علوم الصوفية ومعارفهم -2
11- المريد والمراد:
قيل: "من صفات المريد التحبب إلى الله بالنوافل، والخلوص في نصيحة الأمة، والأنس بالخلوة، و الصبر على مقاساة الأحكام، والإيثار لأمر الله تعالى، والتعرض لكل سبب يوصل اليه، والقناعة بالخمول" (11).
وفرّق القوم بين المريد والمراد فقالوا: "المريد هو المبتدي، والمراد هو المنتهي".
وسئل الجنيد عن المريد والمراد فقال: "المريد تتولاه سياسة العلم، والمراد يتولاه الله برعايته، لأنّ المريد يسير والمراد يطير".
وقال العارف بالله المحدث الشيخ عبد الله الهرري: "المراد من تطلبه الولاية".
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "قل ءامنت بالله ثمّ استقم". رواه مسلم
12- الاستقامة:
لزوم طاعة الله ومجانبة الهوى قال الله تعالى: {انّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقموا تتنزّل عليهم الملئكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة التي كنتم توعدون(30)} [سورة فصلت].
وقال أبو علي الدقاق: "الاستقامة لها ثلاثة مدارج: أولها التقويم، ثمّ الإقامة، ثمّ الستقامة، فالتقويم من حيث تأديب النفوس، والإقامة من حيث تهذيب القلوب، والستاقة من حيث تقريب الأسرار".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "استقم بطاعة الله ولا ترغ روغان الثعالب".
وقيل: "الاستقامة لا يطيقها إلاّ الأكابر، لأنّها خروج من المعهودات ومفارقه الرسوم والعيادات".
وقيل: "الاستقامة في الأقوال بترك الغيبة، وفي الأفعال بنفي البدعة، وفي الأعمال بنفي الفترة، وفي الأحوال بنفي الحجبة".
13 - الإخلاص:
هو إفراد الحق سبحانه بالقصد قال الله تعالى: {قل إنّما أنا بشر مثلكم يُوحى إلى أنّما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا(110)} [سورة الكهف]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله لا يقبل من العمل إلاّ ما كان له خالصا ابتغي به وجهه" رواه النسائي.
وقال ذو النون المصري: "من علامات الإخلاص: استواء المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال".
وقال أبو عثمان المغربي: "الإخلاص ما لا يكون للنفس فيه حظ بحال".
وقال حذيفة المرعشي: "الاخلاص أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن".
وقال مكحول: "ما أخلص عبد قط أربعين يوما الا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه".
ويقول أبو سليمان الداراني: "اذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء".
14- الصدق: وهو قول الحق في مواطن الهلكة.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ(119)} [سورة التوبة].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال العبد يصدق ويتحرّى الصدق" الحديث رواه الطبراني "حتى يكتب عند الله صديقا"، وقيل: الصدق موافقة السر النطق.
وقال عبد الواحد بن زيد: الصدق الوفاء لله عز وجل بالعمل.
والصادق من صدق في أقواله، والصدقي من صدق في جميع أقواله وأفعاله وأحواله.
15- الحياء:
وهو انقباض القلب لتعظيم الربّ قال الله تعالى: { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء من الايمان" أخرجه الترمذي.
ويقول ذو النون المصري: "الحياء وجود الهيبة في القلب".
ويقول الفضيل بن عياض: "خمس من علامات الشقاء: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل".
وقال السري السقطي: "إن الحياء والأنس يطرقان القلب فان وجدا فيه الزهد والورع حطا وإلاّ رحلا".
16 - الحرية:
وهي أن لا يكون العبد تحت رق المخلوقات، ويقال: هي الإعراض عن الكل.
قال الإ مام أبو علي الدقاق: "من دخل الدنيا وهو حر ارتحل الى الآخرة وهو عنها حر".
والذي أشار إليه القوم من الحرية أن لا يكون تحت رق شىء من المخلوقات لا من أعراض الدنيا ولا عاجل الدنيا ولا حاصل هوى ولا ءاجل منى ولا سؤال ولا قصد ولا حظ ولا هدف.
وقال ابراهيم بن أدهم: "إنّ الحر الكريم يخرج من الدنيا قبل أن يخرج منها".
16- الذكر:
وهو ذكر الخالق تبارك وتعالى قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41)} [سورة الأحزاب]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله" رواه الترمذي، ويقول أبو علي الدقاق: "الذكر منشور الولاية فمن دقق للذكر فقط أعطي المنشور".
وقيل اذا تمكّن الذكر من القلب فان دنا من الشيطان صرع كما يصرع الانسان اذا مسّه الشيطان ما لهذا فيقال قد مسّه الانس.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الذكر الخفي" رواه حمد.
وقيل : "تفقّدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: الصلاة، والذكر، وقراءة القرءان".
17 - الفتوة:
كف الأذى وبذل النّدى، وقيل: الفتوّة الصفح عن عثرات الإخوان، وقيل: أن لا ترى لنفسك فضلا على غيرك.
وقال الحارث المحاسبي: الفتوة أن تنصف وتنتصف.
وقال عمرو بن عثمان المكي: الفتوة حسن الخلق، وقيل: هي اتباع السنة والوفاء والحفاظ على الحدود وإظهار النعمة وأسرار المحنة.
18 - الفراسة:
المعرفة بما في سويداء القلوب بالاستدلال والعلامات قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} [سورة الحجر]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله" رواه الترمذي.
قوله: نظر بنور الحق أي بنور خصّه به الله سبحانه وتعالى ويقول محمد الكتاني: الفراسة مكاشفة المتقين.
ويحكى أن فتى كافرا جاء الى الجنيد وهو متنكر فقال له: أيها الشيخ ما معنى قول رسول الله صللى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور الله" فأطرق الجنيد ثم رفع رأسه وقال : أسلم فقد حان وقت اسلامك فأسلم الغلام.
19 - الخلق الحسن:
هو احتمال المكروه من الغير، وكف المكروه عن الغير، وفعل الخير مع من يعرفه لك ومع من لا يعرفه لك.
قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4)} [سورة القلم].
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المؤمنين أفضل؟ فقال: "أحسنهم خلقا" أخرجه ابن ماجه.
قال الأستاذ الشيخ أبو القاسم: الخلق الحسن أفضل مناقب العبد ويظهر جواهر الرجال.
وقال شاه الكرماني: علامة حسن الخلق كف الأذى واحتمال المؤن، وقيل: الخلق أن تكون من الناس قريبا وفيما بينهم غريبا، وقيل: حسن الخلق أن لا تتغير ممن يقف في الصف بجانبك، وقيل: الخلق السيء يضيق قلب صاحبه لأنه لا يسع فيه غير مراده.
20- الجود والسخاء: وهو البذل والعطاء.
قال الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (9)} [سورة الحشر].
قال الأستاذ القشيري: حقيقة الجود أن لا يصعب عليه البذل فالسخاء عند القوم يحتل المرتبة الأولى ثم يأتي الجود ثم الإيثار فمن أعطى بعض الناس وأبقى بعضهم فهو صاحب سخاء، ومن بذل الأكثر وأبقى لنفسه شيئا فهو صاحب جود والذي قاسى الضرر وءاثر بالبُلغة (ما يكفي العيش) فهو صاحب ايثار.
21- الغيرة: وهي تعظيم حقوق الله واخلاص أعمالهم له.
قال الله تعالى: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ (33)}[سورة الأعراف].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه" رواه مسلم.
وقال القشيري: الغيرة كراهية مشاركة الآخرين واذا وصف الحق سبحانه بالغيرة فمعناه: أنّه لا يرضى بمشاركة غيره معه فيما هو حق له من طاعة عبده.
يقول الشبلي: والغيرة غيرتان غيرة لله سبحانه على عبده وغيرة العبد لله تعالى أمّا غيرة الله على عبده فهو أن لا يجعله للخلق فيضن به عليهم، وغيرة العبد للحق وهو أن لا يجعل شيئا من أحواله وأنفاسه لغير الله تعالى. مع العلم أنه لا يوصف الله تعالى بالغيرة التي هي اختلاجات عصبية مما هي من صفات المخلوقين.
22- الولاية: من التولي والحفظ والنصرة والرعاية.
قال الله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62)} [سورة يونس].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: "من عادى لي وليّا فقد ءاذنته بالحرب" الحديث رواه البخاري.
قال القشيري: للولي معنيان الأول وهو من يتولى اللهُ سبحانه أمرَه فلا يكله إلى نفسه لحظة بل يتولى اللهُ سبحانه رعايتَه. قال الله تعالى: {وهو يتولّى الصالحين} (196)}[سورة الأعراف]. والثاني وهو الذي يتولى عبادة الله تعالى وطاعته، فعبادته تجري على التوالي وكلا الوصفين جميل، وحتى يكون الولي وليا يجب قيامه بحقوق الله تعالى على الاستقصاء والاستيفاء ودوام حفظ الله ايّاه في السراء والضراء.
وقال يحيى بن معاذ في صفة الأولياء: هم عباد تسربلوا بالأنس بعد المكابدة واعتنقوا الروح بعد المجاهدة بوصولهم إلى مقام الولاية.
وقال سهل بن عبد الله: الولي هو الذي توالت أفعاله على الموافقة.
وقد قالوا: من الولاية تحذير الناس من الاغترار بجمال الأفعال وحسن المقال وجريان خوارق العادات فلا يُراعى في الولي إلا الاستقامة على ما ثبت بالأدلة الصحيحة، وجريان الخوارق على يد العبد لا يدل على ولايته بل قد يكون ممكورا به وهذا ما يسمى استدراجا.
23- الدعاء:
وهو السؤال، قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (60)} [سورة غافر] يعني اعبدوني أجبكم والدعاء عبادة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء مخ العبادة" رواه الترمذي.
وقال القشيري: والدعاو مفتاح الحاجة وملجأ المضطرين ومتنفس ذوي المآرب.
وكان صالح المري يقول كثيرا: من أدمن قرع باب يوشك أن يفتح له.
وقيل: الدعاء هو سلم المذنبين ولسان دموعهم ومراسلتهم وفي الدعاء الى الله دليل على أن من الكرب العظيمة ما لا يفرجها مال ولا جاه ولا سلطنة ولا طب وإنما يفرجها صحيح الافتقار والتوجه والالتجاء إلى من بيده النفع والضر.
24- الفقر:
قال الله تعالى: { لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ (273)} [سورة البقرة].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام" رواه الترمذي.
ويقول ابراهيم القصار: الفقر لباس يورث الرضا اذا تحقق العبد فيه.
وقال سهل بن عبد الله: خمسة أشياء من جوهر النفس، فقير يُظهر الغنى، وجائع يُظهر الشّبع، ومحزون يُظهر الفرح، ورجل بينه وبين رجل عداوة يظهر له المحبة، ورجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يظهر ضعفا.
وقال بعض الصالحين:
أتيناك بالفقر يا ذا الغنى ... وأنت الذي لم تزل محسنا
وسئل يحيى بن معاذ عن الفقر فقال: حقيقته أن لا يستغنى الا بالله تعالى.
وقال ابراهيم بن أدهم: طلبنا الفقر فاستقبلنا الغنى وطلب الناس الغنى فاستقبلهم الفقر.
ويقول أبو حفص: أحسن ما يتوسل به العبد الى مولاه دوام الفقر على جميع الأحوال وملازمة السنة من جميع الأفعال وطلب القوت من وجه حلال.
25 - التصوف: وهو الصفاء.
قال الشيخ القشيري: "محمود بكل لسان".
وقال أحمد الجريري: التصوف مراقبة الأحوال ولزوم الأدب.
وقال علي المزين: "التصوف الانقياد للحق".
وقال أحمد بن محمد الروذباري: "التصوف الإقامة على باب الحبيب وإن طرد عنه".
سئل أحمد الجريري عن التصوف فال: "الدخول في كل خلق سني والخروج من كل خلق دنيّ".
وقال معروف الكرخي: "التصوف هو الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق".
26- الأدب: وهو اجتماع خصال الخير.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حق الولد على والده أن يحسن اسمه ويحسن مرضعه ويحسن أدبه" أخرجه البيهقي.
وروي عن ابن سيرين أنه سئل أي الأداب أقرب الى الله تعالى فقال: الايمان بالله وعمل بطاعته والحمد لله على السراء والصبر على الضراء.
وقد قيل: ثلاث خصال ليس معهن غربة مجانبة أهل الريب وحسن الأدب وكف الأذى.
وقد قال سهل: انه من قهر نفسه بالأدب فهو يعبد الله تعالى بالاخلاص.
قال أبو نصر السراج الطوسي: "الناس في الأدب على ثلاث طبقات أما أهل الدنيا فأكثر ءادابهم الفصاحة والبلاغة وحفظ العلوم وأسماء الملوك وأشعار العرب. وأما أهل الدين فأكثر ءادابهم في رياضة النفوس وتأديب الجوارح وحفظ الحدود وترك الشهوات، وأما أهل الخصوصية فأكثر ءادابهم في طهارة القلوب ومراعاة الأسرار والوفاء بالعهود وحفظ الوقت وقلة الالتفات الى الخواطر وحسن الأدب في مواقف الطلب ومقامات القرب".
27 - أحكام السفر: الانتقال والارتقاء.
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ(22)} [سورة يونس]. وقد قيل انّ السفر على قسمين: سفر بالبدء وهو الانتقال من بقعة الى بقعة، وسفر بالقلب وهو الارتقاء من ضفة الى ضفة فترى الكثيرون يسافرون بأجسامهم والقلائل يسافرون بقلوبهم.
وقال أبو يعقوب السوسي: "يحتاج المسافر الى أربعة أشياء في سفره: علم يسوسه وورع يحجزه ووجد يحمله وخلق يصونه".
وقالوا: سافر قبل أن تسافر أي سافر في طلب العلم قبل أن تسافر عن هذه الدنيا.
وكان ابراهيم الخواص لا يحمل شيئا في السفر وكان لا يفارقه الابرة والركوة، أما الابرة فلخياطة ثوبه ان تمزق سترا للعورة وأما الركوة فللطهارة.
ويقال: السفر هو سفرك عن نفسك.
28- الصحبة: الرفقة والمتابعة.
قال الله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ(40)} [سورة التوبة].
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "متى ألقى أحبابي؟" فقال أصحابه: بأبينا أنت وأمنا ألسنا أحبابك؟ فقال: "أنتم أصحابي أما أحبابي فهم قوم لم يروني وءامنوا بي وأنا إليهم بالأشواق لأكثر" أورده في كنز العمال ورواه القشيري في رسالته.
والصحبةعلى ثلاثة أقسام: صحبة من فوقك وصحبة الأكفاء، وصحبة مع دونك، أما صحبة من فوقك في الحقيقة خدمتهم، أما صحبة مع دونك وهي تقضي الشفقة والرحمة، وصحبة الأكفاء والنظراء وهي مبنية على الإيثار والفتوة.
29- الخروج من الدنيا: الموت.
قال الله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ(32)} [سورة النحل].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني" رواه الترمذي.
وقال القشيري: "اعلم أنّ أحوالهم في حال النزع مختلفة فبعضهم يغلب عليه الهيبة وبعضهم يغلب عليه الرجاء ومنهم كشف له في تلك الحالة ما أوجب له من السكون وجميل الثقة".
وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال: "كيف تجدك" قال: والله، يا رسول الله اني أرجو الله واني أخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن الا أعطاه الله ما يرجو وءامنه مما يخاف" رواه الترمذي.
ولما حضرت بلالا الوفاة قالت امرأته: واحزناه فقال: بل واطرباه غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه.
وقيل لبعضهم: أتحب الموت؟ فقال: القدوم على من يرجى خيره خير من البقاء مع من لا يؤمن شره.
وقال أبو عثمان الحيري: سئل أبو حفص في حال وفاته ما الذي تعظنا به؟ فقال: لست أقوى على القول، ثم رأى في نفسه قوة فقلت له: قل حتى أروي عنك فقال: الانكسار يكل القلب عن التقصير.