عن ماذا تعبر السجدة
وهل هناك اسرار للسجود باطنة
إن السجدة تعبر عن أعلى حالات القرب من رب العالمين، وهنا يوجد بعض الملاحظات.. فمن المعروف في أوساط المهتمين بمراقبة النفس، أن الذكر اليونسي -وهو عبارة عن كلمة {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}- من العبارات المنسجمة مع السجود، فهو حالة من حالات التذلل والاعتراف بتوحيد الله -عز وجل- والاعتراف بالظلم.
إن هذا الذكر هو المعجون الذي سبب النجاة لنبي الله يونس عليه السلام، وخاصة أن القرآن الكريم يعقب ويقول: {وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}.. أي بحسب الظاهر: أن هذا الذكر لم يكن أداة لنجاة يونس -عليه السلام- فحسب، وإنما هي قاعدة عامة!.. فمن يعيش الحالة اليونسية مع الذكر اليونسي؛ فإنه يرجى له الخلاص مما هو فيه من الأزمة.. وأية أزمة أحرج من أن يكون الإنسان في ظلمات ثلاث وهي: بطن الحوت، وأعماق البحار، وظلمة الليل.. وإذا برب العالمين، يفرّج عن هذا النبي الذي ذهب مغاضباً.
هناك قاعدة عامة: أنه إذا رأى الإنسان في نفسه إقبالا في حالة من الحالات، مثلاً: وهو في المسجد، وبعد انتهاء الصلاة، وتفرّقَ المصلون، ولديه ميل للحديث مع الرب في خلوة -على الإنسان أن يغتنم فرصة خلوة المساجد؛ لأن المسجد الفارغ: لا يوجد فيه مجال للرياء أبداً، إذ لا أحد ينظر إليه.. وكذلك هناك الخلوة والهدوء، وعدم وجود موجبات الإنشغال.. فالمسجد الفارغ جو متميز- فليبق على ما هو عليه، ولا ينتقل إلى مرحلة أخرى، ما دام قد فتحت أبواب السماء.. ولعله بانتقاله إلى مرحلة أخرى، يفقد ذلك الجو الذي هو فيه .
يقال بأن في السجدة الثانية قد يكون هناك إقبال أكثر من السجدة الأولى؛ لوجود صيغة الاستغفار بين السجدتين.. فعندما يقول المصلي: (أستغفر الله ربي وأتوب إليه) بين السجدتين؛ فإنها محطة من محطات الإنابة إلى الله -عز وجل- فلو قالها بتوجه في كل يوم، وفي كل صلاة كم يربح؟.. إن المصلي يستغفر الله -عز وجل- بعدد ركعات اليوم، فليتخذها محطة تأملية شعورية، فعندما يستغفر بكل وجوده، ثم يسجد السجدة الثانية، يرجى أن تفتح له أبواب السماء أكثر من السجدة الأولى؛ لأنها طاعة بعد استغفار.
كذلك الإلتفات إلى مسألة التكبيرة، فالمصلي عندما يقوم من السجود يكبر، وعندما يهوي يكبر.. فليجمع بين حالة التذلل، وهي وضع الجبهة -التي هي أشرف مكان- على التراب، وتذكر عظمة رب الأرباب.. فذلة الإنسان تكون في تلك الحالة إلى أبعد الحدود، ويتذكر عظمته إلى أبعد الحدود؛ عندئذ يعيش الإنسان حالة من حالات التفاعل بين يدي الله عز وجل.. ويستحب أن تكون السجدة على تلك التربة، التي أريق عليها دم الحسين صلوات الله وسلامه عليه.
إنه من المناسب عندما يسجد الإنسان -ولو بين فترة وأخرى- أن يتذكر السجود الأخير لسيد الشهداء -صلوات الله وسلامه عليه- عندما خرّ لربه عابداً ساجداً، مضمخاً بدمائه.. يقول الإمام الصادق عليه السلام: (إنّ السجود على تربة أبي عبدالله الحسين -عليه السلام- يخرق الحجب السبعة)، فإذا سجد المصلي على هذه التربة الطاهرة المباركة؛ مستشفعاً إلى الله -عز وجل- بذلك الدم الذي أريق لأجل السجود، وذلك الدم الذي أريق لأجل الصلاة.. ما الضير في ذلك؟!.. فهو -عليه السلام- خرج لطلب الإصلاح في أمة جده عليه أفضل الصلاة وعلى آله.. إن هذه التربة تذكرنا: بالشهادة، وبالتوحيد، وبالتهليل، وتذكرنا بقول أبي عبد الله عليه السلام: (لا معبود سواك).
وبعد ذلك يأتي إنسان ويقول: من يقوم بهذا العمل فهو مشرك، لماذا؟.. فهو يسجد على التربة لا للتربة، إنه يضع جبهته على الأرض، هكذا أمرنا قال الرسول (ص): (جعلت لي الأرض مسجدا طهوراً).. فإذن، إن الإنسان عندما يسجد على التراب، فهو يتذلل لله عز وجل؛ متذكرا تذلل الحسين -عليه السلام- بين يدي رب العزة والجلال.
عن هشام بن الحكم، أنه قال لأبي عبدالله عليه السلام: أخبرني عما يجوز السجود عليه، وعما لا يجوز!.. قال: (السجود لا يجوز إلا على الأرض، أو على ما أنبتت الأرض.. إلا ما أكل أو لبس).. فقال له: جعلت فداك!.. ما العلة في ذلك؟.. قال: (لأن السجود خضوع لله -عز وجل- فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس؛ لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون.. والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها).. عبيد؛ أي أنه لا هم لهم في هذه الحياة إلا بطونهم ولبسهم.
وياله من درس عظيم!.. إنها مسألة فقهية: أن لا تسجد على ما أنبتت الأرض، وأن لا تسجد على المأكول والملبوس.. فالإمام الصادق (ع) من خلال هذا الحديث، ينقلك إلى عالم الزهد والترفع؛ لأن المأكول والملبوس همّ أهل الدنيا.. فعندما تسجد لا تسجد على المأكول والملبوس، بل أُسجد على التراب، والرمال، والرخام!.. أي على الشيء الذي لا يذكرك بالدنيا.
أن تكون في جبهة الإنسان علامة السجود أمر جيد، ولكن البعض -لا سمح الله- قد يتكلف هذه العملية؛ ليرى علامات السجود على جبهته.. إن هذه الحركة منهية، يقول الإمام علي عليه السلام: إن رسول الله -صلى الله عليه وآله- أبصر رجلا دبرت جبهته، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من يغالب الله تعالى؛ يغلبه، ومن يخدع الله؛ يخدعه.. فهلا تجافيت بجبهتك عن الأرض، ولم تشوه خلقك)؟!.. أي أن هذه العلامة في الجبهة، ليست علامة طبيعية، بل تعمدت ذلك؛ لأجل كسب وجاهة عند الناس.. هكذا أيضاً أمرنا أن لا نرائي شيئاً في هذا المجال.
إن المؤمن يتحين الفرص لأن يسجد، ولا يحتاج إلى صلاة واجبة.. عن الإمام الباقر (عليه السلام): (إن أبي علي بن الحسين -عليهما السلام- ما ذكر نعمة الله عليه؛ إلا سجد.. ولا قرأ آية من كتاب الله -عزوجل- فيها سجود؛ إلا سجد.. ولا دفع الله -تعالى- عنه سوءً يخشاه، أو كيد كايد؛ إلا سجد.. ولا فرغ من صلاة مفروضة؛ إلا سجد.. ولا وفق لإصلاح بين اثنين؛ إلا سجد.. وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده؛ فسمي السجاد لذلك).. كان يتحين كل فرصة، ليسجد بين يدي الله تعالى ولو قليلاً.
وهل هناك اسرار للسجود باطنة
إن السجدة تعبر عن أعلى حالات القرب من رب العالمين، وهنا يوجد بعض الملاحظات.. فمن المعروف في أوساط المهتمين بمراقبة النفس، أن الذكر اليونسي -وهو عبارة عن كلمة {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}- من العبارات المنسجمة مع السجود، فهو حالة من حالات التذلل والاعتراف بتوحيد الله -عز وجل- والاعتراف بالظلم.
إن هذا الذكر هو المعجون الذي سبب النجاة لنبي الله يونس عليه السلام، وخاصة أن القرآن الكريم يعقب ويقول: {وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}.. أي بحسب الظاهر: أن هذا الذكر لم يكن أداة لنجاة يونس -عليه السلام- فحسب، وإنما هي قاعدة عامة!.. فمن يعيش الحالة اليونسية مع الذكر اليونسي؛ فإنه يرجى له الخلاص مما هو فيه من الأزمة.. وأية أزمة أحرج من أن يكون الإنسان في ظلمات ثلاث وهي: بطن الحوت، وأعماق البحار، وظلمة الليل.. وإذا برب العالمين، يفرّج عن هذا النبي الذي ذهب مغاضباً.
هناك قاعدة عامة: أنه إذا رأى الإنسان في نفسه إقبالا في حالة من الحالات، مثلاً: وهو في المسجد، وبعد انتهاء الصلاة، وتفرّقَ المصلون، ولديه ميل للحديث مع الرب في خلوة -على الإنسان أن يغتنم فرصة خلوة المساجد؛ لأن المسجد الفارغ: لا يوجد فيه مجال للرياء أبداً، إذ لا أحد ينظر إليه.. وكذلك هناك الخلوة والهدوء، وعدم وجود موجبات الإنشغال.. فالمسجد الفارغ جو متميز- فليبق على ما هو عليه، ولا ينتقل إلى مرحلة أخرى، ما دام قد فتحت أبواب السماء.. ولعله بانتقاله إلى مرحلة أخرى، يفقد ذلك الجو الذي هو فيه .
يقال بأن في السجدة الثانية قد يكون هناك إقبال أكثر من السجدة الأولى؛ لوجود صيغة الاستغفار بين السجدتين.. فعندما يقول المصلي: (أستغفر الله ربي وأتوب إليه) بين السجدتين؛ فإنها محطة من محطات الإنابة إلى الله -عز وجل- فلو قالها بتوجه في كل يوم، وفي كل صلاة كم يربح؟.. إن المصلي يستغفر الله -عز وجل- بعدد ركعات اليوم، فليتخذها محطة تأملية شعورية، فعندما يستغفر بكل وجوده، ثم يسجد السجدة الثانية، يرجى أن تفتح له أبواب السماء أكثر من السجدة الأولى؛ لأنها طاعة بعد استغفار.
كذلك الإلتفات إلى مسألة التكبيرة، فالمصلي عندما يقوم من السجود يكبر، وعندما يهوي يكبر.. فليجمع بين حالة التذلل، وهي وضع الجبهة -التي هي أشرف مكان- على التراب، وتذكر عظمة رب الأرباب.. فذلة الإنسان تكون في تلك الحالة إلى أبعد الحدود، ويتذكر عظمته إلى أبعد الحدود؛ عندئذ يعيش الإنسان حالة من حالات التفاعل بين يدي الله عز وجل.. ويستحب أن تكون السجدة على تلك التربة، التي أريق عليها دم الحسين صلوات الله وسلامه عليه.
إنه من المناسب عندما يسجد الإنسان -ولو بين فترة وأخرى- أن يتذكر السجود الأخير لسيد الشهداء -صلوات الله وسلامه عليه- عندما خرّ لربه عابداً ساجداً، مضمخاً بدمائه.. يقول الإمام الصادق عليه السلام: (إنّ السجود على تربة أبي عبدالله الحسين -عليه السلام- يخرق الحجب السبعة)، فإذا سجد المصلي على هذه التربة الطاهرة المباركة؛ مستشفعاً إلى الله -عز وجل- بذلك الدم الذي أريق لأجل السجود، وذلك الدم الذي أريق لأجل الصلاة.. ما الضير في ذلك؟!.. فهو -عليه السلام- خرج لطلب الإصلاح في أمة جده عليه أفضل الصلاة وعلى آله.. إن هذه التربة تذكرنا: بالشهادة، وبالتوحيد، وبالتهليل، وتذكرنا بقول أبي عبد الله عليه السلام: (لا معبود سواك).
وبعد ذلك يأتي إنسان ويقول: من يقوم بهذا العمل فهو مشرك، لماذا؟.. فهو يسجد على التربة لا للتربة، إنه يضع جبهته على الأرض، هكذا أمرنا قال الرسول (ص): (جعلت لي الأرض مسجدا طهوراً).. فإذن، إن الإنسان عندما يسجد على التراب، فهو يتذلل لله عز وجل؛ متذكرا تذلل الحسين -عليه السلام- بين يدي رب العزة والجلال.
عن هشام بن الحكم، أنه قال لأبي عبدالله عليه السلام: أخبرني عما يجوز السجود عليه، وعما لا يجوز!.. قال: (السجود لا يجوز إلا على الأرض، أو على ما أنبتت الأرض.. إلا ما أكل أو لبس).. فقال له: جعلت فداك!.. ما العلة في ذلك؟.. قال: (لأن السجود خضوع لله -عز وجل- فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس؛ لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون.. والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها).. عبيد؛ أي أنه لا هم لهم في هذه الحياة إلا بطونهم ولبسهم.
وياله من درس عظيم!.. إنها مسألة فقهية: أن لا تسجد على ما أنبتت الأرض، وأن لا تسجد على المأكول والملبوس.. فالإمام الصادق (ع) من خلال هذا الحديث، ينقلك إلى عالم الزهد والترفع؛ لأن المأكول والملبوس همّ أهل الدنيا.. فعندما تسجد لا تسجد على المأكول والملبوس، بل أُسجد على التراب، والرمال، والرخام!.. أي على الشيء الذي لا يذكرك بالدنيا.
أن تكون في جبهة الإنسان علامة السجود أمر جيد، ولكن البعض -لا سمح الله- قد يتكلف هذه العملية؛ ليرى علامات السجود على جبهته.. إن هذه الحركة منهية، يقول الإمام علي عليه السلام: إن رسول الله -صلى الله عليه وآله- أبصر رجلا دبرت جبهته، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من يغالب الله تعالى؛ يغلبه، ومن يخدع الله؛ يخدعه.. فهلا تجافيت بجبهتك عن الأرض، ولم تشوه خلقك)؟!.. أي أن هذه العلامة في الجبهة، ليست علامة طبيعية، بل تعمدت ذلك؛ لأجل كسب وجاهة عند الناس.. هكذا أيضاً أمرنا أن لا نرائي شيئاً في هذا المجال.
إن المؤمن يتحين الفرص لأن يسجد، ولا يحتاج إلى صلاة واجبة.. عن الإمام الباقر (عليه السلام): (إن أبي علي بن الحسين -عليهما السلام- ما ذكر نعمة الله عليه؛ إلا سجد.. ولا قرأ آية من كتاب الله -عزوجل- فيها سجود؛ إلا سجد.. ولا دفع الله -تعالى- عنه سوءً يخشاه، أو كيد كايد؛ إلا سجد.. ولا فرغ من صلاة مفروضة؛ إلا سجد.. ولا وفق لإصلاح بين اثنين؛ إلا سجد.. وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده؛ فسمي السجاد لذلك).. كان يتحين كل فرصة، ليسجد بين يدي الله تعالى ولو قليلاً.