بسم الله الرحمن الرحيم
سرعة الضوء في الفراغ هي نفس سرعة كل أشكال الطيف كالأشعة فوق البنفسجية و الأشعة تحت الحمراء وموجات الراديو والتلفزيون ومن الجائز أيضا موجات الجاذبية, ويعبر فيزيائيا عن سرعة القوى الفيزيائية بسرعة الضوء باعتباره الجزء المرئي في الطيف الكهرومغناطيسي ويستوي في ذلك ضوء شمعة أو ومضات نجم, وسرعة الضوء في جو الأرض دون الحد الأعلى قليلا أما سرعته في الفراغ فلا تتجاوزها قوة ولا تبلغها مادة, والفرضيات النظرية باختلاف سرعة الضوء عند نشأة الكون أو عند نهايته لا تنقض القياسات العملية حاليا ولا تنقضها فرضية الجسيمات الأسرع من الضوء "التاكيونات" Tachyons أو الأجسام سالبة الكتلة لو ثبت وجودها.
ولم يقدم الدليل الأول على تحرك الضوء بسرعة غير لحظية إلا عام 1676 عندما نجح الفلكي أولاس رومر Olas Roemerللمرة الأولى في التاريخ من قياسها عن طريق ملاحظة وجود فارق زمني في تأخر ظهور أقمار كوكب المشتري عندما تكون الأرض في الجهة الأبعد منه خلال دورتها حول الشمس, وبمعرفة طول القطر الأكبر لمدار الأرض ومدة التأخر وفق الأجهزة المتاحة في القرن السابع عشر كانت النتيجة واسعة التقريب حوالي 227 ألف كم ثانية, ولكن أمكن تقديم الدليل الأول على أن سرعة الضوء محدودة وإن كانت هائلة, وبعد حوالي نصف قرن حصل برادلي عام 1728 على نتيجة مقاربة عن طريق قياس فلكي آخر, ولم تبدأ القياسات الدقيقة إلا في منتصف القرن التاسع عشر داخل المعمل, وفي القرن العشرين استخدمت في القياس تقنيات أكثر دقة ومع استخدام الليزر بلغت الدقة إلى حد أن الخطأ لا يتجاوز أجزاء قليلة من البليون, وأخيرا بعد جهود استمرت حوالي ثلاثة قرون أمكن عام 1983 في مؤتمر القياسات في باريس تعريف المتر دوليا بالزمن اللازم ليقطعه الضوء 0.000000003335640952 ثانية بناء على قيمة سرعة الضوء في الفراغ وهي: 299792.458 حوالي 300 ألف كم ثانية[1].
وقوله تعالى يُدَبّرُ الأمْرَ يونس 3 و31 والرعد 2 والسجدة 5؛ يرجع الكون الفيزيائي كله إلى أمر واحد هو كلمة كن التي تصور مخاطبة الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة تعبيرا عن الوحدانية والاقتدار ونفاذ الإرادة,
يقول العلي القدير: (بَدِيعُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِذَا قَضَىَ أَمْراً فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) البقرة 117، والتدبير Managementيلزمه فاعل ويعوزه بالضرورة مفعولا به يتجلي فيه فعل التدبير, وورود الأمر مفعولا به يجعله مأمورا به يتجلى فيه تدبير الخالق سبحانه فيستقيم حمله على المادة الأساسية للعالم,
قال الألوسي: "الأمر راجع إلى المراد لا إلى الإرادة.. أي الأشياء المرادة المكونة"[2], وقال ابن تيمية: "وفي لغة العرب التي نزل بها القرآن أن يسمى.. المخلوق خلقا لقوله تعالى هذا خلق الله.. ولهذا يسمى المأمور به أمرا"[3],"ولفظ الأمر يراد به.. المفعول.. كما قال تعالى: أتى أمر الله .. فهنا المراد به المأمور به وليس المراد به أمره الذي هو كلامه"[4], "فإذا قيل في المسيح أنه كلمة الله فالمراد به أنه خُلِقَ بكلمة.. كن.. وكذلك إذا قيل عن المخلوق أنه أمر الله فالمراد أن الله كونه بأمره"[5], "وهذا قول سلف الأمة وأئمتها وجمهورها"[6],"وبهذا التفصيل يزول الاشتباه في مسألة الأمر"[7].
وإرجاع كل شيء في الوجود إلى أمر واحد في الأساس وتكون كل شيء منه بتقدير واحد منذ بدء الخلق على مراحل متتابعة كالأيام يفيد رجوع كافة القوى الفيزيائية والمواد إلى "وَاحِدَةٌ" هي لبنة مادة البناء الأساسية Essential building Matter, وهذا الأمر عاجل الحركة أشبه ما يكون في السرعة بومضة الضوء, يقول العلي القدير: إِنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ. وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ القمر 49و50, واللمح وميض نجم أو برق, قال ابن فارس: "اللمح أصل يدل على لمع شيء", وقال ابن منظور: "لَمَعَ بمعنى أَضَاءَ"[8], وفي تشبيهه بومضة الضوء قال الألوسي: "الغرض من التشبيه بيان سرعته"[9],
وقال الرازي: "فاللمح بالبصر معناه ضوء البرق يخطف بالبصر أي يمر به سريعا وذلك في غاية السرعة", وقال أبو حيان: "لما كان أسرع الأحوال والحوادث في عقولنا هو لمح البصر ذكره.. فهو تشبيه بأعجل ما يحسه الناس"[10],ووافقهم جل المفسرين.
وفي قوله تعالى: (يُدَبّرُ الأمْرَ مِنَ السّمَآءِ إِلَى الأرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إِلَيْه)ِ؛ قال جوهري: "وتنزيل الأمر من السماء يقتضي النظر في منشأ هذا العالم فإن هذه العناصر لم تظهر في بادئ الأمر.. لتضمنه تنزيل الله للعوالم من حالها الأول حال البساطة والنور إلى حال الكثافة والتركيب.. ومقتضى رجوع الأمر إلى الله.. أن هذا العالم سائر من الكثافة إلى اللطافة كما أنه تنزل من اللطيف إلى الكثيف"[11], "يعني لا وجود في الأصل إلا لمادة واحدة بسيطة والقوى الطبيعية كلها صادرة بالتسلسل عن قوة أصلية واحدة وتتباين القوى إنما جوهرها في الأصل واحد وكل ما يقع أو لا يقع تحت نظرك من الوجود فهو صادر عن مادة أصلية واحدة"[12],
"فهذا العالم كله أصله مادة واحدة هي الأصل لهذه الموجودات ومنها تكونت المادة والكهرباء والمغناطيسية والحرارة والضوء, فهذه كلها صفات وتنوعات في المادة الأساس.. ولا تزال المادة واحدة واختلاف المظاهر وقتي.., وقد خلق الله العالم من مادة واحدة ليستدلوا على وحدانيته وقدرته"[13], "لأنه إذا كانت هذه العوالم ناجمة عن مادة واحدة كان فاعلها واحدا.. وهذا هو برهان التوحيد لأن الآية مسوقة للوحدانية
.. هذا هو بَدء الخلق وتكوين العناصر والمركبات"[14], وأضاف: "إذن الأمر إن هو إلا تجليات ومظاهر لقدرة المحيط علماً.. طُبعت في هذا الخلاء الفسيح طبعاً ظهرت لنا.. بهيئة حركات.. وتجلى لعيوننا بهيئة نبات وحيوان وشمس"[15], "فما هذا العالم كله إلا حركات"[16],"وهكذا الزرع.. والحيوان وأجسام الناس"[17], وأتساءل مأخوذا؛ أليس بهذا نفهم قول الله عز وجل "خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ" الأنبياء 37.
(2) الكون في ارتداد
وفي قوله تعالى: (يُدَبّرُ الأمْرَ مِنَ السّمَآءِ إِلَى الأرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ. ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ) السجدة 5و6؛ التعبير إليه في حق الذات العلية لا يعني التحيز وإنما عودة الأمر كله في نهاية المطاف إلى الله تعالى وحده كما قال تعالى: وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلّهُ هود 123؛ فهو إعلان عن نهاية للكون وتأكيد لوحدانية الله تعالى وبيان على أنه لا نهاية لعلمه وقدرته ونفاذ إرادته, قال البيضاوي: "يعني يدبر الأمر إلى قيام الساعة"[18], وفي قوله تعالى: "أَتَىَ أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ" النحل 1؛ إعلان عن قدوم القوى عائدة وإن لم تصل بعد وبنفس السرعة القصوى في الخلاء المماثلة لسرعة الضوء, يقول تعالى: (وَلِلّهِ غَيْبُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَآ أَمْرُ السّاعَةِ إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) النحل 77.
(3) قيمة ثابتة للانتقال في الكون:
اعتاد العرب منذ القدم التعبير عن المسافة بزمن قطعها مع إضمار سرعة فيقال المسافة بين مكة والمدينة "نصف شهر" أي بالجمل ومع التقدم في الوسائل وتنامي سرعة الانتقال أصبحت نفس المسافة "نصف ساعة" بسرعة الطائرة ولذا تكون "الساعة كشهر", وسرعة القوى الفيزيائية Physical forcesفي الفراغ واحدة ويعبر عنها بقيمة سرعة الضوء في الفراغ وهي أعلى سرعة في الكون الفيزيائي وتعرف بالثابت الكوني للحركة Universal Constant of Motion, وفي مقابل تلك القيمة الثابتة نجد قيمة ثابتة في مقام بيان سرعة قصوى يتضمنها التعبير "فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ", والمقام قياس لما يقطع في يوم بتلك السرعة البالغة بمقياس سير ألف سنة لأن السياق يتعلق بقطع مسافة والتعبير كَانَ مِقْدَارُهُ يعني في اللغة كان مقياسه وحده فلا يزيد المقياس عن هذا الحد في المسافة, واليوم الأرضي المعلوم للعرب المخاطبين لا يصلح أن يساوي ألف سنة من سنيهم إلا في المسافة, والمسافة التي تقطع في يوم محدودة وإن قطعت بأعلى سرعة فهي لا تزيد عن ألف سنة من سنيهم المبنية على حركة القمر حول الأرض بالنظر المجرد, والتعبير مّمّا تَعُدّونَ وصف عائد على الألف سنة المتضمنة لحركة جسم نسبية يتعدد وصفها ويعوزها التحديد فعاد سياقا على الحركة, والسياق يتعلق بقياس حركة أمر ما يملأ الكون بين الأجرام مِنَ السّمَآءِ إِلَى الأرْضِ وبيان أن حركته بانحناء كحركة الأعرج في مشيته وهو وصف يتفق مع المعلوم اليوم بحركة القوى الفيزيائية في الفضاء بين الأجرام بانحناء نتيجة لتأثير الأجرام.
والقياس عند ابن عباس رضي الله عنهما هو: "مقدار سير الأمر"[19], قال قتاده: "يقول مقدار مسيره في ذلك اليوم ألف سنة"[20], وقال القرطبي: "في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة"[21], وقال الألوسي: "في يوم مقدار مسافة السير فيه ألف سنة", وقال الطبري: "لأن المسافة مسيرة ألف سنة", وقال الرازي: "واليوم هنا زمان", وقال الزمخشري: "وهو يقطع مسيرة ألف سنة في يوم واحد", وأصاب ابن عباس بمعوله عين النبع بقوله: "لسرعة سيره يقطع مسيرة ألف سنة في يوم", قال الألوسي مفسرا تلك العلاقة: "وإن لم تبعد هذه السرعة.. عند من وقف على سرعة حركة الأضواء وعلم أن الله جلال جلاله على كل شيء قدير"[22].. وقال: "وأي مانع أن يخلق الله تعالى.. من السرعة نحو ما خلق تعالى في ضوء الشمس.. فإن ضوءها ليصل إلى الأرض في مدة ثمان دقائق"[23],وقال حفيده: "أن من النجوم ما لا يصل نوره إلى الأرض في مائة سنة بل أكثر مع شدة سرعة الضوء"[24]\
.
(4) نسبية حركة الأجسام:
وقوله تعالى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ وَإِنّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ) الحج 47؛ تأكيد لمماثلة مسافة يوم لمسافة ألف سنة في مقام تصوير أمر يستعجل قوم النبي صلى الله عليه وسلم قدومه إنكارًا مما يؤكد أنه يمضي بأقصى سرعة Uppermost speed, والتعبير عِندَ رَبّكَ لا يعني في حق الذات العلية التحيز وإنما يعني وفق تدبير الله تعالى في الكون كله, ويستقيم فيزيائيا أن يحمل ذلك الأمر القادم بأقصى سرعة نحو الأرض فلا يحتاج معها مزيد استعجال على القوى المعبر عن سرعتها بسرعة الضوء, والسنة في عرف العرب منذ القدم مبنية على حركة القمر في 12 دورة حول الأرض, وإن قلت علي كالأسد فالتشبيه يعني أن علي جسور ولكنه لا يتجاوز الأسد المشبه به في وجه الشبه, وفي التعبير وَإِنّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ لا تتجاوز كذلك مسافة اليوم بأقصى سرعة مقدرة مسافة ألف سنة بحركة ما تبنى على حركته السنة, ويصلح الوصف مّمّا تَعُدّونَ لتمييز حركة القمر المتضمنة سياقا والتي تبنى عليها السنة ولا يصلح أن يكون تمييزا للسنة القمرية لأنه يحدد مُختار من متعدد وهم لم يستخدموا غيرها في التقويم,
وهو يعني من الذي تحسبون وتظنون وليست السنة محل ظن, وبذلك يشترط السياق لتعريف أقصى سرعة أن تكون حركة القمر وفق ما يحسبون ويظنون وإن كانت الحقيقة بخلافه, والمراقب الأرضي لا يدرك بالعين المجردة نسبة التغير Variation Ratioفي البعد أو السرعة فيظن أن مدار القمر يخلو منها كما لو كانت حركته منسوبة للنجوم في دائرة كاملة الاستدارة Perfectly circular orbitوكأنها في نظام معزول Isolated Systemخالي من تأثير الشمس لأن حركة القمر مع الأرض حول الشمس لا يعاينها إلا مراقب خارج النظام الشمسي, ولذا بنسبة الحركة للنجوم واستبعاد نسبة التغير من القيمة الوسطية يتحقق المقياس المطلوب لبيان حد السرعة في معادلة ثابتة كلا طرفيها معزول عن التأثير الخارجي.
ويسمى اليوم الأرضي بالنسبة للنجوم باليوم النجمي Sidereal dayوطوله 86164.09966 ثانية, ويسمى الشهر بالنسبة للنجوم بالشهر النجمي وطوله 27.32166088 يوما, وقيمة السرعة الوسطية للقمر حوالي 1.023 كمثانية Laros Astronomy, p.142, والقيمة 1.022794272 حوالي 1.023 كمثانية تجعل قيمة المسافة التي يقطعها القمر حول الأرض في دورة في النظام المعزول: 2.152612269 مليون كم, وتجعل المسافة المقطوعة في 12000 دورة: 25.831347230 بليون كم, وبالتالي تكون قيمة السرعة القصوى مسافة 12000 مداريوم: 299792.458 كمثانية, وهي نفس القيمة في الفيزياء موسوعة أكسفورد ص316.
6ـ سرعة الضوء هي الأنسب للقياسات الفلكية:
توصل أورت Oortعام 1950 إلى أن عالمنا الكوكبي محاط بسحابة سميكة من المذنبات تسمى بسحابة أورت Oort Cloud, والجزء الداخلي مسطح بمستوى مدارات الكواكب والخارجي كروي تتحرك فيه المذنبات من كل جانب ويمكن أن ترجم أي عابر إذا تواني, وحزام المذنبات ذات المدارات قصيرة الأمد دون 200 سنة يسمى بحزام كويبر Kuiper Belt, وفي عام 2003 اكتشف كوكب عاشر على بعد 97 وحدة فلكية الوحدة الفلكية هي متوسط المسافة من الأرض للشمس وهي حوالي 150 مليون كم, ويتسع الجزء الداخلي لكوكب آخر حادي عشر يعقبه على بعد لا يزيد عن يوم ضوئي 172.7 وحدة فلكية, وبذلك يتفق اختيار مسافة يوم ضوئي مع حدود عالم المخاطبين من الكواكب في الحدود الدنيا للأجرام السماوية أو السماء الدنيا في تعبير المفسرين مصداقا
لقوله تعالى: (إِنّا زَيّنّا السّمَآءَ الدّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ. وَحِفْظاً مّن كُلّ شَيْطَانٍ مّارِدٍ. لاّ يَسّمّعُونَ إِلَىَ الْمَلإِ الأعْلَىَ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلّ جَانِبٍ. دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ. إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) الصافات 6-10،
قال الشوكاني: "أراد بقوله فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ المسافة التى بين الأرض وبين سماء الدنيا"[26], وقال الألوسي: "ألف سنة.. مسافة ما بين الأرض ومحدب السماء الدنيا"[27].
7 ـ عمر الكون وامتداده:
في سياق الإنذار بدمار الأرض وهلاك أهلها كذلك مع تقارب أطراف الكون وإن بدا حده بعيدا وردت نفس القيم في قياس أكبر يُمكن حمله على أقصى بعد؛ يقول تعالى: (سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ. لّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ. مّنَ اللّهِ ذِي الْمَعَارِجِ. تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً. إِنّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً. وَنَرَاهُ قَرِيباً. يَوْمَ تَكُونُ السّمَآءُ كَالْمُهْلِ. وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ. وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيما) المعارج 1-10، والْمَعَارِجِ جمع لاسم المكان مَعْرَج كأدق وصف للآفاق الممتدة حيث تسري القوى بانحناء كمشية الأعرج, والاكتشاف بأن مسارات القوى منحنية دفع الفيزيائيين لإطلاق تعبير الكون المنحني Curved Universe, وفي اللغة: "تعارج حاكى مشية الأعرج وعرَّجه ميَّله وتعرَّج مال والتعاريج المنحنيات والعرجون العذق المعوج"[28], والملائكة والروح رسل هداية لا تنقطع عن الإبلاغ إلى أن يعود كل شيء إلى الله لا سواه بيانا لوحدانيته تعالى وتفرده, وهم حضور في قياس مسافة لا يقطعها جسم مادي محدود السرعة في كون متغير الأبعاد مما يعني أنه عامر بالساجدين, قال جوهري: "أخذ يستأنف مبينا ارتفاع تلك الدرجات.. فليس المراد المدة بل بعد المدى.. وقدم الملائكة لأنهم في عالم الأرواح.. العالم المبرأ عن المادة لأنه.. لا يُرتقى إلى تلك المعارج إلا بالكشف العلمي أو الخروج عن عالم المادة"[29], وقال البيضاوي: "استئناف لبيان ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها"[30],وقال البغوي: "المسافة من الأرض إلى منتهى السماء"[31].. يعني "إلى منتهى أمر الله تعالى"[32], وقال الألوسي: "الكلام بيان لغاية ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها.. والمراد أنها في غاية البعد والارتفاع"[33].. و"العروج في الدنيا.. روِي هذا عن ابن إسحاق ومنذر بن سعيد ومجاهد وجماعة, وهو رواية عن ابن عباس أيضا"[34].
وتُقاس الأبعاد فلكيا بوحدة الزمن المناسبة وأقصى سرعة, فنقول يبعد القمر حوالي ثانية ضوئية وتبعد الشمس ثمان دقائق ويبعد أقرب نجم 4.3 سنة,
فإذا كانت القيمة ألف سنة في يوم تعبيرًا عن أقصى سرعة تكون القيمة خَمْسِينَ في السياق تعدادا لأقصى وحدة زمن, وأكبر وحدة زمن فلكيا هي سنة الشمس وهي مدة دورتها حول مركز المجرة وقيمتها حوالي 250 مليون سنة, ولكي يقطع شعاع من الضوء المسافة إلى طرف الكون الممكن الرصد يحتاج إلى عمر الكون, والعجيب أن القيمة خَمْسِينَ في مقام بيان أكبر وحدة زمن في عالمنا لقياس أكبر مسافة ممكنة الرصد بأقصى سرعة في الكون وهي ألف سنة في يوم تحقق تماما نفس القيمة المعلومة حاليا لعمر الكون حتى الآن 50× 250 مليون وهي حوالي: 12.5 10-15 بليون سنة[35].
8 ـ حركة الأرض وكافة النجوم والتوابع:
التعبير مما تعدون يجعل قيم حركة المقياس أساسية فيقيم علاقة ثابتة في نظام معزول عن التأثير الخارجي مثل كافة قوانين حركة الأجسام, وهو يفيد معنى الظن غير المطابق للحقيقة فيدل بمعناه على حركة الأرض حول الشمس وحركة النجوم الثوابت بخلاف ما يعدون, قال جوهري: "أرضنا إذن دائرة غير دائرة نحن نراها ساكنة ولكنها دائرة لا تهدأ"[36], "ومن جملة سيارات شمسنا هذه الأرض التي نحن عليها والقمر ملتزم بها ويدور عليها ومعها على الشمس"[37], إذن: "دوران الأرض حول الشمس ليس غير مخالف للقرآن فحسب بل له منه دلائل"[38], وقال الألوسي: "فيه دليل على أن الشمس متحركة.. على مركز آخر كما تتحرك الأرض عليها"[39], وأن: "للثوابت حركة"[40], وفي قوله تعالى: "لاَ الشّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ الْلّيْلُ سَابِقُ النّهَارِ وَكُلّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" يس 40؛ قال القاسمي: "التنوين في لفظ كُلٌّ عوض عن الإضافة للأجرام والمعنى كل واحد من أجرام السماء كالشمس والقمر في فلك خاص به يسبح بذاته"[41], وقال ابن عاشور: "المراد تعميم هذا الحكم للشمس والقمر وجميع الأجرام وهي حقيقة علمية سبق بها القرآن"[42], وكل البشر يعاينون آيات السماوات كالشمس والقمر تمر عليهم, ولكن القرآن يجعل سكون الأرض نسبي دالا على حركتيها اليومية والسنوية بتقريره أنهم هم الذين يَمُرّونَ على آيات السماوات وهم على ظهرها كما يمرون على آيات الأرض وهم على ظهر المركوبات السيارة ولا يعتبرون,
يقول تعالى: "وَكَأَيّن مّن آيَةٍ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ" يوسف 105.
10 ـ دليل في تاريخ الوحي على وحدانية المبدع القدير:
في تاريخ الوحي ما يؤيد أن تعبير "يوما واحدا عند الرب كألف سنة" يعني: "سرعة مجيء يوم الرب" 2 بطرس 32-14, وهي أقصى سرعة في الكون كله حيث يقع الهلاك بغتة لا يسبقه نذير؛ ولذا وفق تعبير الكتاب: "سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" 2 بطرس 32-14, والكون كله بسمواته وأرضه قائم بأمر الله كن منذ بدء الخلق: "السماوات كانت منذ القديم والأرض بكلمة الله قائمة" 2 بطرس 32-14, فيرجع الكون كله إلى نفس هيئته الأولى وإن تباينت اليوم الأشكال وبنفس مقدار مادة البناء الأساسية ذات السرعة المقدرة الواحدة التي لا تتجاوزها قوة وإن كانت هائلة لأن كل شيء وجد بأمر واحد هو كلمة الله القدير كن, ووحدة السرعة الحدية للانتقال في الكون وثباتها مظهر في الكتاب للتقدير وسرمدية الخالق ووحدانيته لذا قال: "من قبل أن توجد الجبال أو أبدأت الأرض والمسكونة منذ الأزل إلى الأبد أنت الله.. لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم"؛ وإن بالغ الكاتب فنقض ثبات التقدير بقوله "لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعدما عبر وكهزيع من الليل" المزامير 902-4, وفي الكتاب أمر الله قد أتى وقوى الدمار تقترب مسرعة: "ولولوا لأن يوم الرب قريب قادم كخراب من القادر على كل شيء" إِشَعْيَاء 136, "ليرتعد جميع سكان الأرض لأن يوم الرب قادم" يوئيل 21, "كلص في الليل هكذا يجيء لأنه حينما يقولون سلام وأمان حينئذ يفاجئهم هلاك بغتةً كالمخاض للحبلى فلا ينجون" 1تسالونيكي 52و3, "قريب يوم الرب العظيم قريب وسريع جدا" صفنيا 114.
(11) أصالة القرآن وتكميل ما سبق:
التعبير ما تعدون الذي تفرد به القرآن هو "مفتاح القياس", وهو يجعل حركة القمر حول الأرض كمقياس للمسافة في نظام معزول ويقيم معادلة ثابتة تؤيد وحدة الأجرام في الأصل والنظام, وثبات التقدير في القرآن وتفرده بتكميل العلاقة يدفع شبهة النقل عما سبق, ألهذا قال النبي عيسى عليه السلام يوما ما لأتباعه: "إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل بكل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" يوحنا 1612-15, وقال لقومه: "أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه"! متى 2142-44, ولا تبعد تلك الغلبة والتكميل وجمع ميراث النبوات في وصف النبي عيسى عليه السلامللنبوة بعده التي يكتمل بها البناء عن غلبة القرآن والتكميل وجمع ميراث النبوات في قوله تعالى: "وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ"
سرعة الضوء في الفراغ هي نفس سرعة كل أشكال الطيف كالأشعة فوق البنفسجية و الأشعة تحت الحمراء وموجات الراديو والتلفزيون ومن الجائز أيضا موجات الجاذبية, ويعبر فيزيائيا عن سرعة القوى الفيزيائية بسرعة الضوء باعتباره الجزء المرئي في الطيف الكهرومغناطيسي ويستوي في ذلك ضوء شمعة أو ومضات نجم, وسرعة الضوء في جو الأرض دون الحد الأعلى قليلا أما سرعته في الفراغ فلا تتجاوزها قوة ولا تبلغها مادة, والفرضيات النظرية باختلاف سرعة الضوء عند نشأة الكون أو عند نهايته لا تنقض القياسات العملية حاليا ولا تنقضها فرضية الجسيمات الأسرع من الضوء "التاكيونات" Tachyons أو الأجسام سالبة الكتلة لو ثبت وجودها.
ولم يقدم الدليل الأول على تحرك الضوء بسرعة غير لحظية إلا عام 1676 عندما نجح الفلكي أولاس رومر Olas Roemerللمرة الأولى في التاريخ من قياسها عن طريق ملاحظة وجود فارق زمني في تأخر ظهور أقمار كوكب المشتري عندما تكون الأرض في الجهة الأبعد منه خلال دورتها حول الشمس, وبمعرفة طول القطر الأكبر لمدار الأرض ومدة التأخر وفق الأجهزة المتاحة في القرن السابع عشر كانت النتيجة واسعة التقريب حوالي 227 ألف كم ثانية, ولكن أمكن تقديم الدليل الأول على أن سرعة الضوء محدودة وإن كانت هائلة, وبعد حوالي نصف قرن حصل برادلي عام 1728 على نتيجة مقاربة عن طريق قياس فلكي آخر, ولم تبدأ القياسات الدقيقة إلا في منتصف القرن التاسع عشر داخل المعمل, وفي القرن العشرين استخدمت في القياس تقنيات أكثر دقة ومع استخدام الليزر بلغت الدقة إلى حد أن الخطأ لا يتجاوز أجزاء قليلة من البليون, وأخيرا بعد جهود استمرت حوالي ثلاثة قرون أمكن عام 1983 في مؤتمر القياسات في باريس تعريف المتر دوليا بالزمن اللازم ليقطعه الضوء 0.000000003335640952 ثانية بناء على قيمة سرعة الضوء في الفراغ وهي: 299792.458 حوالي 300 ألف كم ثانية[1].
وقوله تعالى يُدَبّرُ الأمْرَ يونس 3 و31 والرعد 2 والسجدة 5؛ يرجع الكون الفيزيائي كله إلى أمر واحد هو كلمة كن التي تصور مخاطبة الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة تعبيرا عن الوحدانية والاقتدار ونفاذ الإرادة,
يقول العلي القدير: (بَدِيعُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِذَا قَضَىَ أَمْراً فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) البقرة 117، والتدبير Managementيلزمه فاعل ويعوزه بالضرورة مفعولا به يتجلي فيه فعل التدبير, وورود الأمر مفعولا به يجعله مأمورا به يتجلى فيه تدبير الخالق سبحانه فيستقيم حمله على المادة الأساسية للعالم,
قال الألوسي: "الأمر راجع إلى المراد لا إلى الإرادة.. أي الأشياء المرادة المكونة"[2], وقال ابن تيمية: "وفي لغة العرب التي نزل بها القرآن أن يسمى.. المخلوق خلقا لقوله تعالى هذا خلق الله.. ولهذا يسمى المأمور به أمرا"[3],"ولفظ الأمر يراد به.. المفعول.. كما قال تعالى: أتى أمر الله .. فهنا المراد به المأمور به وليس المراد به أمره الذي هو كلامه"[4], "فإذا قيل في المسيح أنه كلمة الله فالمراد به أنه خُلِقَ بكلمة.. كن.. وكذلك إذا قيل عن المخلوق أنه أمر الله فالمراد أن الله كونه بأمره"[5], "وهذا قول سلف الأمة وأئمتها وجمهورها"[6],"وبهذا التفصيل يزول الاشتباه في مسألة الأمر"[7].
وإرجاع كل شيء في الوجود إلى أمر واحد في الأساس وتكون كل شيء منه بتقدير واحد منذ بدء الخلق على مراحل متتابعة كالأيام يفيد رجوع كافة القوى الفيزيائية والمواد إلى "وَاحِدَةٌ" هي لبنة مادة البناء الأساسية Essential building Matter, وهذا الأمر عاجل الحركة أشبه ما يكون في السرعة بومضة الضوء, يقول العلي القدير: إِنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ. وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ القمر 49و50, واللمح وميض نجم أو برق, قال ابن فارس: "اللمح أصل يدل على لمع شيء", وقال ابن منظور: "لَمَعَ بمعنى أَضَاءَ"[8], وفي تشبيهه بومضة الضوء قال الألوسي: "الغرض من التشبيه بيان سرعته"[9],
وقال الرازي: "فاللمح بالبصر معناه ضوء البرق يخطف بالبصر أي يمر به سريعا وذلك في غاية السرعة", وقال أبو حيان: "لما كان أسرع الأحوال والحوادث في عقولنا هو لمح البصر ذكره.. فهو تشبيه بأعجل ما يحسه الناس"[10],ووافقهم جل المفسرين.
وفي قوله تعالى: (يُدَبّرُ الأمْرَ مِنَ السّمَآءِ إِلَى الأرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إِلَيْه)ِ؛ قال جوهري: "وتنزيل الأمر من السماء يقتضي النظر في منشأ هذا العالم فإن هذه العناصر لم تظهر في بادئ الأمر.. لتضمنه تنزيل الله للعوالم من حالها الأول حال البساطة والنور إلى حال الكثافة والتركيب.. ومقتضى رجوع الأمر إلى الله.. أن هذا العالم سائر من الكثافة إلى اللطافة كما أنه تنزل من اللطيف إلى الكثيف"[11], "يعني لا وجود في الأصل إلا لمادة واحدة بسيطة والقوى الطبيعية كلها صادرة بالتسلسل عن قوة أصلية واحدة وتتباين القوى إنما جوهرها في الأصل واحد وكل ما يقع أو لا يقع تحت نظرك من الوجود فهو صادر عن مادة أصلية واحدة"[12],
"فهذا العالم كله أصله مادة واحدة هي الأصل لهذه الموجودات ومنها تكونت المادة والكهرباء والمغناطيسية والحرارة والضوء, فهذه كلها صفات وتنوعات في المادة الأساس.. ولا تزال المادة واحدة واختلاف المظاهر وقتي.., وقد خلق الله العالم من مادة واحدة ليستدلوا على وحدانيته وقدرته"[13], "لأنه إذا كانت هذه العوالم ناجمة عن مادة واحدة كان فاعلها واحدا.. وهذا هو برهان التوحيد لأن الآية مسوقة للوحدانية
.. هذا هو بَدء الخلق وتكوين العناصر والمركبات"[14], وأضاف: "إذن الأمر إن هو إلا تجليات ومظاهر لقدرة المحيط علماً.. طُبعت في هذا الخلاء الفسيح طبعاً ظهرت لنا.. بهيئة حركات.. وتجلى لعيوننا بهيئة نبات وحيوان وشمس"[15], "فما هذا العالم كله إلا حركات"[16],"وهكذا الزرع.. والحيوان وأجسام الناس"[17], وأتساءل مأخوذا؛ أليس بهذا نفهم قول الله عز وجل "خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ" الأنبياء 37.
(2) الكون في ارتداد
وفي قوله تعالى: (يُدَبّرُ الأمْرَ مِنَ السّمَآءِ إِلَى الأرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ. ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ) السجدة 5و6؛ التعبير إليه في حق الذات العلية لا يعني التحيز وإنما عودة الأمر كله في نهاية المطاف إلى الله تعالى وحده كما قال تعالى: وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلّهُ هود 123؛ فهو إعلان عن نهاية للكون وتأكيد لوحدانية الله تعالى وبيان على أنه لا نهاية لعلمه وقدرته ونفاذ إرادته, قال البيضاوي: "يعني يدبر الأمر إلى قيام الساعة"[18], وفي قوله تعالى: "أَتَىَ أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ" النحل 1؛ إعلان عن قدوم القوى عائدة وإن لم تصل بعد وبنفس السرعة القصوى في الخلاء المماثلة لسرعة الضوء, يقول تعالى: (وَلِلّهِ غَيْبُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَآ أَمْرُ السّاعَةِ إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) النحل 77.
(3) قيمة ثابتة للانتقال في الكون:
اعتاد العرب منذ القدم التعبير عن المسافة بزمن قطعها مع إضمار سرعة فيقال المسافة بين مكة والمدينة "نصف شهر" أي بالجمل ومع التقدم في الوسائل وتنامي سرعة الانتقال أصبحت نفس المسافة "نصف ساعة" بسرعة الطائرة ولذا تكون "الساعة كشهر", وسرعة القوى الفيزيائية Physical forcesفي الفراغ واحدة ويعبر عنها بقيمة سرعة الضوء في الفراغ وهي أعلى سرعة في الكون الفيزيائي وتعرف بالثابت الكوني للحركة Universal Constant of Motion, وفي مقابل تلك القيمة الثابتة نجد قيمة ثابتة في مقام بيان سرعة قصوى يتضمنها التعبير "فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ", والمقام قياس لما يقطع في يوم بتلك السرعة البالغة بمقياس سير ألف سنة لأن السياق يتعلق بقطع مسافة والتعبير كَانَ مِقْدَارُهُ يعني في اللغة كان مقياسه وحده فلا يزيد المقياس عن هذا الحد في المسافة, واليوم الأرضي المعلوم للعرب المخاطبين لا يصلح أن يساوي ألف سنة من سنيهم إلا في المسافة, والمسافة التي تقطع في يوم محدودة وإن قطعت بأعلى سرعة فهي لا تزيد عن ألف سنة من سنيهم المبنية على حركة القمر حول الأرض بالنظر المجرد, والتعبير مّمّا تَعُدّونَ وصف عائد على الألف سنة المتضمنة لحركة جسم نسبية يتعدد وصفها ويعوزها التحديد فعاد سياقا على الحركة, والسياق يتعلق بقياس حركة أمر ما يملأ الكون بين الأجرام مِنَ السّمَآءِ إِلَى الأرْضِ وبيان أن حركته بانحناء كحركة الأعرج في مشيته وهو وصف يتفق مع المعلوم اليوم بحركة القوى الفيزيائية في الفضاء بين الأجرام بانحناء نتيجة لتأثير الأجرام.
والقياس عند ابن عباس رضي الله عنهما هو: "مقدار سير الأمر"[19], قال قتاده: "يقول مقدار مسيره في ذلك اليوم ألف سنة"[20], وقال القرطبي: "في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة"[21], وقال الألوسي: "في يوم مقدار مسافة السير فيه ألف سنة", وقال الطبري: "لأن المسافة مسيرة ألف سنة", وقال الرازي: "واليوم هنا زمان", وقال الزمخشري: "وهو يقطع مسيرة ألف سنة في يوم واحد", وأصاب ابن عباس بمعوله عين النبع بقوله: "لسرعة سيره يقطع مسيرة ألف سنة في يوم", قال الألوسي مفسرا تلك العلاقة: "وإن لم تبعد هذه السرعة.. عند من وقف على سرعة حركة الأضواء وعلم أن الله جلال جلاله على كل شيء قدير"[22].. وقال: "وأي مانع أن يخلق الله تعالى.. من السرعة نحو ما خلق تعالى في ضوء الشمس.. فإن ضوءها ليصل إلى الأرض في مدة ثمان دقائق"[23],وقال حفيده: "أن من النجوم ما لا يصل نوره إلى الأرض في مائة سنة بل أكثر مع شدة سرعة الضوء"[24]\
.
(4) نسبية حركة الأجسام:
وقوله تعالى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ وَإِنّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ) الحج 47؛ تأكيد لمماثلة مسافة يوم لمسافة ألف سنة في مقام تصوير أمر يستعجل قوم النبي صلى الله عليه وسلم قدومه إنكارًا مما يؤكد أنه يمضي بأقصى سرعة Uppermost speed, والتعبير عِندَ رَبّكَ لا يعني في حق الذات العلية التحيز وإنما يعني وفق تدبير الله تعالى في الكون كله, ويستقيم فيزيائيا أن يحمل ذلك الأمر القادم بأقصى سرعة نحو الأرض فلا يحتاج معها مزيد استعجال على القوى المعبر عن سرعتها بسرعة الضوء, والسنة في عرف العرب منذ القدم مبنية على حركة القمر في 12 دورة حول الأرض, وإن قلت علي كالأسد فالتشبيه يعني أن علي جسور ولكنه لا يتجاوز الأسد المشبه به في وجه الشبه, وفي التعبير وَإِنّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ لا تتجاوز كذلك مسافة اليوم بأقصى سرعة مقدرة مسافة ألف سنة بحركة ما تبنى على حركته السنة, ويصلح الوصف مّمّا تَعُدّونَ لتمييز حركة القمر المتضمنة سياقا والتي تبنى عليها السنة ولا يصلح أن يكون تمييزا للسنة القمرية لأنه يحدد مُختار من متعدد وهم لم يستخدموا غيرها في التقويم,
وهو يعني من الذي تحسبون وتظنون وليست السنة محل ظن, وبذلك يشترط السياق لتعريف أقصى سرعة أن تكون حركة القمر وفق ما يحسبون ويظنون وإن كانت الحقيقة بخلافه, والمراقب الأرضي لا يدرك بالعين المجردة نسبة التغير Variation Ratioفي البعد أو السرعة فيظن أن مدار القمر يخلو منها كما لو كانت حركته منسوبة للنجوم في دائرة كاملة الاستدارة Perfectly circular orbitوكأنها في نظام معزول Isolated Systemخالي من تأثير الشمس لأن حركة القمر مع الأرض حول الشمس لا يعاينها إلا مراقب خارج النظام الشمسي, ولذا بنسبة الحركة للنجوم واستبعاد نسبة التغير من القيمة الوسطية يتحقق المقياس المطلوب لبيان حد السرعة في معادلة ثابتة كلا طرفيها معزول عن التأثير الخارجي.
ويسمى اليوم الأرضي بالنسبة للنجوم باليوم النجمي Sidereal dayوطوله 86164.09966 ثانية, ويسمى الشهر بالنسبة للنجوم بالشهر النجمي وطوله 27.32166088 يوما, وقيمة السرعة الوسطية للقمر حوالي 1.023 كمثانية Laros Astronomy, p.142, والقيمة 1.022794272 حوالي 1.023 كمثانية تجعل قيمة المسافة التي يقطعها القمر حول الأرض في دورة في النظام المعزول: 2.152612269 مليون كم, وتجعل المسافة المقطوعة في 12000 دورة: 25.831347230 بليون كم, وبالتالي تكون قيمة السرعة القصوى مسافة 12000 مداريوم: 299792.458 كمثانية, وهي نفس القيمة في الفيزياء موسوعة أكسفورد ص316.
6ـ سرعة الضوء هي الأنسب للقياسات الفلكية:
توصل أورت Oortعام 1950 إلى أن عالمنا الكوكبي محاط بسحابة سميكة من المذنبات تسمى بسحابة أورت Oort Cloud, والجزء الداخلي مسطح بمستوى مدارات الكواكب والخارجي كروي تتحرك فيه المذنبات من كل جانب ويمكن أن ترجم أي عابر إذا تواني, وحزام المذنبات ذات المدارات قصيرة الأمد دون 200 سنة يسمى بحزام كويبر Kuiper Belt, وفي عام 2003 اكتشف كوكب عاشر على بعد 97 وحدة فلكية الوحدة الفلكية هي متوسط المسافة من الأرض للشمس وهي حوالي 150 مليون كم, ويتسع الجزء الداخلي لكوكب آخر حادي عشر يعقبه على بعد لا يزيد عن يوم ضوئي 172.7 وحدة فلكية, وبذلك يتفق اختيار مسافة يوم ضوئي مع حدود عالم المخاطبين من الكواكب في الحدود الدنيا للأجرام السماوية أو السماء الدنيا في تعبير المفسرين مصداقا
لقوله تعالى: (إِنّا زَيّنّا السّمَآءَ الدّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ. وَحِفْظاً مّن كُلّ شَيْطَانٍ مّارِدٍ. لاّ يَسّمّعُونَ إِلَىَ الْمَلإِ الأعْلَىَ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلّ جَانِبٍ. دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ. إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) الصافات 6-10،
قال الشوكاني: "أراد بقوله فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ المسافة التى بين الأرض وبين سماء الدنيا"[26], وقال الألوسي: "ألف سنة.. مسافة ما بين الأرض ومحدب السماء الدنيا"[27].
7 ـ عمر الكون وامتداده:
في سياق الإنذار بدمار الأرض وهلاك أهلها كذلك مع تقارب أطراف الكون وإن بدا حده بعيدا وردت نفس القيم في قياس أكبر يُمكن حمله على أقصى بعد؛ يقول تعالى: (سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ. لّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ. مّنَ اللّهِ ذِي الْمَعَارِجِ. تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً. إِنّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً. وَنَرَاهُ قَرِيباً. يَوْمَ تَكُونُ السّمَآءُ كَالْمُهْلِ. وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ. وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيما) المعارج 1-10، والْمَعَارِجِ جمع لاسم المكان مَعْرَج كأدق وصف للآفاق الممتدة حيث تسري القوى بانحناء كمشية الأعرج, والاكتشاف بأن مسارات القوى منحنية دفع الفيزيائيين لإطلاق تعبير الكون المنحني Curved Universe, وفي اللغة: "تعارج حاكى مشية الأعرج وعرَّجه ميَّله وتعرَّج مال والتعاريج المنحنيات والعرجون العذق المعوج"[28], والملائكة والروح رسل هداية لا تنقطع عن الإبلاغ إلى أن يعود كل شيء إلى الله لا سواه بيانا لوحدانيته تعالى وتفرده, وهم حضور في قياس مسافة لا يقطعها جسم مادي محدود السرعة في كون متغير الأبعاد مما يعني أنه عامر بالساجدين, قال جوهري: "أخذ يستأنف مبينا ارتفاع تلك الدرجات.. فليس المراد المدة بل بعد المدى.. وقدم الملائكة لأنهم في عالم الأرواح.. العالم المبرأ عن المادة لأنه.. لا يُرتقى إلى تلك المعارج إلا بالكشف العلمي أو الخروج عن عالم المادة"[29], وقال البيضاوي: "استئناف لبيان ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها"[30],وقال البغوي: "المسافة من الأرض إلى منتهى السماء"[31].. يعني "إلى منتهى أمر الله تعالى"[32], وقال الألوسي: "الكلام بيان لغاية ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها.. والمراد أنها في غاية البعد والارتفاع"[33].. و"العروج في الدنيا.. روِي هذا عن ابن إسحاق ومنذر بن سعيد ومجاهد وجماعة, وهو رواية عن ابن عباس أيضا"[34].
وتُقاس الأبعاد فلكيا بوحدة الزمن المناسبة وأقصى سرعة, فنقول يبعد القمر حوالي ثانية ضوئية وتبعد الشمس ثمان دقائق ويبعد أقرب نجم 4.3 سنة,
فإذا كانت القيمة ألف سنة في يوم تعبيرًا عن أقصى سرعة تكون القيمة خَمْسِينَ في السياق تعدادا لأقصى وحدة زمن, وأكبر وحدة زمن فلكيا هي سنة الشمس وهي مدة دورتها حول مركز المجرة وقيمتها حوالي 250 مليون سنة, ولكي يقطع شعاع من الضوء المسافة إلى طرف الكون الممكن الرصد يحتاج إلى عمر الكون, والعجيب أن القيمة خَمْسِينَ في مقام بيان أكبر وحدة زمن في عالمنا لقياس أكبر مسافة ممكنة الرصد بأقصى سرعة في الكون وهي ألف سنة في يوم تحقق تماما نفس القيمة المعلومة حاليا لعمر الكون حتى الآن 50× 250 مليون وهي حوالي: 12.5 10-15 بليون سنة[35].
8 ـ حركة الأرض وكافة النجوم والتوابع:
التعبير مما تعدون يجعل قيم حركة المقياس أساسية فيقيم علاقة ثابتة في نظام معزول عن التأثير الخارجي مثل كافة قوانين حركة الأجسام, وهو يفيد معنى الظن غير المطابق للحقيقة فيدل بمعناه على حركة الأرض حول الشمس وحركة النجوم الثوابت بخلاف ما يعدون, قال جوهري: "أرضنا إذن دائرة غير دائرة نحن نراها ساكنة ولكنها دائرة لا تهدأ"[36], "ومن جملة سيارات شمسنا هذه الأرض التي نحن عليها والقمر ملتزم بها ويدور عليها ومعها على الشمس"[37], إذن: "دوران الأرض حول الشمس ليس غير مخالف للقرآن فحسب بل له منه دلائل"[38], وقال الألوسي: "فيه دليل على أن الشمس متحركة.. على مركز آخر كما تتحرك الأرض عليها"[39], وأن: "للثوابت حركة"[40], وفي قوله تعالى: "لاَ الشّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ الْلّيْلُ سَابِقُ النّهَارِ وَكُلّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" يس 40؛ قال القاسمي: "التنوين في لفظ كُلٌّ عوض عن الإضافة للأجرام والمعنى كل واحد من أجرام السماء كالشمس والقمر في فلك خاص به يسبح بذاته"[41], وقال ابن عاشور: "المراد تعميم هذا الحكم للشمس والقمر وجميع الأجرام وهي حقيقة علمية سبق بها القرآن"[42], وكل البشر يعاينون آيات السماوات كالشمس والقمر تمر عليهم, ولكن القرآن يجعل سكون الأرض نسبي دالا على حركتيها اليومية والسنوية بتقريره أنهم هم الذين يَمُرّونَ على آيات السماوات وهم على ظهرها كما يمرون على آيات الأرض وهم على ظهر المركوبات السيارة ولا يعتبرون,
يقول تعالى: "وَكَأَيّن مّن آيَةٍ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ" يوسف 105.
10 ـ دليل في تاريخ الوحي على وحدانية المبدع القدير:
في تاريخ الوحي ما يؤيد أن تعبير "يوما واحدا عند الرب كألف سنة" يعني: "سرعة مجيء يوم الرب" 2 بطرس 32-14, وهي أقصى سرعة في الكون كله حيث يقع الهلاك بغتة لا يسبقه نذير؛ ولذا وفق تعبير الكتاب: "سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" 2 بطرس 32-14, والكون كله بسمواته وأرضه قائم بأمر الله كن منذ بدء الخلق: "السماوات كانت منذ القديم والأرض بكلمة الله قائمة" 2 بطرس 32-14, فيرجع الكون كله إلى نفس هيئته الأولى وإن تباينت اليوم الأشكال وبنفس مقدار مادة البناء الأساسية ذات السرعة المقدرة الواحدة التي لا تتجاوزها قوة وإن كانت هائلة لأن كل شيء وجد بأمر واحد هو كلمة الله القدير كن, ووحدة السرعة الحدية للانتقال في الكون وثباتها مظهر في الكتاب للتقدير وسرمدية الخالق ووحدانيته لذا قال: "من قبل أن توجد الجبال أو أبدأت الأرض والمسكونة منذ الأزل إلى الأبد أنت الله.. لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم"؛ وإن بالغ الكاتب فنقض ثبات التقدير بقوله "لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعدما عبر وكهزيع من الليل" المزامير 902-4, وفي الكتاب أمر الله قد أتى وقوى الدمار تقترب مسرعة: "ولولوا لأن يوم الرب قريب قادم كخراب من القادر على كل شيء" إِشَعْيَاء 136, "ليرتعد جميع سكان الأرض لأن يوم الرب قادم" يوئيل 21, "كلص في الليل هكذا يجيء لأنه حينما يقولون سلام وأمان حينئذ يفاجئهم هلاك بغتةً كالمخاض للحبلى فلا ينجون" 1تسالونيكي 52و3, "قريب يوم الرب العظيم قريب وسريع جدا" صفنيا 114.
(11) أصالة القرآن وتكميل ما سبق:
التعبير ما تعدون الذي تفرد به القرآن هو "مفتاح القياس", وهو يجعل حركة القمر حول الأرض كمقياس للمسافة في نظام معزول ويقيم معادلة ثابتة تؤيد وحدة الأجرام في الأصل والنظام, وثبات التقدير في القرآن وتفرده بتكميل العلاقة يدفع شبهة النقل عما سبق, ألهذا قال النبي عيسى عليه السلام يوما ما لأتباعه: "إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل بكل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" يوحنا 1612-15, وقال لقومه: "أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه"! متى 2142-44, ولا تبعد تلك الغلبة والتكميل وجمع ميراث النبوات في وصف النبي عيسى عليه السلامللنبوة بعده التي يكتمل بها البناء عن غلبة القرآن والتكميل وجمع ميراث النبوات في قوله تعالى: "وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ"