أغلب الناس لديهم ايمان بوجود حياة أخرى بعد الموت لكن هل أحدهم دخل العالم الآخر ورجع هذا هو أعظم سؤال في تاريخ البشرية . اللغز الذي أعيا العلماء والعباقرة والفلاسفة لكن الواقع يقول بأن أحدا لم يذهب إلى الطرف الآخر وعاد ليخبرنا بما حصل معه بالضبط .
لذلك ومن اجل فك طلاسم هذا اللغز , لجأ البعض إلى البحث عن دلائل وإشارات يمكن أن تقود إلى معرفة ما يجري للبشر بعد الموت , وتم التركيز بشكل خاص على ما يسمى بتجارب الاقتراب من الموت التي حدثت لأناس فارقوا الحياة مؤقتا لأسباب شتى , مما أتاح لهم قضاء دقائق قليلة في عالم الأموات شاهدوا خلالها أمورا تتفق بشكل أو آخر مع تصوراتنا المسبقة عن العالم الآخر .. كرؤية نور ساطع يغشى الأبصار مع شعور لا يوصف بالسكينة والراحة وأحيانا رؤية الأهل والأقارب الميتون .. وغيرها من الأمور ..
لكن رغم كل الشهادات والقصص الموثقة فأن بعض العلماء والأطباء لديهم شكوكهم , إذ يرى هؤلاء بأن كل تلك التجارب هي في الحقيقة انعكاس للهلوسة الذهنية التي تصيب الدماغ المحتضر في لحظاته الأخيرة قبل أن يقوم بإطفاء نفسه .
لكن بغض النظر عما يقوله العلماء الماديين فأن معظم الناس لم يتوقفوا يوما عن الإيمان بوجود ذلك العالم المنشود الذي تذهب أرواحهم إليه لتعيش الخلود الأبدي . ولم يتورع بعضهم عن خوض تجارب في غاية الغرابة لتعضيد إيمانهم . وهو بالضبط ما سنتطرق إليه في هذا المقال .. أي أكثر التجارب غرابة وجنونا لإثبات وجود العالم الآخر .
السيد توماس برادفورد ؟
في مساء السادس من شباط / فبراير عام 1921 جلس المهندس الكهربائي توماس لين برادفورد ليتناول عشاءه بمفرده كما أعتاد أن يفعل كل مساء , وبعد أن أكمل تناول طعامه جلس على أريكته ليدخن السيجار ويرتشف قهوته بهدوء , وما أن انتهى من ذلك حتى قام فأشعل الموقد النفطي ثم كسر الأنبوب الذي يسحب الدخان من الموقد إلى الخارج الشقة , ثم أغلق جميع الأبواب والنوافذ بأحكام شديد , وعاد فتمدد على أريكته في غرفة الجلوس حتى غلبه النعاس فغط في نوم طويل لم يصحو منه أبدا .
جثة السيد برادفورد اكتشفت في اليوم التالي في شقته بمدينة ديترويت الأمريكية , وقد عثرت الشرطة على رسالة فوق آلته الطابعة تشرح أسباب انتحاره , وهذه الأسباب تتلخص في سعيه لإثبات وجود حياة أخرى بعد الموت ... كيف ؟ .. هذا هو السؤال الذي سعى المحققون للعثور على إجابة له حتى توصلوا إلى أن السيد برادفورد كان يبدي اهتماما بالغا بالمسائل الروحية , وقد نشر إعلانا مقتضبا في إحدى الجرائد قبل واقعة انتحاره بأربعة أسابيع يبحث فيه عن شخص : " تكون لديه اهتمامات بالعلوم الروحانية " .
وبعد عدة أيام على نشر الإعلان تلقى السيد برادفورد برقية من سيدة تدعى روث دوران تعرض التعاون معه . في الحقيقة السيدة دوران لم تكن لها أية ميول روحانية لكن ردها على الإعلان كان بحسب ما قالته لاحقا : "مجرد نزوة" .
السيد برادفورد والسيدة دوران التقيا عدة مرات , وبحسب ما قالته السيدة دوران للشرطة فأنها لم تكن تعلم أبدا بأن السيد برادفورد سيقتل نفسه , ولم يخبرها هو بأي شيء عن الانتحار , كل ما علمته منه بأن هناك تجربة روحية عظيمة على وشك البدء , وبأنه سيتصل بها قريبا ليعطيها تعليمات حول دورها في التجربة .
في الحقيقة السيدة دوران لم تعلم بطبيعة تلك التجربة والتعليمات إلا من الشرطة التي أطلعتها على رسالة الانتحار التي تركها السيد برادفورد وراءه . والتي كتب فيها بأن كشف لغز الموت يحتاج لعقلين متناغمين , يبقى أحدهم على الأرض فيما يذهب الثاني إلى العالم الآخر , ومن هناك يجري اتصالا بصاحبه على الأرض ليخبره بتفاصيل وأسرار ما يحدث بعد الموت .
يالها من فكرة مجنونة !! .. والعجيب أن السيد برادفورد وضعها موضع التنفيذ فعلا فقتل نفسه لكي يتصل لاحقا بالسيدة دوران من العالم الآخر فيثبت للجميع بأنه هناك فعلا حياة بعد الموت .
ورغم أن السيدة دوران أبعدت عن نفسها كل شبهة تواطؤ أو تحريض للسيد برادفورد على قتل نفسه , لكنها كانت مؤمنة بأن تجربته ستنجح , وبأن روحه ستتصل بها من العالم الآخر , حتى أنها قالت للصحفيين : " أنا صديقته .. وفي حالة عادت روحه إلى الأرض فأنا أؤمن بأنه سيأتي إلي أولا " .
صورة لإحدى جلسات تحضير الأرواح ؟
لكن يبدو أن حدس السيدة دوران لم يكن في محله , فروح السيد برادفورد لم تأتي إليها أولا , بل ذهبت لسيدة أخرى تدعى لولو ماك كانت مهتمة بالروحانيات أيضا . السيدة لولو أخبرت الصحفيين بأنها تمكنت من الاتصال بروح السيد برادفورد أثناء إحدى جلسات تحضير الأرواح التي كانت تعقدها في منزلها من حين لآخر . قالت بأن روح السيد برادفورد لم تتحدث كثيرا خلال تلك الجلسة , كان صوته ضعيفا ومتعبا , ولم يردد سوى عبارة واحدة : "أنا توماس برادفورد" .
بحسب السيدة لولو فأن روح برادفورد لازلت ضعيفة ومشوشة تحاول أن تخطو أولى خطواتها في عالم الأموات , الأمر أشبه بطفل حديث الولادة , فهو يستغرق وقتا ليتعلم النطق والمشي , وكذلك الأرواح في العالم الآخر , فقد يتطلب الأمر عدة سنوات لكي تتعلم كيف تتواصل مع الآخرين .
قصة اتصال السيدة لولو بروح السيد برادفورد تصدرت عناوين الصحف المحلية في ديترويت , وقد بعث هذا بشيء من الغيرة في نفس السيدة دوران التي قررت هي أيضا أن تعقد جلسات لتحضير الأرواح في منزلها , علها تتمكن من التواصل مع روح صديقها الذي أصبح حديث الناس في المدينة .
وبالفعل عقدت السيدة دوران جلسة تحضير أرواح في منزلها بعد مرور أسبوع على انتحار السيد برادفورد , وبدت واثقة خلالها من أنها ستتمكن من الاتصال بروح صديقها الراحل .
الجلسة بدأت في ساعة متأخرة من الليل حيث السكون يساعد في تقوية الذبذبات الروحية . تم إطفاء الأنوار ما خلا ضوء خافت مصدره شمعة يتيمة , وتحلق الجميع حول طاولة خشبية مدورة وهم يمسكون بأيدي بعض ... ساد صمت ثقيل لبضعة دقائق , ثم فجأة دخلت السيدة دوران حالة جلاء روحي وزعمت بأنها تسمع أصواتا وطلبت من احد الحضور أن يسجل ما تقوله , وكانت كلماتها كالآتي :
الارواح تحتفظ بأشكالها بعد الموت صورة مشهورة لشبح مقبرة باجلور ؟
" أنا الأستاذ .. أتحدث إليكم من العالم الآخر , لقد مررت من خلال الحجب , أرشدتني أصواتكم على الوصول إليكم .
أنا ببساطة شعرت بالنعاس ونمت , ثم استيقظت ولم أدرك بالبداية أني فارقت الحياة . لم أشعر بأي تغيرات واضحة وكبيرة . كنت أعتقد بأن الأمر سيكون مختلفا بشكل كبير , لكنه ليس كذلك , الإنسان يحتفظ بالخطوط العريضة لشكله بعد الموت لكنه يفتقد وجوده المادي
أنا لم أرحل أو أسافر بعيدا بعد , أنا مازلت في الظلمة , أشاهد الكثير من أرواح الناس , وجميعهم يبدون طبيعيين
هنا لا توجد مسؤوليات كما في الحياة , يشعر المرء بالنشوة والسعادة , يلتقي ويجتمع ذوي الطبيعة الواحدة مع بعضهم , لقد اجتمعت هنا مع باحثين مثلي . أنا غير نادم على ما فعلته
لازالت في المستوى الأولى من العالم الآخر , هناك سلسلة مستويات أخرى أقوم حاليا بأجراء بحوث عنها , فنحن سكان المستوى الأول جاهلون بما يوجد في المستويات الأخرى , تماما كما يجهل البشر ما ينتظرهم بعد الموت "
إلى هنا انتهت رسالة روح السيد برادفرود .. وما أن أتمت السيدة دوران نطق آخر كلماتها حتى فقدت وعيها , وحين أفاقت مجددا سألها رفاقها فيما إذا كانت متأكدة من أن الكلمات التي رددتها هي كلمات السيد برادفورد بالفعل . فأجابت السيدة دوران قائلة : "أنا مقتنعة تماما , أنا لم أسمع صوت روح من قبل , كان هذا صوت الأستاذ , من دون أدنى شك "
ولاحقا زعمت السيدة دوران أنها أجرت عدة جلسات أخرى تواصلت من خلالها مجددا مع السيد برادفورد , حتى أنه تجلى لها في إحدى تلك الجلسات
لكن يبقى العيب الرئيسي في قصة السيد برادفورد , على الرغم من غرابتها , هو أنها غير قابلة للإثبات . فمن قال بأن السيدة دوران تقول الحقيقة ؟ .. وكيف يمكن التأكد من ذلك ؟ .. وهل يعقل أن تكون الحياة الأخرى بهذه الصورة ؟ .. أرواح تسير على غير هدى وتفعل ما يحلو لها في عالم يعيش الجميع فيه بنشوة وسعادة .. حتى أحمق مثل السيد برادفورد قام بقتل نفسه يعيش بسعادة هناك ويجري المزيد من البحوث .. ومن يدري .. ربما ينتحر هناك مرة أخرى ليذهب إلى المستوى التالي !!
على العموم .. وعلى الرغم من غباوة الوصف .. فأنا أتمنى فعلا أن تكون الحياة الأخرى بهذه الصورة .
السير اوليفر لودج .. كان عالما مهتما بالروحانيات ؟
لكن تجربة السيد برادفورد , على الرغم من عيوبها , أوحت لأشخاص آخرين بفكرة تكرار نفس التجربة لكن بطريقة أكثر ذكاءا . وكان بطل التجربة التالية هو عالم فيزياء يشار له بالبنان , أسمه اوليفر لودج وهو رئيس جامعة بريمنغهام الانجليزية
إلى جانب كونه عالما كان السيد لودج متدينا ومؤمنا بشدة بالروحانيات . لهذا قام بوضع خطة محكمة لإثبات وجود الحياة الأخرى . حيث كتب رسالة سرية قبل وفاته عام 1940 وقام بوضعها داخل سبعة مغلفات , في كل مغلف هناك لغز رياضي معقد يقود حله إلى السؤال في المغلف التالي وهكذا وصولا إلى الرسالة في المغلف الأخير , وبحسب وصية السيد لودج يجب أن تعرض المغلفات بعد موته على أربعة وسطاء روحيون يجتمعون في مكان واحد ويشرف عليهم مجموعة من الأساتذة الأكاديميين . على هؤلاء الوسطاء أن يتصلوا بروح السيد لودج في العالم الآخر ليحصلوا على إجابات الأسئلة في المغلفات من روح السيد لودج , لأنه الوحيد القادر على حلها . حصولهم على الإجابات الصحيحة سيثبت بأنهم لا يكذبون , وبأنهم تمكنوا حقا من تحضير روح السيد لودج , وبالتالي فالحياة الأخرى حقيقة لا يمكن إنكارها
مشكلة اختبار السيد لودنج هو أن الأسئلة التي وضعها داخل مغلفاته كانت صعبة ومعقدة إلى درجة أنه حتى الأساتذة الأكاديميين الذين أشرفوا على الاختبار لم يكن باستطاعتهم التأكد من أن الجواب الذي حصل عليه الوسطاء من روح السيد لودنج هو الجواب الصحيح . وهكذا فأنه بعد عدة جلسات مل الجميع فأوقفوا الاختبار ثم قاموا بفتح المغلف الأخير لعلهم يعثرون فيه على الأجوبة , لكن لشدة دهشتهم لم تكن هناك سوى ورقة بيضاء مكتوب عليها نوتات موسيقية ! .. ولا أحد يعلم لحد اليوم هل كان السيد لودنج أحمقا أصيب بالخرف في أواخر حياته , أم أن الأمر برمته كان مجرد مزحة سمجة .
السيد ثوليس .. نسي الشفرة !
بعد رحيل السيد لودنج بعدة عقود قام شخص آخر بإجراء تجربة مماثلة لإثبات وجود الحياة ما بعد الموت . أسمه السيد روبرت هنري ثوليس , وهو عالم نفس بريطاني مهتم بعلم ما وراء النفس (باراسيكولجي) , وكان أيضا من هواة التشفير
السيد ثوليس كتب قبل موته رسالتين مشفرتين كان متأكدا بأن أحدا سواه لن يتمكن من فك تشفيرهما . وطلب في وصيته أن يتبارى الوسطاء الروحيين للاتصال بروحه بعد موته من اجل أن يأخذوا مفتاح التشفير منه ,و أي واحد منهم ينجح في فك التشفير سيثبت بما لا يقبل الشك بأنه قد تمكن من الاتصال بروح السيد ثوليس وبالتالي فأن الحياة الأخرى موجودة
كانت خطة محكمة وذكية .. عيبها الوحيد هو أنه منذ موت السيد ثوليس عام 1984 ولحد يومنا هذا لم يتمكن أحد من الحصول على مفتاح التشفير . أكثر من مئة وسيط روحي حاولوا الاتصال بروح السيد ثوليس , لكن جميع المحاولات لم تفضي لشيء . أطرف تلك المحاولات نفذها ثمانية وسطاء روحيين مجتمعين , بذلوا كل جهودهم وألاعيبهم ليغروا روح السيد ثوليس بالحضور , وبعد جهد كبير نجحوا في تحضير روحه , لكن الطريف في الأمر هو أن روح السيد ثوليس عجزت عن تذكر مفتاح التشفير , ربما نسيتها نتيجة الأهوال التي كابدتها بعد الموت !!
وبما أننا نتكلم عن التجارب الغريبة لإثبات حياة ما بعد الموت , فلا ضير من ذكر تجربة أخرى في غاية الغرابة أجراها طبيب أمريكي يدعى دانكن ماكدوغال عام 1907 , وقد تطرقنا لقصته بالتفصيل في أحد مقالاتنا . تجربة الطبيب ماكدوغال كانت تقوم على فكرة بسيطة , وهي أن يقوم بوزن الجسد البشري قبل وبعد الموت , والفرق سيمثل وزن الروح البشرية ! . وبالفعل أحضر السيد دانكن بضعة مرضى مصابين بالسل وقام بالعناية بهم – السل في ذلك الزمان كان مرض قاتل كالسرطان – ودأب على قياس أوزانهم بواسطة ميزان دقيق جدا صنعه خصيصا لتجربته , ثم قاس أوزانهم مرة أخرى مباشرة بعد موتهم , وكان دائما هناك نقص في الوزن , مما قاده إلى استنتاج غريبة , وهو أن وزن الروح البشرية يبلغ 21 غرام ! . ورغم استهزاء الأوساط الأكاديمية بتجربة الطبيب ماكدوغال إلا أنه كان مصرا على نجاحها , ومنذ ذلك الحين أصبحت عبارة 21 غرام متداولة بين الناس في أمريكا للإشارة إلى الروح البشرية
طبعا هذه التجارب التي ذكرناها هنا ليست سوى عينة عن التجارب الكثيرة التي أجراها البشر للوصول إلى حقيقة ما يجري بعد الموت . وفي المقال القادم الذي ننوي كتابته سنتطرق إلى ظاهرة عجيبة ترتبط بالموت ويعتبرها البعض دليلا على وجود الحياة الأخرى . هذه الظاهرة تتمثل في ظهور أصوات غامضة ومجهولة تنسب عادة للأشباح والأرواح على أسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي . حتما جميعنا شاهدنا هذه الظاهرة في أفلام الرعب , وربما اعتقدنا بأنها مجرد خيال , لكنها في الواقع ظاهرة حقيقية ومعروفة منذ فترة طويلة
بقلم : اياد العطار
ك ا ب و س
لذلك ومن اجل فك طلاسم هذا اللغز , لجأ البعض إلى البحث عن دلائل وإشارات يمكن أن تقود إلى معرفة ما يجري للبشر بعد الموت , وتم التركيز بشكل خاص على ما يسمى بتجارب الاقتراب من الموت التي حدثت لأناس فارقوا الحياة مؤقتا لأسباب شتى , مما أتاح لهم قضاء دقائق قليلة في عالم الأموات شاهدوا خلالها أمورا تتفق بشكل أو آخر مع تصوراتنا المسبقة عن العالم الآخر .. كرؤية نور ساطع يغشى الأبصار مع شعور لا يوصف بالسكينة والراحة وأحيانا رؤية الأهل والأقارب الميتون .. وغيرها من الأمور ..
لكن رغم كل الشهادات والقصص الموثقة فأن بعض العلماء والأطباء لديهم شكوكهم , إذ يرى هؤلاء بأن كل تلك التجارب هي في الحقيقة انعكاس للهلوسة الذهنية التي تصيب الدماغ المحتضر في لحظاته الأخيرة قبل أن يقوم بإطفاء نفسه .
لكن بغض النظر عما يقوله العلماء الماديين فأن معظم الناس لم يتوقفوا يوما عن الإيمان بوجود ذلك العالم المنشود الذي تذهب أرواحهم إليه لتعيش الخلود الأبدي . ولم يتورع بعضهم عن خوض تجارب في غاية الغرابة لتعضيد إيمانهم . وهو بالضبط ما سنتطرق إليه في هذا المقال .. أي أكثر التجارب غرابة وجنونا لإثبات وجود العالم الآخر .
السيد توماس برادفورد ؟
في مساء السادس من شباط / فبراير عام 1921 جلس المهندس الكهربائي توماس لين برادفورد ليتناول عشاءه بمفرده كما أعتاد أن يفعل كل مساء , وبعد أن أكمل تناول طعامه جلس على أريكته ليدخن السيجار ويرتشف قهوته بهدوء , وما أن انتهى من ذلك حتى قام فأشعل الموقد النفطي ثم كسر الأنبوب الذي يسحب الدخان من الموقد إلى الخارج الشقة , ثم أغلق جميع الأبواب والنوافذ بأحكام شديد , وعاد فتمدد على أريكته في غرفة الجلوس حتى غلبه النعاس فغط في نوم طويل لم يصحو منه أبدا .
جثة السيد برادفورد اكتشفت في اليوم التالي في شقته بمدينة ديترويت الأمريكية , وقد عثرت الشرطة على رسالة فوق آلته الطابعة تشرح أسباب انتحاره , وهذه الأسباب تتلخص في سعيه لإثبات وجود حياة أخرى بعد الموت ... كيف ؟ .. هذا هو السؤال الذي سعى المحققون للعثور على إجابة له حتى توصلوا إلى أن السيد برادفورد كان يبدي اهتماما بالغا بالمسائل الروحية , وقد نشر إعلانا مقتضبا في إحدى الجرائد قبل واقعة انتحاره بأربعة أسابيع يبحث فيه عن شخص : " تكون لديه اهتمامات بالعلوم الروحانية " .
وبعد عدة أيام على نشر الإعلان تلقى السيد برادفورد برقية من سيدة تدعى روث دوران تعرض التعاون معه . في الحقيقة السيدة دوران لم تكن لها أية ميول روحانية لكن ردها على الإعلان كان بحسب ما قالته لاحقا : "مجرد نزوة" .
السيد برادفورد والسيدة دوران التقيا عدة مرات , وبحسب ما قالته السيدة دوران للشرطة فأنها لم تكن تعلم أبدا بأن السيد برادفورد سيقتل نفسه , ولم يخبرها هو بأي شيء عن الانتحار , كل ما علمته منه بأن هناك تجربة روحية عظيمة على وشك البدء , وبأنه سيتصل بها قريبا ليعطيها تعليمات حول دورها في التجربة .
في الحقيقة السيدة دوران لم تعلم بطبيعة تلك التجربة والتعليمات إلا من الشرطة التي أطلعتها على رسالة الانتحار التي تركها السيد برادفورد وراءه . والتي كتب فيها بأن كشف لغز الموت يحتاج لعقلين متناغمين , يبقى أحدهم على الأرض فيما يذهب الثاني إلى العالم الآخر , ومن هناك يجري اتصالا بصاحبه على الأرض ليخبره بتفاصيل وأسرار ما يحدث بعد الموت .
يالها من فكرة مجنونة !! .. والعجيب أن السيد برادفورد وضعها موضع التنفيذ فعلا فقتل نفسه لكي يتصل لاحقا بالسيدة دوران من العالم الآخر فيثبت للجميع بأنه هناك فعلا حياة بعد الموت .
ورغم أن السيدة دوران أبعدت عن نفسها كل شبهة تواطؤ أو تحريض للسيد برادفورد على قتل نفسه , لكنها كانت مؤمنة بأن تجربته ستنجح , وبأن روحه ستتصل بها من العالم الآخر , حتى أنها قالت للصحفيين : " أنا صديقته .. وفي حالة عادت روحه إلى الأرض فأنا أؤمن بأنه سيأتي إلي أولا " .
صورة لإحدى جلسات تحضير الأرواح ؟
لكن يبدو أن حدس السيدة دوران لم يكن في محله , فروح السيد برادفورد لم تأتي إليها أولا , بل ذهبت لسيدة أخرى تدعى لولو ماك كانت مهتمة بالروحانيات أيضا . السيدة لولو أخبرت الصحفيين بأنها تمكنت من الاتصال بروح السيد برادفورد أثناء إحدى جلسات تحضير الأرواح التي كانت تعقدها في منزلها من حين لآخر . قالت بأن روح السيد برادفورد لم تتحدث كثيرا خلال تلك الجلسة , كان صوته ضعيفا ومتعبا , ولم يردد سوى عبارة واحدة : "أنا توماس برادفورد" .
بحسب السيدة لولو فأن روح برادفورد لازلت ضعيفة ومشوشة تحاول أن تخطو أولى خطواتها في عالم الأموات , الأمر أشبه بطفل حديث الولادة , فهو يستغرق وقتا ليتعلم النطق والمشي , وكذلك الأرواح في العالم الآخر , فقد يتطلب الأمر عدة سنوات لكي تتعلم كيف تتواصل مع الآخرين .
قصة اتصال السيدة لولو بروح السيد برادفورد تصدرت عناوين الصحف المحلية في ديترويت , وقد بعث هذا بشيء من الغيرة في نفس السيدة دوران التي قررت هي أيضا أن تعقد جلسات لتحضير الأرواح في منزلها , علها تتمكن من التواصل مع روح صديقها الذي أصبح حديث الناس في المدينة .
وبالفعل عقدت السيدة دوران جلسة تحضير أرواح في منزلها بعد مرور أسبوع على انتحار السيد برادفورد , وبدت واثقة خلالها من أنها ستتمكن من الاتصال بروح صديقها الراحل .
الجلسة بدأت في ساعة متأخرة من الليل حيث السكون يساعد في تقوية الذبذبات الروحية . تم إطفاء الأنوار ما خلا ضوء خافت مصدره شمعة يتيمة , وتحلق الجميع حول طاولة خشبية مدورة وهم يمسكون بأيدي بعض ... ساد صمت ثقيل لبضعة دقائق , ثم فجأة دخلت السيدة دوران حالة جلاء روحي وزعمت بأنها تسمع أصواتا وطلبت من احد الحضور أن يسجل ما تقوله , وكانت كلماتها كالآتي :
الارواح تحتفظ بأشكالها بعد الموت صورة مشهورة لشبح مقبرة باجلور ؟
" أنا الأستاذ .. أتحدث إليكم من العالم الآخر , لقد مررت من خلال الحجب , أرشدتني أصواتكم على الوصول إليكم .
أنا ببساطة شعرت بالنعاس ونمت , ثم استيقظت ولم أدرك بالبداية أني فارقت الحياة . لم أشعر بأي تغيرات واضحة وكبيرة . كنت أعتقد بأن الأمر سيكون مختلفا بشكل كبير , لكنه ليس كذلك , الإنسان يحتفظ بالخطوط العريضة لشكله بعد الموت لكنه يفتقد وجوده المادي
أنا لم أرحل أو أسافر بعيدا بعد , أنا مازلت في الظلمة , أشاهد الكثير من أرواح الناس , وجميعهم يبدون طبيعيين
هنا لا توجد مسؤوليات كما في الحياة , يشعر المرء بالنشوة والسعادة , يلتقي ويجتمع ذوي الطبيعة الواحدة مع بعضهم , لقد اجتمعت هنا مع باحثين مثلي . أنا غير نادم على ما فعلته
لازالت في المستوى الأولى من العالم الآخر , هناك سلسلة مستويات أخرى أقوم حاليا بأجراء بحوث عنها , فنحن سكان المستوى الأول جاهلون بما يوجد في المستويات الأخرى , تماما كما يجهل البشر ما ينتظرهم بعد الموت "
إلى هنا انتهت رسالة روح السيد برادفرود .. وما أن أتمت السيدة دوران نطق آخر كلماتها حتى فقدت وعيها , وحين أفاقت مجددا سألها رفاقها فيما إذا كانت متأكدة من أن الكلمات التي رددتها هي كلمات السيد برادفورد بالفعل . فأجابت السيدة دوران قائلة : "أنا مقتنعة تماما , أنا لم أسمع صوت روح من قبل , كان هذا صوت الأستاذ , من دون أدنى شك "
ولاحقا زعمت السيدة دوران أنها أجرت عدة جلسات أخرى تواصلت من خلالها مجددا مع السيد برادفورد , حتى أنه تجلى لها في إحدى تلك الجلسات
لكن يبقى العيب الرئيسي في قصة السيد برادفورد , على الرغم من غرابتها , هو أنها غير قابلة للإثبات . فمن قال بأن السيدة دوران تقول الحقيقة ؟ .. وكيف يمكن التأكد من ذلك ؟ .. وهل يعقل أن تكون الحياة الأخرى بهذه الصورة ؟ .. أرواح تسير على غير هدى وتفعل ما يحلو لها في عالم يعيش الجميع فيه بنشوة وسعادة .. حتى أحمق مثل السيد برادفورد قام بقتل نفسه يعيش بسعادة هناك ويجري المزيد من البحوث .. ومن يدري .. ربما ينتحر هناك مرة أخرى ليذهب إلى المستوى التالي !!
على العموم .. وعلى الرغم من غباوة الوصف .. فأنا أتمنى فعلا أن تكون الحياة الأخرى بهذه الصورة .
السير اوليفر لودج .. كان عالما مهتما بالروحانيات ؟
لكن تجربة السيد برادفورد , على الرغم من عيوبها , أوحت لأشخاص آخرين بفكرة تكرار نفس التجربة لكن بطريقة أكثر ذكاءا . وكان بطل التجربة التالية هو عالم فيزياء يشار له بالبنان , أسمه اوليفر لودج وهو رئيس جامعة بريمنغهام الانجليزية
إلى جانب كونه عالما كان السيد لودج متدينا ومؤمنا بشدة بالروحانيات . لهذا قام بوضع خطة محكمة لإثبات وجود الحياة الأخرى . حيث كتب رسالة سرية قبل وفاته عام 1940 وقام بوضعها داخل سبعة مغلفات , في كل مغلف هناك لغز رياضي معقد يقود حله إلى السؤال في المغلف التالي وهكذا وصولا إلى الرسالة في المغلف الأخير , وبحسب وصية السيد لودج يجب أن تعرض المغلفات بعد موته على أربعة وسطاء روحيون يجتمعون في مكان واحد ويشرف عليهم مجموعة من الأساتذة الأكاديميين . على هؤلاء الوسطاء أن يتصلوا بروح السيد لودج في العالم الآخر ليحصلوا على إجابات الأسئلة في المغلفات من روح السيد لودج , لأنه الوحيد القادر على حلها . حصولهم على الإجابات الصحيحة سيثبت بأنهم لا يكذبون , وبأنهم تمكنوا حقا من تحضير روح السيد لودج , وبالتالي فالحياة الأخرى حقيقة لا يمكن إنكارها
مشكلة اختبار السيد لودنج هو أن الأسئلة التي وضعها داخل مغلفاته كانت صعبة ومعقدة إلى درجة أنه حتى الأساتذة الأكاديميين الذين أشرفوا على الاختبار لم يكن باستطاعتهم التأكد من أن الجواب الذي حصل عليه الوسطاء من روح السيد لودنج هو الجواب الصحيح . وهكذا فأنه بعد عدة جلسات مل الجميع فأوقفوا الاختبار ثم قاموا بفتح المغلف الأخير لعلهم يعثرون فيه على الأجوبة , لكن لشدة دهشتهم لم تكن هناك سوى ورقة بيضاء مكتوب عليها نوتات موسيقية ! .. ولا أحد يعلم لحد اليوم هل كان السيد لودنج أحمقا أصيب بالخرف في أواخر حياته , أم أن الأمر برمته كان مجرد مزحة سمجة .
السيد ثوليس .. نسي الشفرة !
بعد رحيل السيد لودنج بعدة عقود قام شخص آخر بإجراء تجربة مماثلة لإثبات وجود الحياة ما بعد الموت . أسمه السيد روبرت هنري ثوليس , وهو عالم نفس بريطاني مهتم بعلم ما وراء النفس (باراسيكولجي) , وكان أيضا من هواة التشفير
السيد ثوليس كتب قبل موته رسالتين مشفرتين كان متأكدا بأن أحدا سواه لن يتمكن من فك تشفيرهما . وطلب في وصيته أن يتبارى الوسطاء الروحيين للاتصال بروحه بعد موته من اجل أن يأخذوا مفتاح التشفير منه ,و أي واحد منهم ينجح في فك التشفير سيثبت بما لا يقبل الشك بأنه قد تمكن من الاتصال بروح السيد ثوليس وبالتالي فأن الحياة الأخرى موجودة
كانت خطة محكمة وذكية .. عيبها الوحيد هو أنه منذ موت السيد ثوليس عام 1984 ولحد يومنا هذا لم يتمكن أحد من الحصول على مفتاح التشفير . أكثر من مئة وسيط روحي حاولوا الاتصال بروح السيد ثوليس , لكن جميع المحاولات لم تفضي لشيء . أطرف تلك المحاولات نفذها ثمانية وسطاء روحيين مجتمعين , بذلوا كل جهودهم وألاعيبهم ليغروا روح السيد ثوليس بالحضور , وبعد جهد كبير نجحوا في تحضير روحه , لكن الطريف في الأمر هو أن روح السيد ثوليس عجزت عن تذكر مفتاح التشفير , ربما نسيتها نتيجة الأهوال التي كابدتها بعد الموت !!
وبما أننا نتكلم عن التجارب الغريبة لإثبات حياة ما بعد الموت , فلا ضير من ذكر تجربة أخرى في غاية الغرابة أجراها طبيب أمريكي يدعى دانكن ماكدوغال عام 1907 , وقد تطرقنا لقصته بالتفصيل في أحد مقالاتنا . تجربة الطبيب ماكدوغال كانت تقوم على فكرة بسيطة , وهي أن يقوم بوزن الجسد البشري قبل وبعد الموت , والفرق سيمثل وزن الروح البشرية ! . وبالفعل أحضر السيد دانكن بضعة مرضى مصابين بالسل وقام بالعناية بهم – السل في ذلك الزمان كان مرض قاتل كالسرطان – ودأب على قياس أوزانهم بواسطة ميزان دقيق جدا صنعه خصيصا لتجربته , ثم قاس أوزانهم مرة أخرى مباشرة بعد موتهم , وكان دائما هناك نقص في الوزن , مما قاده إلى استنتاج غريبة , وهو أن وزن الروح البشرية يبلغ 21 غرام ! . ورغم استهزاء الأوساط الأكاديمية بتجربة الطبيب ماكدوغال إلا أنه كان مصرا على نجاحها , ومنذ ذلك الحين أصبحت عبارة 21 غرام متداولة بين الناس في أمريكا للإشارة إلى الروح البشرية
طبعا هذه التجارب التي ذكرناها هنا ليست سوى عينة عن التجارب الكثيرة التي أجراها البشر للوصول إلى حقيقة ما يجري بعد الموت . وفي المقال القادم الذي ننوي كتابته سنتطرق إلى ظاهرة عجيبة ترتبط بالموت ويعتبرها البعض دليلا على وجود الحياة الأخرى . هذه الظاهرة تتمثل في ظهور أصوات غامضة ومجهولة تنسب عادة للأشباح والأرواح على أسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي . حتما جميعنا شاهدنا هذه الظاهرة في أفلام الرعب , وربما اعتقدنا بأنها مجرد خيال , لكنها في الواقع ظاهرة حقيقية ومعروفة منذ فترة طويلة
بقلم : اياد العطار
ك ا ب و س