دعوة سيدنا إدريس عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
دعوة سيدنا إدريس عليه السلام ومواعظه وءادابه وبعض ما سنَّه لقومه
لسيدنا إدريس عليه السلام مواعظ وءاداب اشتهر بها بين قومه وأهل ملته، فقد دعا سيدنا إدريس عليه السلام إلى دين الله وإخلاص العبادة له، وإلى الالتزام بالشريعة وإلى تخليص النفوس من العذاب في الآخرة بالعمل الصالح، وحضّ على الزهد في هذه الدنيا الفانية الزائلة والعمل بالعدل وعدم الظلم، وأمرهم بالصلاة وبينها لهم وأمرهم بصيام أيام معينة من كل شهر، وأمرهم بزكاة الأموال معونة للفقراء، وشدّد عليهم في الطهارة من الجنابة، وحرّم عليهم الخمر والمسكر من كل شىء من المشروبات وشدد فيه تشديدًا عظيمًا، وقيل جعل لقومه أعيادًا كثيرة في أوقات معروفة، وقيل كان في زمانه اثنان وسبعون لغة يتكلم الناس بها وقد علمه الله تعالى لغاتهم جميعها ليعلم كل فرقة من قومه بلغتهم كما قال الله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم}
(سورة إبراهيم/4).
وقيل إنّه علّم قومه العلوم، وإنه أول من استخرج الحكمة وعلم النجوم فإن الله سبحانه وتعالى أفهمه أسرار الفلك وتركيبه، وأفهمه عدد السنين والحساب، وقيل إنه أول من نظر في علم الطب، وأول من أنذر بالطوفان، وأول من رسم لقومه قواعد تمديدن المدن. وأقام للأمم في زمانه سنَنًا في كل إقليم سنّةً تليق بأهله.
حكم سيدنا إدريس عليه السلام ومواعظه
اشتهر سيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام بالحكمة والمواعظ المؤثرة، فمن حكمه عليه الصلاة والسلام "الصبر مع الإيمان بالله يورث الظفر" وقد قيل إن هذه الحكمة كانت منقوشة على فص خاتمه، ومنها: "إذا دعوتم الله فأخلصوا النية وكذا الصيام والصلوات فافعلوا" أي أخلصوا النية لله تعالى في الدعاء والصيام والصلوات.
ومنها "تجنبوا المكاسبَ الدنيئة"، ومنها: "من أراد بلوغَ العلم والعمل الصالح فليترك من يده أداة الجهل وسىء العمل"، ومنها: "حياة النفس الحكمة"، ومنها: "لا تحلفوا بالله كاذبين".
فائدة: رُوي أن سيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام جاءه مرة إبليس في صورة إنسان وكان سيدنا إدريس يخيط وفي كل دخلة وخرجة يقول سبحان الله والحمد لله، فجاءه إبليس اللعين بقشرة وقال له: الله تعالى يقدر أن يجعل الدنيا في هذه القشرة؟ فقال له سيدنا إدريس: الله تعالى قادر أن يجعل الدنيا في سَمّ هذه الإبرة أي ثقبها، ونخس بالإبرة في إحدى عينيه وجعله أعور، وهذا ليس ثابتا من حيث الاسناد.
وأما قول سيدنا إدريس عليه السلام: الله تعالى قادر أن يجعل الدنيا في سم هذه الإبرة، أراد به أن الله تبارك وتعالى قادرٌ أن يصوّر الدنيا أصغر من سم الأبرة ويجعلها فيه، أو يجعل سم الأبرة أكبر من الدنيا فيجعلها أي الدنيا في سم الإبرة، لأن الله تبارك وتعالى على كل شىء قدير، وإنما لم يفصل له سيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام الجوابَ لأنّه معاند، ولهذا عاقبه على هذا السؤال بنخس العين. ذكر هذه القصة الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني في كتابه الترتيب في أصول الفقه.
رفعُ إدريس عليه السلام إلى السلام ومكان موته:
أقام سيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام في العراق وفي مصر يدعو إلى دين الإسلام، جاهد في سبيل الله، وصبر في الدعوة إلى الله الصبر الجميل، وتحمل من قومه الكثير وهو يدعوهم إلى الالتزام بالشريعة وبطاعة المولى سبحانه وتعالى وعدم معصيته. ثم رفعه الله تبارك وتعالى إلى السماء كما قال الله تعالى في حق إدريس عليه الصلاة والسلام: {واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صدّيقًا نبيًّن*ورفعناه مكانًا عليًّا}
(سورة مريم/56-57).
وقد اختلف المؤرخون في السماء التي رفع إليها سيدنا إدريس عليه السلام، فقد روي عن ابن عباس أنه قال في تفسير الآية: إن الله رفعه إلى السماء السادسة فمات بها، وروي عن مجاهد في قوله تعالى: {ورفعناه مكانًا عليًّا} قال السماء الرابعة، والصواب أنه عليه السلاة والسلام مات على هذه الأرض كما تقدم. وأما أنه لم يزل في السماء السادسة فغير معتمد، وذلك لقول الله تعالى: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} فأخبر أن الإنسان خُلق من هذه الأرض وتكون نهايته بعد الممات إليها ومنها يبعث يوم القيامة.