علم أسرار الحروف
و هو المسمى لهذا العهد بالسيميا. نقل وضعه من الطلسمات إليه في اصطلاح أهل التصرف من المتصوفة فاستعمل استعمال العام في الخاص. و حدث هذا العلم في الملة بعد صدر منها و عند ظهور الغلاة من المتصوفة و جنوحهم إلى كشف حجاب الحس و ظهور الخوارق على أيديهم و التصرفات في عالم العناصر و تدوين الكتب و الاصطلاحات و مزاعمهم في تنزل الوجود عن الواحد و ترتيبه. وزعموا أن الكمال الأسمائي مظاهره أرواح الأفلاك و الكواكب و أن طبائع الحروف و أسرارها سارية في الأسماء فهي سارية في الأكوان على هذا النظام. و الأكوان من لدن الإبداع الأول تتنقل في أطواره و تعرب عن أسراره .فحدث لذلك علم أسرار الحروف و هو من تفاريع علم السيمياء لا يوقف على موضوعه و لا تحاط بالعدد مسائله. تعددت فيه تآليف البوني و ابن العربي و غيرهما ممن اتبع آثارهما. و حاصله عندهم و ثمرته تصرف النفوس الربانية في عالم الطبيعة بالأسماء الحسنى و الكلمات الإلهية الناشئة عن الحروف المحيطة بالأسرار السارية في الأكوان.
ثم اختلفوا في سر التصرف الذي في الحروف بما هو. فمنهم من جعله للمزاج الذي فيه و قسم الحروف بقسمة الطبائع إلى أربعة أصناف كما للعناصر. و اختصت كل طبيعة بصنف من الحروف يقع التصرف في طبيعتها فعلا و انفعالا بذلك الصنف. فتنوعت الحروف بقانون صناعي يسمونه التكسير إلى نارية و هوائية و مائية و ترابية على حسب تنوع العناصر فالألف للنار و الباء للهواء و الجيم للماء و الدال للتراب. ثم ترجع كذلك على التوالي من الحروف و العناصر إلى أن تنفد. فتعين لعنصر النار حروف سبعة الألف و الهاء و الطاء و الميم و الفاء و السين و الذال. و تعين لعنصر الهواء سبعة أيضا الباء و الواو و الياء و النون و الضاد و التاء و الظاء. و تعين لعنصر الماء أيضا سبعة الجيم و الزاي و الكاف و الصاد و القاف و الثاء و الغين. و تعين لعنصر التراب أيضا سبعة الدال و الحاء و اللام و العين و الراء و الخاء و الشين. و الحروف النارية لدفع الأمراض الباردة و لمضاعفة قوة الحرارة حيث تطلب مضاعفتها إما حسا أو حكما كما في تضعيف قوى المريخ في الحروب و القتل و الفتك. و المائية أيضا لدفع الأمراض الحارة من حميات و غيرها و لتضعيف القوى الباردة حيث تطلب مضاعفتها حسا أو حكما كتضعيف قوى القمر و أمثال ذلك.
منهم من جعل سر التصرف الذي في الحروف للنسبة العددية. فإن حروف أبجد دالة على أعدادها المتعارفة وضعا و طبعا. فبينها من أجل تناسب الأعداد تناسب في نفسها أيضا كما بين الباء و الكاف و الراء لدلالتها كلها على الاثنين كل في مرتبته. فالباء على اثنين في مرتبة الآحاد و الكاف على اثنين في مرتبة العشرات و الراء على اثنين في مرتبة المئين. و كالذي بينها و بين الدال و الميم و التاء لدلالتها على الأربعة و بين الأربعة و الاثنين نسبة الضعف.
و خرج للأسماء أوفاق كما للأعداد يختص كل صنف من الحروف بصنف من الأوفاق الذي يناسبه من حيث عدد الشكل أو عدد الحروف و امتزج التصرف من السر الحرفي و السر العددي لأجل التناسب الذي بينهما. فأما سر التناسب الذي بين هذه الحروف و أمزجة الطبائع أو بين الحروف و الأعداد فأمر عسير على الفهم إذ ليس من قبيل العلوم و القياسات و إنما مستندهم فيه الذوق و الكشف. قال البوني و لا تظنن أن سر الحروف مما يتوصل إليه بالقياس العقلي و إنما هو بطريق المشاهدة و التوفيق الإلهي.
و أما التصرف في عالم الطبيعة بهذه الحروف و الأسماء المركبة فيها و تأثر الأكوان عن ذلك فأمر لا ينكر لثبوته عن كثير منهم تواترا. و قد يظن أن تصرف هؤلاء و تصرف أصحاب الطلسمات واحد و ليس كذلك. فإن حقيقة الطلسم و تأثيره على ما حققه أهله أنه قوى روحانية من جوهر القهر تفعل فيما له ركب فعل غلبة وقهر بأسرار فلكية و نسب عددية و بخورات جالبة لروحانية ذلك الطلسم مشدودة فيه بالهمة فائدتها ربط الطبائع العلوية بالطبائع السفلية. و هو عندهم كالخميرة المركبة من هوائية و أرضية و مائية و نارية حاصلة في جملتها تحمل و تصرف ما حصلت فيه إلى ذاتها و تقلبه إلى صورتها. و كذلك الإكسير للأجسام المعدنية كالخميرة تقلب المعدن الذي تسري فيه إلى نفسها بالإحالة. و لذلك يقولون موضوع الكيمياء جسد في جسد لأن الإكسير أجزاؤه كلها جسدانية. و يقولون موضوع الطلسم روح في جسد لأنه ربط الطبائع العلوية بالطبائع السفلية و الطبائع السفلية جسد و الطبائع العلوية روحانية. و تحقيق الفرق بين تصرف أهل الطلسمات و أهل الأسماء بعد أن تعلم أن التصرف في عالم الطبيعة كله إنما هو للنفس الإنسانية و الهمم البشرية أن النفس الإنسانية محيطة بالطبيعة و حاكمة عليها بالذات. إلا أن تصرف أهل الطلسمات إنما هو في استنزال روحانية الأفلاك و ربطها بالصور أو بالنسب العددية حتى يحصل من ذلك نوع مزاج يفعل الإحالة و القلب بطبيعته فعل الخميرة فيما حصلت فيه. و تصرف أصحاب الأسماء إنما هو بما حصل لهم بالمجاهدة و الكشف من النور الإلهي و الإمداد الرباني فيسخر الطبيعة لذلك طائعة غير مستعصية و لا يحتاج إلى مدد من القوى الفلكية و لا غيرها لأن مدده أعلى منها.
كذلك قد يمزج أيضا صاحب الطلسمات عمله وقوى كواكبه بقوى الدعوات المؤلفة من الكلمات المخصوصة لمناسبة بين الكلمات و الكواكب إلا أن مناسبة الكلمات عندهم ليست كما هي عند أصحاب الأسماء من الإطلاع في حال المشاهدة و إنما يرجع إلى ما اقتضته أصول طريقتهم السحرية من اقتسام الكواكب لجميع ما في عالم المكونات من جواهر و أعراض و ذوات و معان و الحروف و الأسماء من جملة ما فيه.
فلكل واحد من الكواكب قسم منها يخصه و يبنون على ذلك مباني غريبة منكرة من تقسيم سور القرآن و آيه على هذا النحو كما فعله مسلمة المجريطي في الغاية. و الظاهر من حال البوني في أنماطه أنه اعتبر طريقتهم. فإن تلك الأنماط إذا تصفحتها و تصفحت الدعوات التي تضمنتها و تقسيمها على ساعات الكواكب السبعة ثم وقفت على الغاية و تصفحت قيامات الكواكب التي فيها و هي الدعوات التي تختص بكل كوكب و يسمونها قيامات الكواكب أي الدعوة التي يقام له بها شهد له ذلك إما بأنه من مادتها أو بأن التناسب الذي كان في أصل الإبداع و برزخ العلم قضى بذلك كله.
{ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا "}
و ليس كل ما حرمه الشارع من العلوم بمنكر الثبوت فقد ثبت أن السحر حق مع حظره. لكن حسبنا من العلم ما علمنا.
قال بعض المحققين منهم اعلم أيدنا الله و إياك بروح منه أن علم الحروف جليل يتوصل العالم به لما لا يتوصل بغيره من العلوم المتداولة بين العالم. و للعمل به شرائط تلتزم. و قد يستخرج العالم أسرار الخليقة و سرائر الطبيعة فيطلع بذلك على نتيجتي الفلسفة أعني السيمياء و أختها. و يرفع له حجاب المجهولات و يطلع بذلك على مكنون خبايا القلوب. و قد شهدت جماعة بأرض المغرب ممن اتصل بذلك فأظهر الغرائب و خرق العوائد و تصرف في الوجود بتأييد الله.
اعلم أن ملاك كل فضيلة الاجتهاد و حسن الملكة مع الصبر مفتاح كل خير كما أن الخرق و العجلة رأس الحرمان. فأقول إذا أردت أن تعلم قوة كل حرف من حروف الفابيطوس أعني أبجد إلى آخر العدد و هذا أول مدخل من علم الحروف فانظر ما لذلك الحرف من الأعداد فتلك الدرجة التي هي مناسبة للحرف هي قوته في الجسمانيات. ثم اضرب العدد في مثله تخرج لك قوته في الروحانيات و هي وتره. و هذا في الحروف المنقوطة لا يتم بل يتم لغير المنقوطة لأن المنقوطة منها مراتب لمعان يأتي عليها البيان فيما بعد.
و اعلم أن لكل شكل من أشكال الحروف شكلا في العالم العلوي أعني الكرسي و منها المتحرك و الساكن و العلوي و السفلي كما هو مرقوم في أماكنه من الجداول الموضوعة في الزيارج. و اعلم أن قوى الحروف ثلاثة أقسام. الأول و هو أقلها قوة تظهر بعد كتابتها فتكون كتابته لعالم روحاني مخصوص بذلك الحرف المرسوم فمتى خرج ذلك الحرف بقوة نفسانية و جمع همة كانت قوى الحروف مؤثرة في عالم الأجسام. الثاني قوتها في الهيئة الفكرية و ذلك ما يصدر عن تصريف الروحانيات لها فهي قوة في الروحانيات العلويات و قوة شكلية في عالم الجسمانيات. الثالث و هو يجمع الباطن أعني القوة النفسانية على تكوينه. فتكون قبل النطق به صورة في النفس بعد النطق به صورة في الحروف و قوة في النطق.
أما طبائعها فهي الطبيعيات المنسوبة للمتولدات في الحروف و هي الحرارة و اليبوسة و الحرارة و الرطوبة و البرودة و اليبوسة و البرودة و الرطوبة فهذا سر العدد الثماني و الحرارة جامعة للهواء و النار و هما ا هـ ط م ف ش ذ ج ز ك س ق ث ط و البرودة جامعة للأرض و الماء د ح ل ع ر خ غ ب و ى ن ص ت ض . و الرطوبة جامعة للهواء و الماء ج ز ك س ق ث ط د ح ل ع ر خ ع . و اليبوسة جامعة للنار و الأرض ا هـ ط م ف ش ذ ب و ى ن ص ث ض . فهذه نسبة حروف الطبائع و تداخل أجزاء بعضها في بعض. و تداخل أجزاء العالم فيها علويا و سفليا بأسباب الأمهات الأول أعني الطبائع الأربع المنفردة.
فصل في الاستدلال على ما في الضمائر الخفية بالقوانين الحرفية
و ذلك لو سأل سائل عن عليل لم يعرف مرضه ما علته وما الموافق لبرئه منه فمر السائل أن يسمى ما شاء من الأشياء على اسم العلة المجهولة لتجعل ذلك الاسم قاعدة لك. ثم استنطق الاسم مع اسم الطالع و العناصر و السائل و اليوم والساعة إن أردت التدقيق في المسألة و إلا اقتصرت على الاسم الذي سماه السائل و فعلت به كما نبين. فأقول مثلا سمى السائل فرسا فأثبت الحروف الثلاثة مع أعدادها المنطقة.
و بيانه أن للفاء من العدد ثمانين و لها م ك ي ح ب . ثم الراء لها من العدد مائتان ق ن ك ى. ثم السين لها من العدد ستون و لها م ل ك. فالواو عدد تام له د ج ب و السين مثله و لها م ل ك . فإذا بسطت حروف الأسماء وجدت عنصرين متساويين فاحكم لأكثرهما حروفا بالغلبة على الآخر ثم احمل عدد حروف عناصر اسم المطلوب و حروفه دون بسط و كذلك اسم الطالب و احكم للأكثر و الأقوى بالغلبة.
و صفة قوى استخراج العناصر نار تراب هواء ماء. فتكون الغلبة هنا للتراب و طبعه البرودة و اليبوسة طبع السوداء فتحكم على المريض بالسوداء. فإذا ألفت من حروف الاستنطاق كلاما على نسبة تقريبية خرج موضع الوجع في الحلق و يوافقه من الأدوية حقنة و من الأشربة شراب الليمون. هذا ما خرج من قوى أعداد حروف اسم فرس و هو مثال تقريبي مختصر. و أما استخراج قوى العناصر من الأسماء العلمية فهو أن تسمي مثلا محمدا فترسم أحرفه مقطعة ثم تضع أسماء العناصر الأربعة على ترتيب الفلك يخرج لك ما في كل عنصر من الحروف و العدد.