فوائد التوابل
إنه من العسير في وقتنا هذا أن ندرك ما كانت عليه التوابل من الأهمية في يوم من الأيام ، لقد كان بعضها يساوي بالفعل وزنه ذهبا ، كما أن كيسا من الفلفل كان يعتبر هدية صالحة للملك. ولقد بدأ التاريخ الرومانسي للتوابل منذ الأيام الأولى ، بدليل الإشارة إليها في الإنجيل ، فقد إستخدم المر Myrrh و القرفة الصينية ، و قص الذريرة و القرفة في صنع زيت الإضاءة ، وزيت الأدهنة و البخور. وكانت إبل الملكة سبأ ذات الثراء الخرافي تسافر إلى الملك سليمان وهي محلمة بالهدايا من التوابل. وكانت التوابل تعتبر بضاعة غالية التكلفة بمجرد جلبها من الهند وجزر التوابل ، فكانت الضرائب تفرض عليها ، في كل خطوة من خطوات رحلتها. ولقد فرضت مصر الضرائب على التوابل ، مما دفع التجار الرئيسين وهم البرتغاليون ، إلى الإبتعاد عن مصر والبحث عن طريق أخرى إلى الهند. وفي سنة 1522 وصلت إمسترادن أول شحنة من التوابل. وبعد ذلك خرج الهولنديون لإستيلاء على جزر ملقا ، التي سقطت في أيديهم سنة 1605 ، وزروع فيها بساتين جوز الطيب و القرنفل ، وبعد ذلك أدخل الفرنسيون هذهين التابلين في جزر مروشيوس سنة 1744 ، ثم إمتدت زراعتهما حتى زنزبار ، وقد خسر الهولنديون جزر ملقا ، وإستولت عليها بريطانيا سنة 1796 ، إلا أن زراعة التوابل إتسعت حتى إنتشرت في الملايو وتشكل التوابل في يومنا هذا ، عنصرا هاما في التجارة العالمية ، وأصبحت تزرع في كثير من البلاد كالهند ، وملقا وجزر بادنا و البرازيل و الصين و بينانج ، وبلاد البحر المتوسط على سبيل المثال وليس الحصر.
ما الذي يجعل لها هذا المذاق وهذه النكهة
إن لفظ توابل بمعنى أريج أو عبير أو نكهة والحقيقة أن الطابع المميز لجميع التوابل هو أنها تحتوي على عناصر عضوية خاصة في حالة زيتية ، يقال لها زيوت أثيرية ، ذات مذاق طيب ونكهة معطرة. وهذه العناصر تتطاير بسهولة ، وتختلط بالهواء فتعطره. وعندما توضع التوابل فوق الأطعمة فإن هذه الزيوت تنتشر مما يسبغ على الطعام طابعها المميز.
لماذا هي مستساغة
جرت العادة على أن الإنسان ما يكاد يستنشق غبيرا طيبا ينبعث من إناء طعام أو لمجرد أن يرى طعام محببا لديه ، فإنه يشعر بأن لعبه يسيل. وليس ذلك تعبيرا مجدازيا ، ذلك أن أجهزة الشم والإبصار تعمل فورا عن طريق الجهاز العصبي ، على تشغيل الأوعية اللعابية ، فيسيل لعاب الإنسان. والسبب في هذا هو لفت نظر الجهاز العصبي ليقول لنا "أنني متأهب لتلقي الطعام" فنجلس ونأكل الطعام. ويحدث نفس الشئ أثناء عملية المضغ ، عندما يكون الطعام الذي نتناول معطرا بالتوابل ، إذ ان الجزيئات الأريجية تلتصف بخلايا التذوق باللسان. فيتولد شعور ثوي في حاسة التذوق ، وعن طريق إشارات الجهاز العصبي يرتفع إفراز اللعاب. وهذا هو السبب في أن لقمة واحدة حريفة تثير الشهية.
لماذا تسهل الهضم
من شأن العناصر التي تحتويها التوابل أن توسع الأوعية و الشعيرات الدموية ، وبالتالي إحداث زيادة في تدفق الدم في الأجهزة التي تتصل بها. ولذلك فإن غدد المعدة التي تفرز العصارات المعدية ، وكذلك غدد الأمعاء ، عندما تنبهها التوابل ، تنتج مقادير أكبر من هذه العصارات. وفي نفس الوقت فإن الأنسجة العصبية في القناة الهضمية تزداد قوة ، بعد زيادة تدفق الدم عليها ، ويرتفع معدل عملها. وكل ذلك يؤدي بطبيعةالحالة إلى يسر في عملية الهضم. وهذا هو السبب في أننا إذا وضعنا الكمية الصحيحة من التوابل إلى الطعام ، حتى إذا نحن تناولنا منه أكثر من المعتاد ، فأننا لا نشعر بأي ثقل في المعدة. بل أننا نشعر أحساسا بالإرتياح ، وفي بعض الأحيان بالنشوة ، لأن بعض أنواع التوابل لها القدرة على أن تحدث لدى من يتناولها شيئا من الثمالة.
لماذا ينبغي أن تناولها بإعتدال
لقد رأينا أن التوابل منبهة لكثير من الأجهزة في الجسم ، إلا أنها بوصفها منبها ، يبنغي لنا أن نستخدمها بمقدار. والكبد من بين أجهزة الجسم ، هي التي تعرض أكثر من غيرها للضر ، نتيجة لزيادة إستخدام التوابل. ويمكن حدوث نوع من التسمم من التوابل يظهر في شكل تورم في الكبد ، كما يمكن أن يظهر في تقلصات في المعدة ، وفي الحالات الخطيرة يظهر في صورة قئ وإسهال.
إن الصاروخ العملاق معد فوق قاعدة الإطلاق وفي كبسولته الأخيرة ، رجل ذو أعصاب من الفولاذ ، وذو جسارة تفوق الوصف. ولم يبق سوى لحظات ينطلق بعدها إلى الفضاء. والآن ما قولكم إذا علمتم أن هذا الرجل لا يقوم بهذه الرحلة الحافلة بالأخطار إلا لكي يعود منها إلى الأرض ومعه شحنة من القرفة أو من جوزة الطيب. ومع ذلك فإن الرحلات التي كان الملاحون القدامى يقومون بها عبر الأرض يمكن مقارنتها تماما من حيث أخطار الرحلة وعدم إطمئنان الملاح إلى العثور على غاية أو هدف أو القدرة بعد ذلك على العودة إلى المكان الذي تبدأ منه بالرحلات الفضائية الأولى وكانت هذه الرحلات تجرى لغرض واحد هو الحصول على كمية من الفلفل الأسود أوالقرفة. والواقع أن كبار الرحالة مثل بارتولوميو دياز الذي دار في عام 1487 حول أفريقيا ووصل إلى الهند ، و كرسيتوفر كولمبس الذي كان أول من وضع قدمه على أرض أمريكا في عام 1492 ، وماجلان الذي دار حول الأرض بسفينة شراعية عام 1519-1520 ، الواقع أن هؤلاء جميعا إنما كانوا يبحثون عن طرق جدية ، يستطيعون أن يجلبوا عبرها إلى أوروبا المزيد من التوابل والمحاصيل الزراعية التي تجود في المناطق الحارة. إن ذلك قد يبدو اليوم غريبا ، ولكن في تلك الحقبة من الزمن ، كانت مثل هذه الحاصلات هي أكثر السلع طلبا وقيمة. ويكفي لتقدير ققيمتها أن نعرف أنه ظلت زمنا طويلا تستخدم بإعتبارها علمة نقدية ، على أساسها تتم المبادلات.
لما كان يكثر عليها الطلب
في العصور الوسطى حيث كانت تندر المراعي في فصل الشتاء ، كان الجانب الأكبر من الماشية يذبح في مطلع الخريف ، لكي تحفظ لحومها في الملح ، وهكذا طوال الشتاء كان للحم المملح هو الغذاء الرئيسي تضاف إليه كمية قليلة من الخضر. ولكي يصبح هذا النوع الرتيب من الطعام مستساغا ، كان الناس يستخدمون مقادير كبيرة من التوابل لجعله ذا نكهة طيبة. ولقد ترتب على ذلك أن أصبحت أطعمة تلك العصور أثقل من أطعمتنا ، وبات الناس يفضلون الأطعمة الحريفة أو الأطباق ذات المذاق الشهي. وهكذا فإن التوابل لم تنتشر بين الأثرياء فحسب ، ولكنها إنتشرت وإستخدمت بكثرة بين طبقات الشعب ، وهو ما يفسر الإستهلاك الهائل لهذه الحاصلات.