عليك أن تعيرني اهتمامك وأن تقرأ قصصي جيدا وتتفاعل معها لكي لا تغضب العفاريت فتزورك في حجرة نومك!
عفاريت الصعيد
الصعيد تلك الأرض الساحرة القديمة تغص بالأسرار
كلنا مازلنا نتذكر حكايات من التراث الشفوي القديم التي ترويها لنا الجدة في أجواء الليل المليء بالإثارة والرعب، واليوم سوف اسرد عليكم ما تم تثبته في ذاكرتي من تلك الحكايات
العفريت والأرض
جدي كان رجلا صعيديا طيبا
في احد ليالي الصقيع القارص جلست مع جدتي العجوز وهي ملتحفة بعباءتها الصوف نستمتع معا بشرب الشاي الساخن أمام الموقد، فقلت في خاطري سوف احصل الليلة على أمسية مذهلة واستدرج الجدة لسرد الحكايات عن العفاريت فهي بالفعل موسوعة قصص وحكايات.
أخذت رشفة شاي وقلت : لقد تأخر والدي في الحقل يا جدة وأنا أخاف عليه من العفاريت
فضحكت الجدة وقالت : لا تخف فوالدك قلبه قوى لا يهاب من أي شيء .. طالع مثل جدك تمام .. ثم تنهدت الجدة وقالت وهي تستذكر إحدى حكاياتها القديمة والعجيبة : ذات يوم تعاهد جدك مع أخيه إبراهيم لري الأرض معا
ذهبا لسقي الأرض معا
صمتت الجدة ونظرت إلي قائلة : هل تدرى من سمع حديثهما ؟! فارتعبت لأني اعلم الإجابة لكن لساني عجز عن النطق فاسترسلت الجدة قائلة : وبعد منتصف الليل جاء إبراهيم ونادى على جدك ليذهبوا معا لري الأرض وحمل كل واحد منهم بدالته على كتفه - البدالة هي آلة بدائية لسحب المياه من الترع - وكان إبراهيم صامت لا يتحدث طوال الطريق متقدما في خطاه وجدك يتبعه حتى وصلوا الأرض وبدءوا العمل في ريها وسقايتها .. الغريب أن جدك كان يروي قيراط مقابل عشرات الأقرطة يرويها أخيه إبراهيم.
وحين انتهى إبراهيم من الري حمل بدالته على كتفه ثم قال لجدك : سوف اذهب الآن قبل حلول الفجر وأنت خلص وتعال على مهلك.
وعند عودة جدك في الصباح وجد أخيه إبراهيم في البيت متأسفا، لقد غلبه النوم ونسى عهده وموعده .. فضحك جدك وعلم إن الذي كان يساعد إبراهيم في ري الأرض لم يكن إلا عفريت.
عفريتة التنور
أجد الفرن ساخنا وبجانبه قليل من الخبز
أعطني يا ولدى كسرة بتاو - البتاو نوع من الخبز في صعيد مصر- .. قالت الجدة فأعطيتها كسرة البتاو وما أحلاه مع الشاي فأخذت الجدة قضمة وقالت : لم أذق في حياتي أشهى من بتاو العفريته .. فارتعشت أوصالي وقلت : وما قصة بتاو العفريته يا جدة ؟.
قالت الجدة : ذات يوم كنت اخبز الخبيز في الفرن بالطابق الأعلى وبعد الانتهاء تذكرت أني نسيت وعاء العجين ولم أقم بغسله فصعدت للأعلى لأحضره وإذا بي أجد واحدة ست جالسة تخبز أمام الفرن وأولادها يلعبون حواليها وعندما التقت أعيننا رأيت النار تتراقص في عينيها الحمرواتين .. فتشجعت وقلت لها لا تخافي استمري في الخبيز فانا انتهيت من الفرن ثم خرجت وتركتها لتنهي خبيزها
وفى الصباح وجدت خبزا شهيا بجانب الفرن .. و أوقات كثيرة يا ولدى أجد الفرن ساخنا ويوجد بجانبه قليل من الخبز
لا تنم أمام الباب
أخيرا غلبني النعاس اللعين فاستأذنت جدتي ومددت جسدي الصغير أمام باب الغرفة وإذا بجدتي تناديني منزعجة : لا تنام أمام الباب حتى لا يحدث لك مثل ما حدث معي
فارتعبت وطار النوم من عيني كالجبان وهرعت إلى حضن جدتي فلفت يديها العجوزتين حولي بدف وقالت : ذات يوم من أيام الصيف الحار عندما كنت في مثل سنك نمت أمام عتبة البيت على ضوء القمر كما كان أهل القرية يفعلون في ذالك الزمان وفى منتصف الليل استيقظت على صوت دوي أقدام لشخصين ضخام البنية متجهين رأسا إلى بيتنا فأغمضت عيني وادعيت النوم ولما اقتربوا منى أراد واحد منهم أن يعبر من فوقى فمنعه الآخر قائلا : إذا عبرنا من فوقها فسوف نؤذى الفتاة
ثم انحنى وحملني ووضعني جانبا وعبروا إلى داخل البيت وتلاشوا كبخار يظهر قليلا ثم يضمحل
العفريته التي أحبت جدي
العفريته الجميلة أحبت جدي وارادت أن تتزوجه
والآن حاول أن تنام لنذهب في الصباح معا لزيارة قبر جدك .. قالت الجدة وهي تربت بلطف على رأسي فأجبتها قائلا : حاضر يا جدة .. لكن هل كان جدي رجل طيب مثلك هكذا؟.
فنظرت إلي الجدة بحنو وقالت : كان رجلا طيبا للغاية و ذو هيبة تقع على كل من يراه حتى أن ملكة الجان أحبته و أرادت أن تأخذه مني.
ماذا ؟ .. ملكة الجان أحبته ؟ .. قلت أنا متعجبا.
فردت الجدة : ولماذا الاستغراب يا ولدى ؟ .. جدك كان له عادة أن يطلق البخور في أرجاء البيت لتكون رائحته طيبه .. وفي إحدى الليالي وبينما هو يبخر وإذا بطاقة تنفتح أمامه من العدم لتخرج منها فتاة جميلة وخلفها عبد اسود اللون.
الفتاة الجميلة قالت لجدك : أنا أحببتك وسوف تكون زوج لي.
فارتعب جدك من هول المنظر وتلعثم في الكلام قبل أن يرد قائلا : لكني متزوج .. فقالت الفتاة : أنا اعلم بأنك متزوج وسوف أقوم بزيارة زوجتك لآخذ الإذن منها ثم اختفت من أمام جدك الذي هرع إلي وقص علي كل ما حدث فقلت له باستنكار وأنا غير مصدقة : الم تجد من بين الرجال غيرك .. أهي عمياء حتى تعجب بك ؟.
فقال لي جدك : حسنا انتظري زيارتها حتى تتأكدي من صدق قولي وكلامي.
ثم تنهدت الجدة وقالت : وفي إحدى الليالي بينما كنت نائمة لوحدي في المنزل وإذا بفتاة بارعة الجمال تدخل إلى غرفتي وخلفها عبد اسود اللون غليظ الشفتين. الفتاة ألقت علي التحية وعندما رفعت ذراعي لأرد التحية لم استطع .. حتى لساني امسك عن الكلام.
الفتاة قالت : أنا اعلم انك امرأة طيبه ذات قلب ابيض وأنا أحببت زوجك وأريده لنفسي.
قالت الجدة : فأحنيت رأسي بالموافقة خوفا من أن تؤذيني وتلاشت من أمامي كالضباب الثقيل وتلاشى معها كل إرباك حدث لجسدي وآمنت بصدق الحكاية.
جدي خاف أن يأخذ الزلعة
ثم مرت الأيام والأسابيع وفى يوم ظهرت الفتاة لجدك لوحدها بدون العبد الأسود وكانت تحمل بين يديها زلعة من الفخار وقالت لجدك : خذ هذه الزلعة بسرعة قبل أن يأتي العبد من السودان .. إنها مليئة بالذهب.
فخاف جدك ورفض أن يأخذها وقال لها هذه الزلعة مليئة بالثعابين والعقارب أنتِ تريدين قتلى .. ابعدي عنى.
فاختفت الفتاة على الفور ولم تعد تظهر بعد ذالك اليوم.
وهنا سكتت الجدة ثم قالت لي بصوتها الدافئ الحنون : يكفى حكايات هذه الليلة ولتخلد للنوم .. ثم وضعتني في الفراش .. لكن هيهات .. فبعد هذه القصص المرعبة يأبى النوم أن يداعب أجفاني وأظل طوال الليل منكمشا أسفل غطائي، كانت هذه القصص تملئ أمسياتي رعبا وتكسو أحلامي بلونها الرمادي وصور العفاريت التي تترأى في مخيلتي .. انه الخوف الطفولي البريء .. كانت حكايات الجدة كافية لأن تقذف بي في لجة الهلع لأعيش القصة واقعا مرعبا .. فالخوف يظل أقوى شعور يربك الإنسان.
جدتي الحنون .. رحلت وبقت ذكراها عطرة ..
وذات يوما استيقظت على صراخ والدتي وبكاء أبي .. لقد رحلت جدتي الحنونة وأخذت معها روائح الماضي الجميل .. رحلت الجدة التي طالما تجمعنا من اجلها ... رقدت بسلام أخيرا.
صديقي عصام ركبه عفريت
ومرت السنوات مسرعة وكبرت .. وفى احد الأيام كنت جالسا في غرفتي أداعب ذاكرتي وأدغدغ مشاعر الزمن العتيق وإذا بالهاتف يرن ...
- ألو نعم ..
- تعال بسرعة أنا أم عصام ..
- خير ماذا حدث ؟ ..
- عصام ركبوا العفريت (أي تلبسه أو مسه شيطان ) ..
فأغلقت السماعة وركضت سريعا إلى منزل صديقي عصام فهو لا يبعد كثيرا عن منزلي، فوجدت الباب مفتوح وأصوات النحيب تخرج منه فدخلت وتوجهت لغرفة النوم حيث مصدر الصوت فوجدت عصام ممدا على السرير يتكلم بكلمات مبهمة وحركات غير طبيعية ... نعم لقد ركبه عفريت.
طرقنا أبواب الطب الذي طالما لا يؤمن بهذه الأمور الخرافية وكان تشخيصه صدمه عصبيه .. وقطعنا شوطا في العلاج من دون جدوى حتى ألجئنا اليأس إلى طرق أبواب رجال الدين ... هنا آيات تتلا ....وهنا تسابيح وتراتيل ... حتى انعم الله عليه بالشفاء التام وتعافى تماما ..
مازالت محافظة على الرونق الفرعوني القديم ..
وفي ليلة جلست معه احتفالا بشفائه حتى خلى المكان من الأصدقاء فنظرت له وابتسم هو كأنه عرف ماذا أريد وقال : حاضر .. سوف اسرد عليك ما حدث .. ثم تنهد وأطرق متأملا إلى الأرض ليجمع شتات أحداث ذلك اليوم المشئوم قبل أن ينظر إلي قائلا : لقد تمت دعوتي لحضور عرس احد أصدقاء الدراسة وكان منزله في إحدى القرى المجاورة وبالفعل ذهبت إلى بلدته ولأني غريب سألت احد الأشخاص لكي يدلني على المنزل فقال لي اتبعني سوف أرشدك ومشينا معا ..
وفى الطريق اخذ هذا الرجل يتحدث في أمور كثيرة وكان ثرثارا للغاية فلم أعيره أي اهتمام ولم أبالي كثيرا بما يقول بل كنت مشغولا ومأخوذا بجمال تلك القرية العتيقة التي مازالت تحافظ على الرونق الفرعوني .. ثم انتبهت فجأة إلى صوت الرجل وهو يقول : صاروا الآن ثلاثة قتلى في شهر واحد.
فقلت : أي قتلى ؟!.
فرد الرجل باستغراب : يبدو انك لم تعيرني اهتمام عندما كنت أقص عليك حكاية القتلى الثلاثة الذين قتلوا في بلدنا .. أحدهم لقيناه مفصول الرأس .. والثاني مفقوء العينين .. والثالث مبقور البطن ..
ثم توقف الرجل عن الكلام أخيرا وأشار بيده إلى أحد المنازل قائلا : هذا هو المنزل الذي تريده .. فشكرته وتوجهت للمنزل حيث قوبلت بترحاب حار من الجميع واستمتعت بعرس صديقي حتى سرقني الوقت وخيم الليل على المكان ولم أجد سيارة للعودة لمنزلي.
لماذا لم تعر الرجل اهتماما ؟ ..
فاقترح احدهم أن أبيت عندهم وفى الصباح انطلق عائدا للبيت. وبالفعل دخلت إحدى غرف منزل صديقي لأقضي ليلتي فيه .. كانت غرفة واسعة للغاية سقفها عالي جدا وحوائطها قديمه ومزخرفة ببعض الرسومات وبها سرير قديم والى جواره كرسي من الخيزران فجلست على الكرسي وأشعلت سيجارة وما أن انتهيت منها حتى ارتميت على السرير وأغمضت عيني وغصت في النوم .... وفى منتصف الليل شعرت بهواء ساخن يضرب على وجهي ففتحت عيني لأجد شخص جالس على الكرسي بجواري وكان مبقور البطن واثنان واقفين خلفه واحد مفقوء العينين والآخر بدون رأس! ..
تكلم الشخص الذي كان جالسا بجواري قائلا بغضب وهو يحدق في وجهي : لماذا لم تعير الرجل اهتماما وهو يحدثك عنا؟.
فصرخت من الرعب وفقدت الوعي في الحال وفى الصباح أخذوني للمنزل وأنت تعرف باقي القصة.
بقلم : باسم الصعيدي
ك ا ب و س
عفاريت الصعيد
الصعيد تلك الأرض الساحرة القديمة تغص بالأسرار
كلنا مازلنا نتذكر حكايات من التراث الشفوي القديم التي ترويها لنا الجدة في أجواء الليل المليء بالإثارة والرعب، واليوم سوف اسرد عليكم ما تم تثبته في ذاكرتي من تلك الحكايات
العفريت والأرض
جدي كان رجلا صعيديا طيبا
في احد ليالي الصقيع القارص جلست مع جدتي العجوز وهي ملتحفة بعباءتها الصوف نستمتع معا بشرب الشاي الساخن أمام الموقد، فقلت في خاطري سوف احصل الليلة على أمسية مذهلة واستدرج الجدة لسرد الحكايات عن العفاريت فهي بالفعل موسوعة قصص وحكايات.
أخذت رشفة شاي وقلت : لقد تأخر والدي في الحقل يا جدة وأنا أخاف عليه من العفاريت
فضحكت الجدة وقالت : لا تخف فوالدك قلبه قوى لا يهاب من أي شيء .. طالع مثل جدك تمام .. ثم تنهدت الجدة وقالت وهي تستذكر إحدى حكاياتها القديمة والعجيبة : ذات يوم تعاهد جدك مع أخيه إبراهيم لري الأرض معا
ذهبا لسقي الأرض معا
صمتت الجدة ونظرت إلي قائلة : هل تدرى من سمع حديثهما ؟! فارتعبت لأني اعلم الإجابة لكن لساني عجز عن النطق فاسترسلت الجدة قائلة : وبعد منتصف الليل جاء إبراهيم ونادى على جدك ليذهبوا معا لري الأرض وحمل كل واحد منهم بدالته على كتفه - البدالة هي آلة بدائية لسحب المياه من الترع - وكان إبراهيم صامت لا يتحدث طوال الطريق متقدما في خطاه وجدك يتبعه حتى وصلوا الأرض وبدءوا العمل في ريها وسقايتها .. الغريب أن جدك كان يروي قيراط مقابل عشرات الأقرطة يرويها أخيه إبراهيم.
وحين انتهى إبراهيم من الري حمل بدالته على كتفه ثم قال لجدك : سوف اذهب الآن قبل حلول الفجر وأنت خلص وتعال على مهلك.
وعند عودة جدك في الصباح وجد أخيه إبراهيم في البيت متأسفا، لقد غلبه النوم ونسى عهده وموعده .. فضحك جدك وعلم إن الذي كان يساعد إبراهيم في ري الأرض لم يكن إلا عفريت.
عفريتة التنور
أجد الفرن ساخنا وبجانبه قليل من الخبز
أعطني يا ولدى كسرة بتاو - البتاو نوع من الخبز في صعيد مصر- .. قالت الجدة فأعطيتها كسرة البتاو وما أحلاه مع الشاي فأخذت الجدة قضمة وقالت : لم أذق في حياتي أشهى من بتاو العفريته .. فارتعشت أوصالي وقلت : وما قصة بتاو العفريته يا جدة ؟.
قالت الجدة : ذات يوم كنت اخبز الخبيز في الفرن بالطابق الأعلى وبعد الانتهاء تذكرت أني نسيت وعاء العجين ولم أقم بغسله فصعدت للأعلى لأحضره وإذا بي أجد واحدة ست جالسة تخبز أمام الفرن وأولادها يلعبون حواليها وعندما التقت أعيننا رأيت النار تتراقص في عينيها الحمرواتين .. فتشجعت وقلت لها لا تخافي استمري في الخبيز فانا انتهيت من الفرن ثم خرجت وتركتها لتنهي خبيزها
وفى الصباح وجدت خبزا شهيا بجانب الفرن .. و أوقات كثيرة يا ولدى أجد الفرن ساخنا ويوجد بجانبه قليل من الخبز
لا تنم أمام الباب
أخيرا غلبني النعاس اللعين فاستأذنت جدتي ومددت جسدي الصغير أمام باب الغرفة وإذا بجدتي تناديني منزعجة : لا تنام أمام الباب حتى لا يحدث لك مثل ما حدث معي
فارتعبت وطار النوم من عيني كالجبان وهرعت إلى حضن جدتي فلفت يديها العجوزتين حولي بدف وقالت : ذات يوم من أيام الصيف الحار عندما كنت في مثل سنك نمت أمام عتبة البيت على ضوء القمر كما كان أهل القرية يفعلون في ذالك الزمان وفى منتصف الليل استيقظت على صوت دوي أقدام لشخصين ضخام البنية متجهين رأسا إلى بيتنا فأغمضت عيني وادعيت النوم ولما اقتربوا منى أراد واحد منهم أن يعبر من فوقى فمنعه الآخر قائلا : إذا عبرنا من فوقها فسوف نؤذى الفتاة
ثم انحنى وحملني ووضعني جانبا وعبروا إلى داخل البيت وتلاشوا كبخار يظهر قليلا ثم يضمحل
العفريته التي أحبت جدي
العفريته الجميلة أحبت جدي وارادت أن تتزوجه
والآن حاول أن تنام لنذهب في الصباح معا لزيارة قبر جدك .. قالت الجدة وهي تربت بلطف على رأسي فأجبتها قائلا : حاضر يا جدة .. لكن هل كان جدي رجل طيب مثلك هكذا؟.
فنظرت إلي الجدة بحنو وقالت : كان رجلا طيبا للغاية و ذو هيبة تقع على كل من يراه حتى أن ملكة الجان أحبته و أرادت أن تأخذه مني.
ماذا ؟ .. ملكة الجان أحبته ؟ .. قلت أنا متعجبا.
فردت الجدة : ولماذا الاستغراب يا ولدى ؟ .. جدك كان له عادة أن يطلق البخور في أرجاء البيت لتكون رائحته طيبه .. وفي إحدى الليالي وبينما هو يبخر وإذا بطاقة تنفتح أمامه من العدم لتخرج منها فتاة جميلة وخلفها عبد اسود اللون.
الفتاة الجميلة قالت لجدك : أنا أحببتك وسوف تكون زوج لي.
فارتعب جدك من هول المنظر وتلعثم في الكلام قبل أن يرد قائلا : لكني متزوج .. فقالت الفتاة : أنا اعلم بأنك متزوج وسوف أقوم بزيارة زوجتك لآخذ الإذن منها ثم اختفت من أمام جدك الذي هرع إلي وقص علي كل ما حدث فقلت له باستنكار وأنا غير مصدقة : الم تجد من بين الرجال غيرك .. أهي عمياء حتى تعجب بك ؟.
فقال لي جدك : حسنا انتظري زيارتها حتى تتأكدي من صدق قولي وكلامي.
ثم تنهدت الجدة وقالت : وفي إحدى الليالي بينما كنت نائمة لوحدي في المنزل وإذا بفتاة بارعة الجمال تدخل إلى غرفتي وخلفها عبد اسود اللون غليظ الشفتين. الفتاة ألقت علي التحية وعندما رفعت ذراعي لأرد التحية لم استطع .. حتى لساني امسك عن الكلام.
الفتاة قالت : أنا اعلم انك امرأة طيبه ذات قلب ابيض وأنا أحببت زوجك وأريده لنفسي.
قالت الجدة : فأحنيت رأسي بالموافقة خوفا من أن تؤذيني وتلاشت من أمامي كالضباب الثقيل وتلاشى معها كل إرباك حدث لجسدي وآمنت بصدق الحكاية.
جدي خاف أن يأخذ الزلعة
ثم مرت الأيام والأسابيع وفى يوم ظهرت الفتاة لجدك لوحدها بدون العبد الأسود وكانت تحمل بين يديها زلعة من الفخار وقالت لجدك : خذ هذه الزلعة بسرعة قبل أن يأتي العبد من السودان .. إنها مليئة بالذهب.
فخاف جدك ورفض أن يأخذها وقال لها هذه الزلعة مليئة بالثعابين والعقارب أنتِ تريدين قتلى .. ابعدي عنى.
فاختفت الفتاة على الفور ولم تعد تظهر بعد ذالك اليوم.
وهنا سكتت الجدة ثم قالت لي بصوتها الدافئ الحنون : يكفى حكايات هذه الليلة ولتخلد للنوم .. ثم وضعتني في الفراش .. لكن هيهات .. فبعد هذه القصص المرعبة يأبى النوم أن يداعب أجفاني وأظل طوال الليل منكمشا أسفل غطائي، كانت هذه القصص تملئ أمسياتي رعبا وتكسو أحلامي بلونها الرمادي وصور العفاريت التي تترأى في مخيلتي .. انه الخوف الطفولي البريء .. كانت حكايات الجدة كافية لأن تقذف بي في لجة الهلع لأعيش القصة واقعا مرعبا .. فالخوف يظل أقوى شعور يربك الإنسان.
جدتي الحنون .. رحلت وبقت ذكراها عطرة ..
وذات يوما استيقظت على صراخ والدتي وبكاء أبي .. لقد رحلت جدتي الحنونة وأخذت معها روائح الماضي الجميل .. رحلت الجدة التي طالما تجمعنا من اجلها ... رقدت بسلام أخيرا.
صديقي عصام ركبه عفريت
ومرت السنوات مسرعة وكبرت .. وفى احد الأيام كنت جالسا في غرفتي أداعب ذاكرتي وأدغدغ مشاعر الزمن العتيق وإذا بالهاتف يرن ...
- ألو نعم ..
- تعال بسرعة أنا أم عصام ..
- خير ماذا حدث ؟ ..
- عصام ركبوا العفريت (أي تلبسه أو مسه شيطان ) ..
فأغلقت السماعة وركضت سريعا إلى منزل صديقي عصام فهو لا يبعد كثيرا عن منزلي، فوجدت الباب مفتوح وأصوات النحيب تخرج منه فدخلت وتوجهت لغرفة النوم حيث مصدر الصوت فوجدت عصام ممدا على السرير يتكلم بكلمات مبهمة وحركات غير طبيعية ... نعم لقد ركبه عفريت.
طرقنا أبواب الطب الذي طالما لا يؤمن بهذه الأمور الخرافية وكان تشخيصه صدمه عصبيه .. وقطعنا شوطا في العلاج من دون جدوى حتى ألجئنا اليأس إلى طرق أبواب رجال الدين ... هنا آيات تتلا ....وهنا تسابيح وتراتيل ... حتى انعم الله عليه بالشفاء التام وتعافى تماما ..
مازالت محافظة على الرونق الفرعوني القديم ..
وفي ليلة جلست معه احتفالا بشفائه حتى خلى المكان من الأصدقاء فنظرت له وابتسم هو كأنه عرف ماذا أريد وقال : حاضر .. سوف اسرد عليك ما حدث .. ثم تنهد وأطرق متأملا إلى الأرض ليجمع شتات أحداث ذلك اليوم المشئوم قبل أن ينظر إلي قائلا : لقد تمت دعوتي لحضور عرس احد أصدقاء الدراسة وكان منزله في إحدى القرى المجاورة وبالفعل ذهبت إلى بلدته ولأني غريب سألت احد الأشخاص لكي يدلني على المنزل فقال لي اتبعني سوف أرشدك ومشينا معا ..
وفى الطريق اخذ هذا الرجل يتحدث في أمور كثيرة وكان ثرثارا للغاية فلم أعيره أي اهتمام ولم أبالي كثيرا بما يقول بل كنت مشغولا ومأخوذا بجمال تلك القرية العتيقة التي مازالت تحافظ على الرونق الفرعوني .. ثم انتبهت فجأة إلى صوت الرجل وهو يقول : صاروا الآن ثلاثة قتلى في شهر واحد.
فقلت : أي قتلى ؟!.
فرد الرجل باستغراب : يبدو انك لم تعيرني اهتمام عندما كنت أقص عليك حكاية القتلى الثلاثة الذين قتلوا في بلدنا .. أحدهم لقيناه مفصول الرأس .. والثاني مفقوء العينين .. والثالث مبقور البطن ..
ثم توقف الرجل عن الكلام أخيرا وأشار بيده إلى أحد المنازل قائلا : هذا هو المنزل الذي تريده .. فشكرته وتوجهت للمنزل حيث قوبلت بترحاب حار من الجميع واستمتعت بعرس صديقي حتى سرقني الوقت وخيم الليل على المكان ولم أجد سيارة للعودة لمنزلي.
لماذا لم تعر الرجل اهتماما ؟ ..
فاقترح احدهم أن أبيت عندهم وفى الصباح انطلق عائدا للبيت. وبالفعل دخلت إحدى غرف منزل صديقي لأقضي ليلتي فيه .. كانت غرفة واسعة للغاية سقفها عالي جدا وحوائطها قديمه ومزخرفة ببعض الرسومات وبها سرير قديم والى جواره كرسي من الخيزران فجلست على الكرسي وأشعلت سيجارة وما أن انتهيت منها حتى ارتميت على السرير وأغمضت عيني وغصت في النوم .... وفى منتصف الليل شعرت بهواء ساخن يضرب على وجهي ففتحت عيني لأجد شخص جالس على الكرسي بجواري وكان مبقور البطن واثنان واقفين خلفه واحد مفقوء العينين والآخر بدون رأس! ..
تكلم الشخص الذي كان جالسا بجواري قائلا بغضب وهو يحدق في وجهي : لماذا لم تعير الرجل اهتماما وهو يحدثك عنا؟.
فصرخت من الرعب وفقدت الوعي في الحال وفى الصباح أخذوني للمنزل وأنت تعرف باقي القصة.
بقلم : باسم الصعيدي
ك ا ب و س