تعريف السحر وأنواعه
السحر في اللغة : عبارة عما خفي ولطف سببه , ولهذا جاء في الحديث : (( إن من البيان لسحرا ))
وسمي السحور سحورا لأنه يقع خفيا آخر الليل قال تعالى : (( سحروا أعين الناس )) أي أخفوا عنهم علمهم , ولما كان السحر من أنواع الشرك إذ لا يأتي السحر بدونه أوردناه لبيان ذلك تحذيرا منه
و في الاصطلاح : عزائم و رقى و عقد و أدوية و تدخينات تؤثر في القلوب والأبدان فمنها ما يمرض و منها ما يقتل و منها ما يفرق بين المرء و زوجه قال تعالى : (( فيتعلمون منهما ما يفرق به بين المرء وزوجه )) وقال سبحانه : (( قل أعوذ برب الفلق )) إلى قوله : (( ومن شر النفاثات في العقد )) يعني السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن وينفثن في عقدهن . ولولا أن للسحر حقيقة لم يأمر بالاستعاذة منه
وقد زعم قوم من المعتزلة وغيرهم أن السحر تخييل لا حقيقة له , وهذا ليس بصحيح على إطلاقه , بل منه ما هو تخييل ومنه ما له حقيقة كما يفهم مما تقدم
تاريخ الســــــحر
إن معتقدات السحر من أقدم المعتقدات البشرية على الإطلاق , وقد ارتبط ذلك منذ القدم بعادات وتقاليد و طقوس يمارسها الإنسان في عصور الجهل و الظلام , فقد لجأ الإنسان إلى السحر من أجل حماية نفسه من الخوف الذي ملأ قلبه وسط هذا العالم المجهول الغامض الذي يحيطه بما فيه من وحوش ضارية تسعى لالتهامه و تتربص به في كل الأوقات , وطبيعة قاسية متقلبة , و أمراض فتاكة و خوف من المجهول ,, و كانت من أوائل أدوات السحر في العصر الحجري ( التمائم ) و التي اعتقد إنسان هذا العصر أنها تجلب له الرزق و تمنحه القوة و الذرية الوفيرة , وكذلك فمن الوسائل الهامة التي استخدمها الإنسان الأول ( الطبول ) و التي كانت تصنع من جلود الحيوانات وكان يعتقد إن دقاتها تكسب القوة و الإرادة لأنها تجلب له الأرواح التي يمكنه تسخيرها في أغراضه و مصالحه و قهر أعدائه ومن تلك الطقوس السحرية البدائية أيضا تثبيت التعويذة السحرية على أناء من الفخار بعد طرقه بالنار فقد كان قديما يكتب على جرة الفخار بعض الكتابات و الرموز الخاصة ثم تلقى على الأرض لكي تتحطم بنفس الطريقة التي يريدون بها تحطيم أعدائهم . وتلى ذلك عملية غزل الخيوط و صبغها . والنفث في العقد و شحنها بالتعاويذ السحرية وذلك من أجل غرض ما في نفوسهم
ومع توالي الأعوام تقدمت العلوم السحرية تدريجيا وصار هناك أناس متخصصون في هذا اللون الغامض من الممارسات الخفية وذلك بغرض التأثير في مجريات حياة الآخرين أو إلحاق الأذى و الضرر بغيرهم من بني البشر أو الحيوانات , و لو أن هذه المحاولات لم تكن مكتملة إلى الحد الذي يمكن أن يعمل فيه الساحر وفق طرق محددة و أساليب واضحة , ولكن كل ذلك يبين لنا الميل القوي في نفوس بني الإنسان منذ قديم الزمان نحو القوى الخفية و استخدامها لتحقيق مآربه و أطماعه
بداية الســــــحر
ربما كانت البداية الفعلية للسحر على يد ساحر من بلاد الفرس يدعى ( زوروستر ) وذلك قبل ظهور المسيح بحوالي خمسة آلاف سنة . فقد قام هذا الساحر بوضع أسس السحر و نظم و طرق ممارسته , و قد سار على هديه أمما كثيرة مثل الكنعانيين و الهنود و المصريين و غيرهم وكان لكل منهم معتقدات في القوة السحرية , فمنهم من يستعين بالقطط و الكلاب أو الطيور , ومنهم من يستعين بوسائل أخرى أشد غرابة وأكثر عجبا .
موســى عليه الصلاة و الســلام و الســــــحرة
أما العصر الذهبي للسحر فقد كان في زمن موسى عليه السلام حيث انتشر السحر انتشارا كبيرا و تنوعت طرقه وأساليبه وكان عدد السحرة يقدر بالآلاف , وقد برع هؤلاء السحرة في سحرهم إلى حد كبير وكانوا من أهم أعوان فرعون في حكمه و التخلص من خصومه , ولذلك فقد كانت معجزة موسى عليه السلام هي أيضا في السحر ولكنه كان سحرا أقوى و أشد من جميع السحرة . . . حيث كان يفوق المعجزات وقد أيده الله تعالى ونصره عليهم جميعا . . . فقد جاء موسى إلى فرعون مصر وخاطبه قائلا : ( اني رسول من رب العالمين ) فقال له فرعون : كذبت , فقال موسى : ( جدير بي و حق علي أن أخبر عن الله إلا بما هو حق و صدق , وقد آتيتكم بحجة قاطعة من الله وهي دليل على صدقي فادع بني إسرائيل ليرجعوا معي إلى الأرض المقدسة التي هي وطنهم ومولد آبائهم ) فقال فرعون : لست بمصدقك و لن أطيعك فيما تطلب فعليك إظهار محبتك و إثبات نبوتك إن كنت صادقا في ادعائك . . فألقى موسى عصاه فتحولت إلى ثعبان ضخم للغاية أخذ يزحف نحو فرعون و قد فغر فاهه الكبير لألتهامه . فحدث هرج و مرج شديد و هرب فرعون و تبعه قومه و مات منهم عددا كبيرا , و اعتصم فرعون بقصره و صاح : يا موسى خذه و أنا أؤمن بك و أرسل معك بني إسرائيل . . فأخذه موسى فعاد عصا كما كان في السابق و بعد إن هدأ فرعون و استقرت نفسه قال له سادة قومه إن هذا عالم بالسحر ماهر فيه وقد أخذ عيون الناس بخدعة من خدعه حتى خيل إليهم أن العصا حية .
و هنا خشي فرعون و حاشيته أن يستميل موسى الناس بسحره فيكون ذلك سببا في انهيار ملكه و إخراجه وقومه من أرضهم .. ولما تشـاوروا في شأنه استقر رأيهم في النهاية على احضار أمهر السحرة ليلاقوا موسى فقد كانوا يعتقدون أن السحرة أمهر من موسى في السحر و أنهم سوف يغلبونه , ووعدهم فرعون بالأجر العظيم و المنزلة الرفيعة إن انتصروا على موسى , و كانوا عددا كبيرا من السحرة المهرة حتى يقال أنهم كانوا ثمانين ألفا و قيل سبعين ألفا و قيل بضعة و ثلاثون ألفا وفي سورة طه قال الله تعالى على لسان فرعون و قومه : ( قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله , فاجعل بيننا و بينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى ) وقبل موسى التحدي وحدد لهم يوم الزينة ( وهو أحد أعيادهم ) كموعدا للقائهم .
وعندما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم سحروا أعين الناس وكأن هذه الحبال و العصي قد تحولت إلى حيات كثيرة تملأ الأرض بشكل مفزع مما سبب الخوف و الرعب للناس ومنهم موسى عليه السلام قال تعالى : ( فأوجس في نفسه خيفة موسى , لا تخف انك أنت الأعلى , وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر و لا يفلح الساحر حيث أتى )( فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون ) فقد تحولت عصا موسى مرة أخرى إلى ثعبان هائل أخذ يلتهم كل الثعابين و الحيات التي كانت تملأ الوادي حتى لم تبق على شيء منها إلا ابتلعته وذلك تحت سمع و بصر الجموع المحتشدة من الناس ووسط ذهول السحرة بفضل الله سبحانه و تعالى . . . عندها علم السحرة أن الذي أتى به موسى ليس سحرا مثل سحرهم إنما هو القوة الإلهية فخروا لله ساجدين و آمنوا برب العالمين
الســـحر و لعنـــة الفـــراعنـــة
يعتبر سحرة المصريين القدماء من أبرع السحرة , وكان أعظم ملوك مصر الذين حكموهم في آخر عصورهم وهو الملك ( نيكتايبس ) ساحرا كبيرا بارعا في سحره وكان هذا قبل عام ( 358 ) قبل الميلاد , وكان للمصريين تلاوات و رموز سحرية يستعين بها السحرة في أعمالهم و طقوسهم و قد وجدت منقوشة على التعاويذ و الطلاسم و الجعارين و غيرها من آثارهم كذا بإحدى أوراق البردى المحفوظة بالمتحف البريطاني .
وكان للمصريين القدماء سرا رهيبا في تلك اللعنة التي يسلطونها على كل من ينبش قبرا لهم أو يسرق مخلفاتهم و يبعث بمحتوياتها وهذا هو ما حدث للورد ( كانا رافون ) وزميله ( كارتر ) مكتشفي قبر توت عنخ آمون , فالأول توفي قبل انتهاء كشف المقبرة بعد ما حلت عليه النكبات من خسائر مالية ومتاعب جمة مما عجل بوفاته قبل تحقيق أمله , أما زميله فقد كان يعتز بعصفور نادر يحتفظ به داخل قفص بمكتبه قرب المقبرة عندما هاجمته أفعى كبيرة من نوع الكوبرا فقضت عليه , ثم تربصت لكارتر لتنهي أجله ولكن لحسن حظه لم يقصد مكتبه بعد الكشف بل عاد إلى القاهرة ليذيع نبأ الأكتشاف وكلف أتباعه بنقل حاجياته , وهكذا فقد نجا من الموت بأعجوبة
وقد تعرض السحرة لأقسى وأشد العقوبات من جميع الدول الغربية للخلاص منهم حتى أنها فرضت عليهم حرقا والتعذيب والتنكيل بهم ومصادرة أموالهم حتى أن ذريتهم لم تكن تسلم من العقاب . وفي أمريكا كان البعض يتهمون السود بمزاولة السحر حتى أنهم كانوا يلقون القبض على أول زنجي يصادفونه في الطريق ثم يقتادونه إلى شجرة يعلق بها ليشنق زورا وبهتانا وقد راح ضحية هذا الوهم الكثيرين من السود
,
كانت الوسائل متعددة في تعذيب وإبادة هؤلاء السحرة في جميع الممالك فمنهم من كان يعدم بطريقة الخازوق ومنهم بطريقة ( التشبيح ) وهي : أنهم كانوا يأتون بالساحر ويمدونه على مائدة غليظة مقسمة إلى أقسام مفصولة عن بعضها ويفردون ذراعيه إلىأعلى بحيث يقيدون الذراع الأيمن في ركن المائدة الأيمن والذراع الأيسر في ركنها الأيسر والقدم اليمنى في الركن الأسفل ومثلها القدم اليسرى ومركب بوسط المائدة عجلة مصنوعة ومتصلة بالمائدة بطريقة مخصوصة حتى إذا ما دارت العجلة انفصلت أجزاء المائدة عن بعضها و تحرك كل جزء منها في اتجاه مضاد للآخر فيتحرك الذراع الأيمن إلى الشمال الغربي والذراع الأيسر إلى الشمال الشرقي والقدم الأيمن إلى الشمال الغربي والقدم الأيسر إلى الشمال الشرقي وبهذا تتفكك أوصال وعضلات ومفاصل الساحر وتسبب له آلام فظيعة بدرجة لا تقوى عليها الشياطين أنفسهم ثم ينتهي أجله بعد دقائق و تؤخذ جثته لتحرق و يذرى رمادها في الهواء وذلك في واحد من أبشع صور التعذيب التي عرفها التاريخ , ويدلك ذلك على مدى الكراهية و المقت التي يحملها الناس منذ زمن بعيد للسحرة و السحر الأسود
أما في أسبانيا فقد أعدت محاكم التفتيش المشهورة بقسوتها غرفا مخصوصة مزودة بكافة آلات و معدات التعذيب التي لا تخطر على بال وأطلق عليها ( غرف التعذيب أو الاعتراف ) فعند القبض على الساحر و اعترافه مبدئيا بمزاولة السحر يؤخذ إلى غرفة التعذيب حيث يعلقونه من ساقيه بعد ربط يديه إلى جانبيه على عجلة كبيرة بحيث يكون رأسه إلى أسفل ثم تدور العجلة جملة دورات عنيفة حتى إذا ما دارت و جعلته في الوضع الصحيح و أصبح رأسه فوق و رجلاه تحت يبدءون في تقليع أظافر يديه ثم يعاد مرة أخرى لوضعه الأول و يختارون من جسده الجهات الممتلئة باللحم و الشحم كالكتفين أو الفخذين و الساقين فيشقونها شقا طوليا ثم يصبوا فيها الزيت المغلي , ثم يقلب ثانيا و يفقئون عينيه بمسامير كبيرة محماة و ينهون هذا العذاب أخيرا بحرقه
ولكن نظرا لما يلاقيه الساحر من عذاب فكان الساحر لا يقدم للمحاكمة إلا بعد التأكد من أنه على علاقة أكيدة بالشيطان وبأدلة قوية منها :
أ - اتفاق أو عقد أبرمه الساحر مع الشيطان و عليه أن يقرر هذا كتابة و يوضح متى و أين عقد اتفاقه و ما هي نصوص الاتفاق و مدته و على أي صورة كان يظهر له الشيطان
ب- ما هي المواد التي يستعملها في سحره و من يحضرها إليه
ج - لمن كان يسحر و لصالح من أو لضرر من
وكل هذه الإجراءات حتى لا يؤخذ ظلما و عدوانا و لا يعاقب هذا العقاب الرهيب دون أن يستحقه
خـــدع الســــــحرة
و رغم كل هذه العقوبات الصارمة التي فرضت على السحرة إلا أنهم لم يرتدعوا و لم تتوقف حركاتهم بل أن بذور الشر قد ملأت نفوسهم حيث أنهم باعوا أرواحهم للشيطان . . . و مع ذلك كان هنالك الكثيرين من المثقفين و من رجال الأعمال يقومون بأعمال السحر و يتسترون وراء ممارستهم هذه بحجج باطلة مثل ادعائهم أن سحرهم موجه للأعمال الخيرية مثل شفاء المرضى أو رواج تجارتهم أو إصلاح الأمور العائلية و غير هذا من الأعمال المفيدة
و كانوا يطلقون على سحرهم ( السحر الأبيض ) و يقصد بالسحر الأبيض الذي يهدف إلى الخير أما خلاف ذلك فهو سحر أسود , ولكن تلك الحجج لم تنفع أو تشفع لهم لدى الحكومات حيث أن السحر سواء كان أبيضا أو أسودا هو في النهاية سحر ويمكن استعماله فيما يضر الإنسان و عقله و قلبه كما أنه يسخر الإنسان و الحيوان و النبات لخدمة أغراضه و كلها أمور تنافي الأوامر الإلهية و الشرائع السماوية
عودة الســـحر للإنتشــار مرة أخــرى
إلا أن السحرة عادوا لمزاولة السحر و تعلمه و العمل به علانية حيث أن عقوبة الإعدام كانت قد ألغيت وذلك في القرن الثامن عشر , وانتشرت الأندية والجمعيات السحرية التي ضمت كثيرا من الرجال و النساء من مختلف الطبقات و راج الدجل والشعوذة , وكان بعض السحرة يسكنون وسط القبور والأماكن الموحشة ويتجسدون في أجساد الموتى و يسطون ليلا على الآدميين فيمتصون دماءهم و اشتهروا من هذا الوقت بأسم مصاص الدماء
و انتشرت جناية مص الدماء هذه في فرنسا و روسيا و المجر و بولانده وكان أشهر مصاص الدماء في هذا الوقت شخص يدعى ( دراكولا ) وقد مثلت حوادثه في السينما . . . و لتحصين الشخص ضد شاربي الدماء راجت الوصفات السحرية التي يعتقدون أنها تحصنه منهم و من ضمن هذه الوصفات أن يأكل الشخص قبل نومه أو يبلع حفنة من التراب من قبر حديث فيمتنع مصاصوا الدماء عن زيارته
سحر النجوم
المجوس والصابئة هم الذين يزعمون أن النجوم مؤثرة في الإنسان والحيوان والأكوان , وهم أنواع :
( 1 ) نوع يعبدون النجوم السبعة السيارة ويعتقدون فيها النفع والضر وقد بنى هؤلاء لهذه النجوم بيوتا وصوروا فيها تماثيل سموها بأسماء النجوم وجعلوا لها مناسك وشرائع يعبدونها بكيفياتها ويلبسون لها لباسا خاصا وحلية خاصة وينحرون لها من الأنعام أجناسا خاصة لكل نجم منها جنس زعموا أنه يناسبه .. وكل نجم جعلوا لعبادته أوقاتا مخصوصة كأوقات الصلوات عند المسلمين , واعتقدوا تصرفها في الكون , وهذا هو المعروف عن قوم إبراهيم ( ببابل ) وغيرها وإياهم خاطب فيما حكى الله عنهم متحديا لهم , مبينا سخافة عقولهم وضلال قلوبهم ..
قال الله تعالى : ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت .. ) الآيات " سورة الأنعام : 75 , 78 "
( 2 ) ومنها ما يفعله من يكتب حروف أبي جاد ويجعل لكل حرف منها قدرا من العدد معلوما , ويجري على ذلك أسماء الآدميين والأزمنة والأمكنة وغيرها ويجمع جمعا معروفا عنده ويطرح منه طرحا خاصا ويثبت إثباتا خاصا وينسبه إلى الأبراج الأثنى عشر المعروفة عند أهل الحساب , ثم يحكم على تلك القواعد بالسعود والنحوس وغيرها مما يوحيه إليه الشيطان .. وكثير منهم يغير الاسم لأجل ذلك , ويفرق بين المرء وزوجه بذلك ويعتقد أنهم إن جمعهم بيت لا يعيش أحدهم .. وقد يتحكم بذلك في الغيب فيدّعي أن هذا يولد له وهذا لا , وهذا الذكر وهذا الأنثى , وهذا يكون غنيا وهذا يكون فقيرا , وهذا يكون شريفا وهذا وضيعا , وهذا محببا وهذا مبغضا , كأنه هو الكاتب ذلك للجنين في بطن أمه , لا والله , لا يدريه الملك الذي يكتب ذلك حتى يسأل ربّه أذكر أم أنثى , شقي أم سعيد , ما الرزق وما الأجل ؟ فيقول له فيكتب , وهذا الكاذب المفتري يدّعي علم ما استأثر الله بعلمه , ويدّعي أنه يدركه بصناعة اخترعها , وأكاذيب اختلقها وهذا من أعظم الشرك في الربوبية ومن صدقه به واعتقده فيه كفر والعياذ بالله تعالى ..
( 3 ) ومنها النظر في حركات الأفلاك ودورانها وطلوعها وغروبها واقترانها وافتراقها معتقدين أن لكل نجم منها تأثيرات في كلّ حركاته منفردا , وله تأثيرات أخر عند اقترانه بغيره , في غلاء الأسعار ورخصها وهبوب الرياح وسكونها ووقوع الكائن والحوادث وقد ينسبون ذلك إليها مطلقا ومن هذا القسم الاستسقاء بالأنواء ..
( 4 ) ومنها النظر في منازل القمر الثمانية والعشرين مع اعتقاد التأثيرات في اقتران القمر بكلّ منها ومفارقته , وأن في تلك سعودا أو نحوسا وتأليفا وتفريقا وغير ذلك ..
ومنازل القمر هي التي تسميها العرب الأنواء وهي ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها يسقط في كل ثلاثة عشر ليلة منها نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته , وكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منهما .. فيقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ..
وقد بيّن الله تبارك وتعالى في كتابه أن الشمس والقمر والنجوم آيات من آيات الله سخرها الله لمنفعة عباده , فهي مقهورة معبّدة لخالقها , لا تستحق أن تعبد من دون الله تعالى ولا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا , فضلا عن أن تملكه لغيرها , قال تعالى : ( والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره )
( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ) ( تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ) , وقد بيّن الحق أنه أوجد هذه النجوم ليهتدي العباد بها في ظلمات البر والبحر وزينة للسماء ورجوما للشياطين , قال تعالى :
( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ) وقال :
( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) وقال : ( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كل شيطان مارد * لا يسّمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ) سورة الصافات " 6 , 10 "
قال قتادة : " إنما جعل الله سبحانه هذه النجوم لثلاث خصال : جعلها زينة للسماء وجعلها يُهتدى بها وجعلها رجوما للشياطين فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به "
وإن ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا من هذه النجوم كهانة , من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا , ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا , ومن ولد بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا , فكل ذلك خطأ فاحش وفيه كذب فما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود والقصير والطويل والحسن والذميم , وما علم هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير بشيء من الغيب وقضى الله تعالى أنه ( لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون )
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد ) وروى عبد بن حميد عن رجاء بن حيوة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إنما أخاف على أمتي التصديق بالنجوم , والتكذيب بالقدر , وحيف الأئمة )
وروى ابن عساكر وحسنه عن أبي محجن مرفوعا : ( أخاف على أمتي ثلاثا : حيف الأئمة , وإيمانا بالنجوم , وتكذيبا بالقدر ) وروى أبو يعلى وابن عدي عن أنس رضي الله عنه مرفوعا : ( أخاف على أمتي بعدي خصلتين :
تكذيبا بالقدر , وإيمانا بالنجوم )
كَيْفَ يَتـْـصِلُ الْسَـــاحِرُ باِلشَـــيّطَان
تُوجَدْ عِدّةُ طُرُقْ ُيمْكِنْ أَنْ يَتّبِعُهَا السَاحِرْ لِمُقَابَلةْ الشيطَانْ ( وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَكُوُنَ قَدْ اْنْتَهىَ مِنْ مُطَالَعَةْ كُتُبْ اْلسِحْر وَ قَامَ بِتَنْفِيذْ تَعَالِيمِهَا ) وَ مِنْهَا تِلْكَ الْطَرِيقَة الغَرِيَبة :
يخرج الساحر في ليلة مقمرة بعيدا عن العمران عند انتصاف الليل و يختار إحدى البيوت أو الخرائب المهجورة و الأشد وحشة فيخلع ملابسه حتى يصبح عاريا كما ولدته أمه ثم يرسم دائرة كبيرة و ينقش داخل و خارج الدائرة وفي محيطها أشكال و رموز و طلاسم و أسماء الأرواح الخبيثة و الشياطين التي قرأ عنها . ثم يوقد شمعتين و يسرق أناء فضيا و يشوه منظره و يلوثه و يضعه وسط الدائرة و به حبوب نباتات معينة فينحني و يقفز داخل الدائرة كالقرود وهو قابض على الشمعتين بكلتا يديه و ينشد أناشيد الشياطين و يتلو التعويذات الجهنمية كما قرأها حتى يبلغ غاية التعب فيجلس القرفصاء داخل الدائرة و هو يقرأ أو يتلو التعاويذ و ينشد , ويلوح للشيطان في الفضاء بالعقد ويقرأ نصوصه ويجتهد ويلح ويكثر من القفز والقراءة والتلاوة ويكمل بقية الطريقة , وفي هذا الوقت يكون مندوب الشيطان مراقبا له حتى يتأكد من أن الساحر جاد حقيقة في أتباع الشيطان فيظهر له على شكل وصورة ما ويستلم منه العقد ويأمره بالحضور إلى حفلة تعميده في الليلة التي سيحددها له ( عمدة السحرة )
وهناك طريقة أخرى وهو حضوره كما أسلفنا في مكان مهجور موحش ويصحب معه حيوانات معينة ويجلس عاريا ويذبح تلك الحيوانات بترتيبها المذكور في الكتب وهو يتلو التعاويذ والأناشيد أثناء الذبح ويجمع دماءها في زجاجة قذرة ثم يلقي بجدي ذبحه معها في الخلاء بالقرب منه كهدية للشيطان ثم يستعطف ويلح في طلب عبادة الشيطان حتى يظهر له أخيرا ويسلمه العقد مكررا إخلاصه فيستلمه منه وينبه عليه بمقابلة ( العمدة ) في منطقته لتحديد ليلة التعميد
وهناك طريقة ثالثة وهي : أن يقصد الساحر قبل شروق الشمس إحدى الغابات أو الحدائق ويختار شجرة عقيمة لا تثمر نباتا و يقطع منها غصنا بمبراه جديدة لم يسبق استعمالها من قبل . وفي اليوم التالي يقصد غرفة خاصة له في منزله ومعه هذا الغصن وحجر دم صغير ويخلع ملابسه جميعها ويرسم مثلث متساوي الساقين ويضع شمعة سوداء على زاوية قاعدة المثلث ويكمل هذه الطريقة حتى يسمع صوت الشيطان ولكنه لا يراه حيث يأمره بإعادة كتابة العقد بمادة نتنة ويكرر ما فعله في هذا اليوم حتى إذا انتصف ليل اليوم الثالث حضر واستلم العقد وأمره بمقابلة العمدة
وفي صباح اليوم التالي لاستلام الشيطان العقد من الساحر يتوجه هذا الأخير لمقابلة ( عمدة ) السحرة والساحرات كما أمره الشيطان فيجد الأخير في انتظاره فيحدد له ليلة ومكان الإحتفال بتعميده ويلقي إليه ببعض النصائح والتعليمات الواجب مراعاتها حرفيا ليلة التعميد . وفي الليلة المحددة يحضر جميع السحرة المراد تعميدهم من رجال ونساء وعلى هؤلاء النساء أن تتزين استعدادا لهذه الحفلة خصوصا وأن هذه ستكون آخر مرة يبتل جسدها بالماء أو يمسه الصابون وغيره من أدوات النظافة وتقام ليلة التعميد دائما في إحدى الجهات الخالية الموحشة أو الغابات المخيفة أو في الغارات أو شواطىء البحار أو الصحاري المقفرة وغيرها من الأمكنة التي يخشى فيها المرء العادي على نفسه في وضح النهار . وعلى كل ساحر أو ساحرة مراد تعميده أن يحضر معه صليبا خشبيا وقطعة من القربان المقدس , حتى إذا ما اجتمع الجميع خلعوا ثيابهم و رسموا الدوائر السحرية بالألوان المطلوبة و قاموا بعمل النقوش و الرموز واستدعاء الشيطان و الأبالسة و الأرواح الشريرة الخبيثة و الجان و العفاريت حتى إذا ما اجتهدوا في الغناء و الأنشاد , والإستعطاف و الإلحاح ظهر لهم مندوب الشيطان في شكل حيوان أو إنسان أو نصف إنسان و نصف حيوان فيقابله السحرة بالتهليل و التبجيل و يتنافسون على تقبيل حوافره أو أي جزء من أجزاء جسده القذر
ثم يبدأ ( العمدة ) في تقديم السحرة واحدا واحدا لأجراء تعميدهم و يتقدم الساحر ومعه قطعة القربان المقدسة فيبصق عليها و يهرسها بأقدامه و يطأ الصليب بقدميه وهنا يخرج العمدة حمامة أو طيرا صغيرا يتلو عليه بعض التلاوات فينقلب الطير إلى غلام صغير , وهذا الطفل أعده العمدة قبل ليلة التعميد ليقدمه قربانا للشيطان ليلة الإحتفال بتعميد السحرة الجدد ويمسك الساحر الطفل ويذبحه وسط تهليل واستحسان السحرة ثم يلوث بدماء الطفل البريء الأجزاء الحساسة من جسده وجسد مندوب الشيطان وباقي السحرة حتى إذا نزفت دماء الطفل جميعها ألقوا به في وعاء كبير جدا ليستوي مع باقي المأكولات القذرة التي أتى بها السحرة لإلتهامها ليلة التعميد . ثم يكرر الساحر لمندوب الشيطان ولاءه لسيده وثباته على إخلاصه و الإبقاء بكل ما ورد في العقد من شروط , وهنا يبدأ مندوب الشيطان في اختبار قوة احتمال الساحر وصدق عزيمته و نواياه نحو إبليس , فيأمره بسب الأديان علنا فيطيع الساحر الأمر فورا , ثم يأمر مندوب الشيطان الساحر الجديد بالركوع أمامه فيركع وهنا يركله في رأسه ووجهه ركلة شيطانية تطيح بعقل الساحر وتسيل منها دماؤه وتختلط بالتراب فيأمره الشيطان أن يمسح بهذا التراب الملوث بدمائه وجهه ويسلمه العقد للتوقيع عليه بهذه الدماء فيطيع الساحر الأمر صاغرا , ويوقع على العقد ويعيده للشيطان الذي يستلمه منه بكل ازدراء ثم يبصق على الساحر بصقة جهنمية تلتصق بأي مكان من جسد الساحر وتكون علامة ظاهرة بحجم (الشلن) غامقة اللون أو قرمزية بارزة عديمة الحساسية حتى أن القضاة عند تعذيب السحرة كانوا يغرسون الدبابيس الكبيرة المحماة في هذه العلامات فلا تدمى ولا يشعر الساحر بأي ألم وان كانت المعمدة أنثى بصق الشيطان على أحد أجزاء جسمها في مكان حساس فتتكون نفس العلامة كالتي عثروا عليها في ظهر ( أنابولين ) بعد إعدامها
وبعد ما ينتهي مندوب الشيطان من تعميد جميع السحرة و الساحرات ويدمغهم بهذه التمغة الإبليسيه وهي أما أن تكون على شكل قرص بارز مستدير أو رجل أرنب أو برص صغير أو عنكبوت أو ذبابة أو ضفدعة حقيرة , وكانت هذه التمغة عند القبض على السحرة ومحاكمتهم دليلا كافيا لحرقهم وإعدامهم مهما انكروا و كابروا , وبعد التعميد يطلق مندوب الشيطان على كل منهم اسما جديدا يعرف به وسط زملائه ويقيد في سجل السحرة والأسماء غريبة مضحكة فمن أسماء الرجال ( أمبجلي , كرع , ذيل التيس , وأبوجلمبو ) ومن أسماء الإناث ( مهلوكة , أم بريز , كوع القرد , وفلوطة ) وبعد هذه التسمية يحضر أحد أعوان الشيطان على شكل حمار كبير أو دب أو ثور عفن الرائحة فيبول على الساحر الذي يدهن كل جسده بهذه القاذورات مع إظهار الارتياح التام لهذه الحفاوة والمقابلة الطيبة , وكل هذا يحدث وسط تصفيق وطرب وسرور الجميع الذين يقبلون على زميلهم الجديد مهنئين ولإظهار شعورهم نحوه , ولزيادة الترحيب به والمبالغة في إكرامه يحيطون به فيصفعونه على قفاه ويركله آخر في بطنه بينما ينتف له الآخر رموش عينيه , كل هذا يدور ويحدث للساحر وهو راكع ولا يتضجر بل من الواجب عليه الابتسام و الارتياح دليل متعته بهذه الإكراميات العديدة ويتقبل الصفح و الركل و نتف شعره بمزيد من الإغتباط
و الحق أن الركلة الأولى التي يركلها له مندوب الشيطان تفقده الوعي بما يدور حوله ويهم مندوب الشيطان وهو يتأبط صور العقود التي وقع عليها السحرة الجديدون أمامه بالإنصراف , وقبل انصرافه يكيل لكل منهم ركلة أخرى على سبيل التحية والمبالغة في الكرم , وبعد انصراف المندوب يبدأ جميع السحرة بالإحتفال الكبير هم ومن معهم من الشياطين والأرواح الخبيثة يأكلون ويشربون ويسكرون ويسودهم الهرج ويرتكبون من الآثام والمعاصي ما تأنف منه أحط العاهرات حتى تنتهي الحفلة قبل الفجر بقليل , وهي في العادة تبدأ من الساعة العاشرة ليلا فينصرف الجميع عائدين إلى ديارهم بعد ارتداء ملابسهم وهم مخمورين مطوحين وفي غاية المتعة و البهجة و الإنشراح لأن كل منهم صار ساحرا حقيقيا يمكنه أن يقوم بخدمة الشياطين و إطاعة أوامرهم و إلحاق الأذى و الضرر بأكبر عدد من الأبرياء
ومن صباح اليوم التالي لهذا الحفل يكون كل ساحر أو ساحرة مستعدا للعمل تماما فيتخذ الإجراءات الخاصة من تفصيل ملابس معينة مرسوم بها رموز و أشكال خاصة و إحضار معدات و أدوات السحر كما تفرضها القوانين واللوائح الشيطانية وكلها مذكورة في كتب السحر و السحرة , ويحتفظ الساحر أو الساحرة بصورة من العقد المبرم بينهما وبين الشيطان وعليه توقيعه في حرز أمين لا يطلع عليه أحد بتاتا و يحافظ عليه محافظته على حياته
تَعْمِيـــّدْ الَمــرْأَة الْسَــــــاحِرَةْ
عند تعميد الأنثى و غالبا ما تكون في عقدها الثاني أو الثالث من عمرها على الأكثر , فأن الشيطان يتخذ معها إجراءات سافلة فبعد تقديمها لصورة العقد و تجديد ولائها و خضوعها للشيطان يبصق عليها بصقته الجهنمية و يدمغها بعلامته الجهنمية . . وعند ذلك تقدم له خصلة من شعرها عربونا للمحبة و الإخلاص و بعدها يأمرها بارتكاب الفاحشة مع أحد أعوانه علنا أمام الجميع و كانت معظم الساحرات يحملن نتيجة هذا التلقيح و يلدن
اَلإحْتِفَــــــــَالْ
بعد الإنتهاء من تعميد السحرة وانصراف مندوب الشيطان حاملا عقودهم , يجتمع الساحرون والساحرات والأرواح الشريرة التي تحضر هذه الحفلة بصور مختلفة من إنسان وحيوان وغيرها حول موائد الأكل التي تعد أثناء حفلة التعميد ويحضرها الشياطين والأرواح الخبيثة ويقدم الجميع طعاما قذرا مكونا من فضلات الطعام التي يحضرها الساحرون والساحرات معهم مساهمة منهم في تكريم السحرة الجدد وكذلك بقايا من جثث الحيوانات والمشروبات الممزوجة بالدماء وروث البهائم ويقضي الجميع ليلتهم في أكل وشرب ورقص وطرب وما إلى ذلك من أنواع الفجور حتى مطلع الفجر وفي صباح ليلة التعميد يجب على كل ساحر جديد أو ساحرة التوجه لمقابلة ( عمدتهم ) لتلقي التعليمات الجديدة وعليهم الإتصال به يوميا للوقوف على آخر القرارات التي اتخذتها الجمعية الشيطانية القاصرة انعقادها على أئمة السحرة وكبار الشياطين وليسلموا للعمدة تقريرا كتابيا عن أعمال السحر التي قاموا بها وعلى العمدة مسئوليات كبيرة وجسيمة منها : إقامة حفل كل أسبوع مرة على الأقل يجتمع فيه سحرة منطقته , وبعض الأرواح الشريرة الخبيثة للتشاور في أمور المنطقة وبحث حالة سكانها الأغنياء منهم والفقراء وانتخاب من يقومون بإيذائه ونوع الأذى ومن تقع عليه القرعة من السحرة لتنفيذها وكان السحرة في كل بلد و مملكة يختارون لحفلاتهم أو اجتماعاتهم الأسبوعية الأماكن المنعزلة الموحشة حسب طبيعة البلاد فلكل منها خرائبها و غاباتها و قصورها و معابدها القديمة
( و الخبز و الملح ) محرمان على الساحر لا يقربهما بالمره طول حياته ومن المعتاد أن يحضر كل ساحر وساحرة إحدى جماجم الموتى بعد تهيئتها على شكل أناء يستعملونه لتعاطي الخمور وهذه الجماجم لا يفرطون فيها ولا يستعملونها إلا كل عام مرة عندما يجتمعون في احتفالهم السنوي
أنــواع الســــــحر
يمكن تقسيم السحر إلى ثلاثة أقسام رئيسية و هي :
( أ ) سحر يؤثر من تلقاء نفسه بقوة الساحر الذاتية دون أن يستعين بواسطة إنسان أو جماد أو إلى مواد نباتية أو حيوانية أو اللجوء إلى استعمال الحروف و الطلاسم و الأرقام و الأجرام السماوية و يكون هذا السحر هو أقوى و أفتك أنواع السحر وذلك لأنه يكون صادرا عن الشيطان نفسه أو أحد أعوانه المقربين ويصيب هذا السحر الضحية في النفس أو في المال , و السحرة من هذا النوع هم الذين يتصلون بالشيطان و يعبدونه و يبرمون معه العقود التي تربطهم به ويجب أن نلاحظ أن هذا النوع من السحر قد أوشك على الإنقراض في الوقت الحاضر , و معظم السحرة الموجودين الآن إما ينتمون إلى الفئتين التاليتين و إما فأنهم من الدجالين المشعوذين الذين لا يفقهون في علوم السحر إلا قليلا و لديهم بعض المعلومات المتناثرة التي لا يمكن من خلالها التأثير على أحد
( ب ) سحر يقوم به الساحر بمساعدة و إرشاد الأرواح الشريرة مع استخدام جزء أو أجزاء معينة من إنسان أو حيوان ( سواء كان حيا أو ميتا ) أو نبات أو جماد لأحداث التأثير المطلوب , ولكن هذا النوع من السحر أضعف تأثيرا من النوع الأول وذلك لضعف القوة التي تسببه وكذلك فأن الساحر يكون عاجزا بذاته عن القيام به دون الإستعانة بالأرواح الخبيثة , ويلاحظ أن مفعول هذا النوع من السحر لا يستمر طويلا إلا إذا تكرر عمله عدة مرات و من السهل علاجه أو إفساد عمله و بطلانه
( ج ) السحر المعقد و فيه يقوم الساحر بالإستعانة بقوة الحروف الهجائية أو الأعداد أو الكواكب و الأجرام السماوية و ذبذبتها وهذا أصعب أنواع السحر حيث يتطلب معرفة جيدة بكل ما يتعلق بالكواكب والنجوم والحسابات الفلكية وأطوار الكواكب و النجوم وحركتها من حيث صعودها و هبوطها و ربط كل ذلك بالحروف و الأعداد و الرموز التي يستعملها و الدلالة وراء كل ذلك , ويتطلب الأمر كذلك إلمامه بمعادلات جبرية وطرق رياضية و فلكية و إجراء كل هذه العمليات بدقة متناهية لأن أي خطأ أو فرق و لو ضئيل للغاية سوف يترتب عليه الخطأ في كل نتائجه
و تختلف طرق ممارسة السحر باختلاف الشعوب فالهنود يمارسون السحر عن طريق تصفية نفوسهم والوصول بالأرواح إلى درجة من الشفافية والأتصال بالعوالم الأخرى غير المنظورة , أما اليونانيون القدماء فقد مارسوا السحر عن طريق الإستعانة بأسرار الأفلاك والكواكب , أما طريقة العبرانيين و الأقباط و العرب فكانت الأستعانة بالأسماء المجهولة المعاني كنوع من العزائم من أجل تسخير الجن واستخدامه في سحرهم
فـــروع الســــــحر
لعلوم السحر فروع كثيرة و نواحي متعددة و منها على سبيل المثال :
علم العزائم , علم التنجيم , علم الخواتيم , التنويم المغناطيسي , الطرق بالحصى , خط الرمل , زجر الطير , الإصابة بالعين , علم الكف , التمائم , قراءة الطالع , الحاسة السادسة , ضرب المندل , استخدام الأرقام ,, وغيرها من علوم السحر المتعددة و التي أصبح لكل فرع منها أخصائيين و علماء يقومون بممارسة هذه العلوم وفق نظم معينة و طرق محددة تم التوصل إليها بعد تجارب استمرت سنوات طويلة وتناقلتها الأجيال المتعاقبة
و هناك نوع من السحر يلجأ فيه الساحر إلى التأثير على ضحيته مستخدما أي شيء من متعلقاته مثل : صورته الفوتوغرافية أو قميص أو منديل أو شراب أو أي شيء من متعلقاته وذلك بهدف إيقاع الضرر به , ولكن غالبا ما يمارس هذا النوع من السحر الجهال و المشعوذين وذلك بهدف إيهام ضحاياهم بقدرتهم على إيقاع الأذى و الضرر بالآخرين
و غالبا ما يقصد الساحر من وراء سحره التأثير على شخص واحد بعينه ولكن في بعض الحالات النادرة قد يتناول عمل الساحر مجموعة أشخاص , وفي هذه الحالة لابد أن يكون الساحر على اتصال وثيق بالشياطين و له خبرة كبيرة بفنون السحر وذلك من خلال عمله بالسحر لسنوات طويلة لا تقل عن ثلاثين أو أربعين سنة يقضيها في صحبة الشيطان و عبادته وحده و الإخلاص له إخلاصا تاما حتى يصبح منظره كالشيطان نفسه و العياذ بالله
و من السحر ما يقصد من ورائه إفساد الزرع أو المحاصيل أو إهلاك البهائم أو كساد التجارة أو خسارة المال أو عدم إتمام الزواج أو التفريق بين الأزواج و الأحياء أو السعي في خراب البيوت و العياذ بالله تعالى ,, و غير ذلك من أنواع المتاعب و المشاكل التي يزينها الشيطان إلى أوليائه
و مما يذكر في هذا المقام أنه يوجد في الغرب فئة من السحرة تخصصوا في هلاك البهائم فقط فنظرة واحدة منهم إلى أي موضع من البهيم مع تلاوة بضعة كلمات غير مفهومة تكفي لشق بطن أو ظهر المسكين و خروج أحشاؤه و هلاكه لساعته , وكذلك توجد طائفة من الهنود تختص بمثل هذه الأعمال ولكنهم يمارسون سحرهم على الإنسان بدلا من الحيوان حيث ينظر الساحر الهندي إلى ضحيته نظرة خاصة و يشير إليها بعلامته مع التلفظ ببعض الألفاظ فتسقط فورا
تعريــف بعــض علــوم الســــــحر
( أ ) علم التنجيم
علم التنجيم أو علم النجوم هو علم يهدف إلى معرفة الحوادث المستقبلية عن طريق أوضاع الأفلاك والكواكب المختلفة ومقارنتها بما يسمى أوضاع التثليث والتربيع والتسديس وغيرها من الأوضاع التي لها مدلولات خاصة وينقسم هذا العلم بصفة عامة إلى ثلاثة أقسام : الأول : الحسابيات : وهي العلوم اليقينية ولا مانع شرعا من تعلمها الثاني : الطبيعيات مثل الإستدلال على الأحداث من انتقال الشمس في البروج الفلكية إلى الفصول كالحر والبرد أو اعتدال الجو , وهذه أيضا لا مانع من تعلمها . الثالث : الوهميات وهي الإستدلال على الحوادث والتنبؤ بها باستخدام القوى السفلية . وقد نهى الرسول الكريم صلىالله عليه وسلم عن تعلم هذه العلوم السفلية والإكتفاء بمعرفة النوعين الأولين فقط لاستخدامهما في الأعمال النافعة , وفي الحديث الذي رواه ابن مردويه وورد في الجامع الصغير للسيوطي (( تعلموا من النجوم ما تهتدون به في البر والبحر ثم انتهوا ))
( ب ) علم العزائم أو التعزيم
العزائم مأخوذة عن العزم وتصميم الرأي على شيء معين وعقد النية عليه , وذلك بالتعزيم والتشديد على الجن والشياطين , وذلك بكلمات وأقوال معينة , وينهي ذلك بكلمة عزمت عليكم وبالتالي فقد أوجب عليهم الطاعة والإذعان والتسخير والتذليل لنفسه , وقد أجمع العلماء والمفسرون القدامى على أن الجن والشياطين مسخرون لخدمة الأنسان ومنهم هؤلاء الجواسيس والأشرار الذين ينقلون للإنسان بعض ما يصل إلى سماعهم من أخبار وأوامر
( ج ) علم الطلاسم
هو العلم بكيفية التأثير في العناصر المختلفة باستخدام المعرفة بأحوال تفاعل القوى الخفية السماوية بالقوى الأرضية باستخدام بخور مقوية تجلب روحانيات الطلسم , وذلك من أجل الحصول على أفعال غريبة أو التأثير في بعض النواحي وإفسادها , وطرق التوصل إلى الطلاسم شديدة العناء والصعوبة
( د ) علم التنويم المغناطيسي
يتم عن طريق تأثير شخص قوي على شخص أضعف منه يكون في حالة وسط بين التنويم واليقظة يتم فيها طرد كل الأفكار من ذهن الشخص الآخر وإحلال الأفكار المطلوبة محلها ويكون له تأثيرا قويا
( ه ) خط الرمل
يلجأ بعض المنجمين إلى رسم خطوط وأشكال مختلفة على الرمال , وذلك بهدف استطلاع الغيب وكشف المجهول وغوامض الأمور أو معرفة خفايا سعادة أو شقاء الإنسان , وذلك عن طريق قراءة ما يوحيه أثر الخط أو الأشكال المتكونة من الخطوط . ويتم تكوين ستة عشر شكلا يتم تمييزها وتسميتها بأسماء مختلفة ويتعلق بعضها بحالات السعد والبعض الآخر بحالات النحس, ولكن ذلك من الخرافات والادعاءات ولا يوجد دليل على صحة هذه التقسيمات . لأنه لا يعلم الغيب إلا الله تبارك وتعالى وكل ما عدا ذلك فهو شعوذة ووهم باطل
( و ) فتح المندل
المندل هو عبارة عن فنجان من الخزف يملأ بالزيت والحبر الأسود ويؤتى بغلام صغير لم يبلغ الحلم أي بين التاسعة والثانية عشر ويكون في حالة طبيعية دون وهم أو فزع أو خوف ثم يكتب فاتح المندل عزيمة خاصة على جبهة الصبي ثم يأمره أن يخبره بما شاهد فإذا شاهد ملوك الجن طلب من الصبي أن يسألهم عن الشيء المفقود والذي قد يكون الكشف عن السرقات أو أسرار الجرائم الغامضة أو معرفة أماكن بعض الأشياء المختلفة وكذلك فقد يستخدم المندل في معرفة بعض النتائج مسبقا وبعد انتهاء الغرض يقوم فاتح المندل بتلاوة عزيمة خاصة ويعود الصبي إلى حالته الأولى
( ز ) قراءة الكف
في رأي ممارسيه أن الخطوط التي في كف الإنسان إنما تولد معه وتمحى بموته , ويدعون أن خطوط اليد الطولية والعرضية والتعرجات الموجودة في الكف تحدد عمر الإنسان طولا وقصرا وتنبىء عما سيحصل لصاحبها من سعادة أو تعاسة وغيرها . فهناك خط القلب وخط المستقبل وخط العمر وخط الإنجاب أو عدم الإنجاب لكن من الواضح أن هذه الخطوط لا يمكن أن تنم عن حقيقة شخصيات البشر ولا تحدد مستقبلهم وإنما هذا العلم هو عبارة عن نوع من الفراسة والمهارة الناتجة عن الممارسة والخبرة في مشاهدة الخطوط على الأيدي
( ح ) قراءة الفنجان والودع والحجارة وغيرها
قد يأخذ بعض الأشخاص في التحديق في فنجان القهوة بعد أن ينتهي صاحبها من احتسائها وذلك لمعرفة المستقبل وتحديد الآمال والأحلام , وذلك دون أي أساس من الصحة , ولكن ذلك نوع من التنبؤات والادعاءات التي غالبا ما تكون غير صحيحة ولكن الذي يحدث أن الناس يكونون مهيئين لتصديق ما يقال لهم وقد وضعوا ثقتهم في هذا القارئ العالم في نظرهم وكذلك من يستخدمون الودع والحجارة فيلقونها على الأرض وقراءة ما توحيه لهم أشكالها التي تشكلت بها من خلال إلقائها على الأرض ولكنهم كلهم دجالون يحفظون تلك العبارات التي يقولونها عن ظهر قلب ويذكرونها دائما وربما صدق قارئ الفنجان أو ضارب الودع مرة ولكن تأكد أنها مصادفة بحتة والمصادفة كما تعلم ليست أساسا سليما للمعرفة الصحيحة
( ط ) التوقيع
قد ينظر أحد الأشخاص إلى توقيعك الذي خطته يدك ثم يقول لك انك متفائل أو متشائم أو عصبي المزاج أو عاطفي ... الخ وذلك في صورة متشابهة لقراءة الكف وهي أيضا نوع من الفراسة
( ي ) الحاسة السادسة
هي عبارة عن توقع الإنسان للحدث قبل وقوعه , ولكن هذه الحاسة السادسة يمكن أن نردها إلى نوع من الفراسة تميز الشخص العادي وليس الساحر , وهذه الفراسة هي شيء معنوي فطري في الإنسان يمكن تنميته بالخبرة والممارسة فقد يشعر الإنسان في وقت ما بهاتف داخله يخبره بما يتوقع حدوثه من أمور ويمكنه إدراك ذلك باستخدام عقله , كما قد ينتاب الشخص شعورا قويا بأن الخطر يكمن قريبا جدا منه مما يجعله متأهبا حذرا , ولكن إذا رجعنا إلى الوراء قليلا فربما وجدنا تجربة ما أو حادثة قد وقعت لهذا الشخص في نفس المكان أو في مكان قريب منه مما جعل هذا الشعور ينتابه مرة أخرى
( ك ) التمائم والاحجبة
يلجأ بعض السحرة والمشعوذون إلى كتابة أحجبة يحملها الشخص أو صاحب الحاجة حتى تقيه من شر ما أو تدفع عنه الأذى أو الخوف والمكروه أو لتحقق له ما يطلبه . والأحجبة عبارة عن كلمات متداخلة ببعضها أو خطوط متراكبة فوق بعضها أو كلمات أعجمية أو أسماء جن والحجاب بهذا الشكل هو إشراك بالله سبحانه وتعالى وكفر به وبقدرته لأنه لا يدفع الضر والأذى إلا الله سبحانه ويكفي من يخشى أمرا من الأمور أن يتلو آيات الله المحكمات حتى تقيه من الشر وتفتح له أبواب الخير والبركة كذلك فالتمائم أو التعاويذ ومفردها عوذ وهي ما يتعوذ به الناس لدفع الشر أو الأذى أو لتحقيق حاجة ما , وكانت عبارة عن خرزة صغيرة يعلقها الأعراب لأولادهم , وهذه التعاويذ أيضا من صور الإشراك بالله تعالى لأنه جل شأنه هو الذي يملك دفع الأذى وجلب الخير ولا أحد سواه يملك ذلك
شروط واعمال الساحر
العـقـــــــد الشـــــيطاني
العقد المبرم بين الساحر والشيطان هو عقد حقيقي وليس ضرب من الخيال وهو يعقد بين طرفين لإثبات بيع الساحر للشيطان روحه ونفسه ومتاعه نظير ما يمنحه الشيطان له من القوة والمقدرة لأتيان السحر وقد ذكر المحامي الكبير ( موريس جارسون ) وهو أحد أقطاب المحاماة في فرنسا وهو مرجع موثوق به في عالم السحر والسحرة
إن كل الإلتزامات الواردة في العقد من الطرف الأول وهو الساحر يقوم بها دون أي التزام نحو الطرف الثاني وهو الشيطان حتى يرجع الطرف الأول في حالة إخلال الشيطان بمساعدته وأضاف المحامي قائلا : ( إن لدي أحد هذه العقود ) . وفي عام ( 1619 م ) أعدمت الساحرة الكبيرة ( ستيفنون دي أوديرت ) المشهورة بساحرة ( البرنية ) وأظهرت للقاضي صورة عقد أبرمته مع الشيطان وهذا العقد عبارة عن قطعة قذرة من جلد القط أو الكلب ملوثة ومحررة بدماء الحيض وغيرها من القاذورات التي يستحيل على الأنسان أن يتحمل رؤيتها أو رائحتها الكريهة
وفي عام ( 1934 م ) تم إعدام الساحر الكبير ( أوربان جواندييه ) وقدم للمحكمة أقذر و أخبث عقد بينه وبين الشيطان و ما زالت صورة هذا العقد محفوظة بالمكتبة العمومية بباريس ويوجد بمكتبة ( أبسالا ) صورة العقد المبرم بين الشيطان و الساحر ( دانيال سالثنوس ) أستاذ اللغة العبرية , ولكنه باع روحه و نفسه فلقي حتفه سريعا ,, وبدفتر خانة كاتدرائية ( جرجينتي ) عقد عجيب يقولون أنه ممهور بتوقيع من الشيطان الكبير نفسه وقد حرره أحد القساوسة مع إبليس بالذات وبلغة معقدة جدا عجز عن حلها أساتذة اللغات أو ترجمتها أو معرفة أي نص من نصوصه وهو مكتوب سطور منحدرة هائلة ولم يفهم من العقد إلا اسم القس الذي وقع عليه
وقد شغل هذا العقد الكثيرون من رجال الدين والقضاء وما ورد فيه من شروط نصوص والتزامات كما جاء في كتاب الأسقف ( فرانسيسكو ماريا جوتش ) وعنوانه ( ميثاق الساحر مع الشيطان ) وقد ترجم هذا المؤلف إلى الأنجليزية و نشر بإنجلترا عام ( 1929 م )
تعريف الساحر و أعماله و الشروط التي يجب أن تتوافر فيه
( أ ) يببيع الساحر نفسه في حياته وبعد مماته للشيطان , وكذلك فأن كل ما يملك من مال وعقار وذرية هي ملك للشيطان يتصرف فيها كيف يشاء
( ب ) أن يكون لديه العناد والإصرار والقوة على التحمل إلى أقصى الحدود , وذلك حتى لا تتزعزع عقيدته الشيطانية ولو قاسى في سبيلها أشد وأقسى أنواع العذاب والإهانة . فهذه العقيدة هي العقيدة الوحيدة التي يؤمن بها والشيطان هو وليه الأكبر والذي يجب أن يتحمل في سبيله أشد ألوان العذاب
( ج ) أن يكون وقحا عديم الحياء والإحساس والضمير ولا يكون لديه ذرة من الرحمة أو العطف أو الحنان وغيرها من العواطف والاحساسات البشرية النبيلة التي ترفع من قدر الإنسان وتسمو به على الحيوانات المتوحشة
( د ) أن لا ترتعد فرائصه عندما يرى سيده إبليس أو أحد معاونيه وهم في صورة مفزعة منفرة . فالشيطان يحلو له أن يكون قبيح المنظر ويفضل دائما أن يتمثل في صورة بشعة وكذلك يجب على الساحر أن يكون قويا ثابت الجنان عندما يواجه الإعدام أو يلقى في النار ليحرق فيها جزاء على ما اقترفته يداه
( ه ) أن لا يتضجر ولا يتذمر إذا ماطله إبليس في تقديم المساعدة التي طلبها منه وبدلا من ذلك فعليه أن يلح بكل قوته في طلب هذه المساعدة وفي نفس الوقت يجب أن يكون على أهبة الاستعداد إذا طلب منه أن يأتي بأي عمل ينافي الأديان والآداب والأعراف والتقاليد التي تعارفت عليها البشرية وذلك عن رضا وطيب خاطر
( و ) إن يجتهد بكل قوة في أعماله السحرية وان يثابر ويواظب على دراستها والقيام بما تتطلبه من طقوس شيطانية واحتفالات إبليسية غير عابىء بما يمكن أن ينال غيره من جراء ذلك وعليه أن يحضر هذه الحفلات أو الأجتماعات في مواعيدها تماما وأن يؤدي هذه الطقوس في الأوقات المخصصة لها
( ز ) أن يكون جاهلا جهلا تاما , أما عن طبيعة أو بالاكتساب , بكل ما هو جميل وحميد ومستحسن وأن لا يرضيه إلا كل مستقبح ومستقدر
( ح ) أن يعتقد اعتقادا راسخا في قوة الشيطان ومقدرته ومقدرة أعوانه من الأرواح الشريرة الخبيثة وأن يطيع أوامرها ويخضع لشروطها وقوانينها مهما كانت قاسية ظالمة
( ط ) أن يكون عدوا لدودا لجميع الأديان وعليه أن يكون دائم السخط عليها والاستهزاء بها في كل مناسبة وأن يظهر ذلك على الملأ . ومحظور عليه تماما أن يدخل أي محل للعبادة إلا لغرض واحد فقط وهو تدنيسه أو سرقته أو تلويثه وان يتبرأ من دينه ومن جميع الكتب السماوية مع العمل على تمزيقها وحرقها وإساءة استعمالها
( ي ) أن يكون مستعدا لارتكاب أية جريمة خلقية وكل معصية ورذيلة مع الانغماس في الفجور والمعاصي دون أدنى تفكير في الكف عن ذلك مهما حدث
( ك ) أن يكون قذرا للغاية دنيء النفس ويجب أن يكون ذلك في غاية الوضوح عليه وعلى ملابسه فمحرم عليه استعمال الماء والصابون إلى الأبد وذلك حتى يكتسب مسكنه وجسده وملابسه رائحة نتنة كريهة تلازمه طيلة حياته
ويعرفه بها زملاؤه من السحرة عبيد الشيطان
( ل ) أن يقضي معظم أو كل وقته منزويا منطويا على نفسه بعيدا عن الناس قدر استطاعته , لا يتعامل معهم ولا يتصل بهم إلا إذا طلب منه ذلك لأغراض السحر أو إلحاق الضرر بالناس
ســـلوك الشـــيطان تجاه الســـاحر
وبعد أن عرضنا لكل ما يقوم به الساحر من أعمال شاقة و مجهودات ضخمة من أجل أن يرضي عنه الشيطان ويقبل أن يساعده واتضح لنا مقدار الذل والهوان الذي يعيش فيه الساحر وكمية المعاصي والمخازي التي يرتكبها عن طيب خاطر , وأن الساحر لا يبخل عن الشيطان بمال أو بأي شيء يخصه حتى روحه ذاتها يكون مستعدا لبذلها من أجل إرضاء الشيطان , وأما جزاء الساحر من الشيطان فأنه لا يتناسب مطلقا مع كل التضحيات الجسيمة التي يبذلها , فالشيطان هو أخبث و أقذر المخلوقات على الإطلاق وهو لا يعرف أي معنى للوفاء أو الكرم أو أي صفة من الصفات الحميدة , وذلك لأن عمل الساحر لا يدوم بصفة مستمرة حيث أنه يفسد بعد مدة محددة , فمن الأعمال السحرية ما يدوم ثلاثة أيام وهي أقل مدة ومنها ما يمكث أسبوعين أو شهرا ومنها ما يمكث سنوات وذلك حسب مقدرة الساحر والقرين الذي يتولى مساعدته ومركزه ونوع عمل السحر ذاته والمواد المستعملة فيه والغرض منه , فإذا ما أراد الساحر أن يستمر تأثير سحره وهو بالتأكيد يريد ذلك فأن عليه أن يعيد العمل ويكرره
هذه من الحيل الشيطانية البارعة التي تدل على عظم دهاء الشيطان وعن طريقها يتمكن الشيطان من ربط الساحر به طوال حياته ويرغمه على طلب مساعدته على الدوام ويشعره بحاجته الدائمة إليه حتى يستمر نجاحه في عمله وإذا حدث أن تعرض الساحر للمرض أو الفقر الشديد ( وغالبا ما ينتهي الساحر إلى الفقر والمرض ) أو نزلت به أو بأهله مصيبة فأن سيده الشيطان يتنكر له ويدعي عدم معرفته به ويتخلى عنه ويتركهه وحده يواجه قدره وعندما يأخذ الساحر في التوسل والإلحاح على الشيطان من أجل مساعدته على التخلص من بلواه فيظهر له الشيطان ويسخر منه ومما أصابه ويلوح له بصورة العقد الذي وقعه بيده ويخبره أن هذا العقد المبرم لا ينص على مساعدته أو تخليصه من النوائب التي تنزل به وأن الشيطان غير ملزم إلا بعمل شيء واحد وهو مساعدة الساحر في تحقيق أغراضه لإيذاء الغير أو لنشر الفساد بين الناس وإصابتهم بالضرر والمكروه , أما أن الشيطان يشفي الساحر إذا مرض أو يعيد إليه ماله إذا خسر أو يخلصه من السجن أو من الإعدام فأن هذه كلها أمور مفيدة لا يفهمها الشيطان ولا يعترف بها لأن كل عمله وجهده هو الضرر وإيذاء الناس وإيقاعهم في المعاصي وتزيين سبل الغواية لهم .
تحصينات ضد السحر
من المعلوم أن الربط كثيرا ما يحدث للشاب عند زواجه خاصة إذا كان يعيش في مجتمع به سحرة فجرة ومن هنا يأتي أهمية هذا السؤال :
هل يمكن للعروسين أن يتحصنا ضد السحر , حتى إذا صُنِع لهما سحر لا يمكن أن يؤثر فيهما ؟؟
والجواب : نعم يمكن ذلك وإليكم التحصينات
الحصن الأول
تأكل سبع تمرات عجوة على الريق إن استطعت أن يكون من تمر المدينة المنورة فهذا هو المطلوب ,, وإن لم تستطع فأي تمر عجوة توفّر لديك .. لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تصبّح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر )
الحصن الثاني
الوضوء
فإن السحر لا يؤثر في المسلم المتوضىء ,, وإن المسلم المتوضىء محروس بملائكة من قبل الرحمن جلّ وعلا
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( طهّروا هذه الأجساد طهّركم الله , فإنه ليس من عبد يبيت طاهرا , إلا بات معه في شعاره ملك , لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال : " اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهرا ) ومعنى ( شعاره ) أي : " ما يلي بدن الإنسان من ثوب أو غيره "
الحصن الثالث
المحافظة على صلاة الجماعة
المحافظة على صلاة الجماعة تجعل المسلم في مأمن من الشيطان والتهاون فيها يجعل الشيطان يستحوذ على الإنسان , وإذا استحوذ عليه أصابه بالمس أو السحر أو غيرها من الأشياء التي يقدر عليها الشيطان , فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية )
الحصن الرابع
قيام الليل
من أراد أن يحصن نفسه من السحر فليقم شيئا من الليل ,, ولا يُهمل في ذلك ,, لأن الإهمال في قيام الليل يسلط الشيطان على الإنسان ,, وإذا تسلط عليك الشيطان كنت أرضا خصبة لتأثير السحر فيك .. فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقيل : ما زال نائما حتى أصبح " أي أصبح لصلاة الفجر " ما قام إلى الصلاة " صلاة الليل " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بال الشيطان في أذنه ) .. وروى سعيد بن منصور عن ابن عمر : ( ما أصبح رجل على غير وتر إلا أصبح على رأسه جرير قدر سبعين ذراعا ) والجرير هو : حبل يخطم به البعير
الحصن الخامس
الاستعاذة عند دخول الخلاء
لأن الشيطان يستغل فرصة وجود المسلم في هذا المكان الخبيث الذي هو مسكن الشياطين ومأواهم ويتسلط عليه وكم من شيطان دخل في كذا إنسان لأنهم لم يستعيذوا بالله تعالى من الشيطان الرجيم عند دخولهم الخلاء فتسلط عليهم ,, فقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا دخل الخلاء : ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) أي : من ذكران الشياطين وإناثهم
الحصن السادس
الاستعاذة عند الدخول في الصلاة
عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قال : ( الله أكبر , والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ) ثلاثا ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه )
نفخه : الكبر ,, ونفثه : الشعر ,, وهمزه : الصرع والجنون
الحصن السابع
تحصين المرأة عند العقد عليها
بعد أن تعقد على زوجتك تدعو الله سبحانه وتعالى وتسأله خيرها وتتعوذ بالله تعالى من شرها
( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه , وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه )
الحصن الثامن
افتتاح الحياة الزوجية بالصلاة
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( إذا أتتك امرأتك " يعني يوم الدخول بها " فمُرها أن تصلي وراءك ركعتين وقل : اللهم بارك لي في أهلي , وبارك لهم في , اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير , وفرق بيننا إذا فرقت إلى الخير )
الحصن التاسع
التحصين عند الجماع
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا , فقضي بينهما ولد لم يضره )
الحصن العاشر
تتوضأ قبل النوم , وتقرأ آية الكرسي وتذكر الله تعالى , حتى يدركك النعاس , فقد صح أن الشيطان قال لأبي هريرة :
( من قرأ آية الكرسي قبل النوم لا يزال عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح ) وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال : ( صدقك وهو كذوب )
الحصن الحادي عشر
تقول بعد صلاة الفجر : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) مائة مرة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من قال ذلك في يوم ( كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة , وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه )
الحصن الثاني عشر
تقول عند دخول المسجد ( أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ) .. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( فمن قال ذلك قال الشيطان : حفظ مني سائر اليوم )
الحصن الثالث عشر
تقول في الصباح والمساء ( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم )
ثلاث مرات
الحصن الرابع عشر
تقول عند الخروج من البيت ( بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله ) .. لأنك إذا قلت ذلك قيل لك : ( كُفيت ووُفيت وهُُديت ويَتنحّى عنك الشيطان ويقول لشيطان آخر : كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووُقي !!
الحصن الخامس عشر
تقول صباحا ومساء ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق )
فهذه تحصينات مفيدة واقية من السحر عموما , ومن الربط خصوصا إذا طبقت بيقين وصدق وإخلاص
مجالـــس الشــــيطان
إن للشيطان أماكن يأوي إليها ويترصد الناس فيها ليكيدهم ويلحق الأذى والضرر بهم في دينهم ودنياهم فمن مجالسه
( أ ) الماء : جاء في الحديث عن جابر رضي الله تعالى عنه : قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن إبليس يضع عرشه على الماء , ثم يبعث سراياه , فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة , يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته , قال : فيدنيه منه , ويقول : نعم أنت ))
( ب ) أماكن العبادة : قد يحضر الشيطان إلى دور العبادة ولذا أمر المصلون في جماعة بأن يسووا الصفوف في الصلاة وألا يدعوا بين صفوفهم فرجة للشيطان فيوسوس لهم , فأن الشيطان يأتي للمصلي ليلهيه عنها , ويشوش عليه فيها , جاء في الحديث عن جابر رضي الله تعالى عنه : قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : (( أن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب . ولكن في التحريش بينهم ))
( ج ) أماكن اللهو : الأماكن هي مصائد الشيطان , فيها تؤتى الفواحش , وتهتك الأعراض , ويزين الشيطان فيها كل فجور وضلالة لمن قصدها
( د ) مواضع النجاسات : المراحيض والحمامات فأن الشيطان يرتاح للخبث وينظر إلى عورات الناس في المرحاض والحمام , لذا أمرنا أن نسمي الله قبل دخول الحمامات والمراحيض , ونقول : ( بسم الله اللهم أني أعوذ بك من الخبث والخبائث من الرجس النجس الشيطان الرجيم ) وذكر النووي في الأذكار (( ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول : بسم الله ))
( ه ) الأسواق ومفترق الطرق : هذه من أماكن الغفلة يجد الشيطان فيها طريقه إلى قلوب العباد فينشر فيها الفساد ويهيئها لما يريد
مداخــل الشــــيطان
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى : ( إنما يدخل على الناس بقدر ما يمكنه , ويزيد تمكنه منهم ويقل على مقدار يقظتهم وغفلتهم وجهلهم وعلمهم . واعلم أن القلب كالحصن وعلى ذلك الحصن سور , وللسور أبواب وفيه ثلم
( أي نوافذ ) وساكنه العقل والملائكة تتردد إلى ذلك الحصن , والى جانبه ربض فيه الهوى والشياطين , تختلف إلى ذلك الربض من غير مانع , والحرب قائم بين أهل الحصن وأهل الربض والشياطين لا تزال تدور حول الحصن تطلب غفلة الحارس والعبور من بعض الثلم فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وكل بحفظه وجميع الثلم وأن لا يفتر عن الحراسة لحظة , فأن العدو ما يفتر )
وهذا الحصن مستنير بالذكر مشرق بالأيمان وفيه مرآة صقلية يتراءى فيها صور كل ما يمر به فأول ما يفعل الشيطان في الربض إكثار الدخان فتسود حيطان الحصن وتصدأ المرآة . وللعدو حملات : فتارة يحمل فيدخل الحصن فيكر عليه الحارس فيخرج وربما دخل فعاث ( أي أفسد ) وربما أقام لغفلة الحارس , وربما كدت الريح الطاردة للدخان فتسود حيطان الحصن وتصدأ المرآة , فيمر الشيطان ولا يدري به , وربما جرح الحارس لغفلته وأُسر واستخدم , وأقيم يستنبط الحيل في موافقة الهوى ومساعدته , وربما صار كالفقيه في الشر
قال بعض السلف : رأيت الشيطان فقال لي : كنت ألقى الناس فأعلمهم فصرت ألقاهم فأتعلم منهم . وربما هجم الشيطان على الذكي الفطن ومعه عروس الهوى قد جلاها فيتشاغل الفطن بالنظر إليها فيستأثره .
وأقوى القيد الذي يوثق به الأسرى : الجهل , وأوسطه في القوة : الهوى , وأضعفه : الغفلة , وما دام درع الأيمان على المؤمن فأن نبل العدو لا يقع في مقتل
أخيرا أعلم أن الشيطان لا يدخل إلا على ذي القلب الخالي من الذكر والتقوى والإخلاص واليقين فيلقي وساوسه فتجد المحل خاليا فتتمكن منه وتستقر فيه . كما قيل :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا
وأما إذا كان القلب عامرا بالأيمان مسربلا بالتقوى , محصنا بالذكر فلا يكون للشيطان عليه سلطان ولا إليه سبيل
قال سبحانه وتعالى : (( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ))
مصــائد الشــــيطان
مصائد الشيطان ومكان حبائله للفتنة والإغواء كثيرة ومنها :
( أ ) الاختلاء بالنساء الأجنبيات والمراد بالأجنبيات كل امرأة يحل للرجل نكاحها فالخلوة بهاعرضة للفتنة وعمل الشيطان . جاء في الحديث : (( ما اختلى رجل بامرأة أجنبية إلا وكان الشيطان ثالثهما ))
( ب ) إذا خرجت المرأة من بيتها متعطرة مبدية لزينتها , فأن الشيطان كما جاء في الخبر (( يجلس على مقدمة وجهها فيزينها لما أقبلت عليه ويجلس على عجيزتها يزينها لمن أدبرت عنه ))
( ج ) الشباب و الفراغ : إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسدة
لذا جاء في الأثر ( إن الله يبغض الشاب الفارغ )) لأن الشباب إذا لم يشغل ظاهره بمباح يستعين به على مستقبل دينه ودنياه عشعش الشيطان في قلبه وباض وفرخ , ثم تزدوج أفراخه أيضا وتبيض وتفرخ , وهكذا يتوالد نسل الشيطان توالدا أسرع من توالد سائر الحيوانات لأن طبع الشيطان من النار والنار إذا وجدت الحلفاء اليابسة ازداد اشتعالهاوكذلك الشهوة في نفس الشاب الفارغ . قال أحد العارفين( هي نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل )
( د ) الخمر والميسر كلاهما مصيدة الشيطان لأن الخمر أصل كل فساد ومعصية , فهي تذهب بالعقل وتغري شاربها بفعل كل منكر فهي أم الكبائر , قال الله تعالى : (( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون )) وجاء في الحديث : (( لعنت الخمر بعينها , وشاربها , وساقيها , وبائعها , ومبتاعها , وعاصرها , ومعتصرها , وحاملها , والمحمولة إليه , وآكل ثمنها ))
( ه ) اللهو والغناء : هذان من أخطر مصائد الشيطان واللهو في اللغة : اللعب . والغناء : الصوت الذي يطرب وتغنى بالمرأة إذا تغزل بها . وقد وردت كلمة اللهو في القرآن فيما يزيد على خمسة عشر موضعا قال تعالى : (( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين )) قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : لهو الحديث الغناء ينبت النفاق في القلب
وروي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما : صوت مزمار ورنة شيطان عند نغمة ومرح . ورنة عند مصيبة لطم خدود , وشق جيوب ))
وفي حديث (( وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين : أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب . فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت ))
إثبات وجود الجن
لا يخفى أن وجود الجن ليس من المستحيل عقلا وقد أجمع العلماء من عصر الصحابة والتابعين على ذلك خلافا لكثير من الفلاسفة والقدرية وكافة الزنادقة حيث أنكروا وجودهم وفي كلام بعضهم وكثير من القدرية يثبتون وجود الجن قديما وينفون وجودهم الآن ولعل مرادهم بالقديم زمان الأنبياء وفي كلام القاضي عبد الجبار من المعتزلة " المعتزلة : قوم ينكرون القدر ,ويقولون أن كل إنسان خالق لفعله أما الزنادقة فجمع زنديق وهم كل شاك أو ضال أو ملحد وأصل الزندقة القول بأزلية العالم وأطلق على الزردشتية والمانوية وغيرهم من التنوية ثم توسع فيه فأطلق على كل شاك زنديق أما عبد الجبار : فهو عبد الجبار بن أحمد بن عبدالجبار الهمذاني وكنيتهأبوالحسين قاض أصولي من أكبر رءوس المعتزلة لقب بقاضي القضاة وصنف كتبا كثيرة منها : تنزيه القرآن عن المطاعن وشرح الأصول الخمسة وهي أصول المعتزلة والمغني في أبواب التوحيد والعدل , مات سنة 415 هـ " قال عبد الجبار : الدليل على إثبات وجود الجن السمع دون العقل لأنه لا طريق له لإثبات أجسام غائبة وفيه نظر لأن هذا يؤدي إلى إنظار الملائكة : إلا أن يقال : الملائكة ليست أجساما وفي كلام بعضهم : ومعلوم بالإضطراري والضروري أنهم ( أي الجن ) أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة ليسوا بصفات وأعراض قائمة بالإنسان أو غيره كما زعمه بعض الملاحدة " إنتهى "
وفي كون ذلك معلوما بالضرورة نظر لأنه لو كان كذلك لما خالف في ذلك أحد من أهل العقول , إلا أن يقال : عقول أصلها بارئها وفي كلام أبي العباس بن تيمية لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن " إنتهى "
وهو يفيد ( أنه من أنكر وجودهم ليس من المسلمين , ويؤيده قول جمهور طوائف الكفار على وجودهم وقد تواترت به أخبار الأنبياء تواترا ظاهرا يعرفه العامة والخاصة لأنه يفيد أنه معلوم من الدين بالضرورة في كلام بعضهم لم ينكر وجود الجن إلا شرذمة قليلة من جهلاء الفلاسفة والأطباء
لم سميت جــنا ؟!
وسميت جنا , لإجتنابها أي : إستتارها عن الأعين ,, وكذلك سمي الولد في بطن أمه جنينا ويقال لهم : الشياطين وقيل : إن الشياطين إســم للعصاة منهم ,, والمردة منهم أشــد عصيانا والعفاريت أشــد عصيانا من المردة ففي آكام المرجان للشبلي " أن الشــياطين هم العصاة من الجن والمردة هم أعتاهم " ومن ثم قال بعضهم : منازل ورتب في الشيطنة ( إذا خبث الجني قيل له : شيطان فإن زاد على ذلك في الخبث قيل له : مارد فإن زاد على ذلك قيل له : عفريت وفي كلام بعضهم : أن من يساكن الإنس من الجن يقال له : عمار ومن يتعرض منهم للصبيان يقال لهم : أرواح ) ويقال : وقد جاء في الحديث (( إن المولود إذا أذن " يعني وقت ولادته " بالأذان في أذنه اليمنى وبالإقامة في أذنه اليســرى لم تحضره أم الصبيان )) أي التابعة من الجن " ضعيف كما قال الألباني " والصحيح ما رواه أبو رافع عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسين بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة " وأما الحن " بالحاء المهملة " فنوع من الجن ,, قيل هم كلابهم وسفلتهم
متى خلقوا ؟
خلق الجن قبل آدم بألفي ســـنة ,, وكان خلقهم " يوم الخميس "
وعن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما ( لما خلق الله " شوميا " ( في آكام المرجان للشبلي " سوميا " وفي لقط المرجان " سمومان " ) الذي هو " أبو الجن " خلقه الله من مارج من نار والمارج لهب النار ويقال له : لسان النار وهو ما يعلو منها إذا التهبت فتارة يكون أصفر وتارة يكون أخضر وهذه النار جزء من سبعين جزءا من نار جهنم وقيل : هي نار الشمس وهذا المارج المذكور نار السموم وعن إبن عباس من نار السموم من أحسن النار ولعل المراد بالأحسن الأعظم ولما خلقه الله قال له : تمنّ فكان من جملة ما تمناه أن يَرُوا ولا يُرَوا فمكث هو وأولاده في الأرض يعبدون الله فلما طال عليهم الأمد عصـوّا وكان فيهم ملك يقال له ( يوسـف ) ويقال : إنه كان نبيا ويقال : إن الله أرسله إليهم فقتلوه ! فأرسل الله عليهم جندا من الملائكة ( ملائكة سماء الدنيا ) يقال لهم : الجن : منهم إبليس كان مقدما فيهم ورئيسا عليهم وعلى هذا يمكن حمل قول من قال : إبليس أبو الجن كما أن آدم أبو الإنس وقيل لهم الجن لأنهم كانوا خزنة الجنة
( أخرج إبن المنذر عن إبن عباس قال : كان إبليـس من أشرف الملائكة من أكبرهم قبيلة وكان خازن الجنان والخازن : الحارس ) خلقهم الله تعالى مما خلق منه " شوميا " أبو الجن وهو نار السموم وما عداهم من الملائكة خلقهم الله سبحانه من " نور " فنفوا أولئك العصاة من الأرض وألحقوا بجزائر ( مفردها جزيرة وهي كل مكان إنقطع عن معظم الأرض ) البحر وسكن أولئك الملائكة تلك الأرض وأحبوا المكث فيها فمكثوا فيها قبل خلق آدم أربعين سنة ولما أراد الله تعالى خلق آدم قال لأولئك الملائكة أو لهم مع بقية ملائكة السموات دونهم : (( إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسـد فيها ويســـفك الدماء )) أي : كالجن الذين نفوا من الأرض وجاء في بعض الروايات أنهم لما قالوا ذلك خافوا أن يكونوا عصوا الله تعالى بما ردوه عليه فلاذوا بالعرش يطوفون به ويستغفرونه من ذلك فلما أسجدهم لآدم قالوا : هو أكرم على الله منا غير أنا أعلم منه فلما أنبأهم بما لا يعرفونه علموا أن آدم أعلم منهم
حقيقة إبليس أهو من الملائكة أم من الجن ؟!
إختلف العلماء في كون إبليـس من الملائكة أم من الجن فذهب فريق منهم إبن عباس إلى أن إبليس من الملائكة واستدلوا بقوله تعالى : ((( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليـس ))) فالإستثناء لا يكون من غير الجنس وهذا هو المشهور في لغة العرب بدليل أنه لا يكون من المستحسن أن نقول : فتـح الخبازون إلا فلانا ونريد فلانا الحداد , ولا يليق أن نقول : رأيت الناس إلا حمارا ,, فإن قيل أنّ الله خصّ إبليس بإســمه فقال ((( إلا إبليس كان من الجن ))) فالجواب : أن الجن نوع من الملائكة كما يقال : الخزنة والزبانية وهم كلهم جنس واحد يشتمل على أنواع , كما أن الآدميين يصنفون إلى زنج وعرب وعجم ولأن إبليـس أمر بالسجود لآدم لأنه من الملائكة وإلا لما كان مأمورا ويقصدون بالجن أيضا أنهم خزنة الجنـة ويرى إبن عباس : أن إبليـس كان من حي من أحياء الملائكة يقال لهم " الجن " خلقوا من نار السموم من بين الملائكة وكان إسمه الحارث , وكان خازنا من خزان الجنـة , وخلقت الملائكة من نــور غيــر هذا الحي وذهب فريق آخر منهم الحسن البصري إلى أن إبليس كان من الجن واستدلوا بقوله تعالى في سورة الكهف ((( إلا إبليس كان من الجن ))) فالله سبحانه قد أخبر أنه من الجن فغير جائز أن ينسب إلى غير ما نسبه الله إليه كما استدلوا بقوله تعالى ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجــن ) وهذه الآية صريحة في الفرق بين الجن والملك , كما أن إبليس له ذرية لقوله تعالى : ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ) والملائكة لا ذرية لهم كما أن الملائكة معصومون وإبليس لم يكن كذلك فوجبأن لا يكون منهم كما أن الجن خلقوا من نار والملائكة خلقوا من نور وأيضا لأن الملائكة رسل لقوله تعالى ( جاعلالملائكة رسلا ) ورسل الله معصومون ويؤكد الإمام الحسن البصري هذا الرأي حيث يقول : ما كان إبليس منالملائكة طرفة عين قط وأنه لأصل الجن كما أن آدم أصـل الإنس وكان رضي الله عنه يقول : قاتل الله أقواما يزعمـون أنإبليس كان من ملائكة الله والله تعالى يقول : كان من الجن والله تعالى أعلم بالصواب
قيل : إن إبليس كان من الجن الذين نفوا من الأرض كان صغيرا فتشبه بالملائكة فكان معها فلما أمروا أن يسجدوا لآدم سجدوا إلا إبليس فعلى الرواية الأولى يكون إبليس من الجن الذين هم الملائكة وعلى هذه الرواية الثانية يكون من الجن الذين نفوا من الأرض فكونه من الملائكة على هذه الرواية الأولى واضح وأما على الرواية الثانية فعلى التجوز لأنه كان مع الملائكة يتعبد عبادتهم أما دخول إبليس في جملة الملائكة المأمورين بالسجود فقيل : إنه كان من الجن الذين مسكنهم الأرض لكن كان قد أذن في مساكنة الملائكة لحسن عبادته وشــدة إجتهاده فلما طال إختلاطه بالملائكة وصار كواحدا منهم فلذلك تناوله الأمر
وقوله تعالى (( كان من الجن )) ظاهر في ذلك وحينئذ لا تنافي بين قوله تعالى (( إلا إبليس كان من الجن )) وبين قوله تعالى (( وإذ قلنا للملائكة اســجدوا لآدم فســجدوا الا إبليس )) الدال على أنه منهم وأيضا لو لم يكن منهم وعلم إنصراف الأمر إلى قوله (( أنا خير منه )) وإلا لقال أنا لسـت من الملائكة فلم يتوجه عليه اللوم وفي حياة الحيوان : الصحيح أنه من الملائكة وعن إبن عباس كان إسم " إبليس " حين كان مع الملائكة " عزازيل " وكان من ذوي الأجنحة الأربعة فلما لعن سمي " إبليس " لأنه أبلس أي : أبعد من رحمة الله وقيل : كان إسمه قبل ذلك " الحارث " وقيل " يافل " وكنيته " أبومرة "
قصص على تزاوج الجن والإنس
قال إبن الدنيا في الهواتف : حدّثنا بشر بن يسار بن عبد الله , حدّثنا أبو الجنيد العزيز , حدّثنا عقبة بن عبد الله : أنّ رجلا أتى الحسن إبن أبي الحسن , فقال : يا أبا سعيد إن رجلا من الجن يخطب فتاتنا ؟ فقال الحسن : لا تزوجوه ولا تكرموه , فأتى قتادة فقال : يا أبا الخطاب , إنّ رجلا من الجن يخطب فتاتنا ؟ فقال : لا تزوجوه ولكن إذا جاءكم فقولوا : إنا نخرج عليك إن كنت مسلما لما انصرفت عنّا ولم تؤذنا , فلما كانوا من الليل جاء الجن حتى قام على الباب فقال : أتيتم الحسن فسألتموه ! فقال لكم : لا تزوجوه ولا تكرموه , ثم أتيتم قتادة فسألتموه ! فقال : لا تزوجوه ولكن قولوا له : إنا نخرج عليك إن كنت رجلا مسلما لما انصرفت عنّا ولم تؤذنا .. فقالوا له ذلك , فانصرف عنهم ولم يؤذهم ..
وقال حرب : حدّثنا إسحاق , قال : أخبرني محيدق وهو شيخ من أهل مرو , قال : سمعت زيد العمى يقول : اللهم إرزقني جنّية أتزوجها . قيل له : يا أبا الحوارى وما تصنع بها , قال : تصحبني في أسفارها حيثما كنت كانت معي ..
وقال أبو عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب : " إتبّاع السنن والآثار " : حدّثنا محمد بن حميد الرازي , حدّثنا أبو الأزهر حدّثنا الأعمش حدّثني شيخ من بجيلة , قال : علّق رجل من الجن جارية لنا , ثم خطبها إلينا , وقال : إني أكره أن أنال منها محرما . فزوجناها منه . قال : فظهر معنا يحدّثنا , فقلنا : ما أنتم ؟ قال : أمم أمثالكم وفينا قبائل كقبائلكم . فقلنا : هل فيكم هذه الأهواء ؟! قال : نعم فينا من كل الأهواء : القدرية والشيعة والمرجئة . قلنا : ممن أنت ؟
قال : من المرجئة ..
وقال أحمد بن سليمان النجار في أماليه : أخبرنا أسلم بن سهل , حدّثنا علي بن الحسين بن سليمان أبو الشعثاء الحضرمي " أحد شيوخ مسلم " حدّثنا أبو معاوية : سمعت الأعمش يقول : تزوج إلينا جنيّ , فقلت له : ما أحبّ الطعام إليكم ؟ قال : الأرز . قال : فأتيناهم به فجعلت أرى اللقم تُرفع ولا أرى أحدا , فقلت : فيكم من هذه الأهواء التي فينا ؟ قال : نعم , فقلت : فما الرافضة فيكم ؟ قال : شرنا .. قال الحافظ أبو الحجاج المزني : هذا إسناد صحيح ..
وقال أبو بكر الخرائطي : حدّثنا أحمد بن منصور الرمادى , قال : شهدت نكاحا للجن وتزوج رجل منهم إلى الجن , فقيل له : ما أحب الطعام إليكم ؟ قال : الأرز . قال الأعمش : فجعلوا يأتون بالجفان فيها الأرز فتذهب ولا نرى الأيدي ..
وقال إبن أبي الدنيا : حدّثني عبد الرحمن , حدّثني عمر , حدّثني أبو يوسف السروجى , قال : جاءت إمرأة إلى رجل بالمدينة فقالت : إنا نزلنا قريبا منكم فتزوجني فتزوجها , فكانت تأتيه بالليل في هيئة إمرأة , ثم جاءت إليه فقالت : قد حان رحلينا فطلقني , فبينما هو في بعض طرق المدينة إذ رآها تلتقط حبّا مما يسقط من أصحاب الحبّ , قال : أتبيعينه ؟ فرفعت عينها إليه فقالت : بأي عين رأيتني ؟ قال : بهذه . فأومأت بأصبعها فسالت عينه ..
وقال العلامة الشبلي : حدّثنا قاضي القضاة جلال الدين أحمد إبن قاضي القضاة حسام الدين الرازي الحنفي قال : سفر بي والدي لإحضار أهله من المشرق , فلما جزت ألبيرة " إسم مدينة " ألجأنا المطر إلى أن نمنا في مغارة فكنت في جماعة فبينما أنا نائم إذ أنا بشيء يوقظني فانتبهت فإذا أنا بإمرأة وسط من النساء لها عين واحدة مشقوقة بالطول فارتعت , فقالت : ما عليك إنما أتيتك لتتزوج إبنة لي كالقمر , فقلت لخوفي منها : على خيرة الله تعالى , ثم نظرت فإذا برجال قد أقبلوا فنظرتهم فإذا هم كهيئة المرأة التي أتتني , عيونهم كلها مشقوقة بالطول في هيئة قاض وشهود , فخطب القاضي وعقد , فقبلت , ثم نهضوا وعادت المرأة ومعها جارية حسناء إلا أن عينها مثل عين أمها , وتركتها عندي وانصرفت , فزاد خوفي واستيحاشي وبقيت أرمي من كان عندي بالحجارة حتى يستيقضوا فما انتبه منهم أحد , فأقبلت على الدعاء والتضرع , ثم آن الرحيل فرحلنا وتلك الشابة لا تفارقني , فذهب على هذا ثلاثة أيام , فلما كان في اليوم الرابع أتت المرأة التي جاءتني أولا , وقالت : كأنّ هذه الشابة ما أعجبتك وكأنك تحبّ فراقها ؟! فقلت : أي والله , قالت : فطلقها , فطلقتها , فانصرفت ولم أرها بعد .. فسأله القاضي شهاب بن فضل الله : هل أفض إليها ؟ قال : لا ..
التنويم المغناطيسي : سحر أم علاج؟
إذا كان المقصود بالتنويم المغناطيسي ما يفعله السحرة والمشعوذون فهذا حرام لأنه قائم على الاستعانة بالجن، وهذه الاستعانة حرام.
أما إذا كان المقصود بهذا العلاج الاعتماد على نظريات الإيحاء والتأثر التي تساعد الإنسان على النوم ويتم علاجه وهو لا يحس كالبنج فلا بأس.
يقول د. خالد بن عبد الله القاسم عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود :
ما يسمى بالتنويم المغناطيسي يطلق على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول : وهو الشائع المنتشر ويفعله السحرة باستخدام الجن، وهذا النوع محرم؛ لأن إتيان السحرة حرام، والساحر كافر بنص القرآن الكريم " وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر " [البقرة : 102]. حيث لا يمكّن الجن الساحر من السحر إلا بعد أن يشرك بالله – تعالى -، ومن ذلك الذبح لغير الله، أو إهانة المصحف الشريف، أو الاستهزاء بآيات الله -تعالى- ، أو السجود للشياطين، وغير ذلك من الكفر البواح .
ولا يتصور من هذا الساحر الكافر أن يدل على الفضائل، أو يخلص أحداً من الصفات الذميمة، إذ أن السحر ضار غير نافع كما قال – سبحانه -:" ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم " [البقرة : 102] وقال - سبحانه -: " ولا يفلح الساحر حيث أتى " [طه :69]
والسحر من السبع الموبقات التي حذر منها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح، وهو أشد من الزنى وشرب الخمر.
وإني أنصح كل مسلم بتجنب السحرة والمشعوذين والكهنة والعرافين، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: " من أتى كاهناً أو عرَّافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " أخرجه الإمام أحمد في المسند وقال - عليه الصلاة والسلام -: " من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " أخرجه مسلم في صحيحه.
الضرب الثاني: نوع من الدجل والاتفاق مع بعض الحاضرين لا سيما في أماكن الجمهور لأكل أموال الناس بالباطل ولفت الانتباه.
الضرب الثالث: طب نفسي وهو عن طريق الإيحاء والتأثير على المريض وتطويعه إلى ما يراد له، وهذا ما يسأل عنه السائل، وهو علم صحيح ولكنه محدود التأثير.
والمغيّر فعلاً لتلك الصفات السيئة والمنشئ للصفات الحميدة هو الإيمان بالله – تعالى -، والعمل الصالح، ودعاء الله - عز وجل -، والالتجاء إليه، وهو مسبب الأسباب، وهو قريب من عباده " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " [البقرة : 186].
وكما هو معلوم أن من أكبر أسباب الهداية والفلاح والتخلص من الأخلاق الذميمة قوة العزيمة، ومجاهدة النفس، والصبر، وغير ذلك من الأسباب الشرعية المعلومة. أهـ
ويقول د سالم أحمد سلامة ـ أستاذ الشريعة فلسطين:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ما أنزل داء إلا وأنزل له دواء ألا فتداووا". فعلينا أن نبحث عن الدواء عند المهرة من الأطباء.
وكل علاج سواء كان ماديا أو معنويا لم يورد الشارع الحكيم فيه نصا للحرمة أو التحريم؛ فالأمر فيه على الحِلّ، فهذا التنويم المغناطيسي إن كانت تستعمل فيه بعض الأدوات الكهربائية فتساعد الإنسان على النوم، ويتم علاجه وهو لا يحس كالبنج، فلا بأس به.
أما إن كان يستعمل خزعبلات كالذين يستدعون الجن ومردتهم ويوهمون الناس بسحرهم أنهم ينومونهم مغناطيسيا؛ فهؤلاء ينطبق عليهم تحريم الذهاب إلى السحرة وإلى الكهان؛ لأن من ذهب إليهم فسألهم وصدقهم فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وليسأل أهل الخبرة في ذلك المجال من الأطباء المسلمين المهرة العدول.
والله أعلم.
تحضير الأرواح: رؤية فقهية
فإن من يزعمون أن لديهم قدرة على تحضير الأرواح فهؤلاء إما دجالون ومشعوذون، وإما سحرة لهم اتصال بالجان، والشخصيات التي تحضر وتزعم أنها أرواح من سبقونا من الأهل والأحباب، ليست إلا شياطين وقرناء من الجن يلبسون على الناس ما يلبسون، ولذلك فالواجب الحذر من أمثال هؤلاء حتى لا يفسدوا علينا ديننا ودنيانا بكذبهم وتضليلهم، أما أروح الموتى فعلمها عند الله تعالى، وهي منشغلة بما آل إليه مصيرها فهي إما منعمة وإما معذبة، فكيف تنشغل الروح بمثل هذه الأمور التي وردت في الرسالة وقد رأت من هول القبر والحساب ما رأت، وهذا ما أفتى به فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي فيقول فضيلته:
فالشخصيات التي تحضر وتزعم أنها أرواح من سبقونا من الأهل والأحباب، ليست إلا شياطين وقرناء من الجن يلبسون على الناس ما يلبسون.
لا ريب أن الناس في حيرة أمام هذه الأسئلة، وهم يسمعون من هذا ما يناقض ذاك، وهم يريدون أن يخرجوا من هذه الحيرة والبلبلة برأي ديني صحيح صريح يضع الحق في نصابه، ويرد الناس إلى الصراط المستقيم.
والذي لا نستطيع أن ننكره، أن هناك أشياء خفية تحضر في جلسات التحضير رآها الكثيرون رأي العين تحرك السلال والأقلام تكتب وتجيب، أحيانًا بالخطأ وأحيانًا بالصواب، وإنكار هذا مكابرة في نظر من شاهدوا تلك الظاهرة، وهرب من مواجهة المشكلة بما يزيد الإشكال.
السحر في اللغة : عبارة عما خفي ولطف سببه , ولهذا جاء في الحديث : (( إن من البيان لسحرا ))
وسمي السحور سحورا لأنه يقع خفيا آخر الليل قال تعالى : (( سحروا أعين الناس )) أي أخفوا عنهم علمهم , ولما كان السحر من أنواع الشرك إذ لا يأتي السحر بدونه أوردناه لبيان ذلك تحذيرا منه
و في الاصطلاح : عزائم و رقى و عقد و أدوية و تدخينات تؤثر في القلوب والأبدان فمنها ما يمرض و منها ما يقتل و منها ما يفرق بين المرء و زوجه قال تعالى : (( فيتعلمون منهما ما يفرق به بين المرء وزوجه )) وقال سبحانه : (( قل أعوذ برب الفلق )) إلى قوله : (( ومن شر النفاثات في العقد )) يعني السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن وينفثن في عقدهن . ولولا أن للسحر حقيقة لم يأمر بالاستعاذة منه
وقد زعم قوم من المعتزلة وغيرهم أن السحر تخييل لا حقيقة له , وهذا ليس بصحيح على إطلاقه , بل منه ما هو تخييل ومنه ما له حقيقة كما يفهم مما تقدم
تاريخ الســــــحر
إن معتقدات السحر من أقدم المعتقدات البشرية على الإطلاق , وقد ارتبط ذلك منذ القدم بعادات وتقاليد و طقوس يمارسها الإنسان في عصور الجهل و الظلام , فقد لجأ الإنسان إلى السحر من أجل حماية نفسه من الخوف الذي ملأ قلبه وسط هذا العالم المجهول الغامض الذي يحيطه بما فيه من وحوش ضارية تسعى لالتهامه و تتربص به في كل الأوقات , وطبيعة قاسية متقلبة , و أمراض فتاكة و خوف من المجهول ,, و كانت من أوائل أدوات السحر في العصر الحجري ( التمائم ) و التي اعتقد إنسان هذا العصر أنها تجلب له الرزق و تمنحه القوة و الذرية الوفيرة , وكذلك فمن الوسائل الهامة التي استخدمها الإنسان الأول ( الطبول ) و التي كانت تصنع من جلود الحيوانات وكان يعتقد إن دقاتها تكسب القوة و الإرادة لأنها تجلب له الأرواح التي يمكنه تسخيرها في أغراضه و مصالحه و قهر أعدائه ومن تلك الطقوس السحرية البدائية أيضا تثبيت التعويذة السحرية على أناء من الفخار بعد طرقه بالنار فقد كان قديما يكتب على جرة الفخار بعض الكتابات و الرموز الخاصة ثم تلقى على الأرض لكي تتحطم بنفس الطريقة التي يريدون بها تحطيم أعدائهم . وتلى ذلك عملية غزل الخيوط و صبغها . والنفث في العقد و شحنها بالتعاويذ السحرية وذلك من أجل غرض ما في نفوسهم
ومع توالي الأعوام تقدمت العلوم السحرية تدريجيا وصار هناك أناس متخصصون في هذا اللون الغامض من الممارسات الخفية وذلك بغرض التأثير في مجريات حياة الآخرين أو إلحاق الأذى و الضرر بغيرهم من بني البشر أو الحيوانات , و لو أن هذه المحاولات لم تكن مكتملة إلى الحد الذي يمكن أن يعمل فيه الساحر وفق طرق محددة و أساليب واضحة , ولكن كل ذلك يبين لنا الميل القوي في نفوس بني الإنسان منذ قديم الزمان نحو القوى الخفية و استخدامها لتحقيق مآربه و أطماعه
بداية الســــــحر
ربما كانت البداية الفعلية للسحر على يد ساحر من بلاد الفرس يدعى ( زوروستر ) وذلك قبل ظهور المسيح بحوالي خمسة آلاف سنة . فقد قام هذا الساحر بوضع أسس السحر و نظم و طرق ممارسته , و قد سار على هديه أمما كثيرة مثل الكنعانيين و الهنود و المصريين و غيرهم وكان لكل منهم معتقدات في القوة السحرية , فمنهم من يستعين بالقطط و الكلاب أو الطيور , ومنهم من يستعين بوسائل أخرى أشد غرابة وأكثر عجبا .
موســى عليه الصلاة و الســلام و الســــــحرة
أما العصر الذهبي للسحر فقد كان في زمن موسى عليه السلام حيث انتشر السحر انتشارا كبيرا و تنوعت طرقه وأساليبه وكان عدد السحرة يقدر بالآلاف , وقد برع هؤلاء السحرة في سحرهم إلى حد كبير وكانوا من أهم أعوان فرعون في حكمه و التخلص من خصومه , ولذلك فقد كانت معجزة موسى عليه السلام هي أيضا في السحر ولكنه كان سحرا أقوى و أشد من جميع السحرة . . . حيث كان يفوق المعجزات وقد أيده الله تعالى ونصره عليهم جميعا . . . فقد جاء موسى إلى فرعون مصر وخاطبه قائلا : ( اني رسول من رب العالمين ) فقال له فرعون : كذبت , فقال موسى : ( جدير بي و حق علي أن أخبر عن الله إلا بما هو حق و صدق , وقد آتيتكم بحجة قاطعة من الله وهي دليل على صدقي فادع بني إسرائيل ليرجعوا معي إلى الأرض المقدسة التي هي وطنهم ومولد آبائهم ) فقال فرعون : لست بمصدقك و لن أطيعك فيما تطلب فعليك إظهار محبتك و إثبات نبوتك إن كنت صادقا في ادعائك . . فألقى موسى عصاه فتحولت إلى ثعبان ضخم للغاية أخذ يزحف نحو فرعون و قد فغر فاهه الكبير لألتهامه . فحدث هرج و مرج شديد و هرب فرعون و تبعه قومه و مات منهم عددا كبيرا , و اعتصم فرعون بقصره و صاح : يا موسى خذه و أنا أؤمن بك و أرسل معك بني إسرائيل . . فأخذه موسى فعاد عصا كما كان في السابق و بعد إن هدأ فرعون و استقرت نفسه قال له سادة قومه إن هذا عالم بالسحر ماهر فيه وقد أخذ عيون الناس بخدعة من خدعه حتى خيل إليهم أن العصا حية .
و هنا خشي فرعون و حاشيته أن يستميل موسى الناس بسحره فيكون ذلك سببا في انهيار ملكه و إخراجه وقومه من أرضهم .. ولما تشـاوروا في شأنه استقر رأيهم في النهاية على احضار أمهر السحرة ليلاقوا موسى فقد كانوا يعتقدون أن السحرة أمهر من موسى في السحر و أنهم سوف يغلبونه , ووعدهم فرعون بالأجر العظيم و المنزلة الرفيعة إن انتصروا على موسى , و كانوا عددا كبيرا من السحرة المهرة حتى يقال أنهم كانوا ثمانين ألفا و قيل سبعين ألفا و قيل بضعة و ثلاثون ألفا وفي سورة طه قال الله تعالى على لسان فرعون و قومه : ( قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله , فاجعل بيننا و بينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى ) وقبل موسى التحدي وحدد لهم يوم الزينة ( وهو أحد أعيادهم ) كموعدا للقائهم .
وعندما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم سحروا أعين الناس وكأن هذه الحبال و العصي قد تحولت إلى حيات كثيرة تملأ الأرض بشكل مفزع مما سبب الخوف و الرعب للناس ومنهم موسى عليه السلام قال تعالى : ( فأوجس في نفسه خيفة موسى , لا تخف انك أنت الأعلى , وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر و لا يفلح الساحر حيث أتى )( فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون ) فقد تحولت عصا موسى مرة أخرى إلى ثعبان هائل أخذ يلتهم كل الثعابين و الحيات التي كانت تملأ الوادي حتى لم تبق على شيء منها إلا ابتلعته وذلك تحت سمع و بصر الجموع المحتشدة من الناس ووسط ذهول السحرة بفضل الله سبحانه و تعالى . . . عندها علم السحرة أن الذي أتى به موسى ليس سحرا مثل سحرهم إنما هو القوة الإلهية فخروا لله ساجدين و آمنوا برب العالمين
الســـحر و لعنـــة الفـــراعنـــة
يعتبر سحرة المصريين القدماء من أبرع السحرة , وكان أعظم ملوك مصر الذين حكموهم في آخر عصورهم وهو الملك ( نيكتايبس ) ساحرا كبيرا بارعا في سحره وكان هذا قبل عام ( 358 ) قبل الميلاد , وكان للمصريين تلاوات و رموز سحرية يستعين بها السحرة في أعمالهم و طقوسهم و قد وجدت منقوشة على التعاويذ و الطلاسم و الجعارين و غيرها من آثارهم كذا بإحدى أوراق البردى المحفوظة بالمتحف البريطاني .
وكان للمصريين القدماء سرا رهيبا في تلك اللعنة التي يسلطونها على كل من ينبش قبرا لهم أو يسرق مخلفاتهم و يبعث بمحتوياتها وهذا هو ما حدث للورد ( كانا رافون ) وزميله ( كارتر ) مكتشفي قبر توت عنخ آمون , فالأول توفي قبل انتهاء كشف المقبرة بعد ما حلت عليه النكبات من خسائر مالية ومتاعب جمة مما عجل بوفاته قبل تحقيق أمله , أما زميله فقد كان يعتز بعصفور نادر يحتفظ به داخل قفص بمكتبه قرب المقبرة عندما هاجمته أفعى كبيرة من نوع الكوبرا فقضت عليه , ثم تربصت لكارتر لتنهي أجله ولكن لحسن حظه لم يقصد مكتبه بعد الكشف بل عاد إلى القاهرة ليذيع نبأ الأكتشاف وكلف أتباعه بنقل حاجياته , وهكذا فقد نجا من الموت بأعجوبة
وقد تعرض السحرة لأقسى وأشد العقوبات من جميع الدول الغربية للخلاص منهم حتى أنها فرضت عليهم حرقا والتعذيب والتنكيل بهم ومصادرة أموالهم حتى أن ذريتهم لم تكن تسلم من العقاب . وفي أمريكا كان البعض يتهمون السود بمزاولة السحر حتى أنهم كانوا يلقون القبض على أول زنجي يصادفونه في الطريق ثم يقتادونه إلى شجرة يعلق بها ليشنق زورا وبهتانا وقد راح ضحية هذا الوهم الكثيرين من السود
,
كانت الوسائل متعددة في تعذيب وإبادة هؤلاء السحرة في جميع الممالك فمنهم من كان يعدم بطريقة الخازوق ومنهم بطريقة ( التشبيح ) وهي : أنهم كانوا يأتون بالساحر ويمدونه على مائدة غليظة مقسمة إلى أقسام مفصولة عن بعضها ويفردون ذراعيه إلىأعلى بحيث يقيدون الذراع الأيمن في ركن المائدة الأيمن والذراع الأيسر في ركنها الأيسر والقدم اليمنى في الركن الأسفل ومثلها القدم اليسرى ومركب بوسط المائدة عجلة مصنوعة ومتصلة بالمائدة بطريقة مخصوصة حتى إذا ما دارت العجلة انفصلت أجزاء المائدة عن بعضها و تحرك كل جزء منها في اتجاه مضاد للآخر فيتحرك الذراع الأيمن إلى الشمال الغربي والذراع الأيسر إلى الشمال الشرقي والقدم الأيمن إلى الشمال الغربي والقدم الأيسر إلى الشمال الشرقي وبهذا تتفكك أوصال وعضلات ومفاصل الساحر وتسبب له آلام فظيعة بدرجة لا تقوى عليها الشياطين أنفسهم ثم ينتهي أجله بعد دقائق و تؤخذ جثته لتحرق و يذرى رمادها في الهواء وذلك في واحد من أبشع صور التعذيب التي عرفها التاريخ , ويدلك ذلك على مدى الكراهية و المقت التي يحملها الناس منذ زمن بعيد للسحرة و السحر الأسود
أما في أسبانيا فقد أعدت محاكم التفتيش المشهورة بقسوتها غرفا مخصوصة مزودة بكافة آلات و معدات التعذيب التي لا تخطر على بال وأطلق عليها ( غرف التعذيب أو الاعتراف ) فعند القبض على الساحر و اعترافه مبدئيا بمزاولة السحر يؤخذ إلى غرفة التعذيب حيث يعلقونه من ساقيه بعد ربط يديه إلى جانبيه على عجلة كبيرة بحيث يكون رأسه إلى أسفل ثم تدور العجلة جملة دورات عنيفة حتى إذا ما دارت و جعلته في الوضع الصحيح و أصبح رأسه فوق و رجلاه تحت يبدءون في تقليع أظافر يديه ثم يعاد مرة أخرى لوضعه الأول و يختارون من جسده الجهات الممتلئة باللحم و الشحم كالكتفين أو الفخذين و الساقين فيشقونها شقا طوليا ثم يصبوا فيها الزيت المغلي , ثم يقلب ثانيا و يفقئون عينيه بمسامير كبيرة محماة و ينهون هذا العذاب أخيرا بحرقه
ولكن نظرا لما يلاقيه الساحر من عذاب فكان الساحر لا يقدم للمحاكمة إلا بعد التأكد من أنه على علاقة أكيدة بالشيطان وبأدلة قوية منها :
أ - اتفاق أو عقد أبرمه الساحر مع الشيطان و عليه أن يقرر هذا كتابة و يوضح متى و أين عقد اتفاقه و ما هي نصوص الاتفاق و مدته و على أي صورة كان يظهر له الشيطان
ب- ما هي المواد التي يستعملها في سحره و من يحضرها إليه
ج - لمن كان يسحر و لصالح من أو لضرر من
وكل هذه الإجراءات حتى لا يؤخذ ظلما و عدوانا و لا يعاقب هذا العقاب الرهيب دون أن يستحقه
خـــدع الســــــحرة
و رغم كل هذه العقوبات الصارمة التي فرضت على السحرة إلا أنهم لم يرتدعوا و لم تتوقف حركاتهم بل أن بذور الشر قد ملأت نفوسهم حيث أنهم باعوا أرواحهم للشيطان . . . و مع ذلك كان هنالك الكثيرين من المثقفين و من رجال الأعمال يقومون بأعمال السحر و يتسترون وراء ممارستهم هذه بحجج باطلة مثل ادعائهم أن سحرهم موجه للأعمال الخيرية مثل شفاء المرضى أو رواج تجارتهم أو إصلاح الأمور العائلية و غير هذا من الأعمال المفيدة
و كانوا يطلقون على سحرهم ( السحر الأبيض ) و يقصد بالسحر الأبيض الذي يهدف إلى الخير أما خلاف ذلك فهو سحر أسود , ولكن تلك الحجج لم تنفع أو تشفع لهم لدى الحكومات حيث أن السحر سواء كان أبيضا أو أسودا هو في النهاية سحر ويمكن استعماله فيما يضر الإنسان و عقله و قلبه كما أنه يسخر الإنسان و الحيوان و النبات لخدمة أغراضه و كلها أمور تنافي الأوامر الإلهية و الشرائع السماوية
عودة الســـحر للإنتشــار مرة أخــرى
إلا أن السحرة عادوا لمزاولة السحر و تعلمه و العمل به علانية حيث أن عقوبة الإعدام كانت قد ألغيت وذلك في القرن الثامن عشر , وانتشرت الأندية والجمعيات السحرية التي ضمت كثيرا من الرجال و النساء من مختلف الطبقات و راج الدجل والشعوذة , وكان بعض السحرة يسكنون وسط القبور والأماكن الموحشة ويتجسدون في أجساد الموتى و يسطون ليلا على الآدميين فيمتصون دماءهم و اشتهروا من هذا الوقت بأسم مصاص الدماء
و انتشرت جناية مص الدماء هذه في فرنسا و روسيا و المجر و بولانده وكان أشهر مصاص الدماء في هذا الوقت شخص يدعى ( دراكولا ) وقد مثلت حوادثه في السينما . . . و لتحصين الشخص ضد شاربي الدماء راجت الوصفات السحرية التي يعتقدون أنها تحصنه منهم و من ضمن هذه الوصفات أن يأكل الشخص قبل نومه أو يبلع حفنة من التراب من قبر حديث فيمتنع مصاصوا الدماء عن زيارته
سحر النجوم
المجوس والصابئة هم الذين يزعمون أن النجوم مؤثرة في الإنسان والحيوان والأكوان , وهم أنواع :
( 1 ) نوع يعبدون النجوم السبعة السيارة ويعتقدون فيها النفع والضر وقد بنى هؤلاء لهذه النجوم بيوتا وصوروا فيها تماثيل سموها بأسماء النجوم وجعلوا لها مناسك وشرائع يعبدونها بكيفياتها ويلبسون لها لباسا خاصا وحلية خاصة وينحرون لها من الأنعام أجناسا خاصة لكل نجم منها جنس زعموا أنه يناسبه .. وكل نجم جعلوا لعبادته أوقاتا مخصوصة كأوقات الصلوات عند المسلمين , واعتقدوا تصرفها في الكون , وهذا هو المعروف عن قوم إبراهيم ( ببابل ) وغيرها وإياهم خاطب فيما حكى الله عنهم متحديا لهم , مبينا سخافة عقولهم وضلال قلوبهم ..
قال الله تعالى : ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت .. ) الآيات " سورة الأنعام : 75 , 78 "
( 2 ) ومنها ما يفعله من يكتب حروف أبي جاد ويجعل لكل حرف منها قدرا من العدد معلوما , ويجري على ذلك أسماء الآدميين والأزمنة والأمكنة وغيرها ويجمع جمعا معروفا عنده ويطرح منه طرحا خاصا ويثبت إثباتا خاصا وينسبه إلى الأبراج الأثنى عشر المعروفة عند أهل الحساب , ثم يحكم على تلك القواعد بالسعود والنحوس وغيرها مما يوحيه إليه الشيطان .. وكثير منهم يغير الاسم لأجل ذلك , ويفرق بين المرء وزوجه بذلك ويعتقد أنهم إن جمعهم بيت لا يعيش أحدهم .. وقد يتحكم بذلك في الغيب فيدّعي أن هذا يولد له وهذا لا , وهذا الذكر وهذا الأنثى , وهذا يكون غنيا وهذا يكون فقيرا , وهذا يكون شريفا وهذا وضيعا , وهذا محببا وهذا مبغضا , كأنه هو الكاتب ذلك للجنين في بطن أمه , لا والله , لا يدريه الملك الذي يكتب ذلك حتى يسأل ربّه أذكر أم أنثى , شقي أم سعيد , ما الرزق وما الأجل ؟ فيقول له فيكتب , وهذا الكاذب المفتري يدّعي علم ما استأثر الله بعلمه , ويدّعي أنه يدركه بصناعة اخترعها , وأكاذيب اختلقها وهذا من أعظم الشرك في الربوبية ومن صدقه به واعتقده فيه كفر والعياذ بالله تعالى ..
( 3 ) ومنها النظر في حركات الأفلاك ودورانها وطلوعها وغروبها واقترانها وافتراقها معتقدين أن لكل نجم منها تأثيرات في كلّ حركاته منفردا , وله تأثيرات أخر عند اقترانه بغيره , في غلاء الأسعار ورخصها وهبوب الرياح وسكونها ووقوع الكائن والحوادث وقد ينسبون ذلك إليها مطلقا ومن هذا القسم الاستسقاء بالأنواء ..
( 4 ) ومنها النظر في منازل القمر الثمانية والعشرين مع اعتقاد التأثيرات في اقتران القمر بكلّ منها ومفارقته , وأن في تلك سعودا أو نحوسا وتأليفا وتفريقا وغير ذلك ..
ومنازل القمر هي التي تسميها العرب الأنواء وهي ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها يسقط في كل ثلاثة عشر ليلة منها نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته , وكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منهما .. فيقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ..
وقد بيّن الله تبارك وتعالى في كتابه أن الشمس والقمر والنجوم آيات من آيات الله سخرها الله لمنفعة عباده , فهي مقهورة معبّدة لخالقها , لا تستحق أن تعبد من دون الله تعالى ولا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا , فضلا عن أن تملكه لغيرها , قال تعالى : ( والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره )
( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ) ( تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ) , وقد بيّن الحق أنه أوجد هذه النجوم ليهتدي العباد بها في ظلمات البر والبحر وزينة للسماء ورجوما للشياطين , قال تعالى :
( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ) وقال :
( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) وقال : ( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كل شيطان مارد * لا يسّمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ) سورة الصافات " 6 , 10 "
قال قتادة : " إنما جعل الله سبحانه هذه النجوم لثلاث خصال : جعلها زينة للسماء وجعلها يُهتدى بها وجعلها رجوما للشياطين فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به "
وإن ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا من هذه النجوم كهانة , من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا , ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا , ومن ولد بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا , فكل ذلك خطأ فاحش وفيه كذب فما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود والقصير والطويل والحسن والذميم , وما علم هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير بشيء من الغيب وقضى الله تعالى أنه ( لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون )
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد ) وروى عبد بن حميد عن رجاء بن حيوة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إنما أخاف على أمتي التصديق بالنجوم , والتكذيب بالقدر , وحيف الأئمة )
وروى ابن عساكر وحسنه عن أبي محجن مرفوعا : ( أخاف على أمتي ثلاثا : حيف الأئمة , وإيمانا بالنجوم , وتكذيبا بالقدر ) وروى أبو يعلى وابن عدي عن أنس رضي الله عنه مرفوعا : ( أخاف على أمتي بعدي خصلتين :
تكذيبا بالقدر , وإيمانا بالنجوم )
كَيْفَ يَتـْـصِلُ الْسَـــاحِرُ باِلشَـــيّطَان
تُوجَدْ عِدّةُ طُرُقْ ُيمْكِنْ أَنْ يَتّبِعُهَا السَاحِرْ لِمُقَابَلةْ الشيطَانْ ( وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَكُوُنَ قَدْ اْنْتَهىَ مِنْ مُطَالَعَةْ كُتُبْ اْلسِحْر وَ قَامَ بِتَنْفِيذْ تَعَالِيمِهَا ) وَ مِنْهَا تِلْكَ الْطَرِيقَة الغَرِيَبة :
يخرج الساحر في ليلة مقمرة بعيدا عن العمران عند انتصاف الليل و يختار إحدى البيوت أو الخرائب المهجورة و الأشد وحشة فيخلع ملابسه حتى يصبح عاريا كما ولدته أمه ثم يرسم دائرة كبيرة و ينقش داخل و خارج الدائرة وفي محيطها أشكال و رموز و طلاسم و أسماء الأرواح الخبيثة و الشياطين التي قرأ عنها . ثم يوقد شمعتين و يسرق أناء فضيا و يشوه منظره و يلوثه و يضعه وسط الدائرة و به حبوب نباتات معينة فينحني و يقفز داخل الدائرة كالقرود وهو قابض على الشمعتين بكلتا يديه و ينشد أناشيد الشياطين و يتلو التعويذات الجهنمية كما قرأها حتى يبلغ غاية التعب فيجلس القرفصاء داخل الدائرة و هو يقرأ أو يتلو التعاويذ و ينشد , ويلوح للشيطان في الفضاء بالعقد ويقرأ نصوصه ويجتهد ويلح ويكثر من القفز والقراءة والتلاوة ويكمل بقية الطريقة , وفي هذا الوقت يكون مندوب الشيطان مراقبا له حتى يتأكد من أن الساحر جاد حقيقة في أتباع الشيطان فيظهر له على شكل وصورة ما ويستلم منه العقد ويأمره بالحضور إلى حفلة تعميده في الليلة التي سيحددها له ( عمدة السحرة )
وهناك طريقة أخرى وهو حضوره كما أسلفنا في مكان مهجور موحش ويصحب معه حيوانات معينة ويجلس عاريا ويذبح تلك الحيوانات بترتيبها المذكور في الكتب وهو يتلو التعاويذ والأناشيد أثناء الذبح ويجمع دماءها في زجاجة قذرة ثم يلقي بجدي ذبحه معها في الخلاء بالقرب منه كهدية للشيطان ثم يستعطف ويلح في طلب عبادة الشيطان حتى يظهر له أخيرا ويسلمه العقد مكررا إخلاصه فيستلمه منه وينبه عليه بمقابلة ( العمدة ) في منطقته لتحديد ليلة التعميد
وهناك طريقة ثالثة وهي : أن يقصد الساحر قبل شروق الشمس إحدى الغابات أو الحدائق ويختار شجرة عقيمة لا تثمر نباتا و يقطع منها غصنا بمبراه جديدة لم يسبق استعمالها من قبل . وفي اليوم التالي يقصد غرفة خاصة له في منزله ومعه هذا الغصن وحجر دم صغير ويخلع ملابسه جميعها ويرسم مثلث متساوي الساقين ويضع شمعة سوداء على زاوية قاعدة المثلث ويكمل هذه الطريقة حتى يسمع صوت الشيطان ولكنه لا يراه حيث يأمره بإعادة كتابة العقد بمادة نتنة ويكرر ما فعله في هذا اليوم حتى إذا انتصف ليل اليوم الثالث حضر واستلم العقد وأمره بمقابلة العمدة
وفي صباح اليوم التالي لاستلام الشيطان العقد من الساحر يتوجه هذا الأخير لمقابلة ( عمدة ) السحرة والساحرات كما أمره الشيطان فيجد الأخير في انتظاره فيحدد له ليلة ومكان الإحتفال بتعميده ويلقي إليه ببعض النصائح والتعليمات الواجب مراعاتها حرفيا ليلة التعميد . وفي الليلة المحددة يحضر جميع السحرة المراد تعميدهم من رجال ونساء وعلى هؤلاء النساء أن تتزين استعدادا لهذه الحفلة خصوصا وأن هذه ستكون آخر مرة يبتل جسدها بالماء أو يمسه الصابون وغيره من أدوات النظافة وتقام ليلة التعميد دائما في إحدى الجهات الخالية الموحشة أو الغابات المخيفة أو في الغارات أو شواطىء البحار أو الصحاري المقفرة وغيرها من الأمكنة التي يخشى فيها المرء العادي على نفسه في وضح النهار . وعلى كل ساحر أو ساحرة مراد تعميده أن يحضر معه صليبا خشبيا وقطعة من القربان المقدس , حتى إذا ما اجتمع الجميع خلعوا ثيابهم و رسموا الدوائر السحرية بالألوان المطلوبة و قاموا بعمل النقوش و الرموز واستدعاء الشيطان و الأبالسة و الأرواح الشريرة الخبيثة و الجان و العفاريت حتى إذا ما اجتهدوا في الغناء و الأنشاد , والإستعطاف و الإلحاح ظهر لهم مندوب الشيطان في شكل حيوان أو إنسان أو نصف إنسان و نصف حيوان فيقابله السحرة بالتهليل و التبجيل و يتنافسون على تقبيل حوافره أو أي جزء من أجزاء جسده القذر
ثم يبدأ ( العمدة ) في تقديم السحرة واحدا واحدا لأجراء تعميدهم و يتقدم الساحر ومعه قطعة القربان المقدسة فيبصق عليها و يهرسها بأقدامه و يطأ الصليب بقدميه وهنا يخرج العمدة حمامة أو طيرا صغيرا يتلو عليه بعض التلاوات فينقلب الطير إلى غلام صغير , وهذا الطفل أعده العمدة قبل ليلة التعميد ليقدمه قربانا للشيطان ليلة الإحتفال بتعميد السحرة الجدد ويمسك الساحر الطفل ويذبحه وسط تهليل واستحسان السحرة ثم يلوث بدماء الطفل البريء الأجزاء الحساسة من جسده وجسد مندوب الشيطان وباقي السحرة حتى إذا نزفت دماء الطفل جميعها ألقوا به في وعاء كبير جدا ليستوي مع باقي المأكولات القذرة التي أتى بها السحرة لإلتهامها ليلة التعميد . ثم يكرر الساحر لمندوب الشيطان ولاءه لسيده وثباته على إخلاصه و الإبقاء بكل ما ورد في العقد من شروط , وهنا يبدأ مندوب الشيطان في اختبار قوة احتمال الساحر وصدق عزيمته و نواياه نحو إبليس , فيأمره بسب الأديان علنا فيطيع الساحر الأمر فورا , ثم يأمر مندوب الشيطان الساحر الجديد بالركوع أمامه فيركع وهنا يركله في رأسه ووجهه ركلة شيطانية تطيح بعقل الساحر وتسيل منها دماؤه وتختلط بالتراب فيأمره الشيطان أن يمسح بهذا التراب الملوث بدمائه وجهه ويسلمه العقد للتوقيع عليه بهذه الدماء فيطيع الساحر الأمر صاغرا , ويوقع على العقد ويعيده للشيطان الذي يستلمه منه بكل ازدراء ثم يبصق على الساحر بصقة جهنمية تلتصق بأي مكان من جسد الساحر وتكون علامة ظاهرة بحجم (الشلن) غامقة اللون أو قرمزية بارزة عديمة الحساسية حتى أن القضاة عند تعذيب السحرة كانوا يغرسون الدبابيس الكبيرة المحماة في هذه العلامات فلا تدمى ولا يشعر الساحر بأي ألم وان كانت المعمدة أنثى بصق الشيطان على أحد أجزاء جسمها في مكان حساس فتتكون نفس العلامة كالتي عثروا عليها في ظهر ( أنابولين ) بعد إعدامها
وبعد ما ينتهي مندوب الشيطان من تعميد جميع السحرة و الساحرات ويدمغهم بهذه التمغة الإبليسيه وهي أما أن تكون على شكل قرص بارز مستدير أو رجل أرنب أو برص صغير أو عنكبوت أو ذبابة أو ضفدعة حقيرة , وكانت هذه التمغة عند القبض على السحرة ومحاكمتهم دليلا كافيا لحرقهم وإعدامهم مهما انكروا و كابروا , وبعد التعميد يطلق مندوب الشيطان على كل منهم اسما جديدا يعرف به وسط زملائه ويقيد في سجل السحرة والأسماء غريبة مضحكة فمن أسماء الرجال ( أمبجلي , كرع , ذيل التيس , وأبوجلمبو ) ومن أسماء الإناث ( مهلوكة , أم بريز , كوع القرد , وفلوطة ) وبعد هذه التسمية يحضر أحد أعوان الشيطان على شكل حمار كبير أو دب أو ثور عفن الرائحة فيبول على الساحر الذي يدهن كل جسده بهذه القاذورات مع إظهار الارتياح التام لهذه الحفاوة والمقابلة الطيبة , وكل هذا يحدث وسط تصفيق وطرب وسرور الجميع الذين يقبلون على زميلهم الجديد مهنئين ولإظهار شعورهم نحوه , ولزيادة الترحيب به والمبالغة في إكرامه يحيطون به فيصفعونه على قفاه ويركله آخر في بطنه بينما ينتف له الآخر رموش عينيه , كل هذا يدور ويحدث للساحر وهو راكع ولا يتضجر بل من الواجب عليه الابتسام و الارتياح دليل متعته بهذه الإكراميات العديدة ويتقبل الصفح و الركل و نتف شعره بمزيد من الإغتباط
و الحق أن الركلة الأولى التي يركلها له مندوب الشيطان تفقده الوعي بما يدور حوله ويهم مندوب الشيطان وهو يتأبط صور العقود التي وقع عليها السحرة الجديدون أمامه بالإنصراف , وقبل انصرافه يكيل لكل منهم ركلة أخرى على سبيل التحية والمبالغة في الكرم , وبعد انصراف المندوب يبدأ جميع السحرة بالإحتفال الكبير هم ومن معهم من الشياطين والأرواح الخبيثة يأكلون ويشربون ويسكرون ويسودهم الهرج ويرتكبون من الآثام والمعاصي ما تأنف منه أحط العاهرات حتى تنتهي الحفلة قبل الفجر بقليل , وهي في العادة تبدأ من الساعة العاشرة ليلا فينصرف الجميع عائدين إلى ديارهم بعد ارتداء ملابسهم وهم مخمورين مطوحين وفي غاية المتعة و البهجة و الإنشراح لأن كل منهم صار ساحرا حقيقيا يمكنه أن يقوم بخدمة الشياطين و إطاعة أوامرهم و إلحاق الأذى و الضرر بأكبر عدد من الأبرياء
ومن صباح اليوم التالي لهذا الحفل يكون كل ساحر أو ساحرة مستعدا للعمل تماما فيتخذ الإجراءات الخاصة من تفصيل ملابس معينة مرسوم بها رموز و أشكال خاصة و إحضار معدات و أدوات السحر كما تفرضها القوانين واللوائح الشيطانية وكلها مذكورة في كتب السحر و السحرة , ويحتفظ الساحر أو الساحرة بصورة من العقد المبرم بينهما وبين الشيطان وعليه توقيعه في حرز أمين لا يطلع عليه أحد بتاتا و يحافظ عليه محافظته على حياته
تَعْمِيـــّدْ الَمــرْأَة الْسَــــــاحِرَةْ
عند تعميد الأنثى و غالبا ما تكون في عقدها الثاني أو الثالث من عمرها على الأكثر , فأن الشيطان يتخذ معها إجراءات سافلة فبعد تقديمها لصورة العقد و تجديد ولائها و خضوعها للشيطان يبصق عليها بصقته الجهنمية و يدمغها بعلامته الجهنمية . . وعند ذلك تقدم له خصلة من شعرها عربونا للمحبة و الإخلاص و بعدها يأمرها بارتكاب الفاحشة مع أحد أعوانه علنا أمام الجميع و كانت معظم الساحرات يحملن نتيجة هذا التلقيح و يلدن
اَلإحْتِفَــــــــَالْ
بعد الإنتهاء من تعميد السحرة وانصراف مندوب الشيطان حاملا عقودهم , يجتمع الساحرون والساحرات والأرواح الشريرة التي تحضر هذه الحفلة بصور مختلفة من إنسان وحيوان وغيرها حول موائد الأكل التي تعد أثناء حفلة التعميد ويحضرها الشياطين والأرواح الخبيثة ويقدم الجميع طعاما قذرا مكونا من فضلات الطعام التي يحضرها الساحرون والساحرات معهم مساهمة منهم في تكريم السحرة الجدد وكذلك بقايا من جثث الحيوانات والمشروبات الممزوجة بالدماء وروث البهائم ويقضي الجميع ليلتهم في أكل وشرب ورقص وطرب وما إلى ذلك من أنواع الفجور حتى مطلع الفجر وفي صباح ليلة التعميد يجب على كل ساحر جديد أو ساحرة التوجه لمقابلة ( عمدتهم ) لتلقي التعليمات الجديدة وعليهم الإتصال به يوميا للوقوف على آخر القرارات التي اتخذتها الجمعية الشيطانية القاصرة انعقادها على أئمة السحرة وكبار الشياطين وليسلموا للعمدة تقريرا كتابيا عن أعمال السحر التي قاموا بها وعلى العمدة مسئوليات كبيرة وجسيمة منها : إقامة حفل كل أسبوع مرة على الأقل يجتمع فيه سحرة منطقته , وبعض الأرواح الشريرة الخبيثة للتشاور في أمور المنطقة وبحث حالة سكانها الأغنياء منهم والفقراء وانتخاب من يقومون بإيذائه ونوع الأذى ومن تقع عليه القرعة من السحرة لتنفيذها وكان السحرة في كل بلد و مملكة يختارون لحفلاتهم أو اجتماعاتهم الأسبوعية الأماكن المنعزلة الموحشة حسب طبيعة البلاد فلكل منها خرائبها و غاباتها و قصورها و معابدها القديمة
( و الخبز و الملح ) محرمان على الساحر لا يقربهما بالمره طول حياته ومن المعتاد أن يحضر كل ساحر وساحرة إحدى جماجم الموتى بعد تهيئتها على شكل أناء يستعملونه لتعاطي الخمور وهذه الجماجم لا يفرطون فيها ولا يستعملونها إلا كل عام مرة عندما يجتمعون في احتفالهم السنوي
أنــواع الســــــحر
يمكن تقسيم السحر إلى ثلاثة أقسام رئيسية و هي :
( أ ) سحر يؤثر من تلقاء نفسه بقوة الساحر الذاتية دون أن يستعين بواسطة إنسان أو جماد أو إلى مواد نباتية أو حيوانية أو اللجوء إلى استعمال الحروف و الطلاسم و الأرقام و الأجرام السماوية و يكون هذا السحر هو أقوى و أفتك أنواع السحر وذلك لأنه يكون صادرا عن الشيطان نفسه أو أحد أعوانه المقربين ويصيب هذا السحر الضحية في النفس أو في المال , و السحرة من هذا النوع هم الذين يتصلون بالشيطان و يعبدونه و يبرمون معه العقود التي تربطهم به ويجب أن نلاحظ أن هذا النوع من السحر قد أوشك على الإنقراض في الوقت الحاضر , و معظم السحرة الموجودين الآن إما ينتمون إلى الفئتين التاليتين و إما فأنهم من الدجالين المشعوذين الذين لا يفقهون في علوم السحر إلا قليلا و لديهم بعض المعلومات المتناثرة التي لا يمكن من خلالها التأثير على أحد
( ب ) سحر يقوم به الساحر بمساعدة و إرشاد الأرواح الشريرة مع استخدام جزء أو أجزاء معينة من إنسان أو حيوان ( سواء كان حيا أو ميتا ) أو نبات أو جماد لأحداث التأثير المطلوب , ولكن هذا النوع من السحر أضعف تأثيرا من النوع الأول وذلك لضعف القوة التي تسببه وكذلك فأن الساحر يكون عاجزا بذاته عن القيام به دون الإستعانة بالأرواح الخبيثة , ويلاحظ أن مفعول هذا النوع من السحر لا يستمر طويلا إلا إذا تكرر عمله عدة مرات و من السهل علاجه أو إفساد عمله و بطلانه
( ج ) السحر المعقد و فيه يقوم الساحر بالإستعانة بقوة الحروف الهجائية أو الأعداد أو الكواكب و الأجرام السماوية و ذبذبتها وهذا أصعب أنواع السحر حيث يتطلب معرفة جيدة بكل ما يتعلق بالكواكب والنجوم والحسابات الفلكية وأطوار الكواكب و النجوم وحركتها من حيث صعودها و هبوطها و ربط كل ذلك بالحروف و الأعداد و الرموز التي يستعملها و الدلالة وراء كل ذلك , ويتطلب الأمر كذلك إلمامه بمعادلات جبرية وطرق رياضية و فلكية و إجراء كل هذه العمليات بدقة متناهية لأن أي خطأ أو فرق و لو ضئيل للغاية سوف يترتب عليه الخطأ في كل نتائجه
و تختلف طرق ممارسة السحر باختلاف الشعوب فالهنود يمارسون السحر عن طريق تصفية نفوسهم والوصول بالأرواح إلى درجة من الشفافية والأتصال بالعوالم الأخرى غير المنظورة , أما اليونانيون القدماء فقد مارسوا السحر عن طريق الإستعانة بأسرار الأفلاك والكواكب , أما طريقة العبرانيين و الأقباط و العرب فكانت الأستعانة بالأسماء المجهولة المعاني كنوع من العزائم من أجل تسخير الجن واستخدامه في سحرهم
فـــروع الســــــحر
لعلوم السحر فروع كثيرة و نواحي متعددة و منها على سبيل المثال :
علم العزائم , علم التنجيم , علم الخواتيم , التنويم المغناطيسي , الطرق بالحصى , خط الرمل , زجر الطير , الإصابة بالعين , علم الكف , التمائم , قراءة الطالع , الحاسة السادسة , ضرب المندل , استخدام الأرقام ,, وغيرها من علوم السحر المتعددة و التي أصبح لكل فرع منها أخصائيين و علماء يقومون بممارسة هذه العلوم وفق نظم معينة و طرق محددة تم التوصل إليها بعد تجارب استمرت سنوات طويلة وتناقلتها الأجيال المتعاقبة
و هناك نوع من السحر يلجأ فيه الساحر إلى التأثير على ضحيته مستخدما أي شيء من متعلقاته مثل : صورته الفوتوغرافية أو قميص أو منديل أو شراب أو أي شيء من متعلقاته وذلك بهدف إيقاع الضرر به , ولكن غالبا ما يمارس هذا النوع من السحر الجهال و المشعوذين وذلك بهدف إيهام ضحاياهم بقدرتهم على إيقاع الأذى و الضرر بالآخرين
و غالبا ما يقصد الساحر من وراء سحره التأثير على شخص واحد بعينه ولكن في بعض الحالات النادرة قد يتناول عمل الساحر مجموعة أشخاص , وفي هذه الحالة لابد أن يكون الساحر على اتصال وثيق بالشياطين و له خبرة كبيرة بفنون السحر وذلك من خلال عمله بالسحر لسنوات طويلة لا تقل عن ثلاثين أو أربعين سنة يقضيها في صحبة الشيطان و عبادته وحده و الإخلاص له إخلاصا تاما حتى يصبح منظره كالشيطان نفسه و العياذ بالله
و من السحر ما يقصد من ورائه إفساد الزرع أو المحاصيل أو إهلاك البهائم أو كساد التجارة أو خسارة المال أو عدم إتمام الزواج أو التفريق بين الأزواج و الأحياء أو السعي في خراب البيوت و العياذ بالله تعالى ,, و غير ذلك من أنواع المتاعب و المشاكل التي يزينها الشيطان إلى أوليائه
و مما يذكر في هذا المقام أنه يوجد في الغرب فئة من السحرة تخصصوا في هلاك البهائم فقط فنظرة واحدة منهم إلى أي موضع من البهيم مع تلاوة بضعة كلمات غير مفهومة تكفي لشق بطن أو ظهر المسكين و خروج أحشاؤه و هلاكه لساعته , وكذلك توجد طائفة من الهنود تختص بمثل هذه الأعمال ولكنهم يمارسون سحرهم على الإنسان بدلا من الحيوان حيث ينظر الساحر الهندي إلى ضحيته نظرة خاصة و يشير إليها بعلامته مع التلفظ ببعض الألفاظ فتسقط فورا
تعريــف بعــض علــوم الســــــحر
( أ ) علم التنجيم
علم التنجيم أو علم النجوم هو علم يهدف إلى معرفة الحوادث المستقبلية عن طريق أوضاع الأفلاك والكواكب المختلفة ومقارنتها بما يسمى أوضاع التثليث والتربيع والتسديس وغيرها من الأوضاع التي لها مدلولات خاصة وينقسم هذا العلم بصفة عامة إلى ثلاثة أقسام : الأول : الحسابيات : وهي العلوم اليقينية ولا مانع شرعا من تعلمها الثاني : الطبيعيات مثل الإستدلال على الأحداث من انتقال الشمس في البروج الفلكية إلى الفصول كالحر والبرد أو اعتدال الجو , وهذه أيضا لا مانع من تعلمها . الثالث : الوهميات وهي الإستدلال على الحوادث والتنبؤ بها باستخدام القوى السفلية . وقد نهى الرسول الكريم صلىالله عليه وسلم عن تعلم هذه العلوم السفلية والإكتفاء بمعرفة النوعين الأولين فقط لاستخدامهما في الأعمال النافعة , وفي الحديث الذي رواه ابن مردويه وورد في الجامع الصغير للسيوطي (( تعلموا من النجوم ما تهتدون به في البر والبحر ثم انتهوا ))
( ب ) علم العزائم أو التعزيم
العزائم مأخوذة عن العزم وتصميم الرأي على شيء معين وعقد النية عليه , وذلك بالتعزيم والتشديد على الجن والشياطين , وذلك بكلمات وأقوال معينة , وينهي ذلك بكلمة عزمت عليكم وبالتالي فقد أوجب عليهم الطاعة والإذعان والتسخير والتذليل لنفسه , وقد أجمع العلماء والمفسرون القدامى على أن الجن والشياطين مسخرون لخدمة الأنسان ومنهم هؤلاء الجواسيس والأشرار الذين ينقلون للإنسان بعض ما يصل إلى سماعهم من أخبار وأوامر
( ج ) علم الطلاسم
هو العلم بكيفية التأثير في العناصر المختلفة باستخدام المعرفة بأحوال تفاعل القوى الخفية السماوية بالقوى الأرضية باستخدام بخور مقوية تجلب روحانيات الطلسم , وذلك من أجل الحصول على أفعال غريبة أو التأثير في بعض النواحي وإفسادها , وطرق التوصل إلى الطلاسم شديدة العناء والصعوبة
( د ) علم التنويم المغناطيسي
يتم عن طريق تأثير شخص قوي على شخص أضعف منه يكون في حالة وسط بين التنويم واليقظة يتم فيها طرد كل الأفكار من ذهن الشخص الآخر وإحلال الأفكار المطلوبة محلها ويكون له تأثيرا قويا
( ه ) خط الرمل
يلجأ بعض المنجمين إلى رسم خطوط وأشكال مختلفة على الرمال , وذلك بهدف استطلاع الغيب وكشف المجهول وغوامض الأمور أو معرفة خفايا سعادة أو شقاء الإنسان , وذلك عن طريق قراءة ما يوحيه أثر الخط أو الأشكال المتكونة من الخطوط . ويتم تكوين ستة عشر شكلا يتم تمييزها وتسميتها بأسماء مختلفة ويتعلق بعضها بحالات السعد والبعض الآخر بحالات النحس, ولكن ذلك من الخرافات والادعاءات ولا يوجد دليل على صحة هذه التقسيمات . لأنه لا يعلم الغيب إلا الله تبارك وتعالى وكل ما عدا ذلك فهو شعوذة ووهم باطل
( و ) فتح المندل
المندل هو عبارة عن فنجان من الخزف يملأ بالزيت والحبر الأسود ويؤتى بغلام صغير لم يبلغ الحلم أي بين التاسعة والثانية عشر ويكون في حالة طبيعية دون وهم أو فزع أو خوف ثم يكتب فاتح المندل عزيمة خاصة على جبهة الصبي ثم يأمره أن يخبره بما شاهد فإذا شاهد ملوك الجن طلب من الصبي أن يسألهم عن الشيء المفقود والذي قد يكون الكشف عن السرقات أو أسرار الجرائم الغامضة أو معرفة أماكن بعض الأشياء المختلفة وكذلك فقد يستخدم المندل في معرفة بعض النتائج مسبقا وبعد انتهاء الغرض يقوم فاتح المندل بتلاوة عزيمة خاصة ويعود الصبي إلى حالته الأولى
( ز ) قراءة الكف
في رأي ممارسيه أن الخطوط التي في كف الإنسان إنما تولد معه وتمحى بموته , ويدعون أن خطوط اليد الطولية والعرضية والتعرجات الموجودة في الكف تحدد عمر الإنسان طولا وقصرا وتنبىء عما سيحصل لصاحبها من سعادة أو تعاسة وغيرها . فهناك خط القلب وخط المستقبل وخط العمر وخط الإنجاب أو عدم الإنجاب لكن من الواضح أن هذه الخطوط لا يمكن أن تنم عن حقيقة شخصيات البشر ولا تحدد مستقبلهم وإنما هذا العلم هو عبارة عن نوع من الفراسة والمهارة الناتجة عن الممارسة والخبرة في مشاهدة الخطوط على الأيدي
( ح ) قراءة الفنجان والودع والحجارة وغيرها
قد يأخذ بعض الأشخاص في التحديق في فنجان القهوة بعد أن ينتهي صاحبها من احتسائها وذلك لمعرفة المستقبل وتحديد الآمال والأحلام , وذلك دون أي أساس من الصحة , ولكن ذلك نوع من التنبؤات والادعاءات التي غالبا ما تكون غير صحيحة ولكن الذي يحدث أن الناس يكونون مهيئين لتصديق ما يقال لهم وقد وضعوا ثقتهم في هذا القارئ العالم في نظرهم وكذلك من يستخدمون الودع والحجارة فيلقونها على الأرض وقراءة ما توحيه لهم أشكالها التي تشكلت بها من خلال إلقائها على الأرض ولكنهم كلهم دجالون يحفظون تلك العبارات التي يقولونها عن ظهر قلب ويذكرونها دائما وربما صدق قارئ الفنجان أو ضارب الودع مرة ولكن تأكد أنها مصادفة بحتة والمصادفة كما تعلم ليست أساسا سليما للمعرفة الصحيحة
( ط ) التوقيع
قد ينظر أحد الأشخاص إلى توقيعك الذي خطته يدك ثم يقول لك انك متفائل أو متشائم أو عصبي المزاج أو عاطفي ... الخ وذلك في صورة متشابهة لقراءة الكف وهي أيضا نوع من الفراسة
( ي ) الحاسة السادسة
هي عبارة عن توقع الإنسان للحدث قبل وقوعه , ولكن هذه الحاسة السادسة يمكن أن نردها إلى نوع من الفراسة تميز الشخص العادي وليس الساحر , وهذه الفراسة هي شيء معنوي فطري في الإنسان يمكن تنميته بالخبرة والممارسة فقد يشعر الإنسان في وقت ما بهاتف داخله يخبره بما يتوقع حدوثه من أمور ويمكنه إدراك ذلك باستخدام عقله , كما قد ينتاب الشخص شعورا قويا بأن الخطر يكمن قريبا جدا منه مما يجعله متأهبا حذرا , ولكن إذا رجعنا إلى الوراء قليلا فربما وجدنا تجربة ما أو حادثة قد وقعت لهذا الشخص في نفس المكان أو في مكان قريب منه مما جعل هذا الشعور ينتابه مرة أخرى
( ك ) التمائم والاحجبة
يلجأ بعض السحرة والمشعوذون إلى كتابة أحجبة يحملها الشخص أو صاحب الحاجة حتى تقيه من شر ما أو تدفع عنه الأذى أو الخوف والمكروه أو لتحقق له ما يطلبه . والأحجبة عبارة عن كلمات متداخلة ببعضها أو خطوط متراكبة فوق بعضها أو كلمات أعجمية أو أسماء جن والحجاب بهذا الشكل هو إشراك بالله سبحانه وتعالى وكفر به وبقدرته لأنه لا يدفع الضر والأذى إلا الله سبحانه ويكفي من يخشى أمرا من الأمور أن يتلو آيات الله المحكمات حتى تقيه من الشر وتفتح له أبواب الخير والبركة كذلك فالتمائم أو التعاويذ ومفردها عوذ وهي ما يتعوذ به الناس لدفع الشر أو الأذى أو لتحقيق حاجة ما , وكانت عبارة عن خرزة صغيرة يعلقها الأعراب لأولادهم , وهذه التعاويذ أيضا من صور الإشراك بالله تعالى لأنه جل شأنه هو الذي يملك دفع الأذى وجلب الخير ولا أحد سواه يملك ذلك
شروط واعمال الساحر
العـقـــــــد الشـــــيطاني
العقد المبرم بين الساحر والشيطان هو عقد حقيقي وليس ضرب من الخيال وهو يعقد بين طرفين لإثبات بيع الساحر للشيطان روحه ونفسه ومتاعه نظير ما يمنحه الشيطان له من القوة والمقدرة لأتيان السحر وقد ذكر المحامي الكبير ( موريس جارسون ) وهو أحد أقطاب المحاماة في فرنسا وهو مرجع موثوق به في عالم السحر والسحرة
إن كل الإلتزامات الواردة في العقد من الطرف الأول وهو الساحر يقوم بها دون أي التزام نحو الطرف الثاني وهو الشيطان حتى يرجع الطرف الأول في حالة إخلال الشيطان بمساعدته وأضاف المحامي قائلا : ( إن لدي أحد هذه العقود ) . وفي عام ( 1619 م ) أعدمت الساحرة الكبيرة ( ستيفنون دي أوديرت ) المشهورة بساحرة ( البرنية ) وأظهرت للقاضي صورة عقد أبرمته مع الشيطان وهذا العقد عبارة عن قطعة قذرة من جلد القط أو الكلب ملوثة ومحررة بدماء الحيض وغيرها من القاذورات التي يستحيل على الأنسان أن يتحمل رؤيتها أو رائحتها الكريهة
وفي عام ( 1934 م ) تم إعدام الساحر الكبير ( أوربان جواندييه ) وقدم للمحكمة أقذر و أخبث عقد بينه وبين الشيطان و ما زالت صورة هذا العقد محفوظة بالمكتبة العمومية بباريس ويوجد بمكتبة ( أبسالا ) صورة العقد المبرم بين الشيطان و الساحر ( دانيال سالثنوس ) أستاذ اللغة العبرية , ولكنه باع روحه و نفسه فلقي حتفه سريعا ,, وبدفتر خانة كاتدرائية ( جرجينتي ) عقد عجيب يقولون أنه ممهور بتوقيع من الشيطان الكبير نفسه وقد حرره أحد القساوسة مع إبليس بالذات وبلغة معقدة جدا عجز عن حلها أساتذة اللغات أو ترجمتها أو معرفة أي نص من نصوصه وهو مكتوب سطور منحدرة هائلة ولم يفهم من العقد إلا اسم القس الذي وقع عليه
وقد شغل هذا العقد الكثيرون من رجال الدين والقضاء وما ورد فيه من شروط نصوص والتزامات كما جاء في كتاب الأسقف ( فرانسيسكو ماريا جوتش ) وعنوانه ( ميثاق الساحر مع الشيطان ) وقد ترجم هذا المؤلف إلى الأنجليزية و نشر بإنجلترا عام ( 1929 م )
تعريف الساحر و أعماله و الشروط التي يجب أن تتوافر فيه
( أ ) يببيع الساحر نفسه في حياته وبعد مماته للشيطان , وكذلك فأن كل ما يملك من مال وعقار وذرية هي ملك للشيطان يتصرف فيها كيف يشاء
( ب ) أن يكون لديه العناد والإصرار والقوة على التحمل إلى أقصى الحدود , وذلك حتى لا تتزعزع عقيدته الشيطانية ولو قاسى في سبيلها أشد وأقسى أنواع العذاب والإهانة . فهذه العقيدة هي العقيدة الوحيدة التي يؤمن بها والشيطان هو وليه الأكبر والذي يجب أن يتحمل في سبيله أشد ألوان العذاب
( ج ) أن يكون وقحا عديم الحياء والإحساس والضمير ولا يكون لديه ذرة من الرحمة أو العطف أو الحنان وغيرها من العواطف والاحساسات البشرية النبيلة التي ترفع من قدر الإنسان وتسمو به على الحيوانات المتوحشة
( د ) أن لا ترتعد فرائصه عندما يرى سيده إبليس أو أحد معاونيه وهم في صورة مفزعة منفرة . فالشيطان يحلو له أن يكون قبيح المنظر ويفضل دائما أن يتمثل في صورة بشعة وكذلك يجب على الساحر أن يكون قويا ثابت الجنان عندما يواجه الإعدام أو يلقى في النار ليحرق فيها جزاء على ما اقترفته يداه
( ه ) أن لا يتضجر ولا يتذمر إذا ماطله إبليس في تقديم المساعدة التي طلبها منه وبدلا من ذلك فعليه أن يلح بكل قوته في طلب هذه المساعدة وفي نفس الوقت يجب أن يكون على أهبة الاستعداد إذا طلب منه أن يأتي بأي عمل ينافي الأديان والآداب والأعراف والتقاليد التي تعارفت عليها البشرية وذلك عن رضا وطيب خاطر
( و ) إن يجتهد بكل قوة في أعماله السحرية وان يثابر ويواظب على دراستها والقيام بما تتطلبه من طقوس شيطانية واحتفالات إبليسية غير عابىء بما يمكن أن ينال غيره من جراء ذلك وعليه أن يحضر هذه الحفلات أو الأجتماعات في مواعيدها تماما وأن يؤدي هذه الطقوس في الأوقات المخصصة لها
( ز ) أن يكون جاهلا جهلا تاما , أما عن طبيعة أو بالاكتساب , بكل ما هو جميل وحميد ومستحسن وأن لا يرضيه إلا كل مستقبح ومستقدر
( ح ) أن يعتقد اعتقادا راسخا في قوة الشيطان ومقدرته ومقدرة أعوانه من الأرواح الشريرة الخبيثة وأن يطيع أوامرها ويخضع لشروطها وقوانينها مهما كانت قاسية ظالمة
( ط ) أن يكون عدوا لدودا لجميع الأديان وعليه أن يكون دائم السخط عليها والاستهزاء بها في كل مناسبة وأن يظهر ذلك على الملأ . ومحظور عليه تماما أن يدخل أي محل للعبادة إلا لغرض واحد فقط وهو تدنيسه أو سرقته أو تلويثه وان يتبرأ من دينه ومن جميع الكتب السماوية مع العمل على تمزيقها وحرقها وإساءة استعمالها
( ي ) أن يكون مستعدا لارتكاب أية جريمة خلقية وكل معصية ورذيلة مع الانغماس في الفجور والمعاصي دون أدنى تفكير في الكف عن ذلك مهما حدث
( ك ) أن يكون قذرا للغاية دنيء النفس ويجب أن يكون ذلك في غاية الوضوح عليه وعلى ملابسه فمحرم عليه استعمال الماء والصابون إلى الأبد وذلك حتى يكتسب مسكنه وجسده وملابسه رائحة نتنة كريهة تلازمه طيلة حياته
ويعرفه بها زملاؤه من السحرة عبيد الشيطان
( ل ) أن يقضي معظم أو كل وقته منزويا منطويا على نفسه بعيدا عن الناس قدر استطاعته , لا يتعامل معهم ولا يتصل بهم إلا إذا طلب منه ذلك لأغراض السحر أو إلحاق الضرر بالناس
ســـلوك الشـــيطان تجاه الســـاحر
وبعد أن عرضنا لكل ما يقوم به الساحر من أعمال شاقة و مجهودات ضخمة من أجل أن يرضي عنه الشيطان ويقبل أن يساعده واتضح لنا مقدار الذل والهوان الذي يعيش فيه الساحر وكمية المعاصي والمخازي التي يرتكبها عن طيب خاطر , وأن الساحر لا يبخل عن الشيطان بمال أو بأي شيء يخصه حتى روحه ذاتها يكون مستعدا لبذلها من أجل إرضاء الشيطان , وأما جزاء الساحر من الشيطان فأنه لا يتناسب مطلقا مع كل التضحيات الجسيمة التي يبذلها , فالشيطان هو أخبث و أقذر المخلوقات على الإطلاق وهو لا يعرف أي معنى للوفاء أو الكرم أو أي صفة من الصفات الحميدة , وذلك لأن عمل الساحر لا يدوم بصفة مستمرة حيث أنه يفسد بعد مدة محددة , فمن الأعمال السحرية ما يدوم ثلاثة أيام وهي أقل مدة ومنها ما يمكث أسبوعين أو شهرا ومنها ما يمكث سنوات وذلك حسب مقدرة الساحر والقرين الذي يتولى مساعدته ومركزه ونوع عمل السحر ذاته والمواد المستعملة فيه والغرض منه , فإذا ما أراد الساحر أن يستمر تأثير سحره وهو بالتأكيد يريد ذلك فأن عليه أن يعيد العمل ويكرره
هذه من الحيل الشيطانية البارعة التي تدل على عظم دهاء الشيطان وعن طريقها يتمكن الشيطان من ربط الساحر به طوال حياته ويرغمه على طلب مساعدته على الدوام ويشعره بحاجته الدائمة إليه حتى يستمر نجاحه في عمله وإذا حدث أن تعرض الساحر للمرض أو الفقر الشديد ( وغالبا ما ينتهي الساحر إلى الفقر والمرض ) أو نزلت به أو بأهله مصيبة فأن سيده الشيطان يتنكر له ويدعي عدم معرفته به ويتخلى عنه ويتركهه وحده يواجه قدره وعندما يأخذ الساحر في التوسل والإلحاح على الشيطان من أجل مساعدته على التخلص من بلواه فيظهر له الشيطان ويسخر منه ومما أصابه ويلوح له بصورة العقد الذي وقعه بيده ويخبره أن هذا العقد المبرم لا ينص على مساعدته أو تخليصه من النوائب التي تنزل به وأن الشيطان غير ملزم إلا بعمل شيء واحد وهو مساعدة الساحر في تحقيق أغراضه لإيذاء الغير أو لنشر الفساد بين الناس وإصابتهم بالضرر والمكروه , أما أن الشيطان يشفي الساحر إذا مرض أو يعيد إليه ماله إذا خسر أو يخلصه من السجن أو من الإعدام فأن هذه كلها أمور مفيدة لا يفهمها الشيطان ولا يعترف بها لأن كل عمله وجهده هو الضرر وإيذاء الناس وإيقاعهم في المعاصي وتزيين سبل الغواية لهم .
تحصينات ضد السحر
من المعلوم أن الربط كثيرا ما يحدث للشاب عند زواجه خاصة إذا كان يعيش في مجتمع به سحرة فجرة ومن هنا يأتي أهمية هذا السؤال :
هل يمكن للعروسين أن يتحصنا ضد السحر , حتى إذا صُنِع لهما سحر لا يمكن أن يؤثر فيهما ؟؟
والجواب : نعم يمكن ذلك وإليكم التحصينات
الحصن الأول
تأكل سبع تمرات عجوة على الريق إن استطعت أن يكون من تمر المدينة المنورة فهذا هو المطلوب ,, وإن لم تستطع فأي تمر عجوة توفّر لديك .. لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تصبّح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر )
الحصن الثاني
الوضوء
فإن السحر لا يؤثر في المسلم المتوضىء ,, وإن المسلم المتوضىء محروس بملائكة من قبل الرحمن جلّ وعلا
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( طهّروا هذه الأجساد طهّركم الله , فإنه ليس من عبد يبيت طاهرا , إلا بات معه في شعاره ملك , لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال : " اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهرا ) ومعنى ( شعاره ) أي : " ما يلي بدن الإنسان من ثوب أو غيره "
الحصن الثالث
المحافظة على صلاة الجماعة
المحافظة على صلاة الجماعة تجعل المسلم في مأمن من الشيطان والتهاون فيها يجعل الشيطان يستحوذ على الإنسان , وإذا استحوذ عليه أصابه بالمس أو السحر أو غيرها من الأشياء التي يقدر عليها الشيطان , فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية )
الحصن الرابع
قيام الليل
من أراد أن يحصن نفسه من السحر فليقم شيئا من الليل ,, ولا يُهمل في ذلك ,, لأن الإهمال في قيام الليل يسلط الشيطان على الإنسان ,, وإذا تسلط عليك الشيطان كنت أرضا خصبة لتأثير السحر فيك .. فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقيل : ما زال نائما حتى أصبح " أي أصبح لصلاة الفجر " ما قام إلى الصلاة " صلاة الليل " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بال الشيطان في أذنه ) .. وروى سعيد بن منصور عن ابن عمر : ( ما أصبح رجل على غير وتر إلا أصبح على رأسه جرير قدر سبعين ذراعا ) والجرير هو : حبل يخطم به البعير
الحصن الخامس
الاستعاذة عند دخول الخلاء
لأن الشيطان يستغل فرصة وجود المسلم في هذا المكان الخبيث الذي هو مسكن الشياطين ومأواهم ويتسلط عليه وكم من شيطان دخل في كذا إنسان لأنهم لم يستعيذوا بالله تعالى من الشيطان الرجيم عند دخولهم الخلاء فتسلط عليهم ,, فقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا دخل الخلاء : ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) أي : من ذكران الشياطين وإناثهم
الحصن السادس
الاستعاذة عند الدخول في الصلاة
عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قال : ( الله أكبر , والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ) ثلاثا ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه )
نفخه : الكبر ,, ونفثه : الشعر ,, وهمزه : الصرع والجنون
الحصن السابع
تحصين المرأة عند العقد عليها
بعد أن تعقد على زوجتك تدعو الله سبحانه وتعالى وتسأله خيرها وتتعوذ بالله تعالى من شرها
( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه , وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه )
الحصن الثامن
افتتاح الحياة الزوجية بالصلاة
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( إذا أتتك امرأتك " يعني يوم الدخول بها " فمُرها أن تصلي وراءك ركعتين وقل : اللهم بارك لي في أهلي , وبارك لهم في , اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير , وفرق بيننا إذا فرقت إلى الخير )
الحصن التاسع
التحصين عند الجماع
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا , فقضي بينهما ولد لم يضره )
الحصن العاشر
تتوضأ قبل النوم , وتقرأ آية الكرسي وتذكر الله تعالى , حتى يدركك النعاس , فقد صح أن الشيطان قال لأبي هريرة :
( من قرأ آية الكرسي قبل النوم لا يزال عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح ) وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال : ( صدقك وهو كذوب )
الحصن الحادي عشر
تقول بعد صلاة الفجر : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) مائة مرة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من قال ذلك في يوم ( كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة , وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه )
الحصن الثاني عشر
تقول عند دخول المسجد ( أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ) .. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( فمن قال ذلك قال الشيطان : حفظ مني سائر اليوم )
الحصن الثالث عشر
تقول في الصباح والمساء ( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم )
ثلاث مرات
الحصن الرابع عشر
تقول عند الخروج من البيت ( بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله ) .. لأنك إذا قلت ذلك قيل لك : ( كُفيت ووُفيت وهُُديت ويَتنحّى عنك الشيطان ويقول لشيطان آخر : كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووُقي !!
الحصن الخامس عشر
تقول صباحا ومساء ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق )
فهذه تحصينات مفيدة واقية من السحر عموما , ومن الربط خصوصا إذا طبقت بيقين وصدق وإخلاص
مجالـــس الشــــيطان
إن للشيطان أماكن يأوي إليها ويترصد الناس فيها ليكيدهم ويلحق الأذى والضرر بهم في دينهم ودنياهم فمن مجالسه
( أ ) الماء : جاء في الحديث عن جابر رضي الله تعالى عنه : قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن إبليس يضع عرشه على الماء , ثم يبعث سراياه , فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة , يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته , قال : فيدنيه منه , ويقول : نعم أنت ))
( ب ) أماكن العبادة : قد يحضر الشيطان إلى دور العبادة ولذا أمر المصلون في جماعة بأن يسووا الصفوف في الصلاة وألا يدعوا بين صفوفهم فرجة للشيطان فيوسوس لهم , فأن الشيطان يأتي للمصلي ليلهيه عنها , ويشوش عليه فيها , جاء في الحديث عن جابر رضي الله تعالى عنه : قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : (( أن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب . ولكن في التحريش بينهم ))
( ج ) أماكن اللهو : الأماكن هي مصائد الشيطان , فيها تؤتى الفواحش , وتهتك الأعراض , ويزين الشيطان فيها كل فجور وضلالة لمن قصدها
( د ) مواضع النجاسات : المراحيض والحمامات فأن الشيطان يرتاح للخبث وينظر إلى عورات الناس في المرحاض والحمام , لذا أمرنا أن نسمي الله قبل دخول الحمامات والمراحيض , ونقول : ( بسم الله اللهم أني أعوذ بك من الخبث والخبائث من الرجس النجس الشيطان الرجيم ) وذكر النووي في الأذكار (( ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول : بسم الله ))
( ه ) الأسواق ومفترق الطرق : هذه من أماكن الغفلة يجد الشيطان فيها طريقه إلى قلوب العباد فينشر فيها الفساد ويهيئها لما يريد
مداخــل الشــــيطان
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى : ( إنما يدخل على الناس بقدر ما يمكنه , ويزيد تمكنه منهم ويقل على مقدار يقظتهم وغفلتهم وجهلهم وعلمهم . واعلم أن القلب كالحصن وعلى ذلك الحصن سور , وللسور أبواب وفيه ثلم
( أي نوافذ ) وساكنه العقل والملائكة تتردد إلى ذلك الحصن , والى جانبه ربض فيه الهوى والشياطين , تختلف إلى ذلك الربض من غير مانع , والحرب قائم بين أهل الحصن وأهل الربض والشياطين لا تزال تدور حول الحصن تطلب غفلة الحارس والعبور من بعض الثلم فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وكل بحفظه وجميع الثلم وأن لا يفتر عن الحراسة لحظة , فأن العدو ما يفتر )
وهذا الحصن مستنير بالذكر مشرق بالأيمان وفيه مرآة صقلية يتراءى فيها صور كل ما يمر به فأول ما يفعل الشيطان في الربض إكثار الدخان فتسود حيطان الحصن وتصدأ المرآة . وللعدو حملات : فتارة يحمل فيدخل الحصن فيكر عليه الحارس فيخرج وربما دخل فعاث ( أي أفسد ) وربما أقام لغفلة الحارس , وربما كدت الريح الطاردة للدخان فتسود حيطان الحصن وتصدأ المرآة , فيمر الشيطان ولا يدري به , وربما جرح الحارس لغفلته وأُسر واستخدم , وأقيم يستنبط الحيل في موافقة الهوى ومساعدته , وربما صار كالفقيه في الشر
قال بعض السلف : رأيت الشيطان فقال لي : كنت ألقى الناس فأعلمهم فصرت ألقاهم فأتعلم منهم . وربما هجم الشيطان على الذكي الفطن ومعه عروس الهوى قد جلاها فيتشاغل الفطن بالنظر إليها فيستأثره .
وأقوى القيد الذي يوثق به الأسرى : الجهل , وأوسطه في القوة : الهوى , وأضعفه : الغفلة , وما دام درع الأيمان على المؤمن فأن نبل العدو لا يقع في مقتل
أخيرا أعلم أن الشيطان لا يدخل إلا على ذي القلب الخالي من الذكر والتقوى والإخلاص واليقين فيلقي وساوسه فتجد المحل خاليا فتتمكن منه وتستقر فيه . كما قيل :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا
وأما إذا كان القلب عامرا بالأيمان مسربلا بالتقوى , محصنا بالذكر فلا يكون للشيطان عليه سلطان ولا إليه سبيل
قال سبحانه وتعالى : (( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ))
مصــائد الشــــيطان
مصائد الشيطان ومكان حبائله للفتنة والإغواء كثيرة ومنها :
( أ ) الاختلاء بالنساء الأجنبيات والمراد بالأجنبيات كل امرأة يحل للرجل نكاحها فالخلوة بهاعرضة للفتنة وعمل الشيطان . جاء في الحديث : (( ما اختلى رجل بامرأة أجنبية إلا وكان الشيطان ثالثهما ))
( ب ) إذا خرجت المرأة من بيتها متعطرة مبدية لزينتها , فأن الشيطان كما جاء في الخبر (( يجلس على مقدمة وجهها فيزينها لما أقبلت عليه ويجلس على عجيزتها يزينها لمن أدبرت عنه ))
( ج ) الشباب و الفراغ : إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسدة
لذا جاء في الأثر ( إن الله يبغض الشاب الفارغ )) لأن الشباب إذا لم يشغل ظاهره بمباح يستعين به على مستقبل دينه ودنياه عشعش الشيطان في قلبه وباض وفرخ , ثم تزدوج أفراخه أيضا وتبيض وتفرخ , وهكذا يتوالد نسل الشيطان توالدا أسرع من توالد سائر الحيوانات لأن طبع الشيطان من النار والنار إذا وجدت الحلفاء اليابسة ازداد اشتعالهاوكذلك الشهوة في نفس الشاب الفارغ . قال أحد العارفين( هي نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل )
( د ) الخمر والميسر كلاهما مصيدة الشيطان لأن الخمر أصل كل فساد ومعصية , فهي تذهب بالعقل وتغري شاربها بفعل كل منكر فهي أم الكبائر , قال الله تعالى : (( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون )) وجاء في الحديث : (( لعنت الخمر بعينها , وشاربها , وساقيها , وبائعها , ومبتاعها , وعاصرها , ومعتصرها , وحاملها , والمحمولة إليه , وآكل ثمنها ))
( ه ) اللهو والغناء : هذان من أخطر مصائد الشيطان واللهو في اللغة : اللعب . والغناء : الصوت الذي يطرب وتغنى بالمرأة إذا تغزل بها . وقد وردت كلمة اللهو في القرآن فيما يزيد على خمسة عشر موضعا قال تعالى : (( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين )) قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : لهو الحديث الغناء ينبت النفاق في القلب
وروي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما : صوت مزمار ورنة شيطان عند نغمة ومرح . ورنة عند مصيبة لطم خدود , وشق جيوب ))
وفي حديث (( وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين : أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب . فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت ))
إثبات وجود الجن
لا يخفى أن وجود الجن ليس من المستحيل عقلا وقد أجمع العلماء من عصر الصحابة والتابعين على ذلك خلافا لكثير من الفلاسفة والقدرية وكافة الزنادقة حيث أنكروا وجودهم وفي كلام بعضهم وكثير من القدرية يثبتون وجود الجن قديما وينفون وجودهم الآن ولعل مرادهم بالقديم زمان الأنبياء وفي كلام القاضي عبد الجبار من المعتزلة " المعتزلة : قوم ينكرون القدر ,ويقولون أن كل إنسان خالق لفعله أما الزنادقة فجمع زنديق وهم كل شاك أو ضال أو ملحد وأصل الزندقة القول بأزلية العالم وأطلق على الزردشتية والمانوية وغيرهم من التنوية ثم توسع فيه فأطلق على كل شاك زنديق أما عبد الجبار : فهو عبد الجبار بن أحمد بن عبدالجبار الهمذاني وكنيتهأبوالحسين قاض أصولي من أكبر رءوس المعتزلة لقب بقاضي القضاة وصنف كتبا كثيرة منها : تنزيه القرآن عن المطاعن وشرح الأصول الخمسة وهي أصول المعتزلة والمغني في أبواب التوحيد والعدل , مات سنة 415 هـ " قال عبد الجبار : الدليل على إثبات وجود الجن السمع دون العقل لأنه لا طريق له لإثبات أجسام غائبة وفيه نظر لأن هذا يؤدي إلى إنظار الملائكة : إلا أن يقال : الملائكة ليست أجساما وفي كلام بعضهم : ومعلوم بالإضطراري والضروري أنهم ( أي الجن ) أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة ليسوا بصفات وأعراض قائمة بالإنسان أو غيره كما زعمه بعض الملاحدة " إنتهى "
وفي كون ذلك معلوما بالضرورة نظر لأنه لو كان كذلك لما خالف في ذلك أحد من أهل العقول , إلا أن يقال : عقول أصلها بارئها وفي كلام أبي العباس بن تيمية لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن " إنتهى "
وهو يفيد ( أنه من أنكر وجودهم ليس من المسلمين , ويؤيده قول جمهور طوائف الكفار على وجودهم وقد تواترت به أخبار الأنبياء تواترا ظاهرا يعرفه العامة والخاصة لأنه يفيد أنه معلوم من الدين بالضرورة في كلام بعضهم لم ينكر وجود الجن إلا شرذمة قليلة من جهلاء الفلاسفة والأطباء
لم سميت جــنا ؟!
وسميت جنا , لإجتنابها أي : إستتارها عن الأعين ,, وكذلك سمي الولد في بطن أمه جنينا ويقال لهم : الشياطين وقيل : إن الشياطين إســم للعصاة منهم ,, والمردة منهم أشــد عصيانا والعفاريت أشــد عصيانا من المردة ففي آكام المرجان للشبلي " أن الشــياطين هم العصاة من الجن والمردة هم أعتاهم " ومن ثم قال بعضهم : منازل ورتب في الشيطنة ( إذا خبث الجني قيل له : شيطان فإن زاد على ذلك في الخبث قيل له : مارد فإن زاد على ذلك قيل له : عفريت وفي كلام بعضهم : أن من يساكن الإنس من الجن يقال له : عمار ومن يتعرض منهم للصبيان يقال لهم : أرواح ) ويقال : وقد جاء في الحديث (( إن المولود إذا أذن " يعني وقت ولادته " بالأذان في أذنه اليمنى وبالإقامة في أذنه اليســرى لم تحضره أم الصبيان )) أي التابعة من الجن " ضعيف كما قال الألباني " والصحيح ما رواه أبو رافع عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسين بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة " وأما الحن " بالحاء المهملة " فنوع من الجن ,, قيل هم كلابهم وسفلتهم
متى خلقوا ؟
خلق الجن قبل آدم بألفي ســـنة ,, وكان خلقهم " يوم الخميس "
وعن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما ( لما خلق الله " شوميا " ( في آكام المرجان للشبلي " سوميا " وفي لقط المرجان " سمومان " ) الذي هو " أبو الجن " خلقه الله من مارج من نار والمارج لهب النار ويقال له : لسان النار وهو ما يعلو منها إذا التهبت فتارة يكون أصفر وتارة يكون أخضر وهذه النار جزء من سبعين جزءا من نار جهنم وقيل : هي نار الشمس وهذا المارج المذكور نار السموم وعن إبن عباس من نار السموم من أحسن النار ولعل المراد بالأحسن الأعظم ولما خلقه الله قال له : تمنّ فكان من جملة ما تمناه أن يَرُوا ولا يُرَوا فمكث هو وأولاده في الأرض يعبدون الله فلما طال عليهم الأمد عصـوّا وكان فيهم ملك يقال له ( يوسـف ) ويقال : إنه كان نبيا ويقال : إن الله أرسله إليهم فقتلوه ! فأرسل الله عليهم جندا من الملائكة ( ملائكة سماء الدنيا ) يقال لهم : الجن : منهم إبليس كان مقدما فيهم ورئيسا عليهم وعلى هذا يمكن حمل قول من قال : إبليس أبو الجن كما أن آدم أبو الإنس وقيل لهم الجن لأنهم كانوا خزنة الجنة
( أخرج إبن المنذر عن إبن عباس قال : كان إبليـس من أشرف الملائكة من أكبرهم قبيلة وكان خازن الجنان والخازن : الحارس ) خلقهم الله تعالى مما خلق منه " شوميا " أبو الجن وهو نار السموم وما عداهم من الملائكة خلقهم الله سبحانه من " نور " فنفوا أولئك العصاة من الأرض وألحقوا بجزائر ( مفردها جزيرة وهي كل مكان إنقطع عن معظم الأرض ) البحر وسكن أولئك الملائكة تلك الأرض وأحبوا المكث فيها فمكثوا فيها قبل خلق آدم أربعين سنة ولما أراد الله تعالى خلق آدم قال لأولئك الملائكة أو لهم مع بقية ملائكة السموات دونهم : (( إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسـد فيها ويســـفك الدماء )) أي : كالجن الذين نفوا من الأرض وجاء في بعض الروايات أنهم لما قالوا ذلك خافوا أن يكونوا عصوا الله تعالى بما ردوه عليه فلاذوا بالعرش يطوفون به ويستغفرونه من ذلك فلما أسجدهم لآدم قالوا : هو أكرم على الله منا غير أنا أعلم منه فلما أنبأهم بما لا يعرفونه علموا أن آدم أعلم منهم
حقيقة إبليس أهو من الملائكة أم من الجن ؟!
إختلف العلماء في كون إبليـس من الملائكة أم من الجن فذهب فريق منهم إبن عباس إلى أن إبليس من الملائكة واستدلوا بقوله تعالى : ((( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليـس ))) فالإستثناء لا يكون من غير الجنس وهذا هو المشهور في لغة العرب بدليل أنه لا يكون من المستحسن أن نقول : فتـح الخبازون إلا فلانا ونريد فلانا الحداد , ولا يليق أن نقول : رأيت الناس إلا حمارا ,, فإن قيل أنّ الله خصّ إبليس بإســمه فقال ((( إلا إبليس كان من الجن ))) فالجواب : أن الجن نوع من الملائكة كما يقال : الخزنة والزبانية وهم كلهم جنس واحد يشتمل على أنواع , كما أن الآدميين يصنفون إلى زنج وعرب وعجم ولأن إبليـس أمر بالسجود لآدم لأنه من الملائكة وإلا لما كان مأمورا ويقصدون بالجن أيضا أنهم خزنة الجنـة ويرى إبن عباس : أن إبليـس كان من حي من أحياء الملائكة يقال لهم " الجن " خلقوا من نار السموم من بين الملائكة وكان إسمه الحارث , وكان خازنا من خزان الجنـة , وخلقت الملائكة من نــور غيــر هذا الحي وذهب فريق آخر منهم الحسن البصري إلى أن إبليس كان من الجن واستدلوا بقوله تعالى في سورة الكهف ((( إلا إبليس كان من الجن ))) فالله سبحانه قد أخبر أنه من الجن فغير جائز أن ينسب إلى غير ما نسبه الله إليه كما استدلوا بقوله تعالى ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجــن ) وهذه الآية صريحة في الفرق بين الجن والملك , كما أن إبليس له ذرية لقوله تعالى : ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ) والملائكة لا ذرية لهم كما أن الملائكة معصومون وإبليس لم يكن كذلك فوجبأن لا يكون منهم كما أن الجن خلقوا من نار والملائكة خلقوا من نور وأيضا لأن الملائكة رسل لقوله تعالى ( جاعلالملائكة رسلا ) ورسل الله معصومون ويؤكد الإمام الحسن البصري هذا الرأي حيث يقول : ما كان إبليس منالملائكة طرفة عين قط وأنه لأصل الجن كما أن آدم أصـل الإنس وكان رضي الله عنه يقول : قاتل الله أقواما يزعمـون أنإبليس كان من ملائكة الله والله تعالى يقول : كان من الجن والله تعالى أعلم بالصواب
قيل : إن إبليس كان من الجن الذين نفوا من الأرض كان صغيرا فتشبه بالملائكة فكان معها فلما أمروا أن يسجدوا لآدم سجدوا إلا إبليس فعلى الرواية الأولى يكون إبليس من الجن الذين هم الملائكة وعلى هذه الرواية الثانية يكون من الجن الذين نفوا من الأرض فكونه من الملائكة على هذه الرواية الأولى واضح وأما على الرواية الثانية فعلى التجوز لأنه كان مع الملائكة يتعبد عبادتهم أما دخول إبليس في جملة الملائكة المأمورين بالسجود فقيل : إنه كان من الجن الذين مسكنهم الأرض لكن كان قد أذن في مساكنة الملائكة لحسن عبادته وشــدة إجتهاده فلما طال إختلاطه بالملائكة وصار كواحدا منهم فلذلك تناوله الأمر
وقوله تعالى (( كان من الجن )) ظاهر في ذلك وحينئذ لا تنافي بين قوله تعالى (( إلا إبليس كان من الجن )) وبين قوله تعالى (( وإذ قلنا للملائكة اســجدوا لآدم فســجدوا الا إبليس )) الدال على أنه منهم وأيضا لو لم يكن منهم وعلم إنصراف الأمر إلى قوله (( أنا خير منه )) وإلا لقال أنا لسـت من الملائكة فلم يتوجه عليه اللوم وفي حياة الحيوان : الصحيح أنه من الملائكة وعن إبن عباس كان إسم " إبليس " حين كان مع الملائكة " عزازيل " وكان من ذوي الأجنحة الأربعة فلما لعن سمي " إبليس " لأنه أبلس أي : أبعد من رحمة الله وقيل : كان إسمه قبل ذلك " الحارث " وقيل " يافل " وكنيته " أبومرة "
قصص على تزاوج الجن والإنس
قال إبن الدنيا في الهواتف : حدّثنا بشر بن يسار بن عبد الله , حدّثنا أبو الجنيد العزيز , حدّثنا عقبة بن عبد الله : أنّ رجلا أتى الحسن إبن أبي الحسن , فقال : يا أبا سعيد إن رجلا من الجن يخطب فتاتنا ؟ فقال الحسن : لا تزوجوه ولا تكرموه , فأتى قتادة فقال : يا أبا الخطاب , إنّ رجلا من الجن يخطب فتاتنا ؟ فقال : لا تزوجوه ولكن إذا جاءكم فقولوا : إنا نخرج عليك إن كنت مسلما لما انصرفت عنّا ولم تؤذنا , فلما كانوا من الليل جاء الجن حتى قام على الباب فقال : أتيتم الحسن فسألتموه ! فقال لكم : لا تزوجوه ولا تكرموه , ثم أتيتم قتادة فسألتموه ! فقال : لا تزوجوه ولكن قولوا له : إنا نخرج عليك إن كنت رجلا مسلما لما انصرفت عنّا ولم تؤذنا .. فقالوا له ذلك , فانصرف عنهم ولم يؤذهم ..
وقال حرب : حدّثنا إسحاق , قال : أخبرني محيدق وهو شيخ من أهل مرو , قال : سمعت زيد العمى يقول : اللهم إرزقني جنّية أتزوجها . قيل له : يا أبا الحوارى وما تصنع بها , قال : تصحبني في أسفارها حيثما كنت كانت معي ..
وقال أبو عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب : " إتبّاع السنن والآثار " : حدّثنا محمد بن حميد الرازي , حدّثنا أبو الأزهر حدّثنا الأعمش حدّثني شيخ من بجيلة , قال : علّق رجل من الجن جارية لنا , ثم خطبها إلينا , وقال : إني أكره أن أنال منها محرما . فزوجناها منه . قال : فظهر معنا يحدّثنا , فقلنا : ما أنتم ؟ قال : أمم أمثالكم وفينا قبائل كقبائلكم . فقلنا : هل فيكم هذه الأهواء ؟! قال : نعم فينا من كل الأهواء : القدرية والشيعة والمرجئة . قلنا : ممن أنت ؟
قال : من المرجئة ..
وقال أحمد بن سليمان النجار في أماليه : أخبرنا أسلم بن سهل , حدّثنا علي بن الحسين بن سليمان أبو الشعثاء الحضرمي " أحد شيوخ مسلم " حدّثنا أبو معاوية : سمعت الأعمش يقول : تزوج إلينا جنيّ , فقلت له : ما أحبّ الطعام إليكم ؟ قال : الأرز . قال : فأتيناهم به فجعلت أرى اللقم تُرفع ولا أرى أحدا , فقلت : فيكم من هذه الأهواء التي فينا ؟ قال : نعم , فقلت : فما الرافضة فيكم ؟ قال : شرنا .. قال الحافظ أبو الحجاج المزني : هذا إسناد صحيح ..
وقال أبو بكر الخرائطي : حدّثنا أحمد بن منصور الرمادى , قال : شهدت نكاحا للجن وتزوج رجل منهم إلى الجن , فقيل له : ما أحب الطعام إليكم ؟ قال : الأرز . قال الأعمش : فجعلوا يأتون بالجفان فيها الأرز فتذهب ولا نرى الأيدي ..
وقال إبن أبي الدنيا : حدّثني عبد الرحمن , حدّثني عمر , حدّثني أبو يوسف السروجى , قال : جاءت إمرأة إلى رجل بالمدينة فقالت : إنا نزلنا قريبا منكم فتزوجني فتزوجها , فكانت تأتيه بالليل في هيئة إمرأة , ثم جاءت إليه فقالت : قد حان رحلينا فطلقني , فبينما هو في بعض طرق المدينة إذ رآها تلتقط حبّا مما يسقط من أصحاب الحبّ , قال : أتبيعينه ؟ فرفعت عينها إليه فقالت : بأي عين رأيتني ؟ قال : بهذه . فأومأت بأصبعها فسالت عينه ..
وقال العلامة الشبلي : حدّثنا قاضي القضاة جلال الدين أحمد إبن قاضي القضاة حسام الدين الرازي الحنفي قال : سفر بي والدي لإحضار أهله من المشرق , فلما جزت ألبيرة " إسم مدينة " ألجأنا المطر إلى أن نمنا في مغارة فكنت في جماعة فبينما أنا نائم إذ أنا بشيء يوقظني فانتبهت فإذا أنا بإمرأة وسط من النساء لها عين واحدة مشقوقة بالطول فارتعت , فقالت : ما عليك إنما أتيتك لتتزوج إبنة لي كالقمر , فقلت لخوفي منها : على خيرة الله تعالى , ثم نظرت فإذا برجال قد أقبلوا فنظرتهم فإذا هم كهيئة المرأة التي أتتني , عيونهم كلها مشقوقة بالطول في هيئة قاض وشهود , فخطب القاضي وعقد , فقبلت , ثم نهضوا وعادت المرأة ومعها جارية حسناء إلا أن عينها مثل عين أمها , وتركتها عندي وانصرفت , فزاد خوفي واستيحاشي وبقيت أرمي من كان عندي بالحجارة حتى يستيقضوا فما انتبه منهم أحد , فأقبلت على الدعاء والتضرع , ثم آن الرحيل فرحلنا وتلك الشابة لا تفارقني , فذهب على هذا ثلاثة أيام , فلما كان في اليوم الرابع أتت المرأة التي جاءتني أولا , وقالت : كأنّ هذه الشابة ما أعجبتك وكأنك تحبّ فراقها ؟! فقلت : أي والله , قالت : فطلقها , فطلقتها , فانصرفت ولم أرها بعد .. فسأله القاضي شهاب بن فضل الله : هل أفض إليها ؟ قال : لا ..
التنويم المغناطيسي : سحر أم علاج؟
إذا كان المقصود بالتنويم المغناطيسي ما يفعله السحرة والمشعوذون فهذا حرام لأنه قائم على الاستعانة بالجن، وهذه الاستعانة حرام.
أما إذا كان المقصود بهذا العلاج الاعتماد على نظريات الإيحاء والتأثر التي تساعد الإنسان على النوم ويتم علاجه وهو لا يحس كالبنج فلا بأس.
يقول د. خالد بن عبد الله القاسم عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود :
ما يسمى بالتنويم المغناطيسي يطلق على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول : وهو الشائع المنتشر ويفعله السحرة باستخدام الجن، وهذا النوع محرم؛ لأن إتيان السحرة حرام، والساحر كافر بنص القرآن الكريم " وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر " [البقرة : 102]. حيث لا يمكّن الجن الساحر من السحر إلا بعد أن يشرك بالله – تعالى -، ومن ذلك الذبح لغير الله، أو إهانة المصحف الشريف، أو الاستهزاء بآيات الله -تعالى- ، أو السجود للشياطين، وغير ذلك من الكفر البواح .
ولا يتصور من هذا الساحر الكافر أن يدل على الفضائل، أو يخلص أحداً من الصفات الذميمة، إذ أن السحر ضار غير نافع كما قال – سبحانه -:" ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم " [البقرة : 102] وقال - سبحانه -: " ولا يفلح الساحر حيث أتى " [طه :69]
والسحر من السبع الموبقات التي حذر منها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح، وهو أشد من الزنى وشرب الخمر.
وإني أنصح كل مسلم بتجنب السحرة والمشعوذين والكهنة والعرافين، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: " من أتى كاهناً أو عرَّافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " أخرجه الإمام أحمد في المسند وقال - عليه الصلاة والسلام -: " من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " أخرجه مسلم في صحيحه.
الضرب الثاني: نوع من الدجل والاتفاق مع بعض الحاضرين لا سيما في أماكن الجمهور لأكل أموال الناس بالباطل ولفت الانتباه.
الضرب الثالث: طب نفسي وهو عن طريق الإيحاء والتأثير على المريض وتطويعه إلى ما يراد له، وهذا ما يسأل عنه السائل، وهو علم صحيح ولكنه محدود التأثير.
والمغيّر فعلاً لتلك الصفات السيئة والمنشئ للصفات الحميدة هو الإيمان بالله – تعالى -، والعمل الصالح، ودعاء الله - عز وجل -، والالتجاء إليه، وهو مسبب الأسباب، وهو قريب من عباده " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " [البقرة : 186].
وكما هو معلوم أن من أكبر أسباب الهداية والفلاح والتخلص من الأخلاق الذميمة قوة العزيمة، ومجاهدة النفس، والصبر، وغير ذلك من الأسباب الشرعية المعلومة. أهـ
ويقول د سالم أحمد سلامة ـ أستاذ الشريعة فلسطين:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ما أنزل داء إلا وأنزل له دواء ألا فتداووا". فعلينا أن نبحث عن الدواء عند المهرة من الأطباء.
وكل علاج سواء كان ماديا أو معنويا لم يورد الشارع الحكيم فيه نصا للحرمة أو التحريم؛ فالأمر فيه على الحِلّ، فهذا التنويم المغناطيسي إن كانت تستعمل فيه بعض الأدوات الكهربائية فتساعد الإنسان على النوم، ويتم علاجه وهو لا يحس كالبنج، فلا بأس به.
أما إن كان يستعمل خزعبلات كالذين يستدعون الجن ومردتهم ويوهمون الناس بسحرهم أنهم ينومونهم مغناطيسيا؛ فهؤلاء ينطبق عليهم تحريم الذهاب إلى السحرة وإلى الكهان؛ لأن من ذهب إليهم فسألهم وصدقهم فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وليسأل أهل الخبرة في ذلك المجال من الأطباء المسلمين المهرة العدول.
والله أعلم.
تحضير الأرواح: رؤية فقهية
فإن من يزعمون أن لديهم قدرة على تحضير الأرواح فهؤلاء إما دجالون ومشعوذون، وإما سحرة لهم اتصال بالجان، والشخصيات التي تحضر وتزعم أنها أرواح من سبقونا من الأهل والأحباب، ليست إلا شياطين وقرناء من الجن يلبسون على الناس ما يلبسون، ولذلك فالواجب الحذر من أمثال هؤلاء حتى لا يفسدوا علينا ديننا ودنيانا بكذبهم وتضليلهم، أما أروح الموتى فعلمها عند الله تعالى، وهي منشغلة بما آل إليه مصيرها فهي إما منعمة وإما معذبة، فكيف تنشغل الروح بمثل هذه الأمور التي وردت في الرسالة وقد رأت من هول القبر والحساب ما رأت، وهذا ما أفتى به فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي فيقول فضيلته:
فالشخصيات التي تحضر وتزعم أنها أرواح من سبقونا من الأهل والأحباب، ليست إلا شياطين وقرناء من الجن يلبسون على الناس ما يلبسون.
لا ريب أن الناس في حيرة أمام هذه الأسئلة، وهم يسمعون من هذا ما يناقض ذاك، وهم يريدون أن يخرجوا من هذه الحيرة والبلبلة برأي ديني صحيح صريح يضع الحق في نصابه، ويرد الناس إلى الصراط المستقيم.
والذي لا نستطيع أن ننكره، أن هناك أشياء خفية تحضر في جلسات التحضير رآها الكثيرون رأي العين تحرك السلال والأقلام تكتب وتجيب، أحيانًا بالخطأ وأحيانًا بالصواب، وإنكار هذا مكابرة في نظر من شاهدوا تلك الظاهرة، وهرب من مواجهة المشكلة بما يزيد الإشكال.
الدكتور أبو الحارث