عصمة الأنبياء
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد الأمين وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين وآل كل وصحب كل وسلَّم وشرَّف وكرَّم.
أما بعد.فإن الله تعالى قد أرسل الأنبياء ليبينوا دين الإسلام وينشروه والنبوة إشتقاقها من النبأ أي الخبر لأن النبوة إخبار عن الله والسبيل إلى معرفة النبي هو المعجزة وهي أمر خارق للعادة مقرونٌ بالتحدي موافق للدعوة سالم من المعارضة بالمثل يظهر على يد من ادعى النبوة كانفجار الماء الزلال من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم وعدم إحراق النار لإبراهيم فلا يقال للأمور الغريبة التي تحصل على يد غير النبي معجزة وتجب للأنبياء العصمة من الكفر والكبائر وصغائر الخسة والدناءة كسرقة لقمةٍ،وقد يقع من بعضهم معصية صغيرة ليس فيها خسة كما حصل من آدم حين أكل من الشجرة ثم تاب بعد ذلك فتاب الله عليه.
فمما مضى يعلم أن النبي لا يحصل منه كفر لا قبل النبوة ولا بعدها لأن الله يحفظه ويلهمه الإيمان قبل أن ينزل عليه الوحي ويعلم من هذا أن سيدنا إبراهيم عليه السلام لم يكن يعبد الكوكب بل كان ينكر على قومه ذلك فمما ورد في القرآن عن إبراهيم أنه قال لما رأى الكوكب: هذا ربي :فهذا للإنكار عليهم ولكي يفهم قومه أن الألوهية لا تصح للكوكب فلمًّا عاب الكوكب قال: لا أحب الآفلين لأن الكوكب وكذا الشمس والقمر لا يصح في العقل أن يكون واحد منها إلَهاً يعبد من دون الله لأن كل واحد من هذه الأشياء يأتي ثم يغيب وله حجم مما يدل على أنه مخلوق حادثٌ لله.
ويجب للأنبياء عقلاً صفة الأمانة فلا يجوز عليهم ارتكاب الخيانة بفعلِ كبيرةٍ قبل النبوة ولا بعدها فيعلم أن ما يحصل من الأنبياء وهو من الأشياء التي لا خسة ولا دناءة فلم يحصل من أي نبي أن شرب الخمر أو سرق ولم يحصل من نبيٍ أن زنى ويوسف عليه السلام لم يهم بالزنى وإنما هم بدفع امرأة العزيز عنه ثُمَّ أُلهِمَ أن لا يدفعها حتى لا يقال هو أراد الفاحشة فلما انصرف من وجهها شقت قميصه من خلف فعلم الناس أنها هي التي أرادت الزنى وهو لم يرد ذلك ولم يهمَّ به لأنه معصوم كسائر الأنبياء عن مثل هذا الشىء.
وينبغي الحذر من كلام بعض المفترين الجاهلين الذين يزعمون أن سيدنا داود أعجب بامرأة قائد الجيش فبعثه داود إلى القتال كي يأخذ زوجته وهذا افتراء عظيم والحذر مما يفتريه بعض قاصري العقول الذين يقولون أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان متعلق القلب بالنساء لذلك تزوج أكثر من أربع والجواب على هؤلاء أن يقال لهم أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان معروفاً بين أهل مكة بمحمد الأمين كان معروف بين أهل مكة بالجمال والصدق والعفة وأوتي من الجمال لا يساويه فيه أحد فلو كان ولوعاً بالنساء لظهرت منه رذيلة بل رذائل ولكان قومه طعنوا فيه وذلك لم يحصل ،ولم يتزوج الرسول إلاَّ بعد أن صار عمره خمسة وعشرين عاماً ثم ماتت زوجته خديجة وحين بلغ من العمر خمسين تزوج امرأة أخرى ثم عدد لحكم تعود إلى مصالح دعوته ومن جملة تلك الحكم أن تنشر شريعته بطريق النساء إلى النساء فتأملوا في ذلك فلو كان الأمر كما يقول السفهاء عنه لكان عدَّد الزوجات قبل أن يبلغ خمسين سنة كما هو شأن المنهمكين في هذه الأمور.
ومن الدليل على أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن متعلق القلب بالنساء ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما كانت تمر ليلتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ خرج إلى البقيع [أي جبانة المدينة] يدعو لأهل الجبانة مع ما اجتمع في عائشة من حداثة السن والجمال.
وتجب للأنبياء الفطانة فيستحيل عليهم الغباوة لأنهم بعثوا لبيان الحق فلا يليق بهم أن يكونوا قاصرين عن إقامة الحجة على من جانب الحق وعاداه قال الله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ}.
ويجب لهم التبليغ فلا يجوز عليهم أن يكتموا ما أمروا بتبليغه لأن ذلك يتنافى مع منصب النبوة ولا يجوز أن ينسب للأنبياء صفات لا تليق بهم فمثلاً لا يجوز أن يقال: موسى عليه السلام فر جبناً من فرعون:وإنما موسى عمل ما أمره الله به فذهب وضرب البحر فانفلق البحر أثني عشرة فرقاً كل فرق كالجبل العظيم ثم مر هو ومن معه فلمَّا تبعه فرعون عاد البحر كما كان.
ولا يجوز أن يقال أن محمد صلى الله عليه وسلم قد هزم في معركة من المعارك إنما الرسول والذين خالفوه ولم يطيعوه هم خسروا فيعلم من هذا أن الله لا يختار لمنصب النبوة إلاَّ من هو سالم من الرذالة والخيانة والغباوة والبلادة فمن كانت له سوابق من هذا القبيل لا يصلح للنبوة ولو تخلى عن هذه السوابق فيما بعد وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم في مدح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام {وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} أي أن كل واحد من الأنبياء أفضل من كل الملائكة وأفضل من باقي البشر إذ أن العالمين تشمل الإنس والجن والملائكة،ولا يجوز أن يقال إن آدم كان بشع الصورة أو مخيف الشكل لأن هذا يتعارض مع ما جاء في الأحاديث الصحيحة وكما أنه لا يجوز أن يقال إن عيس عليه السلام شرب الخمر فإن هذا من الإفتراءت والأباطيل التي لا تجوز على الأنبياء ولا يجوز أن يقال أن أيوب خرج منه الدود وكذلك يكفر من يقول أن موسى كان يهودياً أو أن إبراهيم كان مشركاً أو كذب أو عبد الصنم أو عبد الشمس أو باع الأصنام.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا على المعتقد الحق وأن يجعلنا في الفردوس الأعلى ويختم لنا بكامل الأيمان اللهمَّ تقبل منَّا والحمد لله رب العالمين.