حمد لله الَّذي جعل الخير فيما أحلَّ وشرع، وجعل السُّوء فيما حرَّم ومنع، أشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريك له، حرَّم السحر وأذلَّ السَّاحرين، ومنع الكهانة والعرافة بشرائع هذا الدين، وأشهد أنَّ سيِّدَنا وحبيبَنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه، بعثَه رحمةً للنَّاس أجْمعين، وهاديًا بوحْيه لسماحة هذا الدّين، اللهُمَّ صلِّ عليْه في الأوَّلين والآخرين، وأعْلِ مقامَه في أعلى عليِّين، واجمعْنا به على حوضه في مقام أمين، وارضَ اللهُمَّ على آله وأصحابِه والتابعين، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد، إخوةَ الإيمان والعقيدة:
من واقع مجتمعِنا اليوم يأتيك إنسان، تعرف فيه أخلاقَه الطيِّبة كما تعرف تأدِيَته لفرائض دينه، يَبتعد بك قليلاً عن أعيُن النَّاس وأسماعِهم، وتشعُر من كلِماته الأولى أنَّه يَعيش مأساة ويَمرّ بمحنة، يقول لك وهو يغالب بكاءَه ودموعه: أنا كلَّما خطبت فتاة تَمرّ الأيَّام الأولى على أسعَد حال، كلّ يوم يزيد في إعجابنا ووفاقنا، لكن قبْل انقِضاء الشَّهر الأوَّل تتغيَّر نظرتي، بل يتغيَّر منظرُها في عيني، فيذهَب جمالُها وتغيب رجاحة عقلها، وأحْمل لها ميزانًا جديدًا أزِن به كلامَها، ثمَّ سرعان ما ننفصل لأخطُب أخرى، وتتكرَّر المأساة مرَّة أخرى.
ومِن واقع مجتمعنا أيضًا، يأتيك إنسان تعرِف استقامتَه في دينه وخلقه، يقول لك باكيًا: لقد شيَّدت مسكنًا بعرق الجبين، وبذلتُ فيه دمي، وبعد تَمامه حملتُ أُسرتي وسكنتُ فيه، لكن لم أرَ فيه سكينة، أكون في كلّ مكان منشرح الصَّدر لا أشعُر بضيق ولا بقلق، فإذا وضعتُ رِجْلي على عتبة المنزل يَضيق صدْري ويتعطَّل تنفُّسي، ويضطرب قلبي ولا يهدأ لي حال إلاَّ إذا خرجت من مسكني.
ويأتيك ثالث، يقول لك باكيًا: أنا طالب في سنة التخرُّج، كنتُ من الأوائل في جَميع مراحل تعليمي، حتَّى بلغت السَّنة النهائيَّة منذ ثلاث سنوات، فوجدتُني أكتب عكس ما أعلم، يأْتيني السؤال عن القانون فأتحدَّث عن التَّاريخ، فإذا خرجت من الجامعة تبيَّن لي خطئِي وأنّي كتبتُ عن أمرٍ لَم أُسأل عنْه، يقول لك: يوم الامتِحان أحمل فكرًا غير فكري، وفي كلّ عام أعيش خيْبتي وخسراني.
وتأتيك أمّ، تقول لك: إنَّ بناتي يُصْرعنَ كلَّ ليلة، بناتي بلغْن سنًّا متقدِّمة، وتفكيرنا كلّه في الاستِراحة ممَّا نحن فيه قبل أن نفكّر في الزَّواج والمستقْبل.
ويأتيك ويأتيك، والكثير الكثير لا يأتيك، يَحملون همومَهم ويعيشون متاعبهم وغمومهم، لا يعلمهم إلاَّ علاَّم الغيوب.
مآسٍ عديدة، وأحزانٌ مديدة، وضياع في متاهات الضَّياع، وعيون لا تنام اللَّيل، وقلوب لا تعرف الفرحة ولا تعيش الهناء.
وفي المقابل، ينام السَّاحر قرير العين هانئ البال، قبض المال وأنواع الهدايا، وجمع الثَّروة، يَخرج من عنده الحسود ليدخل إليه المحْسود، وهو بين الإنسانَين فقد إنسانيَّته ودينه وآخرتَه.
كلّ هذا يحدُث في مجتمع يقول: لا إله إلاَّ الله، محمَّد رسولُ الله، صلَّى الله عليْه وسلَّم.
فالسِّحْر الَّذي أصْبح تِجارة رابِحة وحرفة ناجحة، ما كان للسَّاحر أن يرْبَح لو كان في القلوب ذرَّة من إيمان، ومَن هو السَّاحر حتَّى نذهب إليْه أو لا نذهب؟ الله - جلَّ جلاله - خلقَ الجانَّ قبل أن يخلُق الإنسان؛ يقول - تبارك وتعالى -: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} [الحجر: 26، 27]، والجِنسان مخلوقان للعبادة؛ يقول - جلَّ جلالُه -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، والجنسان يعيشان معًا على الأرض، ولكلّ جنس دنياه، فلَم يأذن لنا الله أن نتَّصل بهم، ولَم يأذن لهم أن يتَّصلوا بنا، بل نَهانا عن الاتِّصال بهم؛ فقال - عزَّ وجلَّ -: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجِنِّ فَزَادُوَهُمْ رَهَقاً} [الجن: 6]، فإذا حدث الاتِّصال فيكون فيه الإرهاق بالإثْم والضَّلال، ويتحوَّل الإنسان من طاعة الله إلى طاعة الجانّ، فيكفر بالله ويُطيع الجانَّ؛ يقول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة: 102]، ما لهم في الجنَّة من نصيب، ما لَهم من رحمة الله من مناب؛ ولذلك أوْرد الشَّيخ السيوطي في كتابه "الجامع الكبير" قولَ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن تعلَّم شيئًا من السِّحْر قليلاً أو كثيرًا، كان آخِر عهده من الله)).
تنقطع صلته بالله، ويصبح الجانّ خادمًا لذلك الإنسان، وهو في كفره، يتحجَّر قلبه ويَموت ضميره، وإلا فكيف يسمَح له فكرُه أن يسلّط الشَّيطان على بني جنسه؟! كيف يهنأ وكيف يعيش وهو يَرى ضحاياه وقد دمّر حياتهم؟! لقد تَحالف مع الشَّيطان، فتارةً يسلِّطه على شابّ متقدّم في العلم حتَّى يكره العلم والتَّعلم، فيفسد له حياته كلّها، وتارة يسلّطه على فتاة في مقتبل العمر، يصرعُها في كلِّ يومٍ مرَّة أو مرَّتين، وتارةً أُخرى على زوجٍ يَعيش في طمأنينة ورخاء، فيقْلب له الحياة وتهبّ على بيتِه العواصف، ويُجبِره على الطَّلاق، فيتشرَّد الأبناء!
وهذا ما تعيشُه الكثير من الأُسَر في مجتمعِنا اليوم، لا ذنبَ لها إلاَّ أنَّها تَعيش في أمان واطمِئْنان، فغاظ ذلك أحد الحسَّاد وكرِه أن يراها في وفاق ووئام، فسلَّط عليها ذلك المشعْوذ، فخرب بنيانَها من القواعد، وصدق رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - حيثُ تبرَّأ من طالب السِّحْر ومن السَّاحر، فقال: ((ليس منَّا من تطيَّر أو تطيِّر له، أو تكهَّن أو تكهِّن له، أو سحَر أو سُحِر له)).
نعم، ليس من المسلمين، ليْس ممَّن يشفع فيهم شفيعُ المؤمنين، الَّذين يذهبون للسَّحرة ليفسدوا حياة الآمنين، المسلم بانٍ لا مخرِّب، المسلم ودود لا حسود، أين هؤلاء من قولِ الله - جلَّ وعلا -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، أين الأخوَّة في الله؟! أين المودَّة في القربى؟! أين هؤلاءِ من حديث رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - حيث يقول: ((لا تَحاسَدُوا ولا تَناجَشُوا ولا تَباغَضُوا ولا تَدَابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ على بَيْعِ بَعْضٍ وكُونوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُه ولا يَخْذُلُه ولا يَحْقِرُهُ، التَّقْوى ها هُنَا - وَيُشِيرُ إلى صَدْرِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ - بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِم على المُسْلِم حَرَامٌ: دَمُه ومالُه وعِرْضُه))؛ رواه الإمام مسلم.
فالمشعوذ المتعامل مع الشَّياطين بالسحر كافر بالله، خالد مخلَّد في النَّار؛ قال الله - عزَّ وجلَّ -: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69]، وقد أجْمع المفسِّرون أنَّ الله لا يَنفي الفلاح إلاَّ عمَّن كان كافرًا، فالمشعوذ كافرٌ بالله، والَّذي يتَّصل به ليدمّر حياة النَّاس كافرٌ بالله؛ قال الله - تبارك وتعالى -: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22، 23]، والَّذي يتَّصل به للتَّداوي منْه وهو متيقّن من قدرته وحكمتِه فهو كافر مثله؛ أورد الإمام أحمد في المسند قولَ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمَّد))؛ ذكره الشَّيخ الألباني في السلْسلة الصَّحيحة.
فلا يجتمع الذَّهاب إلى السَّاحر مع الإيمان، المؤمن عطوف، المؤمن ودود، المؤمن رحيم؛ ((مثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوادِّهِم وتَراحُمِهِم وتَعاطُفِهِم مَثَلُ الجَسدِ؛ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَداعى لَهُ سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى)).
المؤمن يحب الخير يعمل الصالحات، ولا يجتمع الذَّهاب إلى السَّاحر مع الصَّلاة ولا مع الصّيام ولا مع الحجّ، الَّذي يصلِّي لا يذهَب إلى السَّاحر أبدًا، الَّذي يفرح بقدوم رمضان ويصوم أيَّامه ويقوم لياليَه لا يذهَب إلى السَّاحر أبدًا، والَّذي طاف بالبيْت العتيق وأشْرقتْ عليْه أنوار الهِداية لا يذْهَب إلى السَّاحر أبدًا، لا بدَّ أن يبقَى السَّاحر وحيدًا، لا بدَّ لتجارته أن تبور، ولا بدَّ له من عودة للإيمان، ولا بدَّ له من توبة قبل فوات الأوان، وليصلح ما أفسد، كل من كتب وكل مَن كتبت، وكلّ مَن ردم تحت البيوت، وكلّ مَن أطعم، إن أراد البعد عن نار جهنَّم فعليْه بالعودة إلى الله، أن يدخل في الإسلام، أن يجدّد إيمانه ودينه وأن يصلح ما دمَّر وخرب، وأن يتوب ويندم.
اللَّهمَّ اهدِ بِهديِك كلَّ ضالّ، اللهُمَّ ردَّه للإيمان والإحْسان، وكرِّه إليْه الكفر والفسوق والعصيان، اللهُمَّ اهدِنا إليك هُدى مبينًا، وارزقْنا طاعتك وحسن عبادتك، وأسعدنا دنيا وأُخرى، واجعلنا من الصَّالحين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الكريمَ لي ولكم.
الخطبة الثَّانية
الحمد لله حمد الشَّاكرين، نحمده سبحانه وتعالى ما سبَّحت بحمده ألسنة الذَّاكرين، ونشهَد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له وليُّ الصَّالحين، ونشهد أنَّ سيِّدَنا محمَّدًا عبده ورسولُه، إمام المتَّقين، صلَّى الله عليْه وعلى آلِه وأصحابِه والتَّابعين، ومَن تبِعَهم بإحسان إلى يوم الدّين.
أمَّا بعد، أيُّها المؤمنون والمؤمنات، عبادَ الله:
الله - جلَّ جلاله - ما أنزل من داء إلاَّ وقد أنزل له دواء، ومَن على من يشاء بالشّفاء، ولَم يجعل شفاء هذه الأمَّة فيما حرَّم عليها؛ فلا نعالج السِّحْر بالسحر.
والمسلم عنده وقاية من كلّ شرّ، ولديْه حافظ من كلّ ضرّ، وهو كلام الله القُرآن العظيم؛ قال الله عن كلامه: {هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44]، وقال في حقِّه أيضًا: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]؛ فقراءة القُرآن حصن حصين، فعلى كلّ مؤمن ومؤمنة أن يُحافظ على قراءة فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وآيتَي خاتمة سورة البقرة، وسورة الإخلاص والمعوّذتين.
وقد علَّمنا رسول الله أذكارًا لو عمِلْنا بالقليل منها لحفِظَنا الله من كلّ شرّ، لو تَمسَّكنا بكلمة "بسم الله" في كلّ عملٍ وفي كلّ حركة وفي كلّ نطق لكفتْنا، ومِن توجيهات الحبيب - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يُعَوِّذ الحسَنَ والحُسَيْنَ، فيقولُ: ((إنَّ أبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذ بِهَا إسْمَاعِيلَ وإسْحَاقَ، فيقول: أعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ وهامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّة))؛ رواه البخاري، وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قالَ: أعُوذ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِه ذَلِكَ))؛ رواه الإمام مسلم، وقال أيضًا: ((مَن قال صباح كلّ يوم ومساءَ كلّ ليلة ثلاثًا ثلاثًا: بسم الله الَّذي لا يضرُّ مع اسمِه شيءٌ في الأرْض ولا في السَّماء وهو السَّميع العليم، لَم يضرَّه شيء))؛ رواه البخاري في "الأدب المفرد".
ومن سنَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يُحافظ المسلم على أذْكار في الصَّباح والمساء، يقرؤُها صباحًا ومساءً، والأوراد متيسّرة، فيخصّص لها المسلم القليل من وقْتِه في الصَّباح والمساء، ويُحافظ عليها وعلى ركعات في بيته، يكون في حفظ الله وتحت رعايتِه وحمايته.
اللهمَّ احفظْنا بحفظك العظيم، واسترْنا بسترك العميم، واجمعْنا على صراطك المستقيم، اللهُمَّ اجعل القرآن العظيم ربيعَ قلوبِنا، وجلاء همومنا وغمومِنا، ونور أبصارنا، وهدايتنا في الدنيا والآخرة، اللَّهُمَّ ألهمنا رشدَنا، وأعِذْنا من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، اللهُمَّ إنَّا نعوذ بك من إبليس وذرّيَّته، ونعوذ بك من شرّ كلّ ذي شرّ، ومن شرّ النَّفَّاثات في العقد، ومن شرّ حاسد إذا حسد، اللهُمَّ ألِّف بين قلوبنا على الخير والهدى، واجمعْ شمْلَنا على البرِّ والتَّقوى.
اللهمَّ اجْعَلْ غِنَانا في أنفُسِنا، واليَقينَ في قلوبِنا، والإخْلاصَ في أعمالِنا، والنُّورَ فِي أبصارِنا، والبَصيرةَ في دِينِنا، وانْصُرْنا على مَنْ ظَلَمَنا، اللَّهُمَّ اكْشِفْ كُرْبَتنا، واسْتُرْ عَوْرَتنا، واغْفِرْ لنا خَطيئَتنا، اللهُمَّ واغفر لآبائنا وأمَّهاتنا، وانشر الوئام بين عائلاتِنا، إخاء ووفاء وصفاء، يا ذا الحَمْد والثَّناءِ، يا ذا العَفْوِ والرِّضا، يَا ذا المَنِّ والعَطاءِ، يَا ذا الفَضْلِ والقَضاءِ، يا ذا العِزِّ والبَقاءِ، يا ذا الجُودِ والسَّخاء، نسألك اللَّهمَّ عزَّة ورفعة للإسْلام والمسلمين، وذُلاًّ وخذْلانًا لكلّ مَن يُحارب هذا الدين، ونسألك اللَّهُمَّ نصرًا مؤزَّرًا لإخواننا في فلسطين.
اللهمَّ أمِّنَّا في دورنا، ووفِّق إلى الخير والصَّلاح ولاة أمورنا، واجعلِ اللَّهُمَّ بلدَنا آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.
يَا صَاحِبَ الهَمِّ إِنَّ الهَمَّ مُنْفَرِجٌ أَبْشِرْ بِخَيْرٍ فَإِنَّ الفَارِجَ اللَّهُ
اليَأْسُ يَقْطَعُ أَحْيَانًا بِصَاحِبِهِ لا تَيْئَسَنَّ فَإِنَّ الكَافِيَ اللَّهُ
اللَّه يُحْدِثُ بَعْدَ العُسْرِ مَيْسَرَةً لا تَجْزَعَنَّ فَإِنَّ الصَّانِعَ اللَّهُ
وَاللَّهِ مَا لَكَ غَيْرُ اللَّهِ مِنْ أَحَدٍ فَحَسْبُكَ اللَّهُ فِي كُلٍّ لَكَ اللَّهُ
أمَّا بعد، إخوةَ الإيمان والعقيدة:
من واقع مجتمعِنا اليوم يأتيك إنسان، تعرف فيه أخلاقَه الطيِّبة كما تعرف تأدِيَته لفرائض دينه، يَبتعد بك قليلاً عن أعيُن النَّاس وأسماعِهم، وتشعُر من كلِماته الأولى أنَّه يَعيش مأساة ويَمرّ بمحنة، يقول لك وهو يغالب بكاءَه ودموعه: أنا كلَّما خطبت فتاة تَمرّ الأيَّام الأولى على أسعَد حال، كلّ يوم يزيد في إعجابنا ووفاقنا، لكن قبْل انقِضاء الشَّهر الأوَّل تتغيَّر نظرتي، بل يتغيَّر منظرُها في عيني، فيذهَب جمالُها وتغيب رجاحة عقلها، وأحْمل لها ميزانًا جديدًا أزِن به كلامَها، ثمَّ سرعان ما ننفصل لأخطُب أخرى، وتتكرَّر المأساة مرَّة أخرى.
ومِن واقع مجتمعنا أيضًا، يأتيك إنسان تعرِف استقامتَه في دينه وخلقه، يقول لك باكيًا: لقد شيَّدت مسكنًا بعرق الجبين، وبذلتُ فيه دمي، وبعد تَمامه حملتُ أُسرتي وسكنتُ فيه، لكن لم أرَ فيه سكينة، أكون في كلّ مكان منشرح الصَّدر لا أشعُر بضيق ولا بقلق، فإذا وضعتُ رِجْلي على عتبة المنزل يَضيق صدْري ويتعطَّل تنفُّسي، ويضطرب قلبي ولا يهدأ لي حال إلاَّ إذا خرجت من مسكني.
ويأتيك ثالث، يقول لك باكيًا: أنا طالب في سنة التخرُّج، كنتُ من الأوائل في جَميع مراحل تعليمي، حتَّى بلغت السَّنة النهائيَّة منذ ثلاث سنوات، فوجدتُني أكتب عكس ما أعلم، يأْتيني السؤال عن القانون فأتحدَّث عن التَّاريخ، فإذا خرجت من الجامعة تبيَّن لي خطئِي وأنّي كتبتُ عن أمرٍ لَم أُسأل عنْه، يقول لك: يوم الامتِحان أحمل فكرًا غير فكري، وفي كلّ عام أعيش خيْبتي وخسراني.
وتأتيك أمّ، تقول لك: إنَّ بناتي يُصْرعنَ كلَّ ليلة، بناتي بلغْن سنًّا متقدِّمة، وتفكيرنا كلّه في الاستِراحة ممَّا نحن فيه قبل أن نفكّر في الزَّواج والمستقْبل.
ويأتيك ويأتيك، والكثير الكثير لا يأتيك، يَحملون همومَهم ويعيشون متاعبهم وغمومهم، لا يعلمهم إلاَّ علاَّم الغيوب.
مآسٍ عديدة، وأحزانٌ مديدة، وضياع في متاهات الضَّياع، وعيون لا تنام اللَّيل، وقلوب لا تعرف الفرحة ولا تعيش الهناء.
وفي المقابل، ينام السَّاحر قرير العين هانئ البال، قبض المال وأنواع الهدايا، وجمع الثَّروة، يَخرج من عنده الحسود ليدخل إليه المحْسود، وهو بين الإنسانَين فقد إنسانيَّته ودينه وآخرتَه.
كلّ هذا يحدُث في مجتمع يقول: لا إله إلاَّ الله، محمَّد رسولُ الله، صلَّى الله عليْه وسلَّم.
فالسِّحْر الَّذي أصْبح تِجارة رابِحة وحرفة ناجحة، ما كان للسَّاحر أن يرْبَح لو كان في القلوب ذرَّة من إيمان، ومَن هو السَّاحر حتَّى نذهب إليْه أو لا نذهب؟ الله - جلَّ جلاله - خلقَ الجانَّ قبل أن يخلُق الإنسان؛ يقول - تبارك وتعالى -: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} [الحجر: 26، 27]، والجِنسان مخلوقان للعبادة؛ يقول - جلَّ جلالُه -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، والجنسان يعيشان معًا على الأرض، ولكلّ جنس دنياه، فلَم يأذن لنا الله أن نتَّصل بهم، ولَم يأذن لهم أن يتَّصلوا بنا، بل نَهانا عن الاتِّصال بهم؛ فقال - عزَّ وجلَّ -: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجِنِّ فَزَادُوَهُمْ رَهَقاً} [الجن: 6]، فإذا حدث الاتِّصال فيكون فيه الإرهاق بالإثْم والضَّلال، ويتحوَّل الإنسان من طاعة الله إلى طاعة الجانّ، فيكفر بالله ويُطيع الجانَّ؛ يقول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة: 102]، ما لهم في الجنَّة من نصيب، ما لَهم من رحمة الله من مناب؛ ولذلك أوْرد الشَّيخ السيوطي في كتابه "الجامع الكبير" قولَ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن تعلَّم شيئًا من السِّحْر قليلاً أو كثيرًا، كان آخِر عهده من الله)).
تنقطع صلته بالله، ويصبح الجانّ خادمًا لذلك الإنسان، وهو في كفره، يتحجَّر قلبه ويَموت ضميره، وإلا فكيف يسمَح له فكرُه أن يسلّط الشَّيطان على بني جنسه؟! كيف يهنأ وكيف يعيش وهو يَرى ضحاياه وقد دمّر حياتهم؟! لقد تَحالف مع الشَّيطان، فتارةً يسلِّطه على شابّ متقدّم في العلم حتَّى يكره العلم والتَّعلم، فيفسد له حياته كلّها، وتارة يسلّطه على فتاة في مقتبل العمر، يصرعُها في كلِّ يومٍ مرَّة أو مرَّتين، وتارةً أُخرى على زوجٍ يَعيش في طمأنينة ورخاء، فيقْلب له الحياة وتهبّ على بيتِه العواصف، ويُجبِره على الطَّلاق، فيتشرَّد الأبناء!
وهذا ما تعيشُه الكثير من الأُسَر في مجتمعِنا اليوم، لا ذنبَ لها إلاَّ أنَّها تَعيش في أمان واطمِئْنان، فغاظ ذلك أحد الحسَّاد وكرِه أن يراها في وفاق ووئام، فسلَّط عليها ذلك المشعْوذ، فخرب بنيانَها من القواعد، وصدق رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - حيثُ تبرَّأ من طالب السِّحْر ومن السَّاحر، فقال: ((ليس منَّا من تطيَّر أو تطيِّر له، أو تكهَّن أو تكهِّن له، أو سحَر أو سُحِر له)).
نعم، ليس من المسلمين، ليْس ممَّن يشفع فيهم شفيعُ المؤمنين، الَّذين يذهبون للسَّحرة ليفسدوا حياة الآمنين، المسلم بانٍ لا مخرِّب، المسلم ودود لا حسود، أين هؤلاء من قولِ الله - جلَّ وعلا -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، أين الأخوَّة في الله؟! أين المودَّة في القربى؟! أين هؤلاءِ من حديث رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - حيث يقول: ((لا تَحاسَدُوا ولا تَناجَشُوا ولا تَباغَضُوا ولا تَدَابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ على بَيْعِ بَعْضٍ وكُونوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُه ولا يَخْذُلُه ولا يَحْقِرُهُ، التَّقْوى ها هُنَا - وَيُشِيرُ إلى صَدْرِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ - بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِم على المُسْلِم حَرَامٌ: دَمُه ومالُه وعِرْضُه))؛ رواه الإمام مسلم.
فالمشعوذ المتعامل مع الشَّياطين بالسحر كافر بالله، خالد مخلَّد في النَّار؛ قال الله - عزَّ وجلَّ -: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69]، وقد أجْمع المفسِّرون أنَّ الله لا يَنفي الفلاح إلاَّ عمَّن كان كافرًا، فالمشعوذ كافرٌ بالله، والَّذي يتَّصل به ليدمّر حياة النَّاس كافرٌ بالله؛ قال الله - تبارك وتعالى -: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22، 23]، والَّذي يتَّصل به للتَّداوي منْه وهو متيقّن من قدرته وحكمتِه فهو كافر مثله؛ أورد الإمام أحمد في المسند قولَ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمَّد))؛ ذكره الشَّيخ الألباني في السلْسلة الصَّحيحة.
فلا يجتمع الذَّهاب إلى السَّاحر مع الإيمان، المؤمن عطوف، المؤمن ودود، المؤمن رحيم؛ ((مثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوادِّهِم وتَراحُمِهِم وتَعاطُفِهِم مَثَلُ الجَسدِ؛ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَداعى لَهُ سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى)).
المؤمن يحب الخير يعمل الصالحات، ولا يجتمع الذَّهاب إلى السَّاحر مع الصَّلاة ولا مع الصّيام ولا مع الحجّ، الَّذي يصلِّي لا يذهَب إلى السَّاحر أبدًا، الَّذي يفرح بقدوم رمضان ويصوم أيَّامه ويقوم لياليَه لا يذهَب إلى السَّاحر أبدًا، والَّذي طاف بالبيْت العتيق وأشْرقتْ عليْه أنوار الهِداية لا يذْهَب إلى السَّاحر أبدًا، لا بدَّ أن يبقَى السَّاحر وحيدًا، لا بدَّ لتجارته أن تبور، ولا بدَّ له من عودة للإيمان، ولا بدَّ له من توبة قبل فوات الأوان، وليصلح ما أفسد، كل من كتب وكل مَن كتبت، وكلّ مَن ردم تحت البيوت، وكلّ مَن أطعم، إن أراد البعد عن نار جهنَّم فعليْه بالعودة إلى الله، أن يدخل في الإسلام، أن يجدّد إيمانه ودينه وأن يصلح ما دمَّر وخرب، وأن يتوب ويندم.
اللَّهمَّ اهدِ بِهديِك كلَّ ضالّ، اللهُمَّ ردَّه للإيمان والإحْسان، وكرِّه إليْه الكفر والفسوق والعصيان، اللهُمَّ اهدِنا إليك هُدى مبينًا، وارزقْنا طاعتك وحسن عبادتك، وأسعدنا دنيا وأُخرى، واجعلنا من الصَّالحين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الكريمَ لي ولكم.
الخطبة الثَّانية
الحمد لله حمد الشَّاكرين، نحمده سبحانه وتعالى ما سبَّحت بحمده ألسنة الذَّاكرين، ونشهَد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له وليُّ الصَّالحين، ونشهد أنَّ سيِّدَنا محمَّدًا عبده ورسولُه، إمام المتَّقين، صلَّى الله عليْه وعلى آلِه وأصحابِه والتَّابعين، ومَن تبِعَهم بإحسان إلى يوم الدّين.
أمَّا بعد، أيُّها المؤمنون والمؤمنات، عبادَ الله:
الله - جلَّ جلاله - ما أنزل من داء إلاَّ وقد أنزل له دواء، ومَن على من يشاء بالشّفاء، ولَم يجعل شفاء هذه الأمَّة فيما حرَّم عليها؛ فلا نعالج السِّحْر بالسحر.
والمسلم عنده وقاية من كلّ شرّ، ولديْه حافظ من كلّ ضرّ، وهو كلام الله القُرآن العظيم؛ قال الله عن كلامه: {هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44]، وقال في حقِّه أيضًا: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]؛ فقراءة القُرآن حصن حصين، فعلى كلّ مؤمن ومؤمنة أن يُحافظ على قراءة فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وآيتَي خاتمة سورة البقرة، وسورة الإخلاص والمعوّذتين.
وقد علَّمنا رسول الله أذكارًا لو عمِلْنا بالقليل منها لحفِظَنا الله من كلّ شرّ، لو تَمسَّكنا بكلمة "بسم الله" في كلّ عملٍ وفي كلّ حركة وفي كلّ نطق لكفتْنا، ومِن توجيهات الحبيب - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يُعَوِّذ الحسَنَ والحُسَيْنَ، فيقولُ: ((إنَّ أبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذ بِهَا إسْمَاعِيلَ وإسْحَاقَ، فيقول: أعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ وهامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّة))؛ رواه البخاري، وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قالَ: أعُوذ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِه ذَلِكَ))؛ رواه الإمام مسلم، وقال أيضًا: ((مَن قال صباح كلّ يوم ومساءَ كلّ ليلة ثلاثًا ثلاثًا: بسم الله الَّذي لا يضرُّ مع اسمِه شيءٌ في الأرْض ولا في السَّماء وهو السَّميع العليم، لَم يضرَّه شيء))؛ رواه البخاري في "الأدب المفرد".
ومن سنَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يُحافظ المسلم على أذْكار في الصَّباح والمساء، يقرؤُها صباحًا ومساءً، والأوراد متيسّرة، فيخصّص لها المسلم القليل من وقْتِه في الصَّباح والمساء، ويُحافظ عليها وعلى ركعات في بيته، يكون في حفظ الله وتحت رعايتِه وحمايته.
اللهمَّ احفظْنا بحفظك العظيم، واسترْنا بسترك العميم، واجمعْنا على صراطك المستقيم، اللهُمَّ اجعل القرآن العظيم ربيعَ قلوبِنا، وجلاء همومنا وغمومِنا، ونور أبصارنا، وهدايتنا في الدنيا والآخرة، اللَّهُمَّ ألهمنا رشدَنا، وأعِذْنا من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، اللهُمَّ إنَّا نعوذ بك من إبليس وذرّيَّته، ونعوذ بك من شرّ كلّ ذي شرّ، ومن شرّ النَّفَّاثات في العقد، ومن شرّ حاسد إذا حسد، اللهُمَّ ألِّف بين قلوبنا على الخير والهدى، واجمعْ شمْلَنا على البرِّ والتَّقوى.
اللهمَّ اجْعَلْ غِنَانا في أنفُسِنا، واليَقينَ في قلوبِنا، والإخْلاصَ في أعمالِنا، والنُّورَ فِي أبصارِنا، والبَصيرةَ في دِينِنا، وانْصُرْنا على مَنْ ظَلَمَنا، اللَّهُمَّ اكْشِفْ كُرْبَتنا، واسْتُرْ عَوْرَتنا، واغْفِرْ لنا خَطيئَتنا، اللهُمَّ واغفر لآبائنا وأمَّهاتنا، وانشر الوئام بين عائلاتِنا، إخاء ووفاء وصفاء، يا ذا الحَمْد والثَّناءِ، يا ذا العَفْوِ والرِّضا، يَا ذا المَنِّ والعَطاءِ، يَا ذا الفَضْلِ والقَضاءِ، يا ذا العِزِّ والبَقاءِ، يا ذا الجُودِ والسَّخاء، نسألك اللَّهمَّ عزَّة ورفعة للإسْلام والمسلمين، وذُلاًّ وخذْلانًا لكلّ مَن يُحارب هذا الدين، ونسألك اللَّهُمَّ نصرًا مؤزَّرًا لإخواننا في فلسطين.
اللهمَّ أمِّنَّا في دورنا، ووفِّق إلى الخير والصَّلاح ولاة أمورنا، واجعلِ اللَّهُمَّ بلدَنا آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.
يَا صَاحِبَ الهَمِّ إِنَّ الهَمَّ مُنْفَرِجٌ أَبْشِرْ بِخَيْرٍ فَإِنَّ الفَارِجَ اللَّهُ
اليَأْسُ يَقْطَعُ أَحْيَانًا بِصَاحِبِهِ لا تَيْئَسَنَّ فَإِنَّ الكَافِيَ اللَّهُ
اللَّه يُحْدِثُ بَعْدَ العُسْرِ مَيْسَرَةً لا تَجْزَعَنَّ فَإِنَّ الصَّانِعَ اللَّهُ
وَاللَّهِ مَا لَكَ غَيْرُ اللَّهِ مِنْ أَحَدٍ فَحَسْبُكَ اللَّهُ فِي كُلٍّ لَكَ اللَّهُ