بناء إبراهيم وإسماعيل البيت الحرام في مكة المكرمة
يَقولُ الله تَبَارك وتعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)} [سورة الحج].
أمر الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ببناء البيت الحرام ـ الكعبة ـ وبوأه الله مكانه أي أرشده إليه ودله عليه، وقيل إن الذي دله على موضع البيت هو جبريل عليه السلام، فسار إبراهيم عليه السلام إلى مكة المكرمة، فلما وصل إلى مكة وجد إسماعيل يُصلح نبلاً له وراء زمزم فقال له: يا إسماعيل إن الله قد أمرني أن أبني بيتًا، قال له إسماعيل: فأطع ربك، فقال له إبراهيم: قد أمرك أن تعينني على بنائه، قال: إذن أفعل، فقام إبراهيم إلى مكان البيت، فجعل يَبْني وإسماعيل يناوله الحجارة، وكلما أنهيا بناء صف منها ارتفع مقام إبراهيم به حتى يَبني الذي فوقه، وهكذا حتى تمت عمارتها.
ومقام إبراهيم هو حَجَر كان يقف عليه إبراهيم عند بناء الكعبة وضعه له ابنه إسماعيل ليرتفع عليه كلما ارتفع البناء، قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129)} [سورة البقرة].
والمقصودُ أن إبراهيم الخليل بَنَى أشرفَ المساجد في أشرف البقاع في وادٍ غير ذي زرع، ودعا لأهلها بالبركة وأن يُرزقوا من الثمرات مع قلة المياه وعدم الأشجار والزروع والثمار وأن يجعله الله حرمًا ءامنا.
كذلك سأل إبراهيمُ عليه السلام الله أن يبعث فيهم رسولاً منهم أي من جنسهم وعلى لغتهم الفصيحة البليغة يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ويطهرهم. وقد استجاب الله تعالى دعوةَ نبيه إبراهيم فبعث في العرب وفي أشرف القبائل منهم رسولاً عظيمًا وهو سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين.
وعندما أكمل إبراهيم بناء الكعبة قال لابنه إسماعيل: إيتني بحجر حسنٍ أضعه على الركن فيكون للناس عَلمًا، فأتاه جبريل عليه السلام بالحجر الأسود فَأخذه وَوَضعه مَوضعه.
تنبيه: ليُعلم أن الحَجَر الأسود هو ياقوتة بيضاء من الجنة لكن لمّا تمسح به المشركون صار أسودَ.
وأن الكعبة هي أول بيت ومَسجد وُضع في هذه الأرض وءادم عليه السلام هو أول من بناه، وقد انهدم بطوفان نوح عليه السلام الذي عم كل الأرض، قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96)} [سورة ءال عمران].
والكعبة وسط المعمورة وفوقها إلى السماء السابعة البيت المعمور وهو بيت مشرَّف هو لأهل السماء الملائكة كالكعبة لأهل الأرض، كل يوم يدخله سبعون ألف ملك يصلون فيه ثم يخرجون ولا يعودون أبدًا.
فائدة: عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قُلتُ: يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: "المسجد الحرام" قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى" قلت: كم بينهما؟ قال: "أربعون سنة" قلت: ثم أي؟ قال: "ثم حيث أدركتك الصلاة فصلّ فكلها مَسجد".
وبعد أن فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت الحرام مع إسماعيل أمره الله أن يؤذّن في الناس بالحج فأذن ودعاهم إلى حج بيت الله الحرام، وروي أنه نادى: أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، وخرج إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع ولده إسماعيل وقاما بمناسك الحج، وروي أن جبريل هو الذي أرى إبراهيم كيف يحج.
وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن إبراهيم قام على الحجر فقال: يا أيها الناس إن الله فرض عليكم الحج فأسمعَ من كان في أصلاب الآباء وأرحام النساء ممن ءامن وكتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة، فأجاب: لبيك اللهم لبيك. حسّن ذلك الحافظ ابن حجر، وهذا الذي ثبت عن ابن عباس مما لا يقال بالرأي بل بالتوقيف.