بسم الله الرحمن الرحيم
أن من الجن نوعين الغواص و الطيار
و الدليل المادّي لوجود هذين النوعين يُستمد من القرآن و السنة
فبالنسبة للجن الطيار فإن الرسول الكريم صلى اللـه عليه وسلم يقول: "الجن ثلاثة أصناف : فصنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصنف يحلون ويظعنون".
الجنّ الطيّار هو نوع من أنواع الجن يطير في الهواء كما تطير الطير و يقطع المسافات بسرعة عالية ... و لهذا الجن أجنحة كالطير ... و هو ما جعل البعض عن جهل يضفون عليه بعض صفات الطيور كالرؤية من بعيد و البصر الحاد و قوي كقوة النسر مقارنة بباقي الطيور و له مخالب شديدة ينقضّ بها على فريسته ... لكن الحقيقة خلاف ذلك إذ أنه جن عادي و ليس له أي خاصيّة سوى السرعة و طيرانه في الفضاء ... لكنه ضعيف البصر و يعتمد على حاسة الشم ... فإذا كلفته بالذهاب إلى شخص ما، فانه لن ينقض عليه من السماء بل سيأتيه و يقف بالقرب منه و يتثبت من رائحته ثم يفعل به ما هو مكلف بفعله...
و هنالك أيضا الجن الغواص كما قال الله تعالى في سورة ص الآية 37 :
" وَالشّيَاطِينَ كُلّ بَنّآءٍ وَغَوّاصٍ"
الجن الغواص حسب التفاسير الفقهية هو الجن الذي يغوص في البحر، و هو التفسير الصحيح ... خلافا لما ذهب إليه بعض علماء العرفان الذين قالوا أن من الجن من يغوص في البرّ ... فالجن لا يغوص في البر أبدا من ذلك مثلا أنه عندما يُكلّف بحراسة الكنوز فهو لا يبقى داخل الأرض بجانب الكنز بل يبقى خارجا فوق سطح الأرض ... أيضا عندما تطلب من خادمك أو عونك أن يفتح لك الكنز فهو لا يغوص إلى باطن الأرض ليحضره لك بل انه يشقها أمامك و لك أن تنزل بنفسك أو ينزل هو ليجلبه لك... و على هذا الأساس نقول أنه يستحيل على الجن دخول الأرض دون حفر أو إحداث شق داخلها ... وكذب من قال أن جنّا أتى فلانا و سحبه نحو الأرض ... فالله سبحانه وتعالى لما أراد معاقبة الكافرين فقد أمر الأرض كي تخسف بهم و لم يكلف ملائكة أو جنّا لتسحبهم نحو باطن الأرض
" أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ "النحل 45 " أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً " الإسراء 68 "فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ " القصص82-81 "فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " العنكبوت 40 " أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ "سبأ 9 " أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ "
الملك 16
و الدليل على صحة كلامنا نجده في قوله تعالى:
" ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ "
الأعراف 17...فيُفهم من ذلك أن الشيطان قد حدّد جهات أربع يأتي منها إلى الإنسان: اليمين واليسار والأمام والخلف.. والمعروف أن الجهات هي ست.. اليمين، اليسار، والأمام، والخلف.. وأعلى، وأسفل.. فلماذا يأتي الشيطان للإنسان من كل الجهات وترك الأعلى والأسفل؟ ... ونجيب على ذلك بأن الأعلى هو مكان صعود الدعاء... وصعود الأعمال الصالحة لله سبحانه وتعالى... والأسفل هو مكان السجود لله جل جلاله ... و الإثنان لا يستطيع الشيطان الإقتراب منهما، فمكان السجود لله والخضوع له لا يقربه الشيطان ... وكذلك مكان صعود الدعاء والعمل الصالح ... فهذان المكانان مباركان لكلّ مؤمن، تحفّهما الملائكة ولا تقربهما الشياطين.. و بالتالي لا يمكن لشياطين الجن أن تغوص بإنسان داخل باطن الأرض أو تخطفه نحو السماء ... و كما قلت سابقا في أحد موضوعاتي أن لا قدرة للجن على الملائكة فهؤلاء الآخرين دائما الغالبون ... و تبعا لذلك فأن ما يَرِدُ في بعض عزائم التحصين التي يُذكر فيها التحصين من أعلى المعزّم و من أسفله فهو غلط و تزيدّ ... و السلام عليكم و على الرسول أفضله ... تحياتي ...