القصص التي تروى عن الجن تبقى مصداقيتها متوقفة على حقيقة ذلك العالم الخفي وما يمكن ان يصدر عنه. ولما لهذا العالم من خصوصية غير عادية بات كل حدث غريب في هذا العالم ينسب له. ولأنه عالم غريب مختلف تماماً عن عالمنا، اصبحت الاساطير التي تحاك حوله وتنسب له لا تستغرق تفكير الكثيرين حول مصداقيتها فبمجرد ان تنسب أي حادثة للجن تتوقف العقول عن التفكير دون محاولة البحث عن الحقيقة او التشكيك في تلك الصورة الخيالية الغريبة. يلعب الموروث الثقافي الذي توارثته الاجيال جيلا بعد الآخر دورا في تصوير عالم الجن على انه عالم اسطوري وان كل حادثة غريبة لا يستطيع العقل البشري تفسيرها تنسب له حتى في الابداع البشري ايضاً فهناك من يظن ان الشعر وحي من ايحاءات الجن ومنوط بهم وحدهم لأنه فن لا يتقنه الا القليل من البشر.
وهكذا تسري الاساطير وترتبط بالجن وعالمهم وينسب البشر بمختلف ثقافاتهم كل غريب لهذا العالم ولعل ما يروى ويسمع ويشاهد في كثير من المجتمعات حول استيلاء الجن على البيوت تحت ظروف معينة او مشاطرة للإنس في بيوتهم بات هاجس الكثيرين فهناك من يرفض شراء ارض بسعر مغر والسبب انها قريبة من احدى المقابر وهناك من هجر منزله الفاره وسكن منزلاً آخر بحجة ان الجان استولوا على منزله او كما يقال "منزله مسكون" وعلى ذلك قس!!
البيوت المسكونة
يتبادر الى الذهن سؤال عن حقيقة البيوت المسكونة وما يشاع حولها من اساطير ومبالغة احياناً في ان بعض الاشياء الغريبة التي تحدث فيها انها امور متعلقة بالجان. وتتعدد الروايات والمضمون واحد فهناك من يذكر انه رأى شبحاً امام منزله وآخر يذكر ان الجن يعبثون بأثاث منزله وآخر يجزم بأنه يسكن مع فرقة موسيقية من عالم خفي يقضون مضجعه واسرته.
العديد من القصص التي تلهج بها ألسنة الكثيرين والتي ينقسم الناس حيالها الى قسمين بين مؤمن بها ومكذب لها، لا يمكن تجاهلها أو انكارها.
واقعة من عسير
من اشهر القصص المتعارف عليها في منطقة عسير قصة احدى الأسر التي تشاطرها الجن منزلها وللحصول على القصة بكامل تفاصيلها التقت "عكاظ الاسبوعية" رب الاسرة "م.ش" الذي روى تفاصيل القضية بقوله: منذ حوالى خمسة عشر عاماً بدأت بعض الاصوات الغريبة تظهر في منزلي وكانت اسرتي وقتها مقتصرة عليّ وزوجتي واثنتين من بناتي وكان الأمر شبه عادي ولم اهتم كثيراً بالموضوع بالرغم من انني كنت اسمع كثيرا ان المنطقة التي بنيت فيها منزلي في قريتنا الصغيرة منطقة مسكونة بالجن ولكنني لم اصدق ذلك وتدريجياً ازدادت هذه الاصوات وتحولت الى حركات بمعنى اصبحنا ونحن نجلس في صالة المنزل نسمع أواني المطبخ تتساقط وعندما نذهب نجد بعض الصحون والقدور قد سقطت بالرغم من انها كانت مرتبة بشكل جيد الامر الذي اثار مخاوفي ولكنني لم اظهر ذلك لأسرتي وحاولت ان افهمهم بأن ما حدث كان مجرد ان قطا دخل المنزل وبعثر الاواني وعندما هجعت واسرتي للنوم بدأت اسمع صراخاً في بعض الغرف العلوية فتوجهت للأعلى وعندما صعدت سكنت الاصوات.
واضاف قائلاً: منذ ذلك اليوم تحققت ان الامر في منزلي غير عادي ولكنني لم اظهر ذلك لأحد وعندما استشرت امام المسجد في القرية اخبرني انهم جن وانهم يسكنون معي في منزلي وسألني هل يؤذونني وأسرتي فأجبته بأننا لم نتعرض لأذى.
وبالفعل تدرج الأمر شيئاً فشيئاً حتى اصبح اشبه بالأمر العادي بالنسبة لنا واخبرت زوجتي بأنهم جن وكنا نسمع اصواتهم في الطابق العلوي للمنزل فإذا صعدنا الى هناك سمعناهم في الطابق السفلي وهكذا لم نعد نستغرب هذه الاصوات طيلة خمسة عشر عاماً حتى هجرنا منزلنا بعد ان انتقلت للمدينة وتركت القرية ولكن منزلنا هناك بات معروفاً بأنه بيت مسكون وتملأ جنباته العفاريت.
زعيم لا يحب الكهرباء
في رواية عن البيوت المسكونة يذكر الشاب فيصل الاحمري ان اسرته كانت تعاني من انقطاع مستمر في التيار الكهربائي وكانت المصابيح في المنزل تتلف يومياً وأضاف الاحمري كنا نقوم بتغيير مصابيح المنزل كل يوم لأنها سرعان ما تحترق ولا نعرف السبب وعندما جلبنا مختصا في الكهرباء (كهربائي) ذكر ان الامور كلها طبيعية ولا يوجد خلل في نظام الكهرباء على الاطلاق وبالعديد من المحاولات توصلنا مع احد الرقاة بأن بيتنا مسكون بفرقة من الجن وان زعيم هذه الفرقة لا يحب الكهرباء وانهم هم من يقومون بإحراق المصابيح بطريقتهم الخاصة وتأكد لنا ذلك فعندما نقوم بتشغيل اشرطة القرآن الكريم في البيت تنقطع الكهرباء فوراً وبقينا على هذه الحال ستة اشهر تقريباً ثم غادرنا المنزل الى منزل آخر كان أكثر امناً من منزلنا الاول الذي لا يزال مهجوراً حتى يومنا هذا.
التزييف والإشاعة
هذه القصص وامثالها استغلها البعض لمصالح شخصية فبعض تجار العقار المتنافسين اذا ارادوا تحطيم اسعار مبنى او شقق سكنية او حتى ارض معروضة للبيع أثاروا حولها اشاعة بأنها مسكونة بالجن وأنه لا احد يستطيع ان يسكنها ويبدؤون في تأليف العديد من الاقاويل حول ذلك العقار لخدمة مصالح شخصية وقد اكد ذلك تاجر العقار محمد القحطاني حيث ذكر ان هذا موجود ومعروف ان بعض الاشخاص من قليلي الامانة يلجأون لمثل هذه الاساليب لخدمة مصالحهم الشخصية وقمع منافسيهم وفي مدينة ابها تحديداً راجت اشاعة قوية عن احد اشهر المباني الذي تم تجهيزه كخدمات فندقية ولفقت له التهم بأنه منزل مسكون وظلت هذه الاشاعة سارية قرابة العام ولم يتمكن احد من دخوله حتى تبين كذب هذه المقولة وانها مجرد الاعيب من عقاريين استغلوا هذا الجانب لتخويف الناس من السكن في هذا المبنى وهناك اشاعات غيرها كثير.
مبنى تجاري مسكون
احد الشواهد الكبيرة على رواج قصص سكنى الجان للبيوت احد المباني التجارية الضخمة والذي يقع شمال منطقة عسير على احد اشهر الشوارع التجارية فمنذ بنائه لم تفتح ابوابه لأنه شاع انه مسكون وان الجن قتلوا فيه ثلاثة عمال اثناء مراحل انشائه وانهم استولوا عليه بالكامل بعد الانتهاء منه كما روجوا عنه ان صاحبه المتوفى حاول قبل وفاته ان يحل هذه القضية دون جدوى ولا يزال هذا المبنى موصد الابواب حتى الآن.
ثقافة جيل
يقول محمد الالمعي: ان للثقافة التي تتوارثها الاجيال دورا كبيرا في زراعة مثل هذه المفاهيم والمبالغة فيها ومنها القصص الكثيرة التي كنا نسمعها من الآباء والاجداد عن سكنى الجن معهم في البيوت وعن اختطافهم لبعض الاشخاص او قتلهم للبعض الآخر وهكذا تم نقل هذه الاسطورة الينا كجيل وتقبلناها كما هي بنفس الطريقة وبنفس الكم الكبير من المبالغات التي تكتنفها.
ترك البيوت
من القصص الكثيرة التي تروى عن سكنى الجان للبيوت ان من هجر منزله اربعين يوماً استولت عليه الجن ولن يتمكن من اخراجهم منه وهذه مقولة يؤكدها المواطن احمد عسيري الذي ذكر انه لا يمكن ان يهجر بيته اكثر من شهر تحت أي ظرف خشية ان تسكنه الجن.
حرائق البيوت
الشيخ عيضة المالكي الراقي المعروف في منطقة عسير ذكر العديد من القصص التي مر بها وكان أغربها ان الجان كانوا يحرقون منزلاً لإحدى الأسر ويسرقون بعض الأغراض الشخصية لصاحب البيت الذي تبين لنا ان احد السحرة كان يبتزه بإرسال الجن اليه وايذائه في منزله.
يسكنون أي مكان
وذكر الشيخ عيضة ان الجن موجودون ويسكنون جميع البيوت المهجورة وغير المهجورة وهم متواجدون في كل مكان لأنهم تقريباً عشرة اضعاف البشر ولكنهم لا يؤذون احداً حتى يؤذيهم او يكون من اهل المعاصي لأن الجن منهم الصالح ومنهم الطالح وقضية سكنهم البيوت حقيقة ومعروفة وثابتة ولكن ايذاءهم يختلف بحسب اختلاف الاشخاص من ناحية ايمانهم وخوفهم من الله وذكرهم لله عز وجل