تتوقعوا..
لم يأخذ رجال الشرطة بأقوال ذلك الإنجليزي الغريب.. ومالوا إلى الأخذ بأقوال المعتدين لأنهما من أبناء (ويلز)..
وهكذا حكم على (دافيز) بالإعدام..وهي العقوبة المحددة لقطع الطريق في ذلك الوقت..
وهكذا وجد الشاب البريء نفسه معاقبا بالإعدام على تهمة لم يرتكبها..
لذلك لم ييأس الفتى..ومضى في احتجاجه على ذلك الحكم الظالم.. محاولا أن يبرئ نفسه من التهمة ولكن دون جدوى..
فلم يستمع إليه أحد..بل وجدها الجميع فرصة للتخلص من ذلك الإنجليزي وإشباع نوازعهم القبلية المحمومة..
وصبيحة يوم 2 سبتمبر 1821..حانت لحظة الإعدام..تجمهر الناس مطلقين صيحات الاستهجان أثناء اقتياد (جون) إلى المنصة..
وبعد أن وقف على المنصة.. رفع (جون دافيز) يده اليمنى إلى أعلى وصاح:
(سأموت وأنا أصلي طالبا من الله ألا ينمو زرع فوق قبري حتى يكون في هذا الدليل الدامغ على براءتي من التهمة التي ألصقت بي ظلما)..
وجرى تنفيذ الحكم..وأطلق الناس صرخات الانتصار..
وتم دفن الشاب في مدافن ساحة كنيسة (مونتجمري)..
ومرت أسابيع..
واكتشف أهل المدينة شيئا غريبا..
لقد كانت الحشائش تنمو فوق كل القبور وحولها..إلا قبر (دافيز)..
وانتشر الخبر بين أهل المدينة..وتذكر الجميع كلمات الفتى قبيل إعدامه..وسرى الاعتقاد ببراءته..
ولكن المسئولين لم يعترفوا بهذا الهراء على حد قولهم..وقرروا مجابهة الأمر بالعلم وعدم الاستسلام للخرافة..
فأسرعوا يأمرون بنقل تربة تنمو عليها الحشائش ووضعها فوق المقبرة..
وبدا الحل جيدا..
لكن الحشائش ما لبثت أن ذبلت وجفت..وعادت التربة فوق المقبرة جرداء بلا زرع..وبخاصة تلك الرقعة التي يرقد تحتها جثمان الفتى..
ولم ييأس المسئولون..
فأمروا بنثر أجود بذور الحشائش فوق التربة.. لكنها لم تنبت شيئا..
وبقيت المقبرة جرداء وكأنها تتحدى الجميع..
واستسلم الجميع للأمر..وحاولوا تناسي الموضوع برمته..وتشاغلوا عنه بأمور أخرى..ومرت السنون..
وفي عام 1851 عاد الموضوع ليطفو على سطح الأحداث من جديد..
سمع مسئول جديد بأمر المقبرة فتفتق ذهنه عن حل سحري..
لقد أمر بحرث تربة المقبرة بأكملها..وجرى تغطية المكان كله بتربة طازجة بارتفاع قدمين..وتم بذر أجود البذور بكثافة في التربة الجديدة..
وبالفعل في ظرف أسبوعين تحولت أرض المقبرة إلى بساط أخضر من الحشائش النضرة، فيما عدا الرقعة التي يرقد تحتها جثمان (جون دافيز)..
بل وفشلت كل الجهود المبذولة بعد ذلك في انتقاء أجود البذور وأجود أنواع التربة..وتغيير أنواع عدة منها..أو حتى تقوية التربة بأجود أنواع السماد..
فقد بقيت تلك الرقعة جرداء تماما..
وفي النهاية..اقتنع المسئولون والقساوسة الذين تعاقبوا على تلك الكنيسة بأن الأمر يفوق قدراتهم البشرية..
وقرروا أن يتركوا الطبيعة تأخذ مجراها..
كل ما فعلوه هو أن أحاطوا قبر (دافيز) بسياج خشبي..تم تركوا الفتى يرقد في سلام..
وهكذا بقيت تلك الرقعة من الأرض لا تنبت زرعا حتى يومنا هذا..
بقيت كدليل دائم على براءة ذلك الإنجليزي المظلوم..
شبح المحطة
في مدينة (طوخ) المصرية بمحافظة (الدقهلية)..حدثت واقعة أنقل في السطور التالية وقائعها كما سجلها القائم مقام (عقيد) (حسن إبراهيم الجارحي) في دفتر مذكراته وكان رحمة الله عليه قبل إحالته الي التقاعد عام 1948 من أكفأ رجال الشرطة المصرية..وقضي بقية عمره يروي ذكرياته ويكتب مذكراته حتى مات في يناير1965..
يقول القائم مقام (الجارحي):
(عندما تخرجت من (مدرسة البوليس) (كلية الشرطة) برتبة (ملازم ثاني) عينت في مركز (طوخ)..
وبعد أيام من تعييني..وفي عصر يوم من أيام الشتاء الباردة تعطل وابور (قطار) بضاعة قادم من (الإسكندرية) فتوقف علي الخط الرئيسي قبل محطة (طوخ) بحوالي ثلاثة كيلو مترات ولم يكن قد بقي علي مرور القطار السريع (الإكسبريس) المتجه إلى (القاهرة) سوى نصف ساعة..
إلا أن سائق قطار البضاعة تمكن من تنبيه سائق القطار السريع فخفف من سرعته حتى توقف..
ثم دفع قطار البضاعة أمامه حتى أدخله علي خط فرعي..ثم عاد ليواصل سيره بعد ذلك الي (القاهرة) بسلام..
وتقرر تخزين قطار البضاعة حتى الصباح انتظارا لمجيء قاطرة لجره..
كانت أول مشكلة تواجهني منذ تسلمت عملي كضابط.. فقد كلفني المأمور بحراسة القطار الذي تحمل عرباته آلاف الأجولة من القمح..
فقررت المبيت في غرفة ناظر المحطة لأتولى الإشراف علي الحراسة بنفسي..واصطحبت معي أربعة عساكر..
ووزعتهم على نقاط حراسة في المنطقة حول القطار..
في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل تقريبا دوت صرخة استغاثة..
سمعت بعدها وقع أقدام تهرول علي رصيف المحطة..
على الفور انطلقت خارج حجرة الناظر مستقصيا الأمر..فلم أجد شيئا..
فتشت الرصيف ذهابا وإيابا وأنا أحمل مسدسي متحفزا..
ولكن لا شيء سوء الظلام والسكون..فازداد توتري..
جمعت العساكر الأربعة..وحذرتهم من مغبة أن يكون أحدهم قد أطلق الصرخة علي سبيل المزاح السخيف.. وهددت بسجن من يثبت أنه فعل ذلك فأقسموا جميعا ببراءتهم..
بل إن أحدهم قال إنه سمع مثل ذلك في ليال سابقة عندما كان يتواجد للخدمة في المحطة في بعض المناسبات.. ولكنه خشي أن يتكلم سابقا حتى لا يتم اتهامه بالجنون ويفصل من الخدمة..
ولكنني نهرته وطلبت من العساكر العودة إلي أماكنهم التي كنت قد حددتها لهم..وتوجهت إلي غرفة الناظر وأنا أعاني من إحساس حقيقي بالاضطراب المختلط بالخوف وجلست خلف المكتب متحفزا..
وبعد حوالي نصف ساعة حدث ما يلي..
انفتح باب الغرفة ببطء ليدخل منه ما بدا لي أنه جسد إنسان من ضباب ولكنه بغير رأس.. وتقدم نحوي بخطوات ثابتة، حتي توقف أمامي لا يفصله عني سوي المكتب..
ثم تناول القلم، وكتب علي ورقة بسرعة رهيبة وبخط مضطرب:
(أنا (عبد التواب مصيلحي).. ذبحني اثنين حرامية (لصان ملثمان) من 3 شهور..وسرقوا 3000 جنيه كنت واخدها من الحاج (أحمد عبد الغفار) اللي أنا شغال عنده عشان أحطها في حسابه في فرع (بنك مصر) ببنها.. ودفنوا رأسي علي بعد 6متر من رصيف المحطة من الجهة القبلية.. وحطوا جسمي على سكة القطر من غير ما حد يشوفهم.. عايز رأسي تندفن مع جسمي عشان أرتاح)
ويستمر كاتب المذكرات في روايته الغريبة فيقول:
سقط القلم فوق الورقة.. واختفى الجسد من الغرفة..كل هذا وأنا متجمد من الرعب لم أحرك ساكنا..
وإن كنت أقاوم بصعوبة بالغة شعوري بالغثيان والدوار الذي يكتنفني حتى لا أسقط مغميا علي ويفتضح أمري بين العساكر..
وبعد ثوان دوت الصرخة من جديد وتبعها صوت الأقدام تهرول بعنف علي الرصيف وأنا في مكاني فوق الكرسي لا اقوي علي الحركة..
ومع أول خيوط الفجر..أفقت من ذهولي وأحسست أن قلبي قد عاد ينبض من جديد..
كنت أتمنى أن يكون ما حدث مجرد حلم..ولكن الورقة التي أمامي تنفي ذلك نفيا قاطعا..
أمسكت الورقة بأصابع مرتجفة وقرأتها عدة مرات.. وبدأت أستعيد نفسي وأفكر بعمق..
كان من المستحيل بطبيعة الحال أن أرفض تصديق ما حدث بعد أن رأيته بعيني وسمعته بأذني..
وكان من المستحيل كذلك إبلاغ المأمور بما جاء في الورقة التي كتبها (عفريت)..
وبقيت أياما أعاني من التوتر والحيرة..قبل أن اهتدي الي الحل..
فكتبت علي الآلة الكاتبة بلاغا للنائب العام بتوقيع فاعل خير..
ذكرت فيه تفاصيل واقعة القتل والسرقة ومكان دفن الرأس..
وبالطبع دارت الأمور في دورتها الطبيعية..
وحضر رجال المباحث والنيابة لجمع التحريات وإجراء التحقيقات مع بعض الأشقياء المشتبه فيهم..
كنت حريصا علي مرافقتهم أثناء بحثهم عن الرأس المدفون بالقرب من رصيف المحطة..
وكانت المفاجأة مذهلة لي دون الجميع عندما تم العثور علي جمجمة في نفس المكان الذي حدده (العفريت)..
أما المفاجأة الثانية فكانت ما جاء في تقرير الطبيب الشرعي بعد ذلك..
فقد أفاد بأن الجمجمة هي لجثة القتيل (عبد التواب مصيلحي) التي تم العثور عليها ملقاة علي قضبان السكة الحديد منذ ثلاثة أشهر وقد مزقها القطار..
وتم التعرف عليها يومئذ بواسطة أسرته عن طريق الوشم المكتوب علي الساعد الأيمن
ويختتم القائم مقام الجارحي روايته بقوله:
أذنت النيابة بعد انتهاء التحقيق بتسليم الجمجمة إلي أسرة القتيل لدفنها مع جثته في قبره..
ومنذ ذلك اليوم اختفى تماما صوت صرخات الاستغاثة والأقدام المهرولة علي رصيف محطة (طوخ)..
أما الورقة التي كتبها (العفريت) فمازلت احتفظ بها معي..
بقلم : د. مؤمن احمد عباس
ك ا ب و س